عجّل فيروس كورونا بتدابير خاصة فرضت نفسها لتؤدي المنظومة الصحية وظيفتها على أكمل وجه، تجاوزا لاختلالات سجلت في أكثر من مجال. هي اختلالات ما انفكت السلطات العمومية تثيرها استنادا إلى تقارير أهل اختصاص أنجزت وفق تحريات دقيقة لقطاع ظل أسير مشاكل وتعقيدات حالت دون تحسين خدمة يطالب بها المواطنون بلا توقف. لكن برنامج التحديث والعصرنة لم ينطلق بالكيفية المطلوبة ولم يتجاوب والتطلعات لأكثر من سبب، بات الآن خيارا ملحا في الوضع الصحي الراهن.
أظهر الظرف الصحي الاستثنائي الحاجة الضرورية لإصلاح المنظومة الصحية، مثلما شدّد عليه أكثر من مرة وزير القطاع عبد الرحمان بن بوزيد، تنفيذا لنصوص قانونية يعوّل عليها في تحسين الخدمة والعناية بالمرضى، من بينها مصالح حيوية تعاني اكتظاظا رهيبا ومرضاها أرهقهم طول انتظار مواعيد العلاج والتكفل بأدوائهم.
أكبر خطوة في ورشة الإصلاح، اعتماد مخطط دقيق ينهي مشكل الاكتظاظ بالاستعجالات الطبية الجراحية، بتجهيز عيادات جوارية بوسائل تؤهلها لتأدية بعض المهام، باعتبارها أقرب مرفق للمواطن وبإمكانها القيام بهذه الوظيفة دون إبقائها على الهامش، تكتفي بدور بسيط.
الصحة التي تعيش مرحلة تحول، زاد من وتيرتها تحديات صدّ فيروس كورونا، تستند في حركيتها على منجزات تحققت أثناء الطوارئ بغرض التأسيس لحقبة جديدة تعتمد على مقاربة استباقية ترصد التعقيدات مبكرا وتحدّد آليات المواجهة قبل الأزمة، منها وكالة اليقظة الصحية التي تعدّ أداة مفصلية في مسار التجدد والعصرنة، وكذا الأرضية الرقمية التي تأخر إطلاقها بسبب وباء كوفيد-19 وتعود إلى الواجهة.
إصلاح المنظومة الصحية يكسب قيمة مضافة بإشراك القطاع الخاص وإدخاله طرفا كاملا في المعادلة، من خلال إبرام اتفاقات مع صندوق الضمان الاجتماعي للتكفل ببعض المرضى لتخفيف الضغط عن مؤسسات استشفائية عمومية والدفع بعجلة عصرنة المنشآت وتطوير قدراتها وتحسين خدماتها.
يكون هذا النشاط منطلقا لمسار تقويم وتجدّد يعتبره الجميع أولوية وضرورة قصوى لتسيير المصالح الصحية الاستشفائية وصيانة التجهيزات الطبية وتكوين موارد بشرية وتأهيلها لمواجهة أي متغير بقاعدة بيانات معرفية وخبرة مهنية لا تسقط أمام أي طارئ.
التحديات التي رفعها «الجيش الأبيض» المرابط في الصفوف الأولى لمقاومة الفيروس، زاد قناعة بإصلاح المنظومة الصحية، باعتبارها أحد أسس النظام الأمني والاستقرار السياسي والسيادة الوطنية، خاصة في زمن تفشي أمراض وفيروسات، و»كوفيد-19» المثال الحي.