دور نشر: الجزائري على دراية بالمـضامين الفكرية والثقافية
أمتار قليلة تفصلك عن المدخل الرئيسي لقصر المعارض بالجزائر العاصمة، وأنت على متن سارة تجد نفسك فجأة في طابور مركبات حاملة لوحات ترقيم تقودك في رحلة عبر جزائر عميقة بمختلف ولاياتها، تقضي ساعات من الزمن وأنت في زحمة سيارات كبيرة، الشيء الذي يبعث في نفسك التفاؤل لتقول أن الكتاب ما يزال بخير في بلادنا، وفجأة تجتاح مخيلتك تساؤلات عديدة هل فعلا كل من يزور المعرض الدولي للكتاب نيته القراءة او المطالعة، أم هناك أهداف تجارية أو بغية تزيين المكتبات في المنازل .وحتى نتوقف على هذه التظاهرة قامت «الشعب» بجولة استطلاعية في «صافكس»، واقتربت من دور نشر، الزائر، والمنظمين، حيث تضاربت الاراء، وتراوحت بين الجزائري يقرأ وأخرى نفت، في حين أن الغائب الأكبر هي مؤسسة مختصة في سبر الآراء أو الإحصاء بهدف تزويدنا بالمعلومات الدقيقة على المقروئية في الجزائر طيلة أيام المعرض، وليس الاعتماد على الاحكام الجاهزة، التي من الممكن ان تختلف من يوم إلى آخر.
الكتاب العلمي مطلوب في»والوني بروكسل»
أول وجهة لـ «الشعب» كانت جناح ضيف شرف هذه الطبعة وهي بلجيكا عبر جناح «والوني بوكسل»، حيث قيل لنا أن هناك إقبالا ملحوظا على الكتب في المنبر، كونها متخصصة، حيث ان اكبر المبيعات منحصرة في الكتاب العلمي وتلك المختصة في علم الاجتماع، الاقتصاد والسياسة، خاصة من طرف اولئك الذين بصدد انجاز مذكرات الدكتوراه، «وهنا لا نريد القول ان باقي الشرائح لا تشري الكتب فعلى العكس هناك عدد ملفت للانتباه للجزائريين في هذا الصرح الثقافي القادم من بلجيكا»، الشيء الذي يكسر القاعدة التي تقول ان الجزائري يقتني الكتاب الفخم شكلا لتزيين المكتبات، وانما حاجته إلى أحسن جليس هي الدافع لزيارة قصر المعارض في هذه الفترة.
والشي الذي أبرز الوجه الايجابي من مثل هذه الفعاليات الكبرى، هو الاحتكاك والتبادل الثقافي بين مواطني البليدين، ويتجلى هذا في تظاهرة يحتضنها «والوني بروكسل»، من خلال اعتماد ثقافة الحكواتي المعروفة والمنتهجة في بلدهم واسقاطها على المجتمع الجزائري، حيث يتم استضافة اكبر الحكواتيين المعروفين قصد امتاع الاطفال خاصة، وتمرير رسائل عديدة عبر هذا الفن الراقي تحت جناح الثقافة الخادمة للمجتمع وعلى رأسه اللبنة الاساسية لبنائه المتعلقة بعالم البراءة.
علاقة حميمية بين القارئ وخير جليس له في «البرزخ»
ومن جهتها وافقت قدواني خديجة مضيفة بجناح «البرزخ» سابقتها الرأي، خاصة وأن هذا الفضاء الفكري والثقافي حمل في جعبته ورفوفه كل ما يعنى ببلدنا الجزائر، سواء تلك التي كتبت باقلام جزائرية او تلك التي كتبها مؤلفون أجانب لكن الموضوع دائما على الجزائر، حيث قالت في هذا الصدد لـ»الشعب» لاحظنا في الطبعة الـ 18 من الصالون الدولي للكتاب إقبالا كبيرا على الكتاب عبر جناحنا، خاصة تلك الكتابات المتعلقة بالعاصمة، الشيء الذي سمح لنا بنفاذ عدد كبير من هذه المؤلفات.
وأضافت «الواقف في الجناح يستنتج دون عناء حب الجزائري للكتاب، حيث يأتينا من لديه زاد معرفي لا بأس به وعلى إطلاع
بما يجري في عالم الكتاب، وكثيرا ما يقصدنا أشخاص بحثا عن مؤلفات الكاتب الفلاني أو عنوان معين، وهذا الشيء يدل على العلاقة الإيجابية للجزائري بالكتاب، دون نسيان الأجانب الذين سجلوا هم الاخرين حضورهم في هذه التظاهرة ضمن جمهور القراء والمقتنين للإنتاج الفكري للجزائر».
التنقيب عن المعلومة جلي بـ» المنظمة العربية للتنمية الادارية»
أما المنظمة العربية للتنمية الادارية القادمة من مصر والتابعة لجامعة الدول العربية، فقد اكد العارض لـ»الشعب» أن الاقبال مثلما تعودوا عليه في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر في دوراته السابقة، «لكن نسبة الشراء أقل نوعا ما من السنة الفارطة».
وبعيدا عن أساليب المجاملة، كما قال ذات العارض،» ومع علو موجة اقتناء الكتاب بهدف تزيين المكتبات، الجزائر على خلاف الدول الاخرى التي تحتضن كبرى المعارض، نحس ان من يشتري كتابا من الجزائريين صراحة هدفه هو الاستفادة من معلومات، فهو يقلب صفحاته مرارا وتكرارا، وبالتالي هو يعرف ماذا يريد وهدفه الاول من الشراء هي القراءة والمطالعة».
واضاف «أغلب المقبلين على جناحنا هم طلبة في الجامعة ماستر او دكتوراه، حيث ان كتبنا متخصصة، فهي بالدرجة الاولى إدارية، إضافة إلى الجهات الرسمية التي تقتني هي الاخرى هذا النوع من الكتب، ولا نستطيع اسقاط حكم جازم على المعرض ولاتزال أيام على اختتامه، وبالتالي النتيجة النهائية نستطيع الحديث عنها بعد إسدال التظاهرة الثقافية الستار على فعالياتها».
الاستهزاء بالكتاب لغة تباهي عند بعض الشباب
ولم نكتف بأراء العارضين فحسب، بل تقربت «الشعب» من الزائر حيث وجدنا صراحة عجيبة عند البعض، منها ما وضعناها في خانة جزائري غيور على ثقافته ويبحث عن سبل لنشر ثقافة القراءة عند الأجيال، كما هو الحال عند أكثرية الزائرين في العقد الخامس او السادس من العمر، حيث قال لنا أحد المتيمين بالكتاب كان وزوجته، مبينا ان قضاءه على الملل والرتابة وكسر الروتين اليومي لا يكون الا بتصفح الكتاب وقراءته سواء باللغة العربية او الفرنسية، متأسفا على بقاء هذا المقتنى الفكري والثقافي في الرفوف تحت المؤثرات الخارجية دون الالتفات اليه مالم يكن حامله هو او زوجته، وهنا تأسف لابتعاد أولاده على القراءة.
وبرأ ذات الزائر الوالدين من تهمة إبعاد أولادهم عن القراءة، حيث قال أن الكل يربي في يومنا هذا، خاصة التكنولوجيا الحديثة التي ساعدت بشكل ملفت للانتباه إلى قيام العولمة الثقافة بدورها على اكمل وجه، وبالتالي محاولة طمس الهوية وجمع الكل تحت عالم غربي.
اما الشباب الذين اقتربت منهم «الشعب» فللأسف يتباهون بلغة الاستهزاء من الكتاب، وكأن هذا الاخير سيساعد في هدمه بدل بنائه، ليكون الرد هنا علينا استغلال العولمة الثقافية والتكنولوجيا في جانبها الإيجابي، فلما لا يكون تقليد الغرب في القراءة حيث لا نجد المواطن عندهم الا وهو يقرأ أينما كان كبيرا او صغيرا، لكن هذا النوع من الشباب يعملون بـ» يأكل في الغلة ويسب الملة».
وفي الاخير توجهنا إلى محافظة المعرض الدولي للكتاب، لكن للأسف وجدنا أنفسنا في رحلة سفر بين الاشخاص، دون وجود أي مؤسسة أو جهة مختصة تقوم كل يوم بجولة لإحصاء القراء والمشترين للكتاب، والخروج بنتيجة وعملية إحصاء دقيقة في النهاية، وليس الاكتفاء بعدد الزوار فحسب وانما التعمق نوعا ما في العملية، وبالتالي تأكيد أو تكذيب حكم ان الجزائري لا يقرأ.