الغريب أن نسبة المشاركة في المغرب في الانتخابات الأخيرة كانت 50.35%، وهي نسبة أعلى من المشاركة عام 2016 ( 43%)، وتعود نسبة الزيادة في رأيي الى سبب تقني وهو الجمع بين الانتخابات التشريعية والمحلية معا في عام 2021، وهو جمع لا أظنه بريئا، وهو التغيير الثاني الذي قبل به حزب العدالة الاخواني.
هـ- إعلان التطبيع مع إسرائيل وتبادل الاعتراف الدبلوماسي معها، وتم ذلك تحت رايات حزب الاخوان المسلمين الحاكم، وهو ما نجح الملك فيه في كشف الحزب الإسلامي بأنه حزب تعلو لديه كرسي السلطة على كرسي «الالتزام بالثوابت التي طالما كررها وربى جمهوره عليها».
لقد عَبَرَ الملك بالإخوان المسلمين مرحلة الاضطراب (الربيع العربي) لأنهم شكلوا فيها ثقلا لا مجال لغض الطرف عنه، وكان هذا العبور قائما على أساس «إشباع جوعهم وعطشهم للسلطة» الى حين، ثم يضعهم في بيئة لا تمكنهم من انجاز شيء هام، فينفض الشعب من حولهم ..وقد كان. فقد اعطاهم السلطة لحظة بدء ايناع « الربيع» ثم خلعهم منها لحظة ذبوله.
3- مدى انجازهم في المؤشرات العامة الكبرى:
أ-مؤشر الاستقرار السياسي: طيلة فترة حكم الإسلاميين في المغرب كان معدل الاستقرار السياسي سلبيا، ولو قسمنا فترة حكمهم الى مرحلتين من 2011 الى 2016 نجد ان معدل الاستقرار السياسي تحسن من 0.47 بالسالب الى 0.31 بالسالب، لكنهم في المرحلة الثانية من 2017-2021 عادوا بنتائج سياسية أدت لتراجع الاستقرار الى 0.37 بالسالب..وهو ما يعني فشلا في نقل المجتمع السياسي المغربي الى نقطة التوازن أو الحفاظ على مكاسب المرحلة الاولى على الأقل.
ب- أما في نطاق العولمة (والتي ينظرون لها بقدر من الريبة) فقد تقدموا فيها من معدل 67.27 عام 2011 الى 70.53 مع نهاية حكمهم.
ج- أما في مجال الديمقراطية والحريات فقد حققوا بعض التقدم، فخلال الفترة من 2011 الى 2020 انتقلوا من 3.83 من عشرة الى 5.04، وهو تقدم ملحوظ نقلها من دولة سلطوية الى دولة هجينة (سلطوية مع بعض ملامح الاسترخاء السياسي)، لكن هذا الانجاز لم يترك خلفه أسسا راسخة للاستمرار في اتجاه تعزيز الديمقراطية بدليل ان عدم الاستقرار السياسي عاد للارتفاع، وهو ما يعني أن المخزن (القصر وفسائله) عبر بالاخوان عنق الزجاجة توطئة للعودة للاتجاه الاعظم في سياسات المخزن الداخلية والاقليمية والدولية.
ثالثا: آفاق المستقبل:
1- ان تراجع عدد مقاعد الحزب الاخواني «العدالة والتنمية» من 125 الى 12 مؤشر خطر على فقدان «مصداقيتهم»، ويبدو لي أن ذلك يتسق من نتائج دراستي الاولى عام 1995 ودراستي الثانية قبل 6 سنوات عن الاتجاه الاعظم لتراجع التيارات الاسلامية، وان هذا التراجع سيكون باجلى صورة بين 2020 و2022.
2- ان الوضع في المغرب ذاهب طبقا للمؤشرات الاولى إلى محو «أطلال الاسلاميين السياسية»، فرئيس الوزراء المغربي الجديد عزيز أخنوش ملياردير تقدر ثروته بحوالي 2 مليار دولار، وله استثمارات في مجالات الطاقة والبنوك والعقارات والسياحة، بينما تمتلك زوجته (سلوى إدريسي) 50% من مراكز التسوق في المغرب من خلال « مجموعة المغرب مول». وقد قال أخنوش بوضوح لا لبس فيه: لقد أتيت لتنفيذ استراتيجية الملك». فإذا أضفنا لذلك ما يزيد الاتجاه المستقبلي وضوحا ان السند الثاني لحكومة ما بعد الاسلاميين الحالية في المغرب هو حزب الاصالة والمعاصرة الذي يقوده «مستشار الملك» فؤاد عالي الهمة والذي لجم عدة مرات قرارات حكومة العدالة الاخوانية، ولعل القضية الاشهر هي قضية «مغتصب الاطفال الإسباني»، والتي تدل على ان حكومة الاخوان لم تكن قادرة على الحركة حتى في أقل القضايا شأنا الا من خلال المخزن أو نخبته الحاكمة.
3-كان الانفاق الدفاعي المغربي عام 2011(وصول الاسلاميين للسلطة) 3.297 من اجمالي الناتج المحلي، لكنه ارتفع في فترة حكم الاسلاميين الى 3.806 عام 2013 ثم الى 4.8 عام 2020، أي بزيادة حوالي 46% بين اول وصولهم للسلطة وبين خروجهم منها، وقد بلغ الانفاق حوالي 4 مليار و831 مليون دولار عام 2020. وتتم هذه القفزات في السياسة الدفاعية رغم ان معدل دخل الفرد المغربي هو 3.009 دولار عام 2020 هبوط من 3.046 عام استلامهم للسلطة 2011.
أخيرا
اعترف ان احتمالات الخطأ السياسي أو سوء التقدير أمر طبيعي عرفته كل الاحزاب والتيارات السياسية عبر التاريخ، لكن عدم الاقتناع بأنك لا تستطيع عبور النهر مرتين كما يقول هيروقليطس والتشبث بعدم القدرة على عبور النهر حتى مرة واحدة على راي زينون فيلسوف الرواقية هو خلل جلل...وهو أمر يستوجب على حاملي الوجدان الشعبي والذاكرة التاريخية والارث الثقافي ان يعيدوا النظر في سياساتهم بخاصة خطابهم السياسي وبالأسس التي يتحالفون عليها مع غيرهم والتخلص من القبول بدور الاسفنجة بيد الانظمة والقبول بأن للعصر مقتضياته التي يجب فهمها أولا قبل التعامل معها.. ربما.