إصدارات قصص «شتاء دمشق» لياسين نوار

في حكي ما يعرف بـ «الثّورات العربية» التي دمّـرت المكـان والانسـان

بقلم: وليد بوعديلة أستاذ بجامعة سكيكدة

من يقرأ القصص التي ضمتها المجموعة القصصية الجديدة للكاتب والروائي الجزائري ياسين نوار سيخرج بفكرة واحدة، وهي أن ما يعرف بـ «الربيع العربي» قد كان كاذبا، وإن الثورات التي كانت تبغي تغيير الأنظمة المستبدة قد أسقطت الشعوب وكل دلائل الحضارة و التاريخ ، ولم تسقط  ما كانت تسمى «الديكتاتوريات العربية»، التي حملت المؤامرة هذا العنوان.
وتنتقل النصوص بين كثير من الدول العربية التي عرفت يوميات الربيع العربي الثوري، ويقرأ القارئ العربي عن سقوط «الانسانية» وحروب «الدمار» العربي، فقصة «آدم» تقدم ملامح لأم سورية لاجئة متسولة في الطريق، ويعود النص للماضي الجميل وآماله وأفراحه، كما لا نجد اسمها في القصة بل نجد «سيدة دمشق» ليحيلنا السارد على أنها رمز لكل سيدة سورية، مع خطاب سردي سياسي عن الذل العربي، ويعود في قصة «نافذة بقضبان» من جديد للمكان السوري وأحداثه الكوارثية وخرابه المأساوي، فهي قصة تندرج ضمن أدب السجون والمعتقلات، وفيها حكي لصراع العسكر وانقلاباتهم، وفي الحكاية نتأمل خطابا فجائيا عن راهن عربي بلا أمل وبلا وهج، كما سعى الكاتب نوار ياسين ليكشف النتائج السلبية للصراع بين المجموعات والمصالح والتيارات في الوطن الواحد.
 ويمكن لنا قراءة الكثير من مشاهد الحزن والخراب في سوريا في قصص أخرى في المجموعة، حيث ندخل مع السارد في تعبير وتصوير داخلي لنوازع الشخصيات، وتجسيد سردي لمعاناة الإنسان السوري وبخاصة الأمهات، وصعوبة الحياة ومظاهر الاحتجاج وأصوات الرصاص..وقد يتحول البدع في بعض الصفحات لمفكر أو سياسي يحلل الأحداث و يناقش أسبابها ونتائجها...
   ورحلت قصص المجموعة لفلسطين والعراق وتونس ومصر...وتوقفت عن يوميات «الربيع العربي»، وعانقت المكان والإنسان مع حضور لخطاب التهدئة والتسامح وتمكين العقل في سياق الفتنة والنار والدم.
وعادت قصة «ولي الأمر» للعراق وكانت هي المكان الذي يمكن أن يكون مكانا عربيا شاملا لكل الدول العربية، لأن الدبابات والصواريخ الأمريكية وقد حولت بغداد / الدولة لرماد بتواطؤ عربي ودولي بحجة محاربة الديكاتورية والسلاح النووي، وسيأتي دور عواصم / دول أخرى بحجج أخرى لتدمر الأمة بعد الدولة؟؟؟
 ولا ينسى المبدع أن يقدم مشاهد من جزائر السلم و المصالحة بعد سنوات الدم والرصاص والإرهاب في قصة «العشر العجاف»، كما نجد في قصص أخرى حسرة سردية فنية لغياب إنسانية الإنسان العربي وتشوه وتدمير كل الجمال والمجد التاريخي، كل ذلك تحت مسمى الربيع العربي،بحثا عن تغيير سياسي لم يحدثن وكل ما حدث هو تفتيت الأوطان وتشريد الشعوب وتحطيم المدن العربية و...
    أخيرا....ندعو القارئ لقراءة القصص في مجموعة «شتاء دمشق»، ففيها جماليات الحكي وكل مقومات السرد الذي يتحك في أفق الكتابة السردية الكلاسيكية، وفيها رؤية أخرى للثورات العربية، لأن الكاتب نوار اختار الوقوف في تيار فكري وسياسي عربي يرفض ماحدث، ويطمح لتغيير سياسي ثوري يتأسس على الطرق السلمية والديمقراطية بعيد عن الفتنة الدموية والخراب، وهو ما يجب أن تفهمه الأنظمة المستبدة وتفتح المجال للتداول السياسي والتحول الديمقراطي بعيدا عن صوت الرصاص وقريبا من صوت الحكمة والعقل، لأن ما خسرته الشعوب أكبر بكثير مما ستربحه، رغم أن الرابح خاسر في الحروب العربية والخاسر مقتول فيها، وقد نجد الكرسي الذي يمنحنا السلطة، ولا نجد الشعب الذي نحكمه ولا الوطن الذي نتزعّمه، فمن يفهم ويتّعظ؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024