تحول جبل شنوة في الفترة الأخيرة إلى وجهة سياحية بامتياز تقصده وفود منظمة من مختلف ولايات الوطن لغرض اكتشاف الطبيعة الخلابة والثروة الحيوانية والنباتية المتميّزة بالتنسيق مع جمعيات محلية ووطنية ومرشدين سياحيين من أبناء المنطقة.
عدّة جمعيات محلية مهتمة بالمجال البيئي تنظم دوريا رحلات سياحية استكشافية مشيا على الأقدام وفق مسارات محددة سلفا بمحيط جيل شنوة منذ عدّة سنوات خلت من منطلق إعتقاد أهل المنطقة أنّ جبل شنوة يمكنه أن يشكّل معلما سياحيا وإيكولوجيا متميّزا مستقبلا، قبل أن تتطور أشكال الخرجات الميدانية لغرض التنزه والسياحة والاستكشاف إلى أوجه أكثر تنظيما وتأطيرا.
أضحت تهتم بهذا المسألة عدّة جهات لها علاقة بموضوع الحفاظ على البيئة كالمحافظة الوطنية للساحل ودار الشباب لبلدية تيبازة وجمعية حماية المستهلك وغيرها من الجمعيات التي أقلمت نشاطاتها وفقا للتطورات الحاصلة بالمنطقة في الفترة الأخيرة.
يتم في هذا الإطار تنظيم خرجات إلى الجبل مشيا على الأقدام لمجموعات منظمة من الفضوليين ومحبي الطبيعة والراغبين في ممارسة المشي في أجواء حميمية لغرض اكتشاف المكنونات الطبيعية التي يزخر بها الجبل سواء تعلق الأمر بالحيوانات المتميزة أو النباتات الفريدة من نوعها مع الإشارة إلى كون كل خرجة يتم تأطيرها بمرشد سياحي يكون على دراية كبيرة بالمسالك والثقافة المحلية والعادات والتقاليد.
ترفق الخرجات عادة بمأدبة غذاء يتم تحضيرها بالمنتجات الطبيعية المحلية ووفقا للعادات المحلية أيضا، كما ترفق بعض الخرجات بعروض فنية تقدمها فرق محلية تعنى بالثقافة الأمازيغية في حالات عديدة منها، مع الإشارة إلى كون الأطباق المحضرة تتماشى والمناسبة أو الفترة الزمنية التي تقام بها الرحلة على غرار ما حصل بمناسبة موعد يناير للسنة الجارية حين حظيت وفود من عدّة ولايات بتذوق أطباق محلية يتم تحضيرها سنويا خصيصا لاحتفال بهذا الموعد المقدّس.
جبل شنوة محمية طبيعية وفقا للقرار الولائي 1023
حظيت منطقة شنوة منذ العام الفارط 2017 بتصنيفها من طرف والي الولاية كمحمية طبيعية تمنع على مستواها عدّة نشاطات حيوية وتخضع لقوانين صارمة صديقة للطبيعة وذلك وفقا لمقتضيات القرار الولائي رقم 1023 الصادر في 20 جويلية الماضي والذي يعتمد أساسا على قانون الساحل 02/02 وقانون المجالات المحمية في إطار التنمية المستدامة رقم 11/02.
يتناول هذا القرار أهم المعلومات المتعلقة بالمحمية الطبيعية لجبل شنوة من خلال تقسيمها إلى ثلاث مناطق متفاوتة في الأهمية الإيكولوجية والخصائص الطبيعية تأتي في مقدمتها المنطقة المركزية ذات المساحة الاجمالية المقدرة بـ 1130 هكتار والتي لا يسمح فيها إلا بالأنشطة المتعلقة بالبحث العلمي، فيما تقدر مساحة المنطقة الفاصلة أو الثانية بـ 3052 هكتار وهي منطقة يسمح فيها القيام بأعمال ايكولوجية حية بما فيها التربية البيئية والسياحية والايكولوجية والبحث التطبيقي، كما تبقى مفتوحة للجمهور في إطار زيارات استكشافيه وذلك برفقة دليل سياحي ولا يسمح بأي تغيير أو القيام بأي عمل أو نشاط من شأنه إحداث إخلال بالتوازن في ذات المنطقة.
فيما يخص المنطقة الثالثة التي تدعى أيضا بمنطقة العبور فتقدر مساحتها بــ 4268 هكتار وتعرف على أنها منطقة تحيط بالمنطقة الفاصلة وتحمي المنطقتين الأوليين وهي تختلف في الأنشطة التي تقام عليها على غرار المنطقتين الأولى والثانية إذ يرخص فيها بمختلف أنشطة الترفيه والراحة والتسلية والسياحة كما يمكن أن تخصص بها مواقع تستخدم فيها أعمال التنمية والبيئة.
ثلاث بلديات تقتسم إرث جبل شنوة الإيكولوجي
يتوسط جبل شنوة كلا من البحر المتوسط شمالا وسهل متيجة الشهير جنوبا ويتربع على مساحة إجمالية قدرها 8450 هكتار على امتداد أقاليم ثلاث بلديات متجاورة هي تيبازة وشرشال والناظور، ويصل ارتفاع قمة الجبل حدود 905 متر وهو ارتفاع مهم جدا بالنظر الى كونه متاخما لمياه البحر، كما يشتهر الجبل بكونه يحوي عينات نادرة من الأصناف الحيوانية التي تنتشر بشمال افريقيا دون سواها من المناطق كالضبع المخطط المهدد بالانقراض وأنواع مختلفة من النسور والثعابين والسحليات.
مع الإشارة أيضا إلى أنّ جبل شنوة يحوي على 80 نوعا من الطيور بما يعادل 22 بالمائة من الطيور المتواجدة بالجزائر، كما تحوي غابات هذا الجبل على أنواع كثيرة من النباتات التي تستعمل عادة في الطب البديل وغي غيره من النشاطات المفيدة، ويندرج ضمن هذه النباتات المميزة شجرة مريم، نبتة الضرو، شجر البلوط، الخروب البري، الزيتون البري، الريحان، نبتة كتان العصفور التي تتواجد بالجزائر والمغرب دون سواهما من البلدان ونبتة ستاتيس التي تتواجد بكل من الجزائر وتونس دون سواهما.
تجدر الإشارة إلى أن مشروع تصنيف هذه المحمية تحت إشراف وزارة البيئة والطاقات المتجددة والسلطات المحلية للولاية شرع فيه منذ 2007 عن طريق دراسات عديدة تطرقت إلى وصف وجرد الثروة النباتية والحيوانية والمنظرية، إضافة إلى وصف الظرف الاجتماعي الاقتصادي وتحليل التفاعلات المتعلقة باستعمال المجال من طرف السكان المحليين مع تقييم الثروة وتوضيح الرهانات الأساسية وتحديد العوامل التي تشكل تهديدا للمجال المحمي وإنشاء مخطط عمل يحدد الأهداف العامة والميدانية تمهيدا لتصنيفه كمحمية طبيعية.
ليتحول جبل شنوة بذلك قلعة هامة من قلاع السياحة الايكولوجية في الجزائر لاسيما عقب تهيئة المناطق الثلاث المشكلة له وفقا لعملية تصنيفه، ويفترض ان تتدخل كل من مصالح وزارة البيئة والطاقات المتجددة والمديريات الولائية بالولاية المعنية بمباشرة نشاطات علمية واستكشافية وترفيهية وبيئية بهذا الموقع ليكتسب الجبل بذلك صبغة المخبر العلمي الطبيعي الذي يمكنه استقطاب إعداد هائلة من الباحثين.
وعدة الولي الصالح سيدي براهيم بن عيسى ماتزال شاهدة على تواصل الأجيال
ما يزال سكان منطقة شنوة وما جاورها ملتزمين بإقامة وعدة الولي الصالح سيدي براهيم بن عيسى الذي يقع ضريحه على بع كيلومترات قليلة من قرية شنوة السياحية خلال يومي الخميس والجمعة الأخيرين من شهر أكتوبر لكل سنة.
وهي الوعدة التي تحضر لها كلّ أنواع المأكولات الشعبية وترفق باحتفال شعبي ضخم يشمل عدّة فقرات تفوح منها نكهة أمازيغية خالصة لتبقى بذلك هذه التظاهرة السنوية شاهدة على تواصل الأجيال لاسيما وأنّ ذات الوعدة يرجع تاريخ اعتمادها إلى عدّة عقود خلت من الزمن وظلّت تشهد على مدار عدّة سنوات تبادل السلع والمنتجات الجبلية بين زوار الضريح حينما كان المستعمر الغاشم محاصرا سكان الأرياف دون ان يوفر لهم القوت والمؤونة.
و كان يتم عقد جملة من الصفقات التجارية المباشرة هناك على مدار يومين ويتمكن سكان المنطقة من اقتناء مجمل المنتجات التي تلزمهم على مدار السنة مقابل تقديم منتجاتهم الأصلية ليتم بذلك تجسيد مبدأ التضامن والاكتفاء الذاتي بطريقة تقليدية بحتة، ومن هذا المنطلق يدرج المرشدون السياحيون في الغالب هذا الموقع ضمن أهم محطات التوقف للوفود المشاركة في الخرجات السياحية لغرض شرح وتفصيل معطيات الثقافة المحلية التي تمتد جذورها الى الأزمنة الغابرة.
عين بوقصيب: مياه عذبة يتبرّك بها
قد يتبادر إلى أذهان العقلاء أنّه لا يعقل أن تساهم مياه متدفقة من منبع طبيعي جلب الحظ لذوي الحظ التعيس إلا أنّ هذه المقاربة تبقى من بين أهم تقاليد سكان المنطقة ولن يكون سهلا على أحد محو الفكرة من أذهانهم لاسيما وأنّ الوافدين إلى العين أو المنبع لشرب مياهها حصلوا في أكثر من مرّة على ما كانوا يرغبون فيه دون أن يتمكن أحد من إثبات حصول المبتغى علميا.
ولكن هذه الطقوس لا تزال تشغل بال سكان المنطقة بما في ذلك جموع الوافدين من مناطق بعيدة اعتقادا منهم بأن تناول شربة ماء من العين قد يذهب عنهم البأس والنحس ويعبّد لهم طريق الحظ الذي يوصل إلى مستقبل زاهر وتبقى هذه العين بذلك نقطة هامة من النقاط التي يقصدها الزوار بجبل شنوة ويتوقفون عندها لفترات طويلة طلبا للحظ وتبركا بماء المنطقة العذب.
منطقة “لالا ونزة” حاضنة لشجرة زيتون عمرت لأزيد من ألف سنة
تعتبر منطقة لالا ونزة بأعالي جبل شنوة من بين النقاط المميزة التي يدرجها المرشدون السياحيون في زياراتهم الموجهة بالنظر إلى تميزها وارتباطها بتاريخ الأجداد عبر أزمنة غابرة، بحيث يؤكّد المرشدون ومن ورائهم سكان المنطقة أنّ سن هذه الشجرة يتجاوز الألف سنة ولا تزال تنتج الزيتون بكثافة دون أن يتوقف عطاؤها لتدرج بذلك ضمن خيرات هذا الجبل اللغز الذي يحوي في طياته وجنباته العديد من الأسرار التي تقتضي بحوثا علمية مكثفة.
يؤكد بعض سكان المنطقة أنّهم توارثوا حكايات عمر الشجرة أبا عن جد واتفقت جلّ روايات الأجداد على أنّ تاريخها يمتد على بساط مئات السنين دون أن تصلها أيدي البطش والدمار على غرار ما حصل لأشجار مجاورة كانت تغطي المنطقة كلها وتوفر الظلال والثمار قبل أن تصل إليها النيران لتضع حدا لجمالها وعطائها ومساهمتها في تميّز المنطقة عن غيرها من مناطق الوطن.
وتبقى هذه النقاط المميزة مجرّد عينات وكفى بالواجهة الشرقية للجبل والتي يتم اعتمادها لتنظيم الرحلات الاستكشافية مع الإشارة إلى تأكيد المرشدين السياحيين على وجود كنوز أخرى أكثر جاذبية وتميّزا بالواجهات الأخرى والتي يتم اختيارها أحيانا لتنظيم الرحلات ليتحول جبل شنوة بذلك إلى وجهة سياحية متميّزة تجمع بين اكتشاف الطبيعة الخلابة والراحة والترفيه وتناول الأطباق الشهية.