مثل التطوّر في وسائل الاتصال والإعلام في النصف الثاني من القرن الماضي قفزات كبيرة، هيّأت المناخ لظهور وسائل اتصال قادرة على أن تعبر عن روح العصر الذي شهد عولمة كل شيء، ومن أبرز هذه الوسائل الاتصالية المتطورة ذات الصلة بالصناعة الإلكترونية، كانت الثورة الإلكترونية التي بدأت باستخدام الراديو بدايات القرن العشرين، وسيلة لنقل الرموز عبر الأثير، ثم جاء استخدام التلفزيون في النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي، ليكون من أهم الإنجازات لهذه الثورة، وبعد ذلك ظهرت الأقمار الصناعية لتسمح بعبور الراديو التلفزيون إلى كل أرجاء العالم، وجاءت القنوات الفضائية كنتاج الامتزاج بين تكنولوجيا الحاسب الآلي والأقمار الصناعية الخاصة بالاتصال، وبعدها جاءت “أنترنيت” واستقرت كوسيلة اتصال حديثة. وسمحت بوصول قنوات التلفزيون والراديو إلى كل الأفراد في أي مكان وزمان.
وساهمت التقنية الجديدة في وصول المعلومة بشكل أسرع عما سبق. فبفضل أنترنيت، أصبح هناك ما يسمى بالإعلام الرقمي، وهو الإعلام المغاير للإعلام التقليدي، إذ يعتمد على وسيلة جديدة من وسائل الإعلام، وهي الدمج بين كل وسائل الاتصال التقليدي، بهدف إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة، ومؤثرة بطريقة أكبر، ويتيح للإعلاميين فرصة كبيرة لتقديم موادهم الإعلامية المختلفة بطريقة الكترونية محض، دون اللجوء إلى الوسائل التقليدية، بطرق تجمع بين النص والصورة والصوت، وترفع الحاجز بين المتلقي والإعلامي.
بعد ظهور الإعلام الرقمي، لم تعد الصحافة كما كانت من قبل، فقد أصبحت صوتا على الهاتف، ومجموعة من النقاط على شاشة الحاسب، أوال قرص المدمج..
نشأة الصحافة الإلكترونية
نشأت الصحافة الإلكترونية في منتصف التسعينيات مرتبطة بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبحسب الباحث الأمريكي “مارك ديويز”، فإن أول صحيفة في الولايات المتحدة دشنت نسخة إلكترونية لها على أنترنيت كانت “شيكاغو تريبيون” عام 1992 مع نسختها “شيكاغو أون لاين”، وتوالى بعد ذلك ظهور المواقع الإخبارية والصحفية على أنترنيت سواء التابعة للصحف والقنوات التليفزيونية، أو المواقع الإخبارية المستقلة التي تعدّ قنوات صحفية إلكترونية مستقلة في حدّ ذاتها، بينما يرى فريق آخر أنه مع عمليات التطوير في مجال استخدامات أنترنيت، بدأت شبكات الإذاعة والتلفزيون المشهورة مثل B.B.C وC.N.N والجزيرة تخصّص مواقع مستقلة لها لتحمل ما يصلها من بيانات وأخبار لكل من يريد أن يتصفحها. أيضا، بدأت الصحف الهامة هي الأخرى تظهر على شاشات شبكة المعلومات من خلال المواقع التي أعدتها لذلك، ولاقت إقبالا كبيرا من جانب رواد أنترنيت الذين وجدوا فيها ضالتهم المنشودة. فضلا عن ذلك، بدأت الصحف الالكترونية الخالصة تظهر إلى حيز الوجود، سواء في الدول الأجنبية أو في البلاد العربية.
ولقد كانت بداية الصحافة الإلكترونية مجرد مواقع تحتوي على مقالات وموضوعات وأفكار وأطروحات ورؤى بسيطة. وتحديداً انطلقت من منتديات الحوار التي تتميز بسهولة تحميل برامجها وبساطة تركيبها، إذ يكفي أن تقوم بتحميل هذه البرامج المجانية في الغالب ورفعها لموقعك في أقل من ساعة ليبدأ بعدها الموقع بأثره في العمل المحدد له وفي اجتذاب عدد كبير من الزوار. ويفضل الصحافة الإلكترونية أصبح المشهد الإعلامي أقرب لأن يكون ملكا للجميع، وأكثر انتشارا وسرعة في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من القراء، وبأقل التكاليف، وبذلك تكون الصحافة الإلكترونية قد فتحت آفاقا عديدة، وأصبحت أسهل وأقرب المتناول المواطن.
مــفـهوم الـصحـافة الإلـكترونـية
تطرق العديد من الباحثين والإعلاميين إلى ظاهرة الصحافة الالكترونية وتقديم تعريفات مختلفة باختلاف مجال الاختصاص، ويمكن أن نقدم بعض التعاريف المهمة على النحو التالي: يرى الدكتور محمود خليل أن الصحافة الالكترونية هي التي تقوم على البث الشبكي إلى الأجهزة التلفزيونية في منازل المشتركين، وقد تكون المادة المبثوتة عبارة عن فهرس للمحتويات مع نبذة قصيرة عن كل موضوع، وعندئذ تسمح إمكانية التبادل والتواصل، فيبادر المتلقي بالضغط على زر معين ليحصل على كل ذلك منقولا إلى الورق، مكونا بذلك جريدته الشخصية المختلفة عن جرائد الآخرين، وقد يكتفي بالقراءة مباشرة من الشاشة ويستغني عن النقل على الورق، فيلغي المادة أو يرسلها إلى أرشيفه الخاص.
ويرى الدكتور حسنى نصر أن الصحيفة الالكترونية هي “الصحيفة اللاورقية التي يتمّ نشرها على شبكة أنترنيت، ويقوم القارئ باستدعائها وتصفحها والبحث داخلها بالإضافة إلى حفظ المادة التي يريدها منها وطبع ما يرغب في طباعته”. تتمثل الفكرة الأساسية في الصحيفة الالكترونية، في توفير المادة الصحفية للقراء على إحدى شبكات الخدمة التجارية الفورية، مستخدمة في ذلك تقنيات حديثة ظهرت كوليدة لتكنولوجيا الاتصال، طارحة العديد من التحديات بالنسبة للوسائل التقليدية”.
«الصحف الالكترونية هي الصحف المكتوبة، والتي يعاد نسخها على الانترنت وتتميز عن النسخة المكتوبة باستعمال كبير للألوان، والصوت والصورة”. نموذج جديد في العمل الصحفي، يستغل كافة مميزات وتقنيات الانترنت، يجعل من الخبر الصحفي موجها نحو الجمهور، وما يهم الجمهور، وتصفية الأخبار، بحيث يحصل القارئ على ما يهمه دون الالتفات إلى الاهتمامات التجارية والإعلانية، وقد أطلق على هذا النموذج اسم الصحافة الموزعة
journalisme Distributed
أو الصحافة التفاعلية
Interactive journalisme.
ولو حاولنا استنتاج تعريف شامل من كل التعاريف التي سبقت، نقول إن الصحافة الالكترونية هي نوع من الاتصال بين البشر يتمّ عبر الفضاء الالكتروني، تستخدم فيه فنون وآليات ومهارات العمل في الصحافة المطبوعة مضافا إليها مهارات وآليات تقنيات المعلومات التي تناسب استخدام الفضاء الالكتروني كوسيط أو وسيلة اتصال بما في ذلك استخدام النص والصوت والصورة والمستويات المختلفة من التفاعل مع المتلقي.
الـصحافة الـورقـية والـــصحافة الالـكترونـيـة
تحدّد إيناس مسعد سرج الفروق بين الصحافة الورقية والصحافة الالكترونية في الجوانب التالية:
من حيث الشكل والتصميم.. الصحف الإلكترونية يتمّ قراءتها بشكل عمودي أو أفقي نظراً لعرضها من خلال شاشة الكمبيوتر صغيرة الحجم، في حين يتم قراءة الصحف الورقية رأسياً على صفحات كبيرة، وهو ما يسهل الاطلاع الفوري على المحتوى الأمر الذي يصبح أكثر صعوبة من خلال الشاشة الأمر الذي تفادته الصحف الإلكترونية من خلال القائمة الجانبية الموجودة بالصحف الرئيسية وهي الأشبه بفهرس للأبواب ومختصرات للأخبار في الصفحة الرئيسية.
قدرة الصحف الإلكترونية على تفعيل عناصر الملتيميديا وتدعيم القصص الخبرية الملفات متعددة الوسائط وهذا الأمر غير متوافر في الصحف الورقية إلا أن فهم طرق توظيف عناصر الملتيميديا ما زال محدوداً في الصحف الالكترونية، كما أن استخدام عناصر الملتيميديا يجعل المواد الإعلامية أشبه بالمواد المذاعة أو التي يتمّ بثها عبر الراديو أو التلفزيون، وهو ما يفقد الجريدة خصوصيتها كما أن ذلك سيخلق تنافساً بين المؤسسات الصحفية ومقدمي الخدمات الصوتية والفيديوية عبر الانترنت مثل محطات الراديو.
وتنقسم الصور المتحركة من حيث استخدامها في الصحافة على أنترنيت إلى نوعين هما:
الصور المتحركة الديناميكية: وتتغير من عدد لآخر وفقاً لنوعية الموضوعات المنشورة في موقع الصحفية وبصفة عامة تستخدمها الصحافة الإلكترونية لتحقيق عرض عناوين الأخبار والموضوعات في الصفحات الداخلية، وعرض مجموعة من الصور المتتابعة حول حدث معين مثل استخدامها في عرض صور المرشحين للرئاسة، أو عرض صور لاعبى كرة القدم الذين أحرزوا أهداف المباراة.
عرض مجموعة من العناوين المهمة في صفحة البدء غير المرئية والتي يصل إليها القارئ عن طريق تحريك الصفحة إلى أسفل، إضافة إلى جذب الانتباه عن طريق استغلال حركة الصور والعناوين.
الصور الثابتة، وتتميز بثباتها في كل عدد من أعداد الصحيفة على أنترنيت وتميز شخصية الجريدة، وتستخدم الصحف هذا النوع في تحقيق بعض الأدوار، منها تثبيت شخصية الصحيفة على الشبكة عن طريق تمييز موقعها برسم معين يميزها عن غيرها من الصحف والمواقع الموجودة على الشبكة، كما تجذب انتباه القارئ للصحيفة، وتساعده على التذكر، وتخلق في المتلقي خلق انطباعا معينا.
عـن المحـتوى..
للصحف الإلكترونية قدرة هائلة على نشر كميات كبيرة من المحتوى غير محدّدة في ذلك بقيود المساحة أو وقت النشر، كما أن الخدمة الأرشيفية التي تتيحها من الخدمات المضاعفة لها من حيث كم المحتوى عن الصحف الورقية .
سـرعة الـوصـول..
تمتاز الصحف الإلكترونية عن الورقية في أن إمكانية الوصول السهل لها يكون في أي مكان وفي أي وقت، أما الصحف الورقية فلها أماكن بيع محددة وأوقات محددة لشرائها فهي قابلة للنفاذ إلا أن الصحف الإلكترونية كي يتمّ قراءتها لابد من توافر جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت، وهذا ما يجعل في أمر الوصول لهذه الصحف بعض الصعوبات في حالة انقطاع الشبكة أو بطء تحميلها أو إصابة جهاز الكمبيوتر بفيروس يستلزم إعادة تثبيت برامج التشغيل”..
الــفـوريـة على الانترنـت..
يمكن للصحف الإلكترونية أن تقدم تغطية مباشرة وشاملة للأحداث بشكل أني خلال 24 ساعة، وهو الأمر الذي يصعب بالنسبة للصحف الورقية حيث يتطلّب الأمر استصدار طبعة جديدة أو الانتظار لليوم التالي، وقد لاحظت الجمعية العالمية للجرائد لدول أوروبا الخمسة عشر أنه بالرغم من أن المجلات هي أكثر عدداً من الصحف اليومية، إلا أنه على أنترنيت، فإن الصحف استطاعت أن تنسجم بسهولة مع ذلك الحامل الجديد وربما يرجع ذلك لأن سرعة شبكة أنترنيت قريبة من الثقافة الصحفية التي تعتمد كلياً على سرعة نقل الحدث.
ولكن، هنا يبرز تساؤلاً نتيجة لتوافر خاصية الاليكترونية على شبكة أنترنيت في الصحف الإلكترونية، ألا وهي الاليكترونية مقابل الدقة.. أي منهما لها الغلبة وهو ما يتفق مع الفكرة النظرية التي تمّ عرضها سابقاً حول السرعة مقابل الجودة، فالسعي المستمر لتحديث الموقع وفقاً لآخر التطورات قد يجعل هناك حرصا أقل على تقصى الحقائق والتحليل العميق لها. وقد أوضحت and others Patricia أن المنافسة الشديدة بين الصحف الإلكترونية لتقديم المعلومات لحظة بلحظة لم تجعل هناك وقتا للتأكد من دقة المعلومات.
الوصـلات الافـتراضيـة..
وهي أحد الأجزاء الأساسية المميزة للشبكة العنكبوتية حتى إن اسم الشبكة نفسه يوحى بالتداخلية Interconnectivity بين العديد من المواقع، وتتيح الوصلات الافتراضية للمستخدم الخدمات الإخبارية، الانتقال بين محتوى متنوع ومختلف، والانتقال من قراءة مختصرات الأخبار إلى قراءة تفاصيلها، بل تمكن هذه الوصلات المستخدم من التعرف على الخلفيات التاريخية للأحداث، إلا أن هذه الوصلات ترتبط بها بعض السلبيات وهي قد تتيح للقارئ قدرا لا متناهٍ من المعلومات، وقد تجعله ينتقل من القراءة في موضوع إلى موضوع آخر تماماً وهو ما قد يقلل قدرته على تركيز المعلومات واستيعابها بشكل جيد، كما أن انغماس القارئ في كمّ غير متناهٍ من المعلومات قد يصيبه بالملل مما يدفعه إلى التوقف عن قراءة الصحيفة تماماً .
الـتفاعـلـيــة..
تقسم الصحف الإلكترونية بقدرتها على توفير قدر كبير من التفاعل بينها وبين مستخدميها وهو الأمر الأكثر صعوبة في حالة الصحف الورقية، حيث تتيح الصحف الإلكترونية هذا التفاعل سواء بالتعليق على الموضوعات أو التراسل مع مقدمي الخدمات الإخبارية بالموقع، وهو الأمر الذي قد يصاحبه بعض الصعوبات والمخاوف بالنسبة للصحفيين حيث يقع عليهم عبء الرد على كثير من الرسائل، كما أنه قد يرسل لهم بعض الرسائل المهينة أو التي بها تهديد أو بها معلومات خيالية تشغل الصحفيين دون فائدة.
هناك آليات تفاعلية متاحة المستخدمي الصحف الإلكترونية، مثل البريد الإلكتروني الخاص بالصحيفة، - جماعات النقاش، تزويد المستخدم بالبريد الخاص لمحرري الموضوعات المختلفة. الاستطلاعات الاليكترونية على شبكة الانترنت للرأي العام.. تبادل رسائل إلكترونية مع الأشخاص الذين يرتبطون بموضع الحدث. الانتقال المواقع أخرى تنشر معلومات تفصيلية عن الموضوع المنشور في الصحيفة، وغيرها..