الصراع على النفـط والغـاز وأهمية منطقـة الشـرق الأوسط

بقلم: د.نبيل سرور أستاذ جـــامعي وباحث بالشؤون الدوليـــــــة

نشرت مجلة «الدفاع اللبنانية في عددها 96 مقالا تحليليا حول الصراع على النفط في الشرق الأوسط. ويجيب من خلاله صاحبة د.نبيل سرور أستاذ جامعي وباحث بالشؤون الدولية عن تساؤلات مطروحة حول سبب التهافت على هذه المنطقة  من قبل القوى العظمى وبقائها تتصدر انشغالات واهتمامات صانعي القرار السياسي وواضعي الاستراتيجية الدولية. لأهمية الموضوع ننشره في «الشعب الدبلوماسي».

تنفرد منطقة الشرق الأوسط بأهميّة قصوى في حسابات الدول الكـبرى، لما لها مـن أهميّة استراتيجيّة في المشهد السياسي الإقليمي، ولما تتمتّع به من غِـنى في مواردها الطبيعيّة وعلى رأسها النفط والغاز.
في هذا السيّاق، لا بدّ من القول أنّ الدخول الروسي المباشر على خط الصراع المسلح في سوريا، وإن استبطن هدفًا إستراتيجيًا، إلا أنّه يصبُّ في المحصّلة في خانة تأكيد الحضور الرّوسي في منطقة الشّرق الأوسط، ورعاية مصالحها الحيويّة في الحصول على إمدادات النفط والغاز، وفي حماية أنابيب النقل في المنطقة وصولا إلى موانىء التصدير. وكل ذلك يؤكد - بالمقابل - حجم الأهميّة التي توليها القوى الدولية للمنطقة كما تُـظهر حجم التعقيد في الواقع السياسي والديني والاجتماعي الذي تشهده المنطقة العربية، ممّا يعرضها لاهتزازات سياسية وأمنية واضطرابات خطيرة، تضرب معظم دولها منذ سنوات، وتستفيد منه الدول الكبرى في رسم سياساتها وتنفيذ مشاريعها، وكذلك في تعزيز مصالحها الحيوية، وفي تأمين خطوط نقل إمداداتها من النفط والغاز على امتداد العالم.
كذلك، فإن المتابعة الدائمة من قبل الدول الكبرى لمجريات الأحداث والتعامل معها بشكل مباشر هو ذو دلالة أكيدة، على الأهميّة الكبرى التي تعوّل عليها دوائر صنع القرار في الدول الكبرى تجاه دول المنطقة الغنية بمواردها الطبيعية، المهمّة بموقعها الإستراتيجي.
وما من شكّ أنّ هذا الموقع المتميّز لدول الشرق الأوسط، الذي يتحكّم بمجموعة من القنوات والبحار والممّرات المائيّة الإستراتيجية المهمّة، يتيح لها أن تلعب دور صلة الوصل في مسارات نقل النفط الخام والغاز والمواد الأولية إلى الدول الصناعية والدول الكبرى على مدى الأبعاد المترامية للكرة الأرضية على مساحة الجغرافية الكونية.
 أهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية
من المسلّم به أن التنافس على موارد الطاقة هي إحدى الغايات الرئيسة للدول الكبرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها، وتأمين احتياجاتها من النفط الخام والغاز، في ظلّ تسارع وتيرة الإنتاج وفي ظلّ اضطرابات مالية تصيب الاقتصاد العالمي باهتزازات متتالية، وفي ظلّ السباق على حجز مواقع متقدمة في السوق الدولية. من هنا تكمن أهمية منطقة الشرق الأوسط في حسابات الدول، بخاصة بعد نهاية مرحلة الحرب الباردة وبروز أقطاب جدد على المسرح الدولي.
وتُعتبر منطقة الشرق الأوسط، التي تسمى أيضًا فـي بعض دوائـر الـقرار بمنطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا، من أهم المناطق التي تتنافس فيها الدول الكبرى في العالم نتيجة لموقعها الإستراتيجي البالغ الأهمية في العالم، ونتيجة للتنافس الدولي والنزاعات والتوترات الداخلية، مما جعلها تعاني اضطرابات وتوترات بين حين وآخر، و تنفجر فيها الحروب والنزاعات المسلحة. ويو٫لي معظم حكومات الدول الكبرى اهتمامًا كبيرًا لهذه المنطقة.
ومع انتهاء الحرب الباردة، تحولت منطقة الشرق الأوسط، بدلًا من أوروبا، مسرحًا زاخرًا بالعلاقات الدولية المتأزمة. وكانت مخططات الصراع الدولي حافلة بتوقّعات الاجتياح السوفياتي لأوروبا الغربية، الأمر الذي كان يستوجب دفاعًا أميركيًا عنها. لكن بعد سقوط جدار برلين وأطروحة هانتنغون «صدام الحضارات» وزوال الاتحاد السوفياتي، برز كلام جديد عن «مواجهة بين الحضارتين الاسلامية والغربية»، وبأن الشرق الأوسط خط التماس بين الحضارتين.
وعلى الرغم من أن كثيرين لم يوافقوا على أطروحة هانتنغتون في «صدام الحضارات» وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون آنذاك، فإن هذا الفكر كان يعكس تطلعات بعض النخب الأمريكية حول هذه المنطقة التي اعتبروها بمنزلة تهديد لهم ومصدرًا للموارد الأولية.
أهمية النفط: الطاقة الأساسية
وعصب الاقتصاد العالمي
ما من شك في أنّ النفط قد شكّل منذ اكتشافه العام 1859، ولا يزال حتى الآن، أحد أهم أسباب الصراع في العالم، وقد شغلت هذه الطاقة مساحة كبيرة من خريطة الصراع العالمي طوال القرن الماضي، ومن المرشح أن يستمر هذا الأمر لفترة طويلة مقبلة في قرننا الحالي.
ولا يزال النفط حتى اليوم يشكّل العصب الرئيس للطاقة، وحتى عندما ارتفعت أسعار النفط عقب حرب أكتوبر 1973، وشعرت الدول الصناعية الكبرى وبخاصة في أوروبا وأمريكا بإمكانية تحكُّم الدول المنتجة بالأسعار أو في ربط ذلك بالمواقف السياسية، حاولت الدوائر العلمية في تلك الدول أن تبحث عن بديل للبترول بأسعار معقولة، مروّجة بأن ذلك ممكن ومُتاح، ولكن مع الوقت اكتشف الجميع أن تلك لم تكن إلا خدعة إعلامية.
وانطلاقًا من هذه الاعتبارات كانت السيطرة على النفط تعني ضمان استمرار عمل الآلة الصناعية والآلة العسكرية معًا، أي الرخاء والقوة، وبات النّفط يمثّل قطاعًا مهمًا للاستثمار الرأسمالي، وهكذا كان النفط ومحورًا لصراع الرأسماليات والشركات والدول ومقاولي النقل، فضلًا عن العسكريين بالطبع]١[.
كما أنّه من نافل القول، إن اكتشاف النفط قد أحدث ثورة هائلة في شكل الآلة وحجمها وقدراتها، وأصبح بمثابة الدم الذي يجرى في شـريان الصناعة والحرب والنقل والتكنولوجيا بل إنّ اكتشافه النفط شكَّل في حدّ ذاته حافزًا علميًا مهمًا لتسهيل المزيد من الاختراعات، ويمكننا أن نقول: إن الطائرة والصاروخ والأقمار الصناعية، وغيرها من الآلات المتقدمة لم تكن لترى النور من دون النفط.
ظلّ النفط أقل كلفةً، وأفضل مصدر معروف للطاقة حتى الآن، وكان من الطبيعي أن تحاول الدول الصناعية الكبرى السيطرة على منابع النفط بصورة أو بأخرى، والتأثير بكل الوسائل على المنتجين، وقد دخل المعادلة منذ ذلك الوقت ما يسمى بالدم مقابل النفط، أي استعداد تلك الدول لنشر جيوشها وخوض الحروب من أجل تحقيق تدفق آمن ورخيص لهذه المّادة الحيويّة.
ومنذ ذلك الوقت كان النفط هو العامل الأهم في مشهد الاقتصاد العالمي، الذي يشهد في هذه الأيام حالة من القلق والهلع لاستمرار انخفاض الأسعار، تزامنًا مع تراجع الطلب عليه، ووفرة المعروض، هذه الأحوال التي تسيطر على دول العالم شهدت هبوطًا في مؤشرات الأسواق العالمية، بعد تراجع أسعار خام برنت منذ مطلع الصيف الماضي، والتي وصلت إلى أقل من 48 دولارًا للبرميل، مما يعني انخفاضًا نسبته 20 % مقارنة بشهر حزيران / يونيو الماضي.
ويبدو أن تراجع أسعار النفط إلى ما دون الأربعين دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ عام ونصف العام، محيّر لخبراء السوق مع الكثير من التكهنات حول أسباب التراجع ومدى استمراريته في المدى المنظور.
ولا بد من القول في هذا السياق المتصل بالبعد الجيوسياسي، أنّ هذه المنطقة هي منطقة متخمة بالأزمات القابل كل منها للاشتعال في أي لحظة، وما يجمع هذه الأزمات، وخصوصًا في الرقعة الممتدة بين شرق المتوسط والخليج، هو ارتباطها بالصراع الأميركي - الإيراني، الذي يختزل تناقضًا بين مشروعين لمستقبل المنطقة وهويتين مختلفتين لها. فأصبح هذا الصراع والتناقض هما المحرّك الأول للتفاعلات السياسية، وهذا ما يجعل شبح الحرب مخيمًا في سماء هذه المنطقة، بعد أن كان الصراع العربي - الإسرائيلي مصدر توترها الوحيد ثم الرئيسي لعدة عقود]٢[(..).
أسباب هبوط أسعار النفط
تناول الخبراء والمحللون أزمة النفط بالبحث والدراسة، وأعادوا الأزمة الحالية في قطاع النفط إلى العديد من الأسباب، التي تتوزع بين سياسية واقتصادية مع ترجيح السياسية منها بشكل كبير، ويمكن أن نجملها بالآتي:
* إنكماش الإستهلاك العالمي: في الوقت الذي يعتقد فيه بعض المحللين بأنّ الأسعار تتجه نحو الإرتفاع بشكل جنوني، بسبب الأزمات والصراعات التي تشهدها مناطق آسيا والبلقان وإفريقيا، لم تأتِ التوقعات بالشكل المفترض أن تكون عليه الأمور. فقد توقع خبراء النفط أن تصل الأسعار إلى سقف الـ120 دولارًا للبرميل، لكن لم يكن بحسبانهم أنّ الأسعار ستهوي إلى ما دون 100 دولار للبرميل الواحد، حيث واصلت أسعار النفط التراجع بصورة غريبة إلى أقل من ذلك لتصل إلى حدود 45 دولارًا للبرميل، وهو أمر غير معتاد في حالات الصراعات والأزمات الدولية مع وجود التوترات السياسية التي تسود المنطقة العربية خصوصًا، ممّا يدعو إلى إعادة تحديد اللاعبين في أسواق النفط والقوى التي تهيمن على السوق، والتي  تستخدم النفط  ورقة للمساومة والإخضاع والضغوط السياسية]٦[.
ومع هذا التراجع المخيف في أسعار الذهب الأسود، ارتفعت صيحات  المطالبين لأوبك بخفض الإنتاج إلى حدود مليوني برميل يوميًا، للحفاظ على تماسك الأسعار، وهنا يرى الخبراء أنّ الأمر محض سياسي يتعلق بحسابات سعودية - إيرانية متضاربة، كما أنه يعود إلى دخول منتجين غير شرعيين مثل «داعش» في سوريا والعراق، والميليشيات في ليبيا، وغيرها من الجماعات.
ويشير الخبراء إلى أنّ منظمة «أوبك» بصفتها الدولية وكونها المنتج لقرابة ثلث النفط العالمي، مطالبة بالتحرك العاجل من أجل حماية السوق من التراجع، والمحافظة على هذه مكانة في هذا السوق، بعد ظهور من يحاول سلب مكانتها في الفترة الأخيرة، من خلال النفط الصخري وعقد صفقات خلف الكواليس بهدف انهيار الأسعار.
النفط الصخري في الولايات المتحدة
كان للطفرة في مجال النفط الصخري دور واضح في ما يشهد العالم من تراجع للطلب العالمي على النفط. ويعزو العديد من الخبراء في مجال الطاقة ما يشهده العالم من تراجع في الأسعار إلى ما تشهده الولايات المتحدة ما يطلق عليه «طفرة النفط الصخري»]7[.
وقد كتبت جريدة «التايمز» البريطانية في 16 تشرين الأول / أكتوبر ٢٠١٥، أن السعودية اتخذت موقفًا محسوبًا بدقّة، بدعمها انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 80 دولارًا للبرميل، لكي تجعل من استخراج النفط الصخري أمرًا غير مجدٍ اقتصاديًا، ممّا يدفع واشنطن في النهاية إلى العودة لاستيراد النفط من المملكة وإخراج الغاز الصخري من السوق.
وهنا يشير خبراء النفط إلى أنّ تدخّل منظمة «أوبك» في وقف انخفاض الأسعار، سيساعد أيضًا المنتجين والمستثمرين في النفط الصخري «المنافس» على زيادة أرباحهم، وكذلك دخول مستثمرين جدد لهذا القطاع، وزيادة الصادرات الأميركية من المشتقات النفطية إلى العالم، وهذا ما لا تريد «أوبك» أن يحصل .
الآثار المترتّبة على انخفاض أسعار النفط
تختلف الأثار المترتّبة على انخفاض أسعار النفط إختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر، ووفق الخبراء، فإنّ الهبوط الحاد لأسعار النفط، يبدو نعمة للبلدان الرئيسة المستهلكة للنفط، في وقت تجدّدت فيه المخاوف بشأن النمو الاقتصادي، لكنه قد يكون نقمة للبلدان المنتجة.
ويتوقف ذلك إلى حدّّ كبير على ما تتبعه من سياسات الصرف الأجنبي، فالهبوط الحاد في قيمة العملة الروسية (الروبل) مثلًا ساعد الكرملين على التخفيف من آثار انخفاض أسعار النفط، وأتاح للسلطات الإستمرار في الإنفاق المحلي المرتفع، إلّا أنّ موسكو في حقيقة الأمر ستضطر إلى أن تقلّص بشدّة وارداتها مرتفعة التكاليف على نحو متزايد]٨[.
والوضع مماثل في الصين، حيث يساعد هبوط سعر النفط على تفعيل الإنتاج الصناعي والتكنولوجي والسلعي وزيادة الصادرات، ويعزز القيمة الشرائية لليوان كعملة دولية صاعدة . والحال شبيه بالنسبة لإيران الخارجة من عقوبات طويلة مع تأثيرات جانبية أكيدة لإنعكاس انخفاض سعر النفط على العائدات المالية التي يمكن أن تجنيها في مرحلة الانفتاح التي تلت إنهاء العقوبات، مع أن تقييم آثار أسعار الصرف الأجنبي أصعب، لأن العملة الرسمية لكلا البلدين لا تتسم بحريّة التداول على نطاق واسع.(..)
 أزمة النفط المفتوحة على السياسة والاقتصاد
ما من شك في أنّ الواقع النفطي الجديد الذي يعرفه العالم، والذي وصل فيه انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون الثلاثين دولارًا في الشهر الأول من العام الحالي 2016، يختزن بعدًا سياسيًا يتجاوز الإطار الاقتصادي في عملية شد الحبال القائمة بين الدول الكبرى، حيث تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى التعامل بإيجابية مع سياسة التخفيض، مستفيدة من مناخات سياسية تتواجه فيها السعودية وإيران في خلاف اقليمي عميق. مما افقد «أوبك» القدرة على اتخاذ قرار موحد بشأن التسعير. إننا إذًا في شبه فوضى عالمية لم يعد للقطب الواحد القدرة على التحكم بقواعد اللعبة في إدارة ملفاتها الساخنة على المسرح الدولي ]٩[.
بالحديث عن مستقبل النفط أشار العديد من الخبراء الإقتصاديين إلى أنّه في الأعوام العشرة المقبلة ستتعرض الدول النفطية لمزيد من المشاكل الإقتصادية إذا لم توسع استثماراتها، معتمدة بهذا التوقع على بيانات الإكتشافات الجديدة الموجودة لدى الغرب بخاصة على صعيد الغاز الصخري، الذي سيؤدي إلى تراجع أسعار الطاقة، وبالأخص الغاز والنفط. وبالتالي التأثير على ميزانيات الدول على المديين القصير و البعيد، ولهذا رجّح خبراء أن تحقّق الدول المصدّرة للغاز المسال ميزة إستراتيجية في تسويق إنتاجها، على رأسها قطر، وسط بوادر عجز قطاع الغاز المسال في الولايات المتحدة عن التكيف تمامًا مع أسعار منخفضة للطاقة.
الانعكاس السلبي للمؤشرات
على اقتصاديات الدول
انعكست التوقعات المتشائمة نتيجة التقلبات المتسارعة للمؤشرات الاقتصادية، وعلى رأسها إنخفاض أسعار النفط وتدهور الوضع السياسي في المنطقة العربية، بصورة واضحة على الأسواق المالية. وهذا ما ظهر من خلال الخسائر الضخمة، التي تعرّضت لها الأسواق المالية في الخليج منذ فترة قصيرة، وفي مقدمتها السوق السعودي، باعتبار أنّ أسواق المال عادةً ما تعكس توقعات المستقبل سواء كانت توقعات متفائلة أو متشائمة. وحيث تخشى الأسواق الخليجية من استمرار انخفاض سعر البرميل، مما يؤثر على الانفاق الحكومي وأداء الإقتصاد والشركات وانخفاض الودائع الحكومية وضعف جودة الأصول وتراجع جودة الائتمان السيادي...
ولعلّ لهذه المعلومات تأثيرًا مهمًا على حركه أسعار النفط، خلال الأعوام المقبلة، ولاشك في أنّ الانخفاض الكبير في سعر النفط سيؤدي إلى مؤشرات عجز متفاوتة، نتيجة الالتزامات الضخمة التي تعهدت بها الدول الخليجية، خلال خططها التنموية للسنوات السابقة.
ومن الواضح أنّ أسعار النفط الحالية مقابل المستقبل، مازالت حسب المنحنى الذي تتجه إليه الأسعار تؤكد قلق السوق بخصوص الأجواء الجيوسياسية واستمرارها، وكذلك قرب نهاية العام والذي عادة ما يقوى فيه الطلب مع فصل الشتاء وارتفاع الطلب على النفط.
أخيرًا يمكن القول، إنه وفي ضوء كل المتغيّرات التي تحيط بسوق النفط العالمية، أصبح من غير الميسّر توقع اتجاه الأسعار، لتأثرها بعوامل من الصعوبة توقعها، ومنها ما يتصل بالصراعات الدولية والمشاكل الداخلية في بعض الدول النفطية مثل ليبيا ونيجيريا والعراق، وعليه ستبقى الأسعار المستقبلية للنفط رهينة قدرة العالم على تلبية نمو الطلب العالمي عليه]١٠[.
مستقبل دول العالم وأزمات النفط
مع بروز قوى جديدة على المسرح الدولي إضافة إلى روسيا كالصين والهند وغيرها من الدول الطامحة إلى بناء كيانات اقتصادية والإسهام في تكتلات إقليمية ودولية، وفي ظلّ حالة الاستقطاب والمحاور التي أفرزتها أحداث العالم العربي بعد ما سمي بثورات «الربيع العربي»، والتطورات السياسية والإقتصادية التي يشهدها معظم بلاد العالم النامي وبخاصة الدول النفطية، تطلعت الدول المنتجة للنفط إلى السيطرة على ثروتها الأساسية.
إلّا أنّ تجارب الماضي لم تكن لتشجع الشعوب على التحكم بثرواتها بمعزل عن إرادة الدول الكبرى. إذ سعت حكومات ودول في الماضي إلى تأميم إنتاج النفط، وكان ذلك جزءًا من التحرر والكرامة واستعادة الثروة المنهوبة؛ لأنّ عملية الإنتاج كانت تصبّ أرباحها الأساسية في جيب الشركات الرأسمالية والدول الصناعية الكبرى على حساب الشعوب الفقيرة التي كانت تعانى تدهورًا في أحوالها الاقتصادية والاجتماعية]١٥[.
وفي كل الأحوال لم تحاول تلك الدول قطع البترول عن الدول الصناعية، بل ظلّ يتدفّق بانتظام في الظروف كلّها بأسعار رخيصة جدًا، ومع ذلك لم يكن الغرب ولا أمريكا راضيين عن مجرد التطلع لدى تلك الشعوب لممارسة شيء من سيادتها على ثرواتها.
معادلات الصراع والحروب
نخلص إلى القول أن النفط والصراع الذي نشأ حوله من أجل الوصول اليه ونقله وتخزينه، يفسر الكثير من معادلات الصراع والحروب والانتشار العسكري والسياسي لضمان سلامة المنابع، بالإضافة إلى المشاكل بين دول المنطقة حول خطوط النقل. وهكذا فالمجال المفضل أمام الولايات المتحدة هو منطقة الخليج . وهذا ما يفسر احتلالها للعراق الذي لا علاقة له بموضوع أسلحة الدمار الشامل، أو موضوع الديمقراطية، والولايات المتحدة أيضًا ذهبت إلى أفغانستان وجورجيا وكازاخستان من أجل بترول بحر قزوين.
ويمكن أن يكتمل فهم معادلات الصراع واستنتاج أسباب هبوط أسعار النفط عالميًا، إذا تمّ إدراك أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك سوى 21 مليار برميل إحتياطي، وإنتاجها حاليًا 7 ملايين برميل يوميًا، وهكذا فإنّها تستورد 10 مليون برميل يوميًا لتغطية حاجاتها الصناعية والتشغيلية. ومن المتوقع أن تصل احتياجاتها إلى 26 مليون برميل يوميًا العام 2020، وهو ما يعني أنها بحاجة إلى 17 مليون برميل يوميًا، حيث لن يصل إنتاجها المحلى إلّا إلى 9 مليون برميل فقط، وهو سقف يصعب تجاوزه. أي أنها تحتاج إلى استيراد 66% من حاجتها اليومية للبترول والغاز، وإذا كان الانتاج العالمي حاليًا الذي يصل إلى 74 مليون برميل يوميًا يفيض عن حاجة المستهلكين، فإنّ من المتوقع أن يصل إلى 92 مليون برميل يوميًا العام 2020، في حين يصل الاستهلاك إلى 111 مليون برميل يوميًا، أي أنّ هناك فجوة ستحدث. ومن لا يستطيع أن يؤمن حاجاته البترولية سيتراجع صناعيًا واقتصاديًا وعسكريًَا وإذا هيمنت الولايات المتحدة على البترول، تحكّمت في الآخرين فضلًا من تأمين حاجاتها.
وعليه يمكن لنا أن نستنتج أنّ الولايات المتحدة وكذلك نهم الدول الصناعية المتزايد إلى مصادر للطاقة، لم ولن يدعها تترك فرصة للسيطرة على البترول ومنابعه وروافده وخطوط نقله. وهذا ما يفسّر على سبيل التأكيد أنّ بترول السودان المتوقع (3 مليار برميل إحتياطي)، جعل الولايات المتحدة تسارع إلى التدخّل في الموضوع السوداني، وتضع يدها على البترول وتحقق نفوذًا هناك، وهذا ما تخطط له في نيجيريا والجزائر وليبيا.
دامية  وموجعة  على  حدود  قطاع  غزة،  ولهذا   قررت قيادة     جيش  الاحتلال   مضاعفة  عدد  أفراد   هذه  الوحدة،  وتطعيمهم   بعناصر   متخصصة    ومؤهلة   من سلاح  الهندسة،   وآخرين   من القادرين   على كشف  الأنفاق  وتحديد  أماكنها وعمقها وطولها وتجهيزاتها، وغير ذلك مما يلزم لمواجهتها في أي حربٍ قادمة.
كما كشفت  هيئة  التصنيع  العسكرية الإسرائيلية عن الانتهاء من تصنيع  روبوت عسكري متطور، قادر على الدخول إلى الأنفاق، والصعود إلى الأبنية، وتصوير الأماكن الدقيقة، والقتال البري في المناطق المعتمة والموحلة، وإصدار إشارات إلى مراكز التحكم، تحدد الأهداف بدقة، وترسم المساراتِ بوضوحٍ، وتستطيع العمل لساعاتٍ طويلةٍ في أقسى الظروف وأصعبها، ويمكن برمجتها مسبقاً وتحديد مهامها والمطلوب منها القيام به، كما يمكن تشغيلها آلياً عن بعد، أو التحكم بها من خلال الصورة والصوت التي تنقلها، وتحديد مهامها وتغييرها وفق المعطيات الجديدة والمعلومات المنقولة.
وستكون هذه المقاتلات الآلية التي ستكون في خدمة وحدة الأنفاق، قادرة على خوض المعارك الخطرة، والنزول إلى الأعماق السحيقة، وتجاوز العقبات الصلبة، وقد تمّ تزويدها بمفجر ذاتي في حال اكتشافها أو محاولة السيطرة عليها، لئلا تقع في أيدي المقاومة الفلسطينية، التي قد تفككها وتستفيد من تقنيتها، كما قد تتمكن من تحليل شيفرتها الخاصة، والوصول إلى المعلومات التي جمعتها، وإلى المراكز التي نقلت إليها المعلومات، وبقيت على اتصالٍ بها، أو قد تقوم باستخدامها في الاتجاه المعاكس، خاصةً أن قوى المقاومة الفلسطينية باتت تمتلك تقنية عالية، وعندها القدرة على الاختراق وإعادة البرمجة والتوجيه.
يبدو أن قيادة أركان جيش العدو قد لجأت إلى هذه الوسيلة القتالية وقررت إدخالها فعلياً إلى الخدمة العسكرية، بعد أن تأكد لها عجزها التام عن مواجهة قدرات المقاومة في مجال الأنفاق، ولكن هذا التوجه يكشف عن عدة حقائق ساعدتها في اتخاذ القرار، أولها أنها باتت تعرف بعض الأنفاق وإن لم تعلن صراحةً عنها، وأنها استطاعت تحديد فوهاتها ومخارجها ومساراتها، ولهذا فسيكون من السهل عليها إدخال هذه الروبوتات الآلية إليها بأعدادٍ كبيرةٍ، التي يمكن تعويضها بسهولةٍ في حال خسارتها أو تدميرها.
والحقيقة الثانية أن الكيان الصهيوني يتعاون مع دولٍ أجنبية، تمتلك تقنية الروبوت «الرجل الآلي»، ولديها القدرة على تصنيع الآلاف منه، وتزويدها بهم وقت الحاجة، في الوقت الذي يقوم فيه سلاح الهندسة الإسرائيلي ببرمجتها وتحديد الأهداف المطلوبة منها.
والحقيقة الثالثة أنه قد بدأ فعلاً في تنفيذ خطة واسعة متعددة المستويات ومعقدة التنظيم لمواجهة خطر الأنفاق، وتشمل هذه الخطة فضلاً عن جمع المعلومات عن الأنفاق، وتحديد أماكنها، والتعرف على طبيعتها وتجهيزاتها، الجاهزية الفورية لتدميرها وإحباط جهود المقاومة، وبناء جدار اسمنتي عميق تحت الأرض وعالي فوق الأرض لمواجهة الأنفاق ومنع اختراقها للحدود، والتعاون مع بعض الدول والحكومات الصديقة والحليفة، التي تملك الخبرة والتجربة في علوم الجيولوجيا وطبقات الأرض، وعندها تجربة في سلاح الروبوت البري، واستيراد معداتٍ وتجهيزاتٍ خاصة، وتطوير آليات وأجهزة من شأنها دراسة طبقات الأرض وتحديد محتوى أعماقها، ورصد أي ترددات أو ذبذبات داخلها، وزرع مجسات حرارية غاية في الدقة والتطور، تكون قادرة على حساب أي متغيرات جوفية، ومعرفة أو تحليل أسبابها.  
ينبغي على قوى المقاومة الفلسطينية أن تدرك أن العدو الإسرائيلي لا يغفل ولا ينام، ولا يهدأ ولا يستكين، بل يعمل ليل نهار، ويفكر في كل الأوقات، ويجهد نفسه وجيشه ومؤسساته وعلمائه، وهو يبحث عن أفضل السبل وأكثرها نجاعةً لمواجهة خطر أنفاق المقاومة الفلسطينية، وأفضل الطرق العلمية في اكتشافها وتحديد مكانها ومعرفة أسرارها وتفكيك مجاهلها، بعد أن أدرك مدى خطورتها عليه، ولمس أثرها وفاعليتها في المعركة، واكتوى بنارها وخسر بسببها، في ظلّ شكوى مستوطنيه المستمرة، في مدن وبلدات الغلاف المحيطة بقطاع غزة، وإحساسهم الدائم أنهم يشعرون بخطرٍ تحت أقدامهم يتهددهم ويكاد يفاجئهم، وأنهم يسمعون من حينٍ إلى آخر أصوات آلات الحفر تعمل تحت بيوتهم وقريباً من مساكنهم، الأمر الذي يعاظم من حالة الخطر والقلق التي يعيشها المستوطنون وتعاني بسببه الحكومة والجيش، العاجزتان عن إيجاد حلٍ آمنٍ وسريع يقيهم خطر الأنفاق وما قد ينتج عنها.  
 بيروت في 16/1/ 2017

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024