شكلت آلة الموت التي زرعتها فرنسا الاستعمارية وإلى وقت قريب حربا غير معلنة حصدت أرواح جزائريين أبرياء عبر مناطق عديدة من الجزائر، لاسيما على الحدود الشرقية والغربية.
حول حقول الموت وجرائم فرنسا ومجهودات الدولة الجزائرية في مكافحة الألغام من خلال العمل الذي قام به الجيش الوطني الشعبي، وقضايا أخرى تتعلّق بالذاكرة ومهام الجمعية، التقت «الشعب ويكاند» رئيس الجمعية محمد جوادي، مفصلا في هذا الحوار.
- «الشعب ويكاند»:بعد كل هذه العقود التي قطعتها الجزائر في مسيرة التحرّر والاستقلال، هل توقّفت جرائم فرنسا؟
محمد جوادي: آخر ضحايا الحرب الصامتة تمّ تسجيلها سنة 2017، بمنطقة عقل الشحم ببئر العاتر ولاية تبسة، على مسافة 30 كلم من الحدود الشرقية، الضحية الأول الذي لقي حتفه طفل لا يتعدى عمره 11 سنة انفجر فيه لغم رفقة ابن عمه البالغ من العمر 8 سنوات والذي أصيب بجروح بليغة وتحوّل إلى معاق، ولحسن الحظّ لم يفارق الحياة، لكن منذ هذه السنة وإلى حدّ الآن لم تسجّل حوادث انفجار ألغام فرنسية، وهذا بفضل عمليات التطهير التي قام بها أفراد الجيش الوطني الشعبي، ضمن إطار اتفاقية أوتاوا المتعلقة بإزالة الألغام المضادة للأفراد.
- ما هي تقديرات عدد ضحايا الألغام منذ الاستقلال إلى اليوم؟
قارب عدد ضحايا الألغام منذ الاستقلال الـ7000 ضحية، منهم 3255 متوف و3542 مصاب، فرنسا رفضت الاعتراف بجرائمها الناتجة عن حوادث الألغام التي زرعتها،كما رفضت تسليم كل الخرائط الخاصة بالألغام المضادة للأفراد والتي تقدّر بحوالي إحدى عشر مليون لغم زرعتها فرنسا في أواخر سنة 1956، فيما عرف بخطي شال وموريس على طول الحدود الشرقية والغربية للجزائر، وجنّدت لهذه العملية ثلاثة عشر كتيبة هندسية، وامتدت الخطوط الملغمة على طول 1510كلم لعزل الجزائر وغلق حدودها بهدف محاولة منع تسلّل المجاهدين في مهمات تزويد الثورة بالسلاح والإمكانيات وغيرها..
- ملايين الألغام زرعت على مسافات طويلة وفي غياب خرائط دقيقة، هو بالتأكيد مخطّط جهنمي يتطلّب جهودا استثنائية، كيف تعاملت الجزائر مع آلة الموت الفرنسية؟
أدركت الجزائر مبكرا الخطورة الكبرى للمسألة وأثرها على الإنسان والأرض والاقتصاد، وقد كانت سبّاقة إلى تطهير أراضيها من الألغام المضادة للأفراد، وقد أخذ الجيش الوطني الشعبي على عاتقه هذه القضية وبذل عناصره جهودا كبيرة منذ فجر الاستقلال، ويمكن توزيع تلك الجهود على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى مع بداية الاستقلال وإلى غاية 1988، حيث تمّ نزع وتدمير ما يقارب من ثمانية ملايين لغم وتطهير خمسين ألف هكتار من الأراضي. والمرحلة الثانية جاءت مع اتفاقية «أوتاوا» سنة 1997 إلى غاية 2004، ثم المرحلة الثالثة التي نزع بموجبها ما تبقى من ألغام مزروعة.
- تفيد المعطيات المتوفرة بوجود 11 مليون لغم من مخلفات الحقبة الاستعمارية، ما مدى واقعية هذا الرقم؟
هذا الرقم قد يكون غير دقيق، اعتقادنا أنه أكثر بكثير، لقد أبدينا رفضنا لمسألة تسلم خرائط زرع الألغام التي قدمتها فرنسا لأن الاعتماد عليها في تتبع الألغام أصبح غير مجد، وتحفّضنا ناتج عن سببين اثنين، أولا إن تسليم الخرائط تأخر كثيرا وبسوء نية، فالمفروض تسليم هذه الخرائط يكون قد تمّ بعد الاستقلال مباشرة لكن تأخر، والنتيجة سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء، كما أن هذه الخرائط لم تعد دقيقة في تتبع الألغام ومعرفة أماكن زرعها بفعل معطيات الواقع الناتجة عن العوامل المناخية مثل تساقط الأمطار والسيول وما ينتج عنها من انجراف التربة الذي يؤدي إلى تغيير أماكن تواجد اللغم، وبهذا المعنى لم يكن لهذه الخرائط لا المصداقية ولإصلاحية الاعتماد عليها.
ومن هذا المنطلق، أخذ الجيش الوطني الشعبي على عاتقه هذه المهمة الصعبة في تتبع ونزع وتفجير الألغام وتطهير مساحات واسعة من الأراضي، وهي عملية نوعية تحسب للجيش الوطني الشعبي.
- أكبر ضحايا الألغام هما الأرض والإنسان، وقد استطاعت الجزائر تطهير الأرض فماذا عن الإنسان؟
تعتبر الجزائر من بين الدول القلائل التي اهتمت بضحايا الألغام، بل أنها الدولة الوحيدة التي تقدّم تعويضات للضحايا على شكل منح، وقد دأبت منذ استرجاع السيادة الوطنية على إقامة حقيقي مع كل الفعاليات التي تعنى بضحايا الألغام. فهناك برامج وطنية للدولة ولفعاليات المجتمع المدني تتوزع بين التحسيس والتوعية والاهتمام بانشغالات ضحايا الألغام من المعاقين وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا وضمان حياة كريمة لهم.
- عند الحديث عن حقول الألغام يتبادر لذهن الكثيرين أنها موجودة في الخطوط الحدودية للجزائر، فهل هذه النظرة صحيحة؟
الواقع أن أخطر حقول ألغام هي تلك الموجودة في الداخل، وبعض الألغام «سارت» بفعل عوامل الطبيعة وطول الزمن ووصلت إلى تجمعات سكنية، والمشكل أن حقول الألغام الداخلية غالبا ما تكون مجهولة، وحتى مع وجود خرائط فإنها صارت بلا فائدة مع حركة الألغام وهذا ماشكّل تحديا استطاع الجيش الشعبي الوطني تجاوزه.
ومن جهة أخرى، فإن جيش الاحتلال لم يكن يهمه الجانب البشري، فقد لجأ إلى استعمال المواطنين الجزائريين كأدوات لاستكشاف الألغام التي كان يزرعها جنود جيش التحرير في المسالك التي يستغلها جند الاحتلال، وهناك عدة حوادث ذهب ضحيتها شهداء من المواطنين انفجرت فيهم الألغام،وتحضرني رواية لأحد المواطنين الذين استعملوا كأداة تفجير للألغام، أنه سأل الضابط الفرنسي كيف يمكن معرفة أن هناك لغم في المسلك؟ فأجابه ببرودة دم، أنه إذا تطايرت أشلاؤك في السماء ساعتها ستعرف أن هناك لغم باختصار أنه هو الذي يكتشفك ولست أنت ما يظهر بشاعة الاستعمار.
- من بين أهداف الجمعية مطالبة فرنسا بالتعويض، ماهي الوسائل المتبعة وهل هناك بوادر ايجابية لتحرككم؟
الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد ومطلبنا مازال قائما ونعتمد في مسعانا على وسائل الإعلام والعمل الجمعوي، وقد سبق لنا أن طرحنا هذا المطلب في ملتقيات الأمم المتحدّة في جنيف سنة 2012، وفي مؤتمر نزع الألغام بالأردن، لكن لحدّ الآن لا يمكن ملاحظة أي رد ايجابي، ففرنسا الرسمية اعترفت خلال السنوات الماضية بما تصفه حرب الجزائر،وكذا الاعتراف بمجازر 17 أكتوبر، لكن المجازر والجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري لا يمكن حصرها.
- طالبتم بإدراج قضية ضحايا الألغام في ملف الذاكرة؟
إن عدد ضحايا الألغام المسجلين والذين يتقاضون منح بلغ 7400 ضحية غالبيتهم من الأطفال يضاف إليهم أعداد أخرى لا تتوفر فيهم شروط تقاضي منح.
وأن فرنسا تركت في الجزائر حربا نائمة وصامتة تودي بحياة أرواح بريئة، إضافة إلى عدم تعاون المستعمر السابق في نزع الألغام وتقديم خرائط بالمناطق والأماكن التي زرعت فيها مع تكذيبه ادعاء الحكومة الفرنسية بأن الألغام زرعت بالمناطق الحدودية وهو أمر تفنّده أعداد الضحايا بالمناطق الريفية غير الحدودية، وأن مطلبنا كجمعية هي إدراج هذه القضية ضمن ملف الذاكرة المطروح بين الجزائر وفرنسا.
رئيس «الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام»:
فرنسا استعملت الجزائريين أدوات لاستكشاف وتفجير الألغام
بسكرة: عمر بن سعيد
شوهد:453 مرة