الحلقة5
دبلوماسية العلاقات العامة يجب أن تركز على كسب الحوار الذي يتضمن على الأقل تعطيل مجالات التطرف في العولمة على حساب البعد الاجتماعي والإنساني، كما وصفها الدكتور “المنجي بوسنينة” -المدير العام للمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم- يجب احتواء العولمة التي تعتمد على القوة وسيلة والسوق هدفا والربح السريع غاية والأحادية الثقافية منهجا(44).
٩ . يجب التواصل والتكيف مع إيجابيات وحضارة الغير، والابتعاد عن النظرة الأحادية الضيقة لتفوق حضارة على حضارة من منطلق ذاتي وأحيانا عنصري، كما هو في أذهان وسلوكات المتطرفين في الغرب. الغرب قدم حضارة صناعية ساهمت فيها أفكار وحضارات وثقافات وعلم الآخرين وأنتجت نموذج للعالم يتميز بالجدية والعمل والتعددية في الفكر والممارسة السياسية.
١٠ . النقد الذاتي وتوظيف التاريخ من أجل الحداثة والمستقبل وليس من أجل التغني بأمجاد الماضي. توظيف التاريخ واستعمال الماضي، يجب أن يكون مرجعية لترشيد الحاضر والمستقبل، وليس بفكر يؤسس لرفض الحداثة والتطور والعصرنة.
١١ . العمل على تكييف توجيه الدبلوماسية العامة نحو تحويل حوار الحضارات من مجرد فكرة نخبة من العلماء والفلاسفة إلى سياسة ثقافة عالمية كما عبر عنها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي (1999) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة(43). على الدول الإسلامية عن طريق هياكل ومصالحها الدبلوماسية وقنوات وآليات الدبلوماسية العامة، أو عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي وهياكلها وآلياتها، أن تقدّم مبادرات أكثر ضمن ونحو هذا الاتجاه. المبادرة يجب أن تأتي من الدول الإسلامية عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي، أو الهياكل والمصالح الدبلوماسية. أو عن طريق قنوات وآليات الدبلوماسية العامة.
١٢ . دبلوماسية العلاقات العامة يجب أن تركز على كسب الحوار الذي يتضمن على الأقل تعطيل مجالات التطرف في العولمة على حساب البعد الاجتماعي والإنساني، كما وصفها الدكتور “المنجي بوسنينة” -المدير العام للمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم- يجب احتواء العولمة التي تعتمد على القوة وسيلة والسوق هدفا والربح السريع غاية والأحادية الثقافية منهجا(44).
١٣ . تحديد وضبط المشاكل الناجمة عن علاقات العالم الإسلامية مع الغرب (التطرف والإرهاب من الجانبين، الهجرة، التفريق بين المقاومة والإرهاب، العنصرية الجديدة...) وترتيبها في محاور حوار موجه من خلال آليات الدبلوماسية العامة.
١٤ . تحديد الأهداف والمصالح والأولويات للدول الإسلامية، وترجمتها على الأقل للغات الأساسية (الإنجليزية، الفرنسية، العربية والإسبانية) وتوزيع تنفيذها وفق برنامج عمل محدد بدقة، جزء تنفذه منظمة المؤتمر الإسلامي من خلال قنواتها وآلياتها، وجزء وهو الأهم، تنفذه الدول الإسلامية فرادى من خلال قنواتها وآلياتها وعلاقاتها الثنائية والدولية.
الآليات، مهما كانت قوة المضمون وحجة الطرح للرسائل والمحتويات والمواضيع والبرامج المسطرة، فإنها تبقى سجينة الخطاب النظري والتفكير الرغبوي، إذا لم توفر لها وسائل لتجسيدها ميدانياً. وكم هي كثيرة وسهلة وسريعة الحصول عليها، بتكلفة أقل مما كانت عليه سابقاً. حيث تطلب توجيه رسائل الدبلوماسية العامة، عن طريق التنقل الشخصي، والطبع والتوزيع والنشر المادي، واستعمال وسائل تقليدية ثقيلة، وبث إذاعي معقد، واتصال بريدي صعب، ومحدود، مثل التلكس أو الفاكس. نحن الآن في عصر الانترنت، وعصر تكنولوجيات الاتصال المتطورة، لدرجة أن ندوات علمية مثل هذه يمكن أن تتم دون الحضور الشخصي للمشاركين، وأكثر من ذلك يشارك فيها الجميع عن طريق المباشر (online)، لا يمكن تناول كل الآليات الممكنة بسبب الظرف والمناسبة والوقت المحدود، وبالتالي هنا ذكر البعض منها:
١ . التفكير العلمي، يجب أن يعتمد في الدبلوماسية العامة تقديم أهمية العلم، وتقديم تطور نماذج التطور العلمي في الدول الإسلامية، وكيفية الاستغلال المشترك للمنجزات والمكاسب العلمية للدول الإسلامية. إن التفكير العلمي هو المحتوى والمنهج والآلية لتحديد الأهداف والاستراتيجيات، وقد أصبح هو في حد ذاته قوة إنتاج (المعلوماتية، تكنولوجيات الاتصال...) وليس فقط تنوير وتكوين وتعليم. كما عبر عنها فؤاد زكريا:
في الوقت الذي أفلح فيه العالم المتقدم – بغض النظر عن أنظمته الاجتماعية- في تكوين تراث علمي راسخ امتد في العصر الحديث طوال أربعة قرون ، وأصبح يمثل في حياة هذه المجتمعات اتجاها ثابتا يستحيل العدول عنه أو الرجوع فيه ، في هذا الوقت يخوض المفكرون في عالمنا العربي[و العالم الإسلامي] معركة ضارية في سبيل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي(45).
٢ . إعادة تنظيم المصالح والمؤسسات الحكومية التي لها علاقة بالدبلوماسية العامة، ابتداءاً من وزارة الخارجية وهياكلها الداخلية والخارجية، إلى وزارات السياحة والإعلام، وغيرها من مؤسسات الدولة التي لها قنوات وآليات دعم لرسائل السياسة الخارجية للدولة، لتنسجم وتتكيف مع وسائل التأثير والاتصال الحديثة لقيادة الرأي العام، وإحداث آليات تقييم ورقابة لمتابعة تنفيذ الخطط والرسائل المبرمجة في الدبلوماسية العامة، وتقديم اقتراحات وتوصيات لتطوير ذلك.
٣ . على الدول والحكومات الإسلامية إعطاء مرونة أكثر للسلك الدبلوماسي في التعامل مع جمهور الدولة المضيفة، لأن التوقيت والموضوع يتطلبان أحياناً السرعة في المبادرة.
٤. دعم آليات المنظمات غير الحكومية التي أصبحت تلعب الدور الأساسي في الدبلوماسية العامة نيابة عن الدول والحكومات خاصة المنظمات غير الحكومية الإنسانية. على الدول الإسلامية تشجيع ودعم مثل هذه المنظمات كإطار غير رسمي للتعامل مع البعد الإنساني والشعبي خاصة بالدول التي بها سلوكات وممارسات سلبية تجاه الإسلام، أو لها خلافات مع بعض الدول الإسلامية.
٥ . عدم ترك فقط المسجد للاتصال والتنوير بل يجب أن تتوسع لنشاطات ثقافية ومحاضرات في أماكن متعددة خارج المساجد، في إطار منتديات أو تجمعات ثقافية تجمع المسلمين وغير المسلمين، تؤطرها الحكومات وممثلياتها في الخارج.
٦ . دعم وتفعيل أكثر لتكامل جمعيات الأخوة وروابط وجمعيات الصداقة بين الشعوب الإسلامية والعمل على إنشاء إطار تنسيقي لها في التعامل مع العالم الآخر على غرار رابطة جمعيات وروابط الصداقة العربية- الصينية. من تجربتي كرئيس لجمعية الصداقة الجزائر- الصين. لهذه الجمعيات دور فاعل في الاتصال وتحقيق الأهداف للحكومات والدول وخلق بيئة تفاهم أكثر حول مختلف القضايا التي تهم البلدين والقضايا الإقليمية إضافة إلى تشجيع التبادل السياحي والثقافي ودعم العلاقات الاقتصادية والتجارية.
٧ . إعلام حديث ومكثف، الإعلام لم يصبح وسيلة اتصال وإعلام وخبر، بل أصبح استراتيجية دول أو دولة ترقى في التأثير لأهم عوامل ومحددات (الاقتصاد والقوة العسكرية) السياسة الخارجية للدولة. قيمياً يجب أن يكون هناك إعلام بناء وصادق يدفع تجاه استقطاب الطرف المستهدف، وليس فقط النقد والهجوم وإسقاط اللوم على الآخر. ليس كل ما هو من الغرب هو سيء. وليس كل سلوك المسلمين هو جيد. هناك من غير المسلمين من لهم مقاربات ومواقف موضوعية وفعالة في الدفاع عن قضايا الحق في العالم الإسلامي، أكثر حتى من بعض المحسوبين على الإسلام والمسلمين.
أ . التلفزيون، الذي أصبح أهم وأسرع وسيلة إعلامية في التأثير لدرجة أنها لم تبقى فقط فقط وسيلة إخبارية وإعلامية، بل مؤسسة تؤثر سياسياً في مواقف واتجاه الحكومات والدول، وخاصة في التعامل مع التطورات المتسارعة لقضايا إقليمية وعالمية. الجزيرة و BBC، CNN، France24، وغيرها من القنوات نماذجاً لذلك. ليس صعباً حالياً توفير قنوات تلفزيونية وتوجيه بثها لمختلف مناطق العالم، ولهذا يجب تكثيفها وتعميمها بمختلف اللغات الجهوية للمناطق المستهدفة في الرسائل الدبلوماسية العامة.
ب . الأنترنت، يجب تكثيف فتح مواقع أنترنت للدول الإسلامية في مواجهة مواقع التطرف، التي تزداد خطورتها وتأثيراتها، وإساءتها للإسلام والمسلمين.
ج . البث الإذاعي، بنفس المحتوى والمنهج واستراتيجية البث السمعي المرئي أو البصري، يجب أن تكثف القنوات الإذاعية والتي تأثيرها لا يقل أهمية عن التلفزيون. يزداد الاستماع إليها أكثر عندما يكون الجمهور غير قادر على مشاهدة التلفزيون، أو موجود خارج البيت أو بالسيارة أين الكثير يستغرقون جزءً كبيرا من وقتهم بالتنقل في السيارة والسماع للإذاعة.
٨ . تفعيل الدبلوماسية البرلمانية في إطار دبلوماسية شعبية ميدانياً، بحكم أن التعاون البرلماني والعلاقات البرلمانية تعكس تأصيل وممارسة ديمقراطية وتتميز بمقاربات شعبية وهي أقرب للانسجام مع مطالب الجماهير في الحرية، العدالة وحقوق الإنسان. خلافاً لممثلي السلطة التنفيذية أو الحكومية المقيدين بهامش الحركة، وبضوابط دبلوماسية وبروتوكولية، النواب بحكم استقلاليتهم لهم أكثر إمكانية الاتصال والتعارف التلقائي مع الجماهير والمنظمات غير الحكومية(46).
استقلالية الاتصال تجعل من البرلمان أكثر فعالية في الحوار المباشر، في مواضيع خطيرة يعيشها العالم، مثل الإرهاب والعنصرية وكراهية الأجانب، والتمييز العنصري، التي تقدم أو تظهر في شكل خلافات دينية أو صراعات إقليمية أو مشاكل إنسانية(47). يجب ترشيد وتفعيل بناء وهادف وعملي للدبلوماسية البرلمانية لتبليغ الرسائل وتحقيق الأهداف في اللقاءات البرلمانية الثنائية والإقليمية والدولية. يجب على الوفود البرلمانية تثمين مهماتهم بالخارج في إطار المصلحة العامة للدولة بعيداً عن التركيز عن الأشياء البروتوكولية أو السياحية وأحياناً الاهتمام بالمصالح الخاصة على حساب المهمة.
٩ . الدبلوماسية الحزبية، يعمل الحزب أو الأحزاب في السلطة أو المعارضة ضمن ووفق دستور وهياكل الدولة، وطبقا للمحافظة على السلطة أو الوصول إليها من خلال كسب الرأي العام أو الوعاء الانتخابي من خلال برامج وطنية ودولية. يفترض أن كل حزب له هيكل للعلاقات الخارجية وأهداف وبرامج دولية ضمن ووفق دستور الدولة. التمثيليات الدبلوماسية للدولة تمثل الدولة بغض النظر عن توجهات الحكومة وانتمائها الحزبي، الخلاف والتباين في البرامج والسياسات عادة يكون وطنيا وعلى المستوى المحلي ولا يرقى لمستوى النشاط الخارجي خاصة في المسائل الاستراتيجية التي تهم الدولة ككل. لهذا يجب توسيع أكثر النشاط الدبلوماسي للأحزاب كخلفية لدعم سياسة الدولة الخارجية والدبلوماسية العامة للدول على المستوى الفردي أو الثنائي أو الجماعي لدول العالم الإسلامي وخارجه. وفي هذا الإطار يجب التكثيف من تنظيم لقاءات دورية في العالم الإسلامي، في إطار منتديات أو مؤتمرات.
( يتبع )