تستقطب أسواق الخضر والفواكه الأنظار عشية حلول شهر رمضان الكريم، الذي يأسر المواطنين ويسوقهم إلى التجار لتنشأ مجددا معادلة غير متوازنة يغلب عليها التشنج وعدم رضا الطرفين، بين تاجر جشع وزبون أسير قفة يحرص على ملئها بكل ما لذّ وطاب، وبأيّ ثم وهنا يكمن الإشكال بحيث تمثل الأسعار الحلقة الساخنة، يتجاذبها الجشع من جانب والحذر من جانب آخر في غياب ثقافة تجارة احترافية ترتكز على دعائم توفر مناخا للشفافية مثل العمل بالفوترة واللائحة الأسبوعية للأسعار يضعها شركاء أسواق الجملة ولا تترك لما يسمى قانون العرض والطلب.
هذا القانون الذي يفصّله كل على مقاسه يكشف وجود هوة كبيرة بين الأسعار التي يفرضها تجار التجزئة والباعة المتجولون، وتلك التي توجد على مستوى أسواق الجملة، في ظل تقاذف مختلف الأطراف للمسؤولية بينما تستهدف القدرة الشرائية للمواطن في وضح النهار.
وفي زيارة إلى سوق الجملة للخضر بالحطاطبة يتبيّن أن الأسعار في المتناول مقارنة بما يتداول لدى باعة التجزئة، الذين يضاعفون السعر مرة وأكثر في غياب منظومة رقابة ذكية ومرافقة من جمعيات تمنع انزلاق البعض للاحتكار أو انتهاز فترات ارتفاع الطلب كما هو في المواسم ورمضان لكسب الربح السهل.
كشفت جولة لمندوب الشعب إلى سوق الجملة بالحطاطبة (ولاية تيبازة)، وجود فجوة عميقة بين الأسعار المتداولة عبر مربّعات تجار الجملة وتلك التي تصطدم بها المستهلك على مستوى تجار التجزئة بأسواق ولايات الوسط عامة وخاصة تلك التي تنشط بمناطق مصنفة خارج إطار معيار القدرة الشرائية للمواطن متوسط أو محدود الدخل.
تجّار التجزئة وراء غلاء الأسعار والوفرة خير دليل
ويكاد المتتبّع أن يصاب بالذهول وهو يقرأ الأرقام التي تطرح مدى موضوعية وشرعية هامش الربح، الذي يحصله تاجر التجزئة المستفيد الأكبر على ما يبدو من ترك السوق تحت رحمة معادلة غير متوازنة للعرض والطلب. ويتوقّع أن تلتهب الأسعار الخاصة بالخضر والفواكه أكثر على غرار أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء مع قدوم شهر رمضان المعظم، لما يرتبط به هذا الموسم بعادات تقاليد استهلاكية تخدم مباشرة مصلحة التجار، الذين شرعوا مبكرا في التربص للمواطنين واستهداف جيوبهم في وضح النهار.
وينفي السيد علال سمصار، رئيس مدير عام سوق الجملة بالحطاطبة الذي يتربّع على مساحة 40 ألف متر مربع، أن يكون تجار الجملة السبب وراء ارتفاع الأسعار، موضّحا في لقاء بمكتبه أنها تراجعت عن مستوياتها السنة الماضية، وأنّ الأمر يرتبط بحجم الإنتاج الموسمي فيرتفع المؤشر وينخفض حسب المواسم الفلاحية. ويتم قياس معادلة الأسعار بمعدل سعر أكبر منتوج يلقى الطلب، وهو البطاطس التي تحكم حركية السوق وتتبعها المواد الأخرى، فكلّما توفّرت وتراجع سعرها تأثرت بذلك المواد الأخرى، فالبطاطس تعتبر بمثابة قاطرة لمختلف المنتجات الفلاحية.
وسجّلت لوحة الأسعار معطيات مثيرة تتطلب تناولها بالدراسة والتحليل في تشخيص السوق بالمقارنة مع تلك التي تفرضها محلات ومربعات وعربات تجار التجزئة، فارضة على المستهلك أمرا واقعا لا تستند لمبررات اقتصادية وتجارية موضوعية. وأظهرت لائحة الأسعار بالجملة بهذه السوق التي تدبّ فيها الحياة من الرابعة والنصف صباحا إلى الخامسة مساءً لاستقبال البضائع محملة على متن 300 إلى 400 شاحنة يوميا، مستويات مقبولة أقل بكثير ممّا هي عليه أسواق التجزئة.
مؤشرات مثيرة تدق ناقوس الحذر لضبط هوامش الربح
وعلى سبيل المثال يتراوح سعر البطاطس حسب النوعية بين 15 و22 دج للكلغ، السلطة من 30 إلى 45دج، الفلفل بين 50 و60 دج، الثوم من 70 إلى90 دج، الجزر 30 دج، الشمندر 15 دج، اللفت 30دج، الخيار 12 دج، الفاصولياء الخضراء من 50 إلى 70 دج، الحمراء بين80 و90 دج، الليمون وهو حاليا خارج الفصل من 10 إلى 140 دج للكلغ، الطماطم 30 و45 دج،الكوسة 30 و40 دج، وبالنسبة لبعض الفواكه كالمشمش من 30 إلى 45 دج، البرقوق من 60 إلى 80 دج والفراولة من 50 إلى 100 دج للكلغ. ويطرح السؤال لماذا تصل إلى المستهلك بأسعار مضاعفة؟
وحسب السيد عمراوي فضيل وكيل بالجملة، فإنّ ما يجري في أسواق التجزئة غير مبرر وهو سرقة موصوفة للمواطنين واستغلال للمستهلكين، مؤكّدا وجود وفرة في الإنتاج هذه السنة، غير أنّه بلغة العارف بأمور السوق فسّر بقاء سعر الطماطم وبعض المواد الموسمية مستقرا دون أن يتراجع في فصل الصيف سببه أيضا المناخ البارد، وبمجرد أن تخيم الحرارة التي تؤثر مباشرة في مثل تلك المنتجات ستهبط الأسعار بشكل كبير.
واستهجن تلاعب بعض تجار التجزئة بالميزان ممّا يضر بالمستهلك مرتين السعر والوزن.
وفي سياق النقاش لتشخيص الظاهرة، اعتبر علي دراجي مدير الاستغلال التجاري أنّ سبب ارتفاع السعر لدى تاجر التجزئة مردّه نقص الأسواق الجوارية بالعدد الكافي ما يغيب المنافسة التي يفترض أن تصب في صالح المستهلك، وبرأيه تساعد الأسواق الجوارية على ضبط الأسعار وكسر احتكار البعض كون كل تاجر يحرص على التخلص من البضاعة لتجديد الدورة التجارية.
وأوضح مسؤول السوق التي تستقبل حوالي 900 طن من مختلف الخضر يوميا في فصل الشتاء و2400 إلى 2500 طن في فصل الصيف يوميا في فترات الذروة، أنّ الأسعار يحدّدها العرض والطلب ولا تتدخل الإدارة في المعادلة وتكتفي برصد وتسجيل الأسعار التي يتوصل إليها منطق العرض والطلب ونشرها على اللوحة الالكترونية وبموقع
السوق على الشبكة العنكبوتية. وذهب سمصار إلى ما قاله سابقه من أنّ المناخ المتأخر هذا الموسم أثّر على أسعار بعض المواد المرشحة للتراجع في الأيام القادمة إذا ما دخلت الحرارة بقوة الصيف على غرار الطماطم والمشمش وبعض الفواكه كالخوخ.
ترشيد الاستهلاك الورقة
القوية لكسر ارتفاع الأسعار
وأشار إلى أنّ الدور الذي يقع على إدارة السوق يتمثل في السهر على النظام العام وسيولة الحركة وتسير المربعات المؤجرة للوكلاء وضمان النظافة الدورية، إلى جانب توفير الأمن للتجار الذين يجدون داخل السوق مختلف الخدمات المطلوبة للحية اليومية، علما أنّ سوق الحطاطبة تموّن إلى جانب ولايات الوسط عددا معتبرا من الولايات مثل برج بوعريريج، سطيف، المسيلة، بجاية، تيزي وزو، الأغواط، وهران ومناطق بالجنوب كقواعد الحياة للمؤسسات البترولية وغيرها.
وعن حقيقة هامش الربح الذي يحصل عليه الوكلاء التجاريون، وعددهم 176 وكيل (مانداتير)، فإنّه بعد أن يتم استلام السلعة من الفلاح يسهر على بيعها مقابل عمولة تقدر بـ 8بالمئة من السعر المحصل، وأجمع محدّثونا على قيمة الثقة بين الفلاح والوكيل، علما أنّ السلعة تخرج من المزرعة بدون سعر الذي يتحقق في السوق.
وتدخل الوكيل عمراوي ليوضح عن تجربة أنّ الفلاح عموما كان لما يتجه إلى سوق الجملة يبحث عن تسويق الكمية ولكنه اليوم يبحث أكثر عن السعر، ولذلك هناك من يتابع حركة السوق قبل أن يخرج من المزرعة، ومنهم من يستعمل الهاتف النقال مع وكيله لمتابعة الأسعار ومن ثمة اتخاذ القرار التجاري، ولكن يشير إلى أنّ هناك من الفلاحين من لا يزال يتعامل بذهنية المحترف، بحيث ينقل كامل محصوله من خضر وفواكه للسوق مقتنعا بالسعر المعروض، غير أنّه ينبغي الإشارة إلى أنّ الفلاح ليس ساذجا فهو يضبط حصة الإنتاج وفقا لمسار الأسعار التي تحددها بورصة السوق.
وبخصوص ظاهرة المضاربة في الخضر، أبدى علال سمصار من موقع العارف بخبايا السوق نفيا لذلك، موضحا أنّه لو يشتري تاجر كمية من المنتجات ويضعها في مخزن سوف تتعرض للتلف لكون الخضر حساسة وهشة، ولا يمكن تخزينها طويلا، كما أن هناك منتجات لا يمكن للفلاح التأخر في جنيها وإلاّ فسدت وضاع محصوله، ومن ثمة لا خيار له سوى التوجه بها إلى السوق، حيث يبقى العرض والطلب هو الحاسم لإشكالية السعر، كما أنّ أي منتوج يكثر عليه الطلب يرتفع سعره مباشرة.
في انتظار وعود توسيع السوق وربطها بالطريق السريع
ولدى سؤاله عن مدى العمل بنظام البيع بالفاتورة بالسوق، ردّ موضّحا أنّ هناك من يتعامل بها وهناك من يكتفي بوصل اعتبارا أنّ الأسعار حرة كما أن الضريبة التي يدفعها الوكلاء بالسوق جزافية، ومن ثمة لا تمثل الفاتورة سوى بيانا لمصدر السلعة تستظهر عند المراقبة على الطريق. وبالفعل يمثل غياب العمل بنظام الفوترة أحد جوانب الضعف في منظومة لتجارة واسعة الاستهلاك علما أنّها من الأدوات التي يمكن أن تساهم في ضبط الأسواق.
غير أنّه بالرغم مما تمثله هذه السوق التي بدأت النشاط سنة 1993 من قدرة على استقطاب حركة السلع من الخضر أساسا والفواكه، إلاّ أنّها كما يشير إليه مسؤولها علال سمصار تعاني من الضغط إلى درجة أن الفلاح يضطر إلى التوقف ببضاعته في طابور الانتظار إلى حدود 3 ساعات إذا وصل متأخرا مما يفرض الانتقال إلى إنجاز عملية توسعة هذا الفضاء.
وبالفعل تمّ تقديم طلب في الموضع إلى الجهات المختصة على المستويين المركزي والمحلي في انتظار الرد.
وأضاف ذات المتحدث بهذا الصدد أنّ هناك وعود بذلك، موضحا أنّ عملية التوسيع ينبغي أن تتم على مستوى العقار المجاور للسوق التي أصبح لديها اسما تجاريا فاق رواجه المستوى المحلي.
وللتذكير، فإنّ سوق الجملة بالحطاطبة وهو مؤسسة عمومية أصبحت فرع لشركة إنجاز وتسيير أسواق الجملة (ماغرو)، يحافظ على نشاطه بلا انقطاع ولم يتعثّر حتى خلال السنوات الصعبة، كما أنّه يشغّل 100 عامل دائم ويمنح فرصة عمل لـ 3000 شخص يقتاتون منها من خلال مناولة 500 عربة نقل، ويمكن في حالة التوسعة رفع فرص العمل إلى 8 آلاف. ويأمل مسيّروه أن يتم ربط السوق بشبكة الطريق السريع بوسماعيل ــ شرشال، وذلك على مستوى بوهارون بطول يقدّر بحوالي 5 إلى 7 كلم، علما أنّ هذا الطريق يفتقر لمسالك اجتنابية ممّا يؤثر على حركة التنقل.
وتؤكّد المؤشرات ذات الصلة بقياس مدى أهمية السوق يشير مسيّرها إلى أنه يتم استقبال من 5 إلى 10 آلاف شخص، ومن 3 إلى 5آلاف سيارة وشاحنة من مختلف الأوزان، يقصدون هذا الفضاء للتمون بالسلع فيما تحرص إدارته على ضمان سيولة الحركة بنظام المراقبة بالكاميرات، وتدخل عناصرها المكلفة بالأمن الداخلي لفض الخلافات التي تنشب أحيانا عندما تتضارب المصالح بين التجار والدخلاء على التجارة.