آه يا وطني، كم هو مؤلم ما تعيشه اليوم، نعم وبالتأكيد أن التشاؤم ليس بالأمر المحبذ واليأس ليس له مكان في قلوبنا فأنت بلد المعجزات، غير أن ضبابية المشهد وعدم ايجاد حل مرض يخرجك مما أنت عليه يؤرقنا كثيرا، واستمرار تطبيق سياسة الأمر الواقع التي أنتجها تفعيل المادة 102، مقابل استمرار الغضب الشعبي لكل القرارات المتخذة وغياب البديل من شخصيات سياسية لها المصداقية ذات ثقة تحظى بموافقة الجميع دون استثناء يدعو للقلق، فإلى متى بقاؤك يا وطني بين فعل تتخذه - السلطة ـ باسم المرحلة الانتقالية وردود أفعال شعبية صامدة على نهج المسيرات للتعبير عن الرفض والاستياء؟! متى ينجلي كل هذا ونصل بك إلى برّ الأمان؟! أليس في القوم رجل رشيد؟! ألم يحن بعد الوقت لتمثيل الحراك بأسماء تحظى بالمشروعية لأخذ زمام المبادرة لتفعيل الحل الذي يخرج البلاد من الأزمة أم أن مسألة الثقة لا تزال بعيدة عن واقع كرس اللاثقة لعقود؟!...أمام هذه الاشكالية “غياب الثقة”، لنكون صرحاء أن رفض كل الوجوه السياسية في النظام السابق مع عدم وصول البديل المقبول شعبيا إلى سدّة الحكم لاعتبارات بالأساس قانونية لغياب مواد دستورية تسمح بذلك، يجعل القضية تراوح مكانها ويبقى الحل مستعصيا مما يطيل أمد الأزمة بل يؤزمها، ليكون القانونيون المدركون للثغرات المخرج الوحيد لحل صعوبة تولي شخصية توافقية من الحراك مسؤولية إدارة وتسيير المرحلة الانتقالية، فأين أنتم؟!...
الاعلام حرفة قبل أن يكون مهنة ربحية
آه يا وطني، وأنت في هذا الوضع الحسّاس الصعب، هناك بعض من المنابر الإعلامية بمختلف أنواعها التقليدية أو الحديثة من يسعى لجمع أكبر “اللايكات” ويحظى بنسبة عالية من مشاهدة فيديوهات حول هذا أو ذاك، متناسية أن الإعلام حرفة قبل أن تكون مهنة ربحية وأن الإعلامي شخص مسؤول وليس عامل عادي يقول وينشر ما يحلو له، وأن المادة الإعلامية مادة تحتاج للتدقيق قبل نشر المعلومات ولا تُبنى على التسريبات تحت شعار “السبق الصحفي”، وليست مادة منزهة تخلو من الأخطاء والشوائب، فقد تحوي الأخبار المغلوطة والكاذبة أيضا والتي من شأنها تأجيج الوضع حتما بما لا يحمد عقباه...
آه يا وطني، لماذا النزهاء صمتوا؟!، لماذا الصادقون رحلوا؟!، لماذا المخلصون ارتحلوا؟!، لماذا العقلاء اختفوا؟!... الجزائر تناجيكم تناديكم فأين أنتم؟!
إياك يا شعب الجزائر أن تحييد عن سلميتك، إياك أن تسمح لهذا أو ذاك أن يقودك للعنف قولا أو فعلا مهما كان الظلم، الكيد، الغضب في أوج مستوياته، فالعنف لا يولد إلا عنفا وبداية إشعال فتيل العنف سهل جدا وإيقافه صعب إن لم يكن مستحيلا... وإياك أن تقع في وهم الوعي فالحقيقة وإن كانت مُرَّة يجب أن تقال، فليس الكل على نفس المستوى من الوعي، وليس الكل على نفس الهدف سائر في المسيرات جمعةً بعد جمعة، فالوعي مرتبط بشخصية الإنسان وتكوينه الاجتماعي ـ بيئة ترعرعه - ليس الدراسي فقط، فكم من دارس غير واعي وكم من شخص لم يدرس غير أنه تعلم في مدرسة الحياة فصار الأوعى والأعلم، وكذلك لكل شخص أهداف يسعى لها في الحياة تبعا لما ينقصه في واقعه المعيش فتتعدّد المطالب وتتفرع، لهذا إياك يا شعب الجزائر الخروج عن الهدف الأساسي والذي صمدت من أجله منذ أكثر من شهرين، فمن الضروري التركيز على الهدف الأكبر وعدم الخوض في المسائل الجزئية أو التكميلية التي من شأنها إحقاق الحق دون شكّ، لكن الأولوية الآن والتي تفرض نفسها بقوة ايجاد نظام شرعي يحظى بالمشروعية ـ رضا الشعب - الذي سيتكفل ببناء مؤسسات متركزة على مفهومي الحق والواجب ـ المواطنة - ومن ثُمّ المرور أو التطرّق لمسألة الجزاء والعقاب وهذا لقطع أي محاولة من هنا أو هناك لجر البلاد نحو الخراب..
تغليب العقل وتحييد المسائل الثانوية من شأنه إلهاء الشعب عن هدف حراكه
إن المرحلة الحسّاسة التي تمرّ بها الجزائر مع نفاذ الوقت يوما بعد آخر يدعونا بإلحاح لتغليب العقل وتحييد كل المسائل الثانوية التي من شأنها إلهاء الشعب عن هدف حراكه، حيث أن صفة “الثانوية” تحملها هذه المرحلة فقط لتصبح أولية أوتوماتيكيا بعد أن يتمّ تحقيق الأولية الأولى ـ انتخاب نظام شرعي ومشروع -، فلا يعقل المطالبة بمحاسبة من هم في السلطة ومن كان في صفها وتحت عباءتها في هذه المرحلة ولازال القضاء غير مستقل مئة بالمئة، ولا تزال السلطة التنفيذية أساس اللعبة السياسية في ظلّ تهميش السلطة التشريعية - فالبرلمان لا دور له سوى الموافقة بالأغلبية - إحكام القبضة على السلطة القضائية عبر الضغط على فواعلها، والتحكم في السلطة الإعلامية عبر قانون الاشهار، لتكون محل تسويق اعلامي لما ينتج في العلبة السوداء للنظام أو لهذا أو ذاك من مالكيها بطريقة أو بأخرى، لابد من الإشارة أن البلاد لازالت مؤسساتها تحت نير اللاحرية، ولا يحظى مسؤوليها بالاستقلالية المطلوبة لجعل عملية المحاسبة عملية فعلية وفعّالة تحقّق نتائج ميدانية في بناء دولة الحقّ والقانون.
المحاسبة لابد منها مع تهيئة البيئة الملائمة يضمن تحقيق المطلوب
المحاسبة لابد منها، لكن لابد أولا من تهيئة البيئة الملائمة التي تضمن تحقيق المطلوب وليس ذر الرمال في العيون، بحكايا أو حكايات تروي قصص المحاسبة بطريقة هولودية إن صحّ التعبير، ولتهيئة البيئة الملائمة يجب التسلح بالعقل وتغليب الحكمة في إدارة الأزمة الحالية، وهذا لا يكون إلا بمنطق العقلانية ـ ايجاد مخرج بأقل تكلفة وأكبر ربح - خاصة تكلفة الوقت فالوقت يداهم، وعلى القانونيين ايجاد مخرج قانوني يتيح تحقيق المادتين 07 و08 من الدستور بتوضيح خارطة طريق دقيقة غير قابلة للتأويل مبنية على ميكانيزمات عمليّة تتيح التجسيد على أرض الواقع في أقرب وقت وبأكثر فعالية بما يسمح للوصول إلى انتخابات نزيهة، شفافة وتعدّدية تحترم خيار الشعب ومطالبه، ألا تتحركون؟! فماذا أنتم منتظرون؟!، وعلى الشعب بالمقابل الالتزام بالمشاركة ليس فقط يوم الاقتراع، وإنما المشاركة في الحياة السياسية بما يتيح له مراقبة ومحاسبة عمل النظام ومخرجاته في الوقت المناسب وليس بعد فوات الأوان.
اللعبة السياسية تراكمية خاضعة للزمان والمكان
فمن أدرك الزمان والمكان أدركها، ومن لم يدركهما أصبح خارج اللعبة أو الأصح بيدقا يستعمل لتحقيق أهدافها، فالسياسة هي فن الممكن، فتجعل الممكن مستحيلا والمستحيل ممكنا، وهذا ليس بسحر وإنما نتيجة تفنن وتحكم ذلك الذي يفقه في مسألتي الزمان والمكان ليس كمراقب وإنما كممارس اتصف بصفة الخبير في عالم السياسة.
أعيد وأكرّر إياك يا شعب الجزائر من العنف مهما كان السبب ولو كان عرضيا، أصمد على مطالبك وناضل من أجل الجزائر نظيفة خلوقة متحضرة آمنة ومتحرّرة، ولتكن الأخلاق لغتكم والسلمية سلاحكم، فالجزائر تحيا بالسلم وتبقى بالسلمية، ولا شيء أهم من الجزائر فإن كانت أرض الجزائر بخير وفي سلام، فكل شيء ممكن أن يحل فلا مشكل بدون حل يا أولى الألباب، حافظوا على الجزائر فهي لنا وليس لنا وطن غيرها..
يا من تحكمون وتتحكّمون في مصير الجزائر أليس فيكم رجل رشيد؟! يدعو إلى تغليب المصلحة العليا للبلاد والعباد، وأنتم الذين تدعون في المحافل الدولية للسلام وترافعون على أسس الأمن وتمكين الشعوب من تقرير المصير، ألا تفقهون أن الجزائر في مرحلة حسّاسة تستوجب ولا تستدعي فقط تغليب الحكمة للخروج من عنق الزجاجة التي إن انكسرت لن ترحم أحدا ولن تستثني أحدا ولكم فيما يحدث عند العرب عبرة أفلا تعتبرون؟! ماذا أنتم منتظرون؟! فلترحموا الجزائر التي لو تكلمت لتألمت مما حملتموها أوزارا، ولو حُفر ترابها لسالت دما أنهارا، ولو استيقظ شهداؤها للعنوكم جهارا نهارا، ألهكذا جزائر استشهدوا وتركوا في رقابكم أرامل وأطفالا يتامى؟! ....