عندما يصبح المستخدم سلعة
تمتلك شركات التّكنولوجيا العملاقة قواعد ضخمة من البيانات عن مستخدميها، كما تمتلك القدرة على تتبّع حركة هذه البيانات وتخزينها ونقلها، وهو ما يتيح لها فرصة استغلال تلك البيانات وتوظيفها في تحقيق أرباح طائلة من خلال معرفة تفضيلات المستخدمين، واستخدامها في عمليات التّسويق المختلفة وبيعها للمؤسّسات الإعلانية الضّخمة. وبذلك تتصدّر تلك الشّركات المشهد الاقتصاد العالمي من خلال ما حقّقته من أرباح طائلة، وزيادة قيمتها السّوقية إلى مستويات أصبحت تتعدّى معه ميزانيات بعض الدول. إلاّ أنّ قدرات تحكم تلك المؤسّسات الضّخمة في طبيعة المعلومات التي يتم جمعها أصبحت تثير الرّيبة لدى كثير من مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي حول: هل تتضمّن مثلا السّماح بتسجيل محادثات الأفراد الشّخصية من خلال هواتفهم؟ هل تقوم باستخدام نصوص المحادثات الشّخصية مع المستخدمين الآخرين؟ هل تتعقّب كيفية استخدامنا لجهاز الكمبيوتر أو الهاتف للقيام بمهام أخرى؟
ما لا يدركه كثير من المستخدمين، أنّ شروط الاستخدام التي يوافقون عليها دون قراءتها، تتضمّن العديد من البنود التي تتيح للقائمين على هذه المواقع توظيف معلومات المستخدمين لصالح المعلنين، لكن الأمر لا يتوقّف عند هذا الحد، فبيانات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي رأسمال مدرّ للأرباح في شتى المجالات ليس فقط الاقتصادية منها.
نهدف من خلال هذه المساهمة إلى شرح كيفية استفادة الشّركات التكنولوجية الكبرى من بيانات مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي، ومجالات توظيفها، وكيف تتجسّد المقولة الشّائعة: «إذا لم تدفع ثمن الخدمة فأنت السلعة» من خلال هذه الممارسات، مع عرض أمثلة واقعية حولها. من هذا المنطلق نطرح التساؤلات التالية:
- كيف تحقّق وسائط التواصل الاجتماعي أرباحها بالرّغم من مجانية استخدامها؟
- ما طبيعة المعلومات التي يمكن للشّركات التكنولوجية الكبرى جمعها من بيانات مستخدمي خدماتها؟
- ما هي مجالات توظيف بيانات المستخدمين؟ وكيف يتم الاستفادة منها؟
- ما هي حدود الأمان والخصوصية أثناء استخدام هذه الوسائط؟
1- الاستخدام الواسع لمواقع التّواصل الاجتماعي:
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي استخدامًا واسعا في جميع أنحاء دول العالم وفق إحصائيات شهر جانفي 2021؛ وذلك استنادًا إلى البيانات المعلنة عن مؤسسة الأبحاث التسويقية «We are social» التابعة لـ«Hootsuite»..واعتلت منصة «فيسبوك» صدارة مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة عالميًا بواقع 2 مليار و740 مليون زائر خلال تلك الفترة. واحتل «يوتيوب» المرتبة الثانية عالميًا بإجمالي نحو 2 مليار و291 مليون زائر، تبعتها «واتس اب» في المركز الثالث بواقع 2 مليار مستخدم. وجاءت منصة «ماسنجر» في المرتبة الرابعة بمعدل 1.3 مليار زائر عالميًا، تلتها «إنستغرام» في المركز الخامس بواقع مليار و221 مليون مستخدم.
وفى المقابل، تراجعت منصة «وي شات» للمرتبة السادسة بقائمة مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة عالميًا بواقع مليار و213 مليون زائر، تلتها «تيك توك» في المركز السابع بنحو 689 مليون مستخدم.
وحلّت منصّة «QQ الصينية» في المرتبة الثامنة مسجّلة 617 مليون مستخدم، تبعتها «DOUYIN» في المركز التاسع بواقع 600 مليون زائر.
وجاءت منصّة «سينا ويبو SINA WEIBO» في المرتبة العاشرة بقائمة مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا في جميع أنحاء دول العالم بإجمالي 511 مليون زائر، خلال شهر جانفي.
2- كيف تحقّق وسائط التواصل الاجتماعي أرباحها؟
كل مواقع التواصل الاجتماعي مجانية، ماذا لو أصبحت المواقع بمقابل مادي؟ هل سنستمر في استخدامها بهذا التفاعل الذي نراه هذا اليوم؟ والأهم من ذلك ما عائد هذه المواقع الاجتماعية من استخدامنا واشتراكنا؟ فيما يلي أبرز الخدمات ومجالات تحقيق مواقع التواصل الاجتماعي أرباحها:
أ- الإعلانات:
بلغت أرباح الفيسبوك لعام 2011 في مجال الإعلانات 23 مليار دولار، وهذه الأرباح تشكّل 85 من إجمالي دخل الفيسبوك في ذلك الوقت. لا يقوم فيسبوك بعرض إعلاناته على موقعه فقط، بل تمتد شبكته الإعلانية إلى التطبيقات المختلفة المملوكة لديه مثل إنستغرام، وإلى مواقع وتطبيقات أخرى على الانترنت غير تابعة لهم، ولكن يقوم أصحابها بتأجير مساحتهم الإعلانية إلى فيسبوك كي يقوم مستخدمو الموقع الأزرق برؤية إعلاناتهم فيها خارج نطاق خدماتهم، وتعرف تلك الشبكة الممتدّة باسم Audience Network ، سوف يقوم فيسبوك باستعمال تلك المعلومات الجديدة عنك ليطاردك بإعلانات عن منتجات ستصير مهمة لديك قريباً جداً حتى لو لم تكن مهمة لديك حالياً. إنّهم لا يعلمون الغيب أو يتنبّأون بالمستقبل، هم فقط يقومون باستخدام علوم البيانات بشكل متطور جداً.
وتتّخذ الإعلانات على موقع «فيسبوك» صوراً عدّة نستعرضها فيما يأتي:
- إعلانات الدفع بالنقرة: وهي طريقة الإعلان الأكثر شيوعاً، وهي فكرة مشابهة لفكرة الإعلانات الخاصة بشركة غوغل «Google Adwords»، وهنا يمثّل موقع «فيسبوك» منصّة تجمع المعلنين والناشرين، وتقتطع لنفسها نسبة معيّنة من كل نقرة على الإعلان.
- إعلانات الرّعاية: وتلجأ إليها الشّركات الكبيرة غالباً، وعلى سبيل المثال عندما ترغب شركة سيارات في الإعلان عن طراز معيّن من سياراتها، يقوم «فيسبوك» بناءً على المعلومات المتوفّرة لديه، بعرض الإعلان على الأشخاص الذين يبحثون عن المواصفات التي تتمتّع بها تلك السيارة تحديداً، كأن تكون سيارة اقتصادية وعائلية، وذات سعر معقول، وتظهر كلمة Sponsor (رعاية) دائماً إلى جانب اسم الصفحة المعلن عنها، وتختلف تكلفة هذا النوع من الإعلانات حسب حجم الجمهور المستهدف والمدة الزمنية للإعلان والدول المستهدفة فيه.
- متجر الهدايا الافتراضي: وهو من المصادر التي تجني مبالغ ضخمة لموقع «فيسبوك»، ومن خلاله يقوم المستخدم بإرسال هدية افتراضية أو حقيقية إلى صديقه أو زوجته، أو شريكه في العمل، وبمختلف المناسبات، وتدفع قيمة الهدية نقداً، كما تجدر الإشارة إلى أنّ تبادل الهدايا الحقيقية متوفّر في الولايات المتحدة فقط.
- الأموال الافتراضية أو نقود «فيسبوك»: وهي موجّهة إلى المدمنين على الألعاب الإلكترونية بشكل أساسي، الذين يفضّلون الوصول إلى مراحل متقدّمة جداً، فهناك تطبيقات تقدم للمستخدم إمكانية الوصول إلى هذه المراحل أو جمع عدد كبير من النقاط، أو فتح مراحل جديدة، على أن يقوم المستخدم بالمقابل، بدفع رصيد محدّد من خلال ما يعرف بعملة «فيسبوك»، وهي عملة ذات قيمة حقيقية تختلف بحسب التطبيق أو اللعبة أو الدولة، ويجني «فيسبوك»، مبالغ ضخمة من خلال هذه الطريقة؛ فهناك كثير من الأشخاص يدفعون لقاء الوصول إلى مراحل متقدمة في لعبة معيّنة، من دافع الفضول أو التميّز بين الأصدقاء.
ب- التّطبيقات:
تعتمد شبكات التواصل الاجتماعي بشكل عام، و»فيسبوك» بشكل خاص، على الشّركات التجارية بمختلف تخصّصاتها التي تستخدم تطبيقاتها كهمزة وصل مع عموم المستخدمين، فضلاً عن مبدعيها كأشخاص يحاولون من خلال الإعلانات المموّلة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين. فهناك عدد من المستثمرين العالميّين في هذه التطبيقات، وفي مقدّمتهم شركة «مايكروسوفت» الأمريكية، التي قاربت قيمة استثمارها في «فيسبوك» المليار دولار أمريكي.
للإشارة، بلغ عدد مستخدمي التطبيقات التي تملكها شركة «فيسبوك»، بحسب آخر بيان رسمي للشّركة لسنة 2017، إلى أكثر من مليار مستخدم نشط شهرياً لتطبيق «فيسبوك»، وأكثر من 250 مليون مستخدم نشط يومياً لقصص «إنستغرام»، وأكثر من 250 مليون مستخدم نشط يومياً لميزة الحالة في «واتساب». وعلّق الرّئيس التّنفيذي للشّركة، مارك زوكربيرغ، على ذلك بقوله: «إنّ الربع الثاني والنصف الأول من هذا العام كان ممتازاً»، مشيراً إلى وجود أكثر من ملياري مستخدم لـ «فيسبوك» شهرياً، بينهم أكثر من 1.3 مليار مستخدم نشط يومياً.
ج- تطوير خدماتها بناء على اقتراحات وبيانات المستخدمين:
إنّ التكلفة التي يدفعها المستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي هي البيانات التي تجعله يتفاعل ويتواصل، في المقابل تتناول شركات التقنية كافة هذه البيانات لمعالجتها وتحليلها، والربط بين المعلومة ومعلومة أخرى عن طريق آليات متخصصة في التحليل ورصد التفاعل بشكل آن، ولذا تصر المواقع الاجتماعية على الإنصاف في الاستماع لرأي المستخدمين والاستجابة لمتطلّباتهم عن طريق الاستماع المجاني لاقتراحاتهم، وبالمقابل تكسب من ذلك الأموال والعائد من وراء هذا الاستثمار وتضيف لنموذج تطوير موقعها الكثير ممّا يضيفه المستخدمون عبر تواصلهم المستمر، ولذا ليس من الظاهر لدى الكثيرين أنّ المواقع الاجتماعية تجني العديد من الأموال إمّا عبر الاستثمارات التي تضخّها في سوق الأسهم المالية أو عبر توفير فرص الترويج والانتشار بالإعلانات التي تعتبر واحدة من أهم العوائد والأرباح التي تجنيها هذه المواقع، ولذا نجد أنه بين الفترة والأخرى تتطوّر المواقع الاجتماعية حسب المنافسة بين الشبكات الأخرى بإضافة مميزات تسرّع عملية التواصل الإنساني باستخدام هذه المواقع الاجتماعية، مثل خدمة البث المباشر وكذلك التواصل عبر الصوت أو ترجمة المحتوى من لغة لأخرى دون الحاجة لاستخدام قاموس إلكتروني، ويضاف لذلك استخدام جمل أو تعبيرات أو صور توضيحية خاصة ترافق المحتوى لتعطي نوعا من الانتشار والتأثير لدى القراء على الإنترنت.
3- طبيعة المعلومات التي يمكن للشّركات التكنولوجية الكبرى جمعها من بيانات مستخدمي خدماتها:
طرحت «آبل» مؤخّرًا ملصقات الخصوصية في متجر التطبيقات الخاص بها لتطبيقات iOS ، حيث تجبر هذه الميزة الجديدة المطوّرين على الكشف عن جميع البيانات التي تجمعها من المستخدمين، وتشرح أيضًا كيفية استخدام البيانات، ومع تحديث iOS 14 لأجهزة أيفون، ضمنت «آبل» أنّ مطوّري التطبيقات لا يمكنهم الاختباء وراء سياسات الخصوصية المطولة وغير المفهومة، والتعامل مع بيانات المستخدمين الشخصية مع تقديم تطبيق مجاني في المقابل.
والآن، نظرًا لأنّ جميع التطبيقات تتطلّب نوع البيانات التي يتم جمعها من أجهزة المستخدمين، فقد عرض موقع TOI الهندي، مقارنة حول كمية البيانات التي تم جمعها بواسطة WhatsApp و Telegram و iMessage وFacebook Messenger كما يلى :
1- تطبيق الدردشة iMessage: البيانات التي يجمعها: عنوان البريد الإلكتروني ورقم الهاتف وسجل البحث ومعرف الجهاز.
2- تطبيق الدردشة تليغرام: البيانات التي يجمعها: الاسم، رقم الهاتف، جهات الاتصال، هوية المستخدم.
3- تطبيق التراسل واتس آب: البيانات التي يجمعها: معرف الجهاز، معرف المستخدم، بيانات الإعلان، سجل الشراء، الموقع التقريبي، رقم الهاتف، عنوان البريد الإلكتروني، جهات الاتصال، تفاعل المنتج، بيانات الأعطال، بيانات الأداء، بيانات التشخيص الأخرى، معلومات الدفع، دعم العملاء، تفاعل المنتج، مستخدم آخر، المحتوى.
4- تطبيق فيس بوك ماسنجر: البيانات التي يجمعها: إعلانات الطرف الثالث، سجل الشراء، المعلومات المالية، الموقع الدقيق، الموقع التقريبي، العنوان الفعلي، عنوان البريد الإلكتروني، الاسم، رقم الهاتف، معلومات الاتصال الأخرى للمستخدم، جهات الاتصال، الصور أو مقاطع الفيديو، محتوى اللعب، محتوى مستخدم آخر، بحث السجل، سجل التصفح، معرف المستخدم، معرف الجهاز، تفاعل المنتج ، بيانات الإعلان، بيانات الاستخدام الأخرى، بيانات الأعطال، بيانات الأداء، بيانات التشخيص الأخرى، أنواع البيانات الأخرى، المطور، الإعلان أو التسويق، الصحة، اللياقة، معلومات الدفع، المعلومات الحساسة أو تخصيص المنتج أو معلومات الائتمان أو المعلومات المالية الأخرى أو رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية.
هوامش
1- أحمد عوض، ترتيب مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا حول العالم خلال يناير 2021، موقع المال نيوز، تاريخ النشر 29-01-2021، تاريخ الزيارة: 04-11-2021، الموقع الإلكتروني: https://almalnews.com/
2- محمد إسماعيل المؤيد، من أين تجني فيسبوك أرباحها؟ موقع القدس، تاريخ النشر: 02-05-2013، تاريخ الزيارة: 04-11-2021، الموقع الإلكتروني: https://www.alquds.co.uk
3- أحمد كريم، أنت «مجرّد سلعة» في فيسبوك..وهذا ثمنك، موقع سكاي نيوز عربية، تاريخ النشر: 14-10-2020، تاريخ الزيارة: 04-11-2021، الموقع الإلكتروني: https://www.skynewsarabia.com/technology/
4- كيف يحقّق «فيس بوك» أرباحه؟، تاريخ النشر: 23-10-2021، تاريخ الزيارة: 04-11-2021، الموقع الإلكتروني:
https://www.arrajol.com/content/
5- سيف الوليد، لهذه الأسباب تقدم لك مواقع التواصل الاجتماعي خدماتها مجاناً، موقع الخليج أون لاين، تاريخ النشر: 27-07-2017، تاريخ الزيارة: 04-11-2021، الموقع الإلكتروني:
https://alkhaleejonline.net/
6- عمار محمد، ما فائدة مجانية مواقع التواصل الاجتماعي؟، جريدة الشرق، تاريخ النشر:
08-12-2015، تاريخ الزيارة: 04-11-2021، الموقع الإلكتروني:
https://al-sharq.com/opinion/08/12/2015/
7- مؤنس حواس، تعرف على البيانات التى تجمعها عنك مواقع التواصل الاجتماعي، تاريخ النشر: الخميس، 07 يناير 2021، تاريخ الزيارة: 05-11-2021، الموقع الإلكتروني:
https://al-sharq.com/opinion/08/12/2015/
(يتبع)