من اقتبس النص بن قطاف أم مخوخ؟؟
تعدّ مسرحية «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» من النماذج المهمة في التجربة المسرحية الجزائرية، التي نقلت الحكاية من السياق القصصي إلى السياق الدرامي، ماذا سيحدث لو عاد الشهداء هذا الأسبوع؟. وماذا لو اجتمع طاهر وطار، بوبكر مخوخ، امحمد بن قطاف؟، كيف سيكون جو الجلسة؟.
كما هو معروف للجميع، فإن النص تمّ اقتباسه من طرف الكاتب والمخرج المسرحي محمد بن قطاف، وقام بإخراج هذا النص أول مرة «زياني الشريف عياد»، وقدمته فرقة المسرح الوطني الجزائري سنة 1986. ونالت الفرقة عن هذا العمل الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج سنة 1988، كما نالت إعجاب الجمهور وكذا المسرحيين العرب في مهرجان دمشق المسرحي الحادي عشر والمنعقد ما بين 10 و20 نوفمبر 1987.كما قامت المخرجة المسرحية صونيا بإعادة إخراج هذا العمل، سنة 2011.
لسنا بصدد إدانة أحد ولكن سنعرض بعض الحقائق الموجودة، ونحاول المقارنة بينها.
كانت الإنطلاقة يوم وضع الصحفي والناقد المسرحي علاوة وهبي منشور بصفحته على الفايسبوك، متسائلا من اقتبس «الشهداء يعودون هذا الاسبوع»، بوبكر مخوخ أم امحمد بن قطاف؟، وعلّق أحد المتابعين - وهو ابن أخت المرحوم مخوخ - على هذا المنشور مؤكدا له أن النص المقتبس هو لبوبكر مخوخ، وأن امحمد بن قطاف قد استولى على النص، وقد قدّم له شهادات الإثبات، والتي لم يتمكن من قراءتها كلها، نظرا لعدم وضوحها، كما أكد الناقد علاوة وهبي أنه سيحاول التأكد من الشهادات بمحاولة فك حروفها.
عشاق الظهور واللقاءات والأضواء الإعلامية
ربما يتساءل البعض خصوصا من جيل الشباب، عمن يكون بوبكر مخوخ؟، لأنه من بين الشخصيات التي لم يسلط عليها الضوء. وكما عرفه الناقد علاوة وهبي في مقاله المنشور بتاريخ 15/ 05 /2018، بجريدة الجمهورية، أنه «أحد الوجوه التي قد لا يعرف عنها شيئا الجيل الجديد من المسرحيين، لأنه لم يكن من عشاق الظهور واللقاءات والأضواء الإعلامية».
ولد بوبكر مخوخ أو كما يطلق عليه بين أصدقائه «بوب Bob» يوم 06 مارس 1954 بتيفيلكوت بتيزي وزو، تنوّع نشاطه المسرحي بين الكتابة والتمثيل والإخراج المسرحي. اقتبس للمسرح، «نوبة في الاندلس» عام 1996، و»صرخة فنان»، «غابو لفكار» عام 1986، «الحافلة تسير» 1984، وغيرها من الأعمال.
توفي يوم 31 ماي 1998 بمدينة نانت الفرنسية، بعد صراع طويل مع المرض، وكان تاريخ دفنه في مقبرة سيدي حارب بعنابة بتاريخ 08 جوان 1998، المصادف لليوم الوطني للفنان.
السؤال المحيّر، قبل الدخول في جوهر الموضوع، لماذا لم يكرّم المرحوم مخوخ بوبكر، في المناسبات المسرحية، ولم يكرم بالمدينة التي أعطاها الكثير، مدينة عنابة؟ أو المسرح الوطني الجزائري؟ يبقى مجرد سؤال، لماذا لا نعرف الكثير عن هذه الشخصية المسرحية، رغم أن مخوخ كتب نصين من أهم النصوص التي صنعت مجد المسرح الجزائري أنذاك، «غابو لفكار والحافلة تسير»، الجميع يعرف الحافلة تسير، شريف الزوالي، ونوارة بنتي، لكن القليل يعرف بوبكر مخوخ، إلا من عاصروه بالطبع.
واتصلت بابن أخت الدراماتورج مخوخ عبر الفايسبوك، دلني على الصفحة الفايسبوكيةالخاصة بالمرحوم الممثل والدراماتورج بو بكر مخوخ، وأخبرني بأني سأجد كل ما أبحث عنه من إجابات.
لا توجد أية صورة أو رمز تذكاري للمسرحي مخوخ بوبكر في مسرح عنابة
أول سؤال، لماذا سكت مخوخ؟ كان للمرحوم مخوخ مسؤوليات عائلية، أب معوق حركيا، أم مريضة، وأخت مطلقة ولها ابن وظروفها العائلية صعبة. وعندما قدّم نصّه للمسرح الوطني الجزائري، عاد لبيته بعنابة للعناية بعائلته، ليفاجئ بعد فترة، أًنَ نصه نسب للمسرحي امحمد بن قطاف.
يضيف ابن أخته «بفضل مخوخ، صار زياني شريف عياد، محمد بن قطاف، عز الدين مجوبي معروفين على الخشبة، وتحصلوا على مناصب أيضا». وأن الكاتب طاهر وطار، كان على علم بأن النص لمخوخ وليس لبن قطاف. لقد قرأه للعديد من الأصدقاء والذين لا يزالون على قيد الحياة قبل أن يسلمه لإدارة المسرح الوطني.
وقد تقدّمت أخوات بوبكر مخوخ برسالة لمحمد بن قطاف، لكنه امتنع عن الرد.
تحصلت على نسخة إلكترونية من هذه الرسالة والموجودة ضمن الصفحة الخاصة بالمرحوم على شبكة الفايسبوك، وجاءت باسم الأخت «مخوخ مقدودة Makhoukh Megdouda» بتاريخ 21 /10 / 2011، موجهة إلى السيد مدير المسرح الوطني الجزائري «محمد بن قطاف»، تتضمّن الرسالة طلب توضيحات حول نص «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» المقتبس من طرف بوبكر مخوخ.
وجاء في الرسالة، أن هذا العمل الذي أعيد إخراجه من طرف المسرحية صونيا، حين كانت مديرة المسرح الجهوي لعنابة، وأنه بفضله عرف المسرح الوطني الجزائري تألقه، «مثلما يرجع الفضل لعملي»الحافلة تسير وغابو لفكار» في أن أصبح كل من عز الدين مجوبي، زياني شريف عياد، صونيا، دليلة حليلو مشهورين وأيضا أنت سنوات الثمانينات». وأنها قد جاءتها زيارات عديدة لبعض الممثلين لإيقاف هذه القضية. «في الجزائر، إرتح يا أخي، حافلتك تسير للمحطة الموعودة ليصعد الشهداء، قبل أن تحملك لقبرك مع الشريف الزوالي» هكذا ختمت مقدودة رسالتها. نسخ موجهة لكل من: الديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة، وزراة الثقافة، والوزير الأول.
كما تمّت مراسلة وزير الثقافة، برسالة تحت رقم 00485623506، وبتاريخ 07 /02 / 2018، من أجل إطلاق اسم المرحوم «بوبكر مخوخ» على أحد المسارح، ولكن بدون رد إلى يومنا هذا.
لا توجد أية صورة أو رمز تذكاري للمسرحي مخوخ بوبكر في مسرح عنابة أين قدم الكثير من الأعمال وكوّن عدة ممثلين، ولا في المسرح الوطني أين قدم أعمال مثل «الحافلة تسير»، وجميع أصدقاء الراحل لا يذكرونه في حواراتهم الصحفية ولا في المناسبات الثقافية، وحتى حين يتمّ ذكر أعماله مثل (الحافلة تسير وغابو لفكار) يتجنبون ذكر اسمه.
ونجد شهادة للمخرج زياني شريف عياد، من خلال مقال صحفي بتاريخ 27 سبتمبر 1985، جاء فيه أنَ نص الدراماتورج بوبكر مخوخ «الحافلة تسير» والمقتبس عن رواية «سارق الأتوبيس» للكاتب إحسان عبد القدوس سنة 1984، قد سمح له بأن يمارس عمله كمخرج بكل سهولة وحرية، وأنه ينتظر عمله القادم والمقتبس عن قصة لطاهر وطار، وأيضا اقتباس آخر عن رواية. وحتى المخرج زياني شرف عياد حين لقائنا معه، أكد أن النَص تمت كتابته أثناء عملية التحضير للعرض، ووفق رؤيته الإخراجية، وأن هذه هي الطريقة التي يشتغل عليها في جل أعماله.
والمفاجأة التي لم تكن على البال، انه على مستوى الديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة، نجد اسم الكاتب المسرحي «بوجادي علاوة» منسوب للنص المقتبس «الشهداء يعودون هذا الاسبوع». فمن اقتبس نصّ الشهداء؟ امحمد بن قطاف أم بو بكر مخوخ إم بوجادي علاوة؟.
كما وجدنا بالصفحة شهادة الكاتب والصحفي بوخاري نصر الدين المدعو تتام Tatem المقيم بفرنسا حاليا، الرسالة بتاريخ 24 / 10 /2011 باريس، موجهة للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وكان موضوعها شهادة حول العمل المسرحي»الشهداء يعودون هذا الأسبوع «عن القصة القصيرة لطاهر وطار، والمقتبس من طرف بوبكر مخوخ.
ويعرض برسالته أن مخوخ أطلعه على النص المسرحي المقتبس، وقرأ له بعض المقاطع من نصه. وما شهادته إلا لإراحة ضميره، وأيضا واجبه اتجاه الذاكرة المسرحية الجزائرية.
أكد لي أحد الفنانين المعروفين في الجزائر، أن الأمر معروف وأن النص المقتبس لبوبكر مخوخ وليس لبن قطاف، وحين طلبت منه أن أذكر اسمه، رفض مبررا ذلك أنه من غير اللائق الحديث الآن بعد وفاة بن قطاف، لأن هذا يعد جبنا. وهناك أيضا من أكد ذلك بكل أريحية في كون النص لمخوخ، وأن هذا الأمر مفروغ منه، فحتى نص «الحافلة تسير» أثار ضجة في كونه يعود لبن قطاف، ولكن في النهاية حسم الأمر لصالح مخوّخ.
اجتماع الثلاثة مستحيل، لأنهم رحلوا دون عودة، ربما يبقى واجب الأحياء تجاه الأموات، أن لا يبخلوا على التاريخ بكلمة قد تؤكد أو تنفي، حتى نعيد ترتيب المبعثر، وحتى نوقف مثل هذه المواقف التي تسيء لذاكرتنا المسرحية