توزيــع أكثر مـن 115 قفّــة و67 ألــف وجبـــــة منـذ حلـول الشّهـر الفضيل
تمكّنت ثاني أكبر مدن الجزائر، وهران من تغطية العجز في ميزانية قفة رمضان لهذه السنّة، بفضل تضافر الجهود الرسمية والمدنية والشعبية في أجمل صور التكافل الاجتماعي الذي يحثّ عليه ديننا الحنيف وتشجّعه الدولة كواجب وطني، وهو ما رصدته “الشعب” خلال خرجتها الاستطلاعية التي قادتها إلى عدد من مطاعم الرحمة ونقاط توزيع التبرعات.
خصّصت ولاية وهران مبلغ 241 مليون دج و261 ألف و446 دج لاقتناء قفة رمضان لسنة 2017 بمساهمة من بلدياتها الـ 26 ومديرية النشاط الاجتماعي والتضامن، وذلك في إطار الحملات التضامنية التي تنتهجها الدولة في كل عام لمساعدة الفقراء والمحرومين، حسبما علم لدى المكلّف بمكتب العائلة بمديرية النشاط الاجتماعي والتضامن.
حسب حضري محمّد، فإنّه بعد تقسيم هذا المبلغ على العائلات المعوزة التي ارتفع عددها من 74135 عائلة سنة 2016 إلى 86987 عائلة حاليا، لوحظ انخفاض في سعر القفة الواحدة، وأوضح أنّ هذا المبلغ يكفي لشراء 68902 قفة فقط، ما يستدعي تضافر كافة جهود المجتمع الرسمية والمجتمعية لمواجهة هذا الواقع.
كما أشار حضري إلى أكثر من 90 جمعية ومحسنا استفادوا من موافقة الوصاية للمشاركة في هذه العمليّة التضامنية بمختلف أشكالها، بالإضافة إلى مساجد تنشط في هذا المجال تحت وصاية مديرية الشؤون الدينية.
تمكّنت الجمعيات والمحسنون المشاركون في العملية التضامنية من توزيع 67504 وجبة في عين المكان و47261 أخرى محمولة، ناهيك عن 115833 قفة، وهذا إلى غاية 6 جوان2017 الموافق لـ 11 رمضان 1438، ولا تزال العملية متواصلة حسب مصدرنا، وسط توقّعات بأن يفوق العدد 120 ألف قفة في نهاية الشهر الفضيل، بالموازاة مع إحصاء 86 نقطة تخزين، دون احتساب الجماعات التطوعية والأفراد الذين فضلوا المساهمة في الخفاء.
وقد بدأت هذه العملية بعدد بسيط من المتطوعين، ثم ازدادوا شيئا فشيئا ليصل عدد الأعوان المسخرين لتوزيع القفة الرمضانية وإعداد الوجبات المحمولة وتأطير مطاعم الإفطار، وغيرها من العمليات الأخرى عبر الولاية إلى أكثر من 1260 شخصا ينتمون إلى مختلف الشركاء الفاعلين في هذا المجال.
من هنا يأتي دور التكافل الاجتماعي داخل وبين الأفراد والمجموعات المختلفة من الذين أظهروا رغبة عالية في التعاون، بدلا من الاتكال على مشاريع الدولة، يقول مصدرنا أن الأجهزة الرسمية لا تستطيع وحدها تغطية كافة احتياجات الطبقة الهشّة من المجتمع، دون المشاركة التطوعية الخيرية.
سوق الجملة للخضر والفواكه يتجنّد لتمويل العمليات التّضامنية
من أبرز المساهمين في هذا الإطار، المؤسسة العمومية لتسيير سوق الجملة للخضر والفواكه الكائن مقرها ببلديّة الكرمة، والتي جنّدت كافة إمكانياته المادية والبشرية لهذه الهبّة التضامنية الخيرية، حيث خصّصت يوم السبت من كل أسبوع خلال الشهر الفضيل لتوزيع كمية معتبرة من الخضر والتمور المتبرّع بها لأكثر من 36 جمعية ومنظمة ومؤسسة.
وقد دعا المدير العام لهذه السوق، عبد الحق بوسعادة قدور، المتعاملين الاقتصاديين إلى جمع تبرّعاتهم وتقديمها بطريقة جماعية في نقطة تخزين واحدة على مستوى هذا الهيكل التجاري الهام لإنجاح برنامج المساعدات وتمكين العائلات المعوزة ومحدودة الدّخل وعابري السّبيل من وجبة الإفطار.
وقد فاقت الكميّة المتبرع بها في الأسبوع الأول من شهر الصيام 10 أطنان من البطاطا و8 طن من الطماطم و4 قنطار فاصوليا خضراء و٥. ١ خص و8 طن من البصل و10 قنطار من الشمندر السكري و8 قنطار خيار و10 قنطار جزر و10 قنطار من التمر و٥. ١ قنطار من الكرم الزهري و3 قنطار باذنجان، إضافة لذلك تمّ توزيع خلال اليوم الأول كميّة معتبرة من الزيت والقهوة والسكر والفرينة والكسكس والطماطم المعلّبة والشاي والزبدة، وستتواصل هذه العمليّة إلى غاية آخر يوم سبت من الشهر الكريم.
قال بوسعادة في لقاء جمعه بـ “الشعب”، أنّ جميع عمال السوق المكلّفين بالعمليّة يعملون بشكل متكامل على تلبية احتياجات مختلف الأطراف التي أخذت على عاتقها إفطار عابري السبيل، مؤكّدا سعيهم المتواصل لتقديم المساعدات والمعونات، على أن يكون لهذا الجانب آليات تنظيم ومظلة توّحد هذه الجهود، بشكل يتناسب مع قيم وتقاليد ومبادئ المساعدة الإنسانية خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك.
وقد لقيت هذه المبادرة تضامنا ودعما كبيرين من قبل وكلاء الجملة، الذين قاموا بالتكفّل التامّ بمصاريف هذه الموائد، وهو ما مكّن بتخصيص عشرات موائد الإفطار والمساعدات العينية للعائلات الفقيرة.
الهلال الأحمر الجزائري يواصل مساعداته الإنسانية
ومن بين المستفيدين من تموين هذه السوق، الهلال الأحمر الجزائري فرع وهران، الذي تمكّن هذه السنة من توفير أكثر من 300 وجبة بعين المكان و50 أخرى محمولة، وذلك عبر مراكز الإفطار الثلاثة التي تمّ فتحها بكل من بلدية عيون الترك وحي ميرامار بوسط المدينة، ناهيك عن مطعم الإفطار المموّل من قبل شركة الاتصال “أوريدو”.
ويسود نشاط متطوعي هذه المنظمة الإنسانية جو مفعم بالحيوية والسعادة، بعيدا عن البروتوكولات وما شابهها، مثلما يوضّحه المتطوّع الشاب مختار خنوس، مختص في الكهرباء الصناعية والكهروميكانيك، قائلا: “أساهم في هذا العمل الخيري منذ الطفولة وهو شرف كبير لي، وقد تعلّمنا أشياء جديدة من خلال نشاطنا مع الهلال الأحمر”.
وهو ما وقفنا عليه على مستوى مركز الإفطار الذي فتحته شركة الإتصال “أوريدو” بمقرها بالقرب من محور الدوران المرشد، وكانت حينها الساعة تشير إلى حدود الثامنة مساء، أي 15 دقيقة قبل أذان المغرب، عندما بدأ الصائمون من الأفارقة اللاجئين يتوافدون في هدوء وتنظيم محكم ودون أية عراقيل، حسبما لوحظ في عين المكان.
قال خنوس الذي سخّر نفسه طواعية ودون إكراه لمساعدة ومؤازرة الآخرين أن”غرضهم من هذه الأعمال التطوعية الخيرية، هو زرع روح التضامن وإحياء أخلاق التكافل والإحساس بالغير مع حرصه الدائم على إيصال المساعدات لمستحقيها بمنتهى المصداقية والشفافية.
المحسن برابح رابح يطمح لزيادة حجم المساعدات
جريدة “الشعب” انتقلت في اليوم الموالي إلى مطعم الرحمة، الكائن بدوار بلقايد والذي يشهد منذ اليوم الأول من شهر الصيام حركية وتوافدا كبيرا للمحتاجين وعابري السبيل من أجل الإفطار أو أخذ الوجبات الجاهزة.
هذا المطعم تمّ تجسيد فكرته من قبل برابح رابح ينشط في مجال استيراد وتصدير التمور، والذي أخذ على عاتقه إطعام عابري السبيل خلال الشهر الفضيل، ولاسيما منهم الطلبة الداخليون بمساهمة بعض المحسنين والمتطوعين من النساء والرجال القائمين على هذا المطعم.
أكّد لنا برابح أن هذه الفكرة راودته منذ أكثر من ثلاث سنوات وعمل على تجسيدها في رمضان 2017، مؤكّدا أنّ بإمكانه إطعام ضعف العدد وخارج إطار المنظمات كالهلال الأحمر والجمعيات في حالة توفّر المساحة الكافية، إذ يتراوح العدد يوميا بين 250 إلى 300 شخص يوميا، متمنيا مواصلة التكفل بهم إلى غاية نهاية رمضان.
وعن سؤالنا حول مصدر التموين، أجاب محدّثنا أنّه يعمل مستقلا بذاته وأنّ أبوابه مفتوحة لتبرّعات المحسنين وأهل الخير، مضيفا أن مقر المطعم عبارة عن محل تجاري مساحته تتسع فقط للوسائل المستعملة في الطبخ والتنظيف وغيرها من الضروريات، على أمل منه بأن تساهم السلطات المحلية في توفير المقر أو عدد من الخيم والترخيص له بوضعه.
وفيما يلي بعض المظاهر المشينة التي لفتت انتباه “الشعب”، أبرزها عشوائية توزيع الإعانات وعدم تنظيمها وتباهي المعنيين عبر المواقع الاجتماعية وهواتفهم النقالة بنشر صورهم مع الفقراء خلال توزيع المساعدات دون مراعاة لأي بعد ديني وإنساني، بغية تمرير غايات معينة، سواء كان من قبل أشخاص وجمعيات أو منظمات إنسانية ومؤسسات.
وهو ما يحدث في وقت توجه فيه الكثير من الانتقادات للمتطوعين التابعين للجهات المعتمدة، لاسيما وأنّ الكثير منهم يسعى لتحقيق أقصى استفادة شخصية ممكنة من العمل الخيري، وهذا يتعارض مع طبيعة العمل الخيري، ناهيك عن غياب الدورات التكوينية الكفيلة بتدريب المتطوع وتهيئته للعمل والحد من الأمور السلبية والمخاطر المصاحبة لأي برنامج تطوعي أثناء تأدية العمل، ناهيك عن ممارسات التحيّز في تقديم الخدمات للمعارف أو الفئة التي ينتمي إليها وغيرها من التصرفات السلبية.