الدكتور محمد لمعيني لـ «الشعب»:

20 حقا جديدا يترجم إصرار الدولة على الوفاء بالتزاماتها

حوار: حمزة لموشي

 عرض مسودة تعديل الدستور للمناقشة يعكس الرغبة في الاستماع للجميع

يؤكد الدكتور محمد لمعيني أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بجامعة محمد خيضر ببسكرة، إن التعديل الدستوري كان من بين التعهدات الرئاسية الأولى التي تجسدت في إسناد صياغ مسودته للجنة خبراء وعرضه للمناقشة ومن جميع مكونات المجتمع، بهدف الإثراء وتقديم الاقتراحات البناءة.
وأشار لمعيني في حوار مع جريدة «الشعب» إلى عدد من القضايا الحساسة التي تضمنتها الوثيقة، مجيبا على عديد التساؤلات المطروحة بحدة  منذ عرضها على النقاش العام.

الشعب: كيف ترون مضمون مسودة مشروع تعديل الدستور؟
د.لمعيني: جاء في هذه المسودة، أن مهمة اللجنة كانت محددة ضمن رسالة التكليف في 7 محاور أساسية مع إمكانية إضافة مقترحات أخرى من قبل اللجنة، واقتصر عمل اللجنة على صياغة نصوص دستورية تتضمن مفردات النظام السياسي المقترحة من قبل الجهة المكلفة وليس اقتراح ما هو أفضل في هذه المرحلة، والدليل على ذلك إقرارها على أنها ليست في مهمة تأسيسية وإن اتفقت معها في هذه النقطة إلا أنها لم تلجأ إلى استشارات وخبرات في هذا المجال الشيء الذي كان سيعطيها أكثر انسجاما في عملها القانوني.
- ما هي في نظركم الإيجابيات والنقائص؟
 قدم مشروع التعديل مواد جديدة أو معدلة تبدو للوهلة الأولى أنها إيجابية سواء بإقرار حقوق جديدة أو تنظيم آليات ممارسة السلطة.
أما ما تعلق بالحقوق والحريات، فنجدها تكريسا للحقوق المكتسبة في الوثائق الدستورية السابقة والإضافة تتمثل في ضرورة إرفاقها بكافة الضمانات القانونية اللازمة لممارستها، كما أنها نصت على 20 حقا جديدا مستنبطة من الواقع السياسي والاجتماعي الجزائري بالإضافة إلى ما التزمت به الجزائر في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المصادق عليها، وهذا دليل على إصرار الدولة على الوفاء بالتزاماتها لاعتبارها عضوا من المجتمع الدولي.
لكن ما يثار دائما من إشكاليات في هذا الصدد، هو إقرار الدستور في مواده  لوجود حقوق وحريات عامة وخصوصا ما تعلق بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، العمل السياسي والجمعوي، ثم يحال تنظيم ممارسة هذه الحقوق والحريات للقانون أو التنظيم ، وعادة ما تكون هذه الإحالة للقانون أو التنظيم فيها من التقييد ما يمنع من ممارستها.
- هل حسمت الوثيقة المقترحة في طبيعة النظام السياسي، ما تعليقكم؟
 مسألة تحديد طبيعة النظام السياسي، إشكالية مثارة في كل محفل علمي وأكاديمي لأن ما يعرف في الفقه الدستوري أن الأنظمة السياسية ثلاثة، رئاسي يقوم على الفصل المطلق بين السلطات مع منح صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية، وبرلماني يقوم على فصل مرن للسلطات ولعبة التوازنات السياسية بين السلطة التنفيذية المشكلة من تحالفات سياسية، والتشريعية المشكلة من كافة الكتل البرلمانية، والنظام الآخر شبه الرئاسي يتميز بوجود توزيع سلطات وصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، الذي ينتمي إلى الأغلبية البرلمانية، ومسؤول عن عمل حكومته أمام البرلمان.
ومن خلال ما سبق، فإننا نعجز عن تصنيف النظام السياسي الجزائري في هذه الأصناف، فهو و إن احتفظ بثنائية السلطة التنفيذية، إلا أنه احتفظ لرئيس الجمهورية بسلطة التدخل في عملها وتعيينها وإنهاء مهامها، وهي ثنائية التسيير الفعلية للسلطة التنفيذية، أما إذا قارناه بالنظام الرئاسي فهو لم يقدم فصلا صارما للسلطات لأنه أبقى على نوع من التعاون والتشارك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا هو بالنظام اللبرلماني.
ولكن وإن لزم علينا تصنيفه، فهو أقرب ما يمكن وصف النظام الذي قدمه هذا المشروع الدستوري، هو نظام شبه رئاسي كونه أقر بوجود رئيس منتخب، وبرلمان منتخب، ورئيس حكومة مسؤول أمام البرلمان.
- لكن تضمنت المسودة تقليصا لصلاحيات الرئيس، ما تعليقكم؟
  اللجنة ناقشت مسألة تقييد سلطات رئيس الجمهورية وتعزيز مركز رئيس الحكومة وقدمت إيجابيات هذا الطرح، لكن غير المفهوم هو تراجع اللجنة على هذا الطرح والاكتفاء بالمسؤولية الشعبية لرئيس الجمهورية فقط، وإسقاط الدور السياسي لرئيس الحكومة أمام رئيس الجمهورية، مع إمكانية إثارة المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وبالتالي تصبح الحكومة تحت وضع رقابي من طرف الرئاسة والبرلمان، هذا الأمر الذي يضطر الحكومة لحسابات سياسية قد تؤثر سلبا على تنفيذ برنامجها.
كما أن المشروع  نص على تقليص صلاحيات الرئيس في التشريع بأوامر إلا في الحالات الاستثنائية وشغور المجلس الشعبي الوطني، وهنا نثير تساؤل مفاده مادام هناك غرفة برلمانية متمثلة في مجلس الأمة، وغير قابلة للحل واستمرارها أمر مفروغ منه، فما الداعي للتشريع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، بالإضافة إلى صلاحية التشريع الممنوحة له بموجب التصديق على المعاهدة الدولية، والتي تسمو على القانون.
- هل تتوقعون إلغاء مجلس الأمة بعد اقتراح منصب نائب الرئيس؟
 بالنسبة لمجلس الأمة، قدمت اللجنة في مناقشتها حسب ما ورد في عرض الأسباب مبررات إنشاء مجلس الأمة، وتقييم هذه التجربة في الجزائر ورأت أن دور هذه الغرفة قد أفرغ من محتواه وهي صادقة في هذه النقطة وترتب يقين عندها على عدم وجود مبرر لبقائها، إلا أنها تجاهلت هذا اليقين المتوصل إليه وأبقت على الغرفة.
ونصت على وجودها في الفصل المتعلق بالبرلمان، وبنفس آليات التشكيل، وهي لذلك تحرص على أن تكون مسايرة بذاك للتوجهات العالمية، لكنها تعلم علم اليقين وجود العديد من البرلمانات في دول العالم بغرفة واحدة.
 كما أضافت اللجنة في مشروعها إنشاء منصب نائب رئيس الجمهورية، لكن تركت المسألة جوازية للرئيس بالتعيين أو عدم التعيين، في حين أننا نتكلم عن منصب مهم للغاية في مؤسسة والتنصيص الدستوري له لا يمكن أن يكون له احتمالين مرتبطين بإرادة شخص الرئيس، خصوصا إذا ما رأينا دوره في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية نهائيا لأي سبب كان، فهو من يتولى استكمال العهدة الرئاسية، وهذا في حد ذاته اعتداء على الإرادة الشعبية، لأن الشعب انتخب الرئيس ولم ينتخب نائبه وثقة الشعب منحت للرئيس وليس لنائبه. أما الأصح يكون برسم الانتخابات الرئاسية المقبلة والتي تكون أسوة بالأنظمة المقارنة أن يترشح الرئيس وإلى جانبه نائبه كي يتسنى للشعب معرفة خليفة الرئيس في حالة عدم استطاعته استكمال العهدة الرئاسية.
- ما المنتظر في رأيكم من خلال طرح الوثيقة للإثراء الشعبي؟
 لقد أرادت الرئاسة من خلال طرح هذه المسودة للتداول والمناقشات العامة سواء كانت إعلامية أو أكاديمية أو حتى شعبية،بعث رسائل مضمونها تفتحها على الاستماع لكل الآراء باختلاف مصادرها وجعل من هذا الدستور محل مناقشات عميقة من مختلف الجهات العامة والخاصة، وبقصد الوصول إلى أكثر المبادئ الفكرية والسياسية والاجتماعية محل اتفاق لترسيمها في دستور الجمهورية الجديدة، فبهذا هي قد تخلصت من الطريقة الانفرادية التي عولجت بها التعديلات الدستورية السابقة.
-  بعض المواد المقترحة أثارت تعاليق وتحاليل، مثل اقتراح مشاركة الجيش في عمليات خارج الحدود، ما رأيكم؟
 فيما يخص إقرار المادة 92 من المشروع، بإرسال وحدات من الجيش إلى الخارج بعد موافقة البرلمان، تثار هنا مناقشات عديدة لتصب في أن هذه الفقرة معناها قد تشارك الجزائر في حرب خارجية بعيدة عن حدودها، وهذا الأمر بحد ذاته يتعارض مع عقيدة الجيش الوطني الشعبي، بعدم التدخل العسكري خارج حدودنا الوطنية، ومهمته الدفاع عن وحدة التراب الوطني دون أن تتعدى إلى التدخل العسكري في الخارج، وإن كان هذا المعنى القريب لهذه الفقرة، إلا أن المضمون البعيد لها يتمثل في سياسة تنتهجها الدول التي تسعى دوما لحفظ أمنها واستقرارها أوما يعرف بتحصين الأمن القومي عن بعد.
وهنا قد تجد الدولة نفسها مرغمة على مواجهة خطر يهددها من الخارج ولو كان بعيدا، أو ما تفرضه معاهدات دولية من تحالفات عسكرية قد انضمت إليها الجزائر، وبالتالي لا يمكن للدولة أن تتراخى سواء في صد خطر خارجي، أو الالتزام بما صادقت عليه ضمن تحالفات عسكرية دولية، مع ضرورة التقيد المطلق بمبادئ الجزائر بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
لكن ما تثيره هذه الفقرة أيضا، هي إشكالية إجرائية، لأن الفقرة تمنح رئيس الجمهورية هذه الصلاحية وهذا جائز، لكن الإشكال في مصادقة البرلمان وحده، والأصح أن «يكون القرار متخذ من قبل المجلس الأعلى للأمن»، بحضور جميع أعضائه، والذي وحده يمتلك الخريطة الأمنية والمعلوماتية والعسكرية للوضع الأمني والعسكري للدولة، ثم يعرض القرار على البرلمان مجتمعا  لمناقشته والتصويت عليه.
-  وبالنسبة لبعض المواد المقترحة المتعلقة بالجنسية وحرية العبادة ؟
 جاء في الفصل المتعلق بالحقوق والحريات العامة بعض المواد ويمكن تعداد بعضها فيما يلي :
بخصوص حرية المعتقد وممارسة العبادة، فهذه المادة وعلى غرار مواد أخرى هي التزام من الدولة على ما صادقت عليه من معاهدات دولية في هذا الشأن، ولا يمكن لأي حال من الأحوال أن يتذرع بهذا الحق لضرب العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها أغلبية الشعب الجزائري، أو لاستفزاز المشاعر الدينية للشعب، و إنما جاءت لحماية حق بعض الأقليات الدينية في الدولة مع ضرورة ممارسة عقيدتها في الإطار القانوني للدولة والتي تتبنى الإسلام دينا لها. فلا يمكن السماح لأي محاولة للدعوة أو نشر عقيدة مخالفة للإسلام، وإنما كان النص عليها لحماية حرية المعتقد فرديا كان أو جماعيا لكن دون التعرض أو مواجهة العقيدة الإسلامية وهذا ما يضمنه القانون.
أما فيما يخص إسناد وظائف في الدولة لمزدوجي الجنسية، فهذا التوجه منطلقه حق عالمي، وإسقاط حق مزدوجي الجنسية من تولي الوظائف السامية في الدولة بحكم الدستور الحالي كان له أبعاد إيجابية لا نستطيع أن ننكرها، لكن في نفس الوقت لا يمكن أن نتجاهل كفاءات جزائرية تحتاجها الدولة عائقها الوحيد في ذلك هو امتلاكها لجنسية أخرى، وقد بينت اللجنة في عرضها أن المصلحة العامة تقتضي الاستفادة من هذه الكفاءات خدمة للمصلحة العامة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بينت الوضعية الوبائية التي تمر بها الجزائر كبقية دول العالم وجود كفاءات علمية كان الأولى للجزائر الاستفادة منها.
أما فيما يخص تامزغيت كما أعيد تسميتها  في المادة 04 من هذا المشروع، عكس ما ورد في الدستور الحالي 2016 بالأمازيغية، وإيمانا من النظام السياسي بالجذور التاريخية للشعب الجزائري وحرصا على احترام شريحة من المجتمع لا تزال محافظة ومعتزة بالأصل الأمازيغي لها، وحرصا على التصدي لأي محاولة طمس وتهميش لثقافة فئة كبيرة من المجتمع الجزائري، كان لزاما على المؤسس الدستوري الحرص والنص على دعم وتطوير الثقافة الأمازيغية لتعبر عن التنوع الثقافي للمجتمع الجزائري، دون أن تصبح هذه المادة بوابة نزاع بين مختلف شرائح الناطقين بها على اختلاف لهجاتها ومقوماتها اللغوية واللسانية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024