اهتم مصطفى الأشرف في كتابه الرائع «الجزائر؛ الأمة والمجتمع»، على البحث عن سمات الشخصية الجزائرية من خلال جملة من الخصائص التكوينية، حيث قام بالبحث عن منابت الشعور الوطني من خلال تفكيك الحضور الاستعماري وتفتيت بُناه، وذلك بعرض التناقضات المختلفة للخطاب الاستعماري ودعواه الأساسية التي حاول أن يُروِّجَ لها بأن الشعب الجزائري متخلّف ولا يستطيع حكم نفسه كما في المراسلات التي تمّت بين كارل ماركس وصديقه فريدريك انجلز، ولقد نقل لنا الكاتب «عبد العزيز بوباكير» في كتابه المهم «مورسكي في الجزائر» تلك المراسلات التي تدين كارل ماركس في وقوفه مع الاستعمار من خلال مقولته الشهيرة التي نقلها ادوارد سعيد في كتابه الثقافة الامبرالية من أنّهم عاجزون عن تمثيل أنفسهم، لأن الأساس الذي اتكأ عليه الاستعمار كان يستند كل مرة إلى هذا الدعم المعرفي من قبل جملة من المفكرين المتواطئين مع المشروع الكولونيالي، ويبدأ المفكر في البحث عن الممكنات الفلسفية والنظرية لتفسير وجود ما نسميه بالكيان الجزائري، حيث حاول أن يفهم المفارقة بين الأمة والشعب من خلال وجهة نظر يراها مهمة وضرورية وهي رؤية «لوسيان فيبر» يقول «الحقيقة أننا تأملنا في قول من يقول بأن مفهومي اللغة والقومية كانا منفصلين في العهد الملكي السابق، يتبين لنا أن المقصود بكلمة أمة / أو القوم كانا مختلفين في 1750 عما آل إليه في 1793، ففي سنة 1750 لم تبرز فكرة القوم أو الأمة، لأن هذه الكلمة لم تكتب على أبواب الكنائس والبلديات بجانب كلمتي الملك والقانون، إلا في 1791 على أن فكرة الأمة أو القوم كانت بدون شكّ تخامر أذهان الكثير من الناس». انطلاقا من هذه المقولة يطرح مصطفى الأشرف سؤالا توجيهيا أو إرشاديا سيقوده على طول المطارحة في هذا الكتاب ليلتقط سمات الأمة التي يرى أن عناصرها كانت متاحة قبل 1830.
يقول: «إن الجزائريين رغم كل هذا كانوا يشعرون شعور واضحا، وبحكم الفطرة أنهم يؤلفون كيانا قوميا، وأنه لا بد من اليقظة الدائمة من أجل الدفاع عن وطنهم، «ويَردُّ هذا الشعور إلى مجموعة من العوامل التي جمعت بينهم:
الشعور بالوطن الواحد.
الاشتراك التراجيدي العميق.
الأرض ذات الحدود الواحدة.
من هنا؛ لا يمكن بأي شكل من الأشكال إلغاء هذه الأمة تحت أي نظرية أو تسويغ، فـ»مصطفى الأشرف» يبدو مدافعا شرسا عن خيار وجود هذه الأمة في الأزمنة الغابرة، ولا يكتفي بالرد على الاستعمار فقط، بل حتى على دعوة الجبر التي كانت ترى في الاستعمار قدرا محتوما، تلك النظرية الارتكاسية التي تنظر إلى أننا كأمة مسكونة بهاجس القابلية للاستعمار، يبدو أن هذا الكلام الذي ننقله عن مصطفى الأشرف فيه رد قوي على حركة الإصلاح، وبعض أفكار مالك بن نبي، حيث يعتقد أن هؤلاء الجزائريين لا يختلفون عن تسويغ الإستعمار بشكل ما، أو عن شرعنته تاريخيا ونفسيا.
يقول: «وربما كانوا معذورين في تحاملهم باعتبار بعض الجزائريين أنفسهم أدى بهم الأمر من حيث لا يشعرون إلى تعزيز النظريات الاستعمارية من الوجهة القانونية حينما قالوا بأن الاستعمار أمر حتمي قد تفرضه الخطة السياسية، والحكمة الإلهية، وأن هناك تفاوتا بين الشعوب في درجة الحضارة، وأنه توجد عوامل تحدّد القابلية للاستعمار، وهذه القابلية هي نوع من أنواع الاستعداد، وإذا وجد لدى شعب من الشعوب في فترة ما من تاريخه، فإنه يصبح بصورة حتمية خاضعا لسلطة الأجنبي».
وهنا يأخذ مصطفى الأشرف على عاتقه تفنيد هذه الطروحات بالبحث في عناصر القومية والوطنية التي يعترف أنها تحوّلت وانتقلت وعرفت تطورا ملحوظا. وقبل أن نبدأ التحليل علينا أن نحدّد طريقة مصطفى الأشرف في بناء موضوع القومية أو الشعور الوطني الذي يتصوّره في الشكل التالي:
- العلاقة بين الاستعمار والإقطاعية.
الوطنية صناعة ريفية (1830 ـ 1870)
الوطنية واستمرار النضال في الحواطر.
الحرية وانهزام مشروع الانبطاح، بروز الشخصية الجزائرية.
ولمصطفى الأشرف طريق متميز في هذا، أنه يضع الاستعمار في مواجهة عقيدته من خلال تحقيقه العميق في مذكرات الجينرالات والضباط الفرنسيين الذين تواجدوا في الجزائر، من ذلك فإنه لا يبحث عن الوطن والوطنية في نضالات الجزائريين من خلال ما يكتبه الجزائريون أنفسهم، بل في عمق ما كتبه الفرنسيون عن طبيعة الحرب في الجزائر، وتلك الاعترافات التي أنهكت المشروع الاستعماري ذاته وغذَّت الوطنية الجزائرية.
1 / - العلاقة بين الاستعمار والإقطاعية:يرى مصطفى الأشرف أن تاريخ الجزائر مثخن بالنضال والجهاد الذي لم يخفت، ولم يول الطرق الديبلوماسية إلا مكانة ضئيلة في هذا الكفاح إيمانا منهم بأن المقاومة عليها أن تكون بالسلاح، لذلك ظهر فاعلون على مسرح هذا التاريخ النضالي الطويل قاموا بإرشاد الشعب إلى ضرورة التمسّك بهذا الخيار منهم الأمير عبد القادر، المقراني، بومرزاق وغيرهم الكثير.
ويرى المفكر أن ثورة الجزائريين في تاريخنا الوطني لم تكن بدافع العصبية الدينية بقدر ما كانت تحاول استرجاع السيادة والاستقلال على البلاد، لأنه يتصوّر أن التعصّب الديني يوحي بأن الجزائريين لم يكونوا على وعي سياسي بمسألة الاستعمار، بل يذهب إلى أكثر من ذلك أن العصبية الدينية كانت هامشية جدا أمام ذلك الوعي والانفتاح السياسي، والوعي الوطني الذي كان مستشريا في جموع الجزائريين، يقول:
«وعلى هذا، فالعامل الديني ـ أو التعصّب كما قيل لم يكن له دور أساسي في الحروب التي خاضتها الجزائر من أجل الاستقلال أو في الكفاح الذي قاده الأمير خلافا لم يدعيه بعض المؤرخين السطحيين». هذا الوعي السياسي الذي تحلى به الجزائري قابلته روح تبشيرية وصليبية حاقدة، حيث ينقل لنا مصطفى الأشرف كلاما من مذكرات الرحالة الفرنسي بوجولا Poujoulat وهو «رحالة فرنسي وثيق الصلة بالمارشال بيجو Bugead وبأسقف الجزائر دوبوش
Dupuch
كتب - في 1844 أي في الفترة العصيبة من عهد الاحتلال - مذكرات عن رحلته يُنوِّهُ فيها برسالة فرنسا التبشيرية في الجزائر، وقد أورد وصفا لما دار بينه وبين بيجو من حديث قال: «قال لي المارشال بيجو يوم قابلته منذ سنتين في منزله بمدينة الجزائر ماذا جئنا نعمل في إفريقيا؟ فأجبته لكي نواصل العمل الذي بدأه غودفرواGodefroy ولويس السابع وسان لويس، وبعد أن تحدّث بوجولا طويلا عن رسالة فرنسا التبشيرية مع المارشال بيجو الذي كان يصغي بكل اهتمام، أنهى كلامه قائلا: إن الحرب التي نقوم بها في إفريقيا إنما هي حلقة من حلقات الحروب الصليبية».
وبذكاء شديد قام مصطفى الأشرف على معاينة الخلفية الاقتصادية للآهالي، والتي شكّلت مانعا من اندثار الوعي، حيث كانت هذه الاستقلالية الاقتصادية سبيلا في استقلال الإنسان الجزائري. وأن الاستعمار ما كان ليجد له قدم في أرض الجزائر لولا تلك الإقطاعية المحلية التي باعت ضميرها للشيطان، يقول:
«عن أن الشيء الذي يميز العقلية الإقطاعية هو حرص هؤلاء المُلاّك الكبار على اعتبار قضيتهم وقضية الغزاة المستعمرين واحدة، ويشهد التاريخ أن المستعمرين تعهدوا لهم بضمان أوضاعهم ومصالحهم المادية وزيادة ثراوتهم».
هؤلاء الذين وقفوا مواقف مخزية من الثورات الشعبية المختلفة، بل قاموا بمديد العون للاستعمار، لتتكوّن في البلد مجموعة من الجماعات الوظيفية المتصارعة؛ الأهالي، المستعمر، الاندماجيون، المعمرون، حيث نادى المُعمِّرين بضرورة الاستقلال النسبي عن فرنسا، يقول:
«وبالفعل، فقد كان خوض المعارك السياسية بالنسبة للمعمرين أسهل وأقل مشقة، وكانوا يطالبون بجملة من الأمور منها إنشاء مجلس للنواب في الأقاليم المستعمرة الجزائرية يتعامل على قدم المساواة مع مجلس النواب في فرنسا، وبطبيعة الحال كانوا في خطتهم الانفصالية هذه لا يقيمون أي وزن للإنسان العربي». هذه الدعوة الجريئة كانت تعمل على نحت شعب جديد، وتاريخ جديد يخصّ المعمرين، يقول:
«كانوا يتصوّرون أن آفاقا واسعة سوف تنفتح أمامهم بسكان الجزائر، بعرق لاتيني جديد، لا يفتأ يتزايد باستمرار ولن يلبث هذا الجنس اللاتيني ـ فيما يظنون ـ حتى ينخر الأهالي الذين كادت تقضي عليهم المجاعات إن هذا العرق الجديد المتمتع بالسيادة، بالرغم من أنه أقلية إلا أنه سيقرّر مصيره بنفسه».
ومن أجل تطويع هؤلاء، عمل المعمرون على تأسيس مكاتب شؤون الأهالي العرب، حيث أرادوا تدجين الأهالي واغتصاب أراضيهم، فوجد هؤلاء المعمرون مقاومة رهيبة من الأصلانيين الذين رفضوا جميع أشكال الاستعمار، ولم يقتصر الوعي الوطني على الحواضر فقط، بل تجلى في الأرياف والبوادي، ويُقسِّمُ مصطفى الأشرف تاريخ الجزائر الحديث إلى ثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى 1830 إلى 1871 ومن أبرز وقائعها المقاومة التي نظمها الأمير عبد القادر وتأسيس الدولة الجزائرية.
المرحلة الثانية تبدأ في أعقاب ثورة 1871 الكبرى التي قامت لأسباب سياسية وزراعية، وتنتهي هذه المرحلة سنة 1920.
أما المرحلة الثالثة: وهي المرحلة المعاصرة مع المبادرة التي قام بها «الأمير خالد» عندما أسمع صوت الجزائر سنة 1921 ثم دخلت طورها الإيجابي بإنشاء نجم شمال إفريقيا في 1923.
وفي عمق هذه المراحل سنجد أن الاستعمار استخدم كافة الوسائل المادية والثقافية لجعل الجزائر مقاطعة فرنسية، ولكن الوعي الوطني العميق كان يخيب آمال هذا الطموح، هذه الحرب الضروس لاحتلال الجزائر جعلت الكولونيل دومونتي Dumontet يقول: «لست متفائلا بمستقبل هذه المستعمرة التي أردنا أن ننشئها على مثل هذه الأسس، هذه المستعمرة التي لا بد من إعادة احتلالها كل ثلاث سنوات».
ولعلّ أبشع تلك الأمور إحلال أجناس مختلفة من بقاع العالم، وجعلها سيدة على الأهالي، هذا ما يسميه عبد الوهاب المسيري بالاستعمار الحلولي، الذي يشتغل وفق نظام الإبادة وتفكيك الإنسان يقول «والعنصر الحاسم ـ في تصوّرنا - في ظهور النزعة الإبادية هو الرؤية الغربية الحديثة للكون، وهي رؤية يمكن وصفها بإيجاز شديد بأنها رؤية مادية واحدية (حلولية كمونية) تعود جذورها إلى عصر النهضة في الغرب وقد اتسع نطاقها وازادادت هيمنتها إلى أن أصبحت هي النموذج التفسيري الحاكم، مع منتصف القرن التاسع عشر، عصر الإمبرايالية والداروينية والعنصرية» وهو إحلال تركيبة بشرية جديدة في مكان تركيبة بشرية أخرى بعد إفنائها وإبادتها.
وبرغم من محاولة التجنيس التي قادتها السلطات الاستعمارية، ومحاولات الإدماج تلك إلا أن سؤال الأرض ظلّ حاضرا بقوة في ذهن الجزائري الذي لم يشعر أبدا أنه فرنسي، ولعلّ هذه السادية التي كشفها الاستعمار ضد الجزائريين، تكشف عن تلك العقدة العميقة للاستعمار ذاته الذي صار يتلذّذ في تعذيب المواطنين وحرمانهم من الوجود. واستعمل جميع الوسائل القذرة لتحقيق مآربه، لكنها كانت تزيد هذا الشعب صلابة وقوة، هذا الاستعمار حين نريد أن نوجز عمله، نقول إنه كون داخله عقيدة القتل والإبادة. ولعلّ كلمة الجنرال دي ويمبفن de wimpffen
الذي أصبح واليا عاما في الجزائر كافية لفهم تلك النفسية القلقة للاستعمار حين يقول: «أمام مثل هذا العدو قد لا يكفي جيش يتألف من مائة ألف جندي، ومهما أتلفنا المحاصيل الزراعية وقطعنا الأشجار وأحرقنا الدواوير وفتكنا بالعرب فلا تكاد طوابيرنا تغادر المكان حتى نضطر لإرسال الجيش من جديد». وهنا أخذ الكفاح الوطني أشكالا متعدّدة إلى أن تراكمت في شكل ثورات شعبية مهّدت كلها للثورة الكبرى.
لم يكتف هذا الوعي في محاربة الاستعمار، بل بمناهضة بني جلدته ممن كانوا ينادون بالاندماج كابن جلول والذي كان رئيسا لاتحادية النواب المسلمين لولاية قسنطينة سنة 1936 و1938 ورفيق السيد فرحات عباس في الكفاح لمدة قصيرة، هذا الرجل اشتهر في بداية الأمر بمواقفه الجريئة، رغم أنه كان من أنصار الاندماج إلا أنه ما لبث . قبيل الحرب العالمية الثانية وبالأخص ابتداء من 1945 - ما لبث - أن فقد ثقة أبناء بلاده الذين صاروا ينظرون إليه بكل احتقار بعدما خان الهدف الأسمى، وصار يعمل لصالح الإدارة الاستعمارية. ورغم ذلك قتلت كل تلك الدعاوى، واستطاع بعده فرحات عباس أن يتجاوز تلك الأزمة عندما قبل أن يكون واحدا من المناضلين والمدافعين عن هذا الوطن، حين يقول:
«لا بد من الاعتراف للسيد فرحات بالفضل عندما وضع حدا لهذه الشبهات التي استهدفته رغم إرادته، وقد اتخذ قراره في مرحلتين متكاملتين:
أولا: أراد أن يقطع في فرنسا ما تتذرّع به من حجج بتواجده في الجزائر، وقيامه بدور سلبي عقيم في الوقت الذي اندلعت فيه الحرب الشاملة في الجزائر.
ثانيا: أراد السيد فرحات أن ينظّم علانية إلى صفّ الإجماع القومي، وأن يتعاون ضمن جبهة التحرير الوطني مع العناصر التي ظهر أن أهدافها قريبة من أهدافه».
بعد أن شَرَّح مصطفى الأشرف ظاهرة الوعي في الأرياف التي يرى أنها كانت سابقة على الوعي في المدن، نتيجة الثورات الكثيرة التي خاضها سكان الريف، بدأت ظاهرة الوعي الوطني في المدن «حيث يقول بوجولا» في كتابه رحلة إلى الجزائر: «إن عيون العرب وجباههم تعبر عن أمور خفية وكيف لا وهم ينظرون إلينا في صمت وحزن، ونحن نستقر في بلادهم ونحتفل بانتصاراتنا عليهم.. إنها حياة تعبر عن الاحتقار والألم والسخرية وكأني بهم ينوحون على سقوط الجزائر وعلى بلادهم المتعرضة للغزو الأجنبي». ولقد عمل الجزائريون على نقل هذه السخرية والانزعاج من خلال تلك التمثيليات الشعبية التي تعرّض في الأسواق، «فالتمثيليات التي تدعى القرقوز أو مسرح الظلال، تعد من الفنون التي عبر بها الشعب عن موقفه من الاحتلال». وقد كتب ماكسيم رودانسون بهذا الصدد يقول: «ظهر هذا الفن الشعبي في 1835، وكان يهدف إلى انتقاد النظام الاستعماري».
ويتصوّر مصطفى الأشرف أن «حمدان خوجة» هو الأب الروحي لما يسميه الحركة القومية الحضرية، ليتطرّّق إلى نماذج من تلك المقاومة في كل من البليدة والمدية وبعض المواقف اتجاه الخونة، وذكر لنا في هذا المقام قصة طريفة عن ما سماه بالباي المستورد من تونس يقول:
«إن عام 1871 يعتبر في حد ذاته عاما خطيرا، لأنه سجّل تاريخنا القومي الحديث آخر انتفاضة وطنية في الأرياف، ثم جرت من ورائها المدن وأثرت على الطبقة المثقفة فيها، ومن ذلك التاريخ 1871 ركنت الأرياف للهدوء، وتولى سكان المدن أمر النضال ولكن بالوسائل السلمية وعن طريق المطالبة بالحقوق».
من خلال ما تمّ بيانه نجد أن المفكر «مصطفى الأشرف» وضع مبضعه النقدي على الجروح الحقيقية لاديولوجيا المستعمر الذي عمل على تفكيك النظام الاجتماعي الذي بدأ يكون بورجوازية بسيطة تخضع للثقافة الشعبية الوطنية، تلك البورجوازية التي لم تتنامى في شكلها الطبيعي، ليعمل الشعب على تنظيم نفسه بنفسه من خلال تأسيس وعي عميق بمخططات الاستعمار الجهنية، الذي اهتم بتفكيك نظام القرابة بين القبائل والعشائر في القرى والأرياف، وعمل على تفتيت البورجوازية الصغيرة في المدن حتى لا يمكن لهذا الشعب أن يقوم ضده، ومع ذلك استطاع الجزائري أن يعيد تنظيم نفسه من خلال دفع الشعور الوطني من جديد ليلم كل الجروح التي زرعها الاستعمار عبر تصفية عميقة لقضايا الاندماج والتهجين التي قولبها الاستعمار في أشكال قانونية. هذا الوعي الوطني الذي ظهر في الأرياف في أشكاله الجمالية من خلال تلك التمثيليات البسيطة التي تضع الاستعمار أمام نرجسيته وإحراجته القصوى، لقد ساهمت الأسواق والصحف والإرادة العامة لبعض الفرديات الوطنية على إشاعة الشعور الوطني والعمل على تنظيمه لتنطلق لحظة التحرير الوطني الكبير وهذ ما يقرّه في كتابه المهم «أعلام ومعالم حين يقول» يجب أن نأخذ بعين الاعتبار هنا جميع تفريعات العينات الاجتماعية (العمال، المالكين الصغار
والتجار، المثقفين ألخ) التي تشكّلت أثناء قرن أو يزيد، أو في ظرف بضع عشرات السنين، ضمن الهيكل الاجتماعي لتلك الجزائر المتولّدة من جديد، من تزاوج النزوح الداخلي القديم مع من تبقة من البرجوازية المدنية العريقة، المتراجعة أو المسلوبة، حيث تخمر جمعها بحيوية جعلته ينفجر في وجه الاستعمار».
هوامش
- مصطفي الأشرف، الجزائر الأمة والمجتمع، ترجمة حنفي بن عيسى، دار القصبة للنشر، الجزائر 2007. ص: 7.
- المرجع نفسه. ص: 8
- المرجع السابق. ص: 13.
- المرجع السابق. ص: 48.
- المرجع نفسه. ص: 51.
- المرجع السابق. ص: 57/58.
- المرجع نفسه. ص: 69.
- المرجع نفسه. ص: 70.
- المرجع السابق. ص: 79.
- المرجع نفسه. ص: 84.
- عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية والتفكيك الإنسان، دار الفكر الطبعة الأولى دمشق 2003. 197.
- المرجع السابق. ص: 115.
- المرجع نفس. ص: 145.
- المجرع السابق. ص: 197.
- المرجع نفسه. ص: 204.
- المرجع نفسه. ص: 205.
- المرجع نفسه. ص: 205
- المرجع نفسه. ص: 237.
- مصطفى الأشرف، أعلام ومعالم؛ مآثر عن جزائر منسية، ترجمة أحمد بن محمد بكلي، دار القصبة للنشر الجزائر 2007. ص 438.