توارثوهـا عـن الأجداد حفاظـا عليــها مــن الـزوال
البحث عـن فضـاءات لعــرض ومحاربـة العراقيل
تعد الصناعات والحرف التقليدية رافدا هاما يربط قسنطينة بموروثها الثقافي والحضاري، وتضم الشبكة الحرفية في الولاية أزيد من 100 نشاط، في حين يبلغ عدد الحرفيين بها نحو 8218 حرفي، كما تتوفر الولاية على 17 صناعة تقليدية تتمثل في صناعة الحلي الذهبية والفضية، النقش على الخشب، صناعة الخزف، النفخ على الزجاج، الأواني النحاسية، النقش على الجبس، الرسم على الحرير، صناعة الألبسة المطرزة، الحرج، الفتلة، الخياطة والحلويات التقليدية، هذه الثروة الكبيرة التي تعبر عن الموروث الثقافي المتعدد لمدينة العلم والعلماء وترسم ثقافة وطن، وتروي أصالة مدينة وحضارة منطقة وثقافة شعب بأكمله، تعرف تراجعا بسبب عدم الاهتمام بها ومرافقة المشاريع الخاصة بالصناعات التقليدية التي يمكن أن تساهم في الاقتصاد الوطني من خلال تطويرها والعمل على طريقة فعالة لتسويق المنتوجات المحلية في الأسواق الخارجية.
«الشعب» وفي جولة ميدانية للصالون الوطني للزي التقليدي، وقفت على الواقع المعيش للحرفيين في زمن أضحت الصناعة التقليدية مادة أولية لتنظيم المهرجانات والصالونات وبعيدة كل البعد عن ميكانيزمات تطويرها والبحث عن سبل تسويقها للأسواق الخارجية، وهو ما أكده بلال بن شريف حرفي متخصص في صناعة الأواني النحاسية بقسنطينة، حيث أكد أنه يزاول حرفة أجداده بصعوبة وذلك لما يواجهه من عراقيل تأتي في مقدمتها ندرة المادة الأولية وغلاءها، حيث يضطر لشرائها بأغلى الأثمان من عند الخواص وهو ما يعقد عمل حرفي النحاس.
وطالب بن شريف الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة السياحة بتوفير معارض دائمة وأسواق مغطاة خاصة بالحرف والصناعة التقليدية، مضيفا أنهم يفضلون المشاركة بالصالونات الوطنية للتعريف بحرفهم والاستمرار في مزاولتها وبيع المنتوجات النحاسية للتمكن من المواصلة والعمل بهذه الحرفة التي ورثها حسبه عن الأجداد رغم الصعوبات التي يوجهها.
من جهته رأى الحرفي كمال رايس حرفي بصناعة الفخار من مدينة قسنطينة أن الإقبال الملفت للزوار وكذا آخرين من ولايات مجاورة على غرار ميلة وأم البواقي على هذا الصالون، ساعد على تعريف وتسويق المنتج وهو ما يعود بالفائدة على الأعمال، مؤكدا في هذا السياق «كل منتجاتي الفخارية قد بيعت» لكن هذين الحرفيين طرحا بالمقابل غياب فضاءات ملائمة للعرض والتسويق ما يعيق، بحسبهما، تطوير وترقية هذه الحرف التقليدية.
وأكد الحرفي عمي كمال في هذا السياق أن الكثير من حرفيي صناعة الفخار يسوقون حاليا منتجاتهم على حواف الطرقات أو انطلاقا من منازلهم، مشيرا إلى أن هذا النشاط يتوفر على كل الإمكانات سيما وفرة المادة الأولية، لذا تهيئة فضاءات لبيع منتجات صناعة الفخار التقليدية في كل مدينة من شأنه أن يعطي «دفعا» لهذا النشاط الحرفي، مشيرا إلى أن صناعة الفخار وبكل تنوعها وثرائها تعكس تراثا فنيا وثقافيا لعديد مناطق البلادّ، فهناك الفخار الخاص بمنطقة القبائل وفخار الغرب وكذا منطقة الشرق، كما تعبر عن هوية شعب قبل أن تكون مصدرا لكسب المال وأن ترقيتها من شأنها أن تضمن ديمومة لحرفة موروثة عن الأجداد، فضلا عن المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني.
الشدة التلمسانية... بين غلاء الأسعار والندرة
من جهته الحرفي بابا أحمد نسيم حرفي متخصص في صناعة اللباس التقليدي مشارك من ولاية «تلمسان» أكد لنا أنه يزاول الحرفة منذ 7 سنوات رفقة والدته والذي تعلم من خلالها صناعة الزي التلمساني وعلى رأسها الشدة التلمسانية، هذا اللباس الذي يختلف حسبه عن باقي الأزياء الأخرى لما له من أصالة وتاريخ يجسد الأربع حضارات متتالية تعاقبت على الجزائر خصوصا ولاية تلمسان، حيث أن قطعه الأربع «الفوطة» والتي تمثل حقبة الأمازيغ، «القفطان يمثل حقبة الدولة العثمانية والبلوزة تمثل العرب لتأتي أخيرا «الشاشية» تمثل الأندلس، حيث أكد الحرفي أن اللباس التقليدي حاليا يحارب غلاء المادة الأولية التي نستوردها من الخارج وهو ما ينعكس سلبا على استمرارية الحرفة فغلاء الأسعار تؤثر على الحرفي كما على الزبون، حيث يفوق سعر الشدة التلمسانية 20 مليون سنتيم فضلا عن باقي الأزياء التقليدية، معددا أهم المشاكل التي يوجهها رفقة زملائه الحرفيين منها نقص المعارض الدولية، الأمر الذي يسمح لهم بالتعريف بالمنتوج التقليدي للعالم الخارجي، إلا أن العراقيل لن تقف في مواصلة العمل لترقية اللباس التقليدي الجزائري.
البدرون والكراكو العاصيمي... بصمة شعب بأكمله
ليس بعيدا عن جناح الحرفي نسيم التلمساني، توجهنا نحو معروضات الحرفية المبدعة دبيح زبيدة من الجزائر العاصمة والتي تعرض أزياء عاصمية بالدرجة الأولى على غرار «البدرون» هذا الزي التي أكدت الحرفية أنه خاص بالعروس ويعتبر من أهم مقتنياتها باعتباره الزي التقليدي الخاص بالعاصميات، والذي أدخلت عليه بعض التعديلات ليتوافق والتطور الحاصل بعالم الأزياء، فضلا عن الكراكو بكل أنواعه فهناك المصنوع بالفتلة، القطيفة، الشعرة والبرلاج، حيث تحدث عن النقص الفادح في المرافقة من طرف الجهات المعنية والتي بإمكانها أن تساعد الحرفي في نقل الزي التقليدي للأسواق العالمية الأمر الذي يساهم في دعم الاقتصاد الوطني وتطوير الصناعة التقليدية، فنقص المادة الأولية وغلاء الأسعار وضعف التسويق يؤثر على استمرار الحرفة ويساعد في زوالها.
الحرفية الذي يعتبر الصالون الوطني أول مشاركة لها بولاية قسنطينة طالبت الجهات المعنية بتنظيم مهرجانات دولية حتى تسمح لهم بالاحتكاك مع الحرفيين من العالم الخارجي والتعريف بالمنتوج التقليدي الجزائري الأمر الذي يسمح بالتسويق والتبادل التجاري بين الجزائر والدول الأخرى المهتمة بالصناعة التقليدية الجزائرية، هذه الأخيرة التي تتميز بثرائها وتنوعها.
المنتوج الصحراوي... بعيد كل البعد عن مناطق الشرق والوسط
الحرفية حياة غدير من ولاية وادي سوف، مختصة في صناعة الزي التقليدي الصحراوي والخاص بمنطقة الوادي، تزاول الحرفة منذ نعومة أظافرها ورثتها عن جدتها ثم والدتها، وهي اليوم تصارع من أجل بقاء حرفتها وتحاول من خلال مشاركاتها بالمهرجانات والصالونات الوطنية التعريف بلباسهم التقليدي المتميز والمصنوع من أجود الخيوط والجلود الطبيعية.
غدير عرفتنا على الزي التقليدي المشهور عندهم بالمنطقة والمسمى «الحولي» والخاص بمراسيم حنة العروس، والذي يصنع بمكونات بسيطة ورسوم تحاكي الطبيعة الصحراوية وطريقة عيش سكان الصحراء، ويعتبر حسبها من بين التراث الجزائري الذي لابد من الحفاظ عليه وكذا العمل لتطويره ليتماشى مع متطلبات كل الشرائح، حيث أكدت الحرفية الشابة على ضرورة تعميم هذا اللباس عبر كافة التراب الوطني والتعريف به وبأهميته ثم يتوجب عليهم كحرفيين تسويقه للعالم الخارجي، لتحدثنا على أهم المصاعب التي توجهها كحرفية خاصة وأنها حرفتها في صناعة هذه الأزياء التقليدية قديمة جدا، والمشكلة الحقيقية هي في الترويج للمنتوج والتسويق.
ووجهت نداء لوزارة السياحة تطالب فيه بالعمل التنسيقي لترويج المنتجات المحلية من خلال أسواق دائمة وكذا صالونات دولية كما هو معمول بالبلدان الشقيقة وتخص بالذكر تونس،المغرب، تركيا ومصر الأمر الذي سهل عليهم من توسيع نشاطهم وبيع منتجاتهم وتسويقها وبالتالي إنعاش الصناعة التقليدية والمساهمة بالاقتصاد الوطني.