من يقف وراء تهريب الكميات الضخمة من المخدرات عبر المناطق الحدودية بعدما تجاوزت السموم المحجوزة كل التصورات، فقد أصبحت المخدرات بمثابة محجوزات عادية حيث سبق وأن حجزت عناصر الفرقة الجهوية لمكافحة المخدرات ١٨٠ طن منها في أكبر عملية خلال الأسابيع الماضية محطمة الرقم القياسي الذي كان بحوزتها والمقدر بـ ١٣٣,٥٧ طن.
التساؤل حول من قد يجرؤ على تهريب كل هذه الكمية دون خوف هذا ما جعل «الشعب» إلى القيام بهذا الاستطلاع الميداني في الجهة الغربية من الوطن الدي طالما كان عرضة للتهريب، مستندة على مصادرها من المصالح المعنية والجهات المختصة في مكافحة جرائم المخدرات .
أكثر من ١٢٠ طن من المخدرات حجزت خلال العشرة أشهر الأخيرة
كشفت مصالح الأمن المشتركة أن حصيلة محجوزاتها من المخدرات بمختلف الأسلاك الأمنية تتمثل في أكثر من ١٢٠ طن من الكيف المعالج والقنب الهندي وذلك طيلة الأشهر العشرة.
تمكنت مختلف وحدات الدرك الوطني ومجموعات حرس الحدود من حجز أزيد من ٦٣ طنا من المخدرات المغربية بالحدود الغربية والجنوب الغربي للبلاد، بينما حجزت مصالح الأمن الوطني ممثلة في الشرطة بمختلف فروعها أزيد من ٤٩ طنا من القنب الهندي منها أكثر من ٣٨,١ طنا حجزتها مصالح الفرقة الجهوية لمكافحة المخدرات.
من جهتها حجزت فرق الجمارك أزيد من ١٠ طن من المخدرات، حيث كانت ولاية تلمسان المحاذية للمغرب مسرحا لأغلب المحجوزات القادمة من المملكة المغربية.
وتمثّل هذه الحصيلة منحى جديدا في تصاعد مخاطر الجريمة العابرة للحدود، والتي تستهدف إغراق الجزائر بالمخدرات وإنشاء شبكات محلية لنقل الكيف، خصوصا نحو بلدان الشرق الأوسط، ودول شرق البحر الأبيض المتوسط مستغلة أحداث اللاأمن بكل من دول الجوار لجعلها ممرا خصبا لكميات المخدرات نحو الشرق ومنها إلى أوروبا بعد الإنغلاق الذي تعرفه الحدود البحرية مابين إسبانيا والمغرب نتيجة تجميد اتفاقية الصيد التي كانت مبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.
استغل المغرب تجميد الاتحاد الأوروبي لاتفاق الصيد لتهريب كميات كبيرة من المخدرات بحرا نحو إسبانيا ومنها إلى باقي دول أوروبا. لكن الإجراءات التي اتخذتها أوروبا وتشديد الرقابة على دخول المخدرات عبر الخط البحري أدى ببارونات المخدرات إلى تحويل وجهتهم نحو الحدود البرية محاولين اتخاذ الجزائر ممرا خصبا لتهريب عشرات الأطنان من المخدرات.
وفي تقدير خبراء مكافحة المخدرات لـ «الشعب» فإن الكميات المحجوزة لا تمثل نظريا أكثر ١٥ بالمائة مما يهرّب فعليا، وهذا في حد ذاته يشكل خطرا حقيقيا على أمن الدول المستهدفة، عبر محور شمال إفريقيا والشرق الأوسط ودول شرق المتوسط، بينما يبقى المغرب يدير ظهره للجرائم العابرة للحدود، والتي تنطلق من أراضيه ويدفعها إلى دول الجوار دون أية التزامات تجاه المواثيق الدولية.
وقد أدى اعتماد مصالح الأمن على المخطط الاستعلاماتي إلى تفكيك العشرات من الشبكات وحجز كميات أكبر وتلقي معلومات حول شبكات أخرى لا تزال محل تحقيق لكبح نشاطها وفقا لقانون المحافظة على أمن الجزائر من الجرائم العابرة للحدود.
حجز ٦٠ قنطارا من الكيف
تمكنت عناصر الدرك الوطني خلال الأسبوع الماضي من حجز قرابة الـ ١١ قنطارا من الكيف المعالج كانت مهربة على متن سيارتين من نوع مرسيدس تخلى عنها أصحابها، وحددت عناصر الدرك هوية صاحب السيارة حيث شنت حملة واسعة لتوقيفه.
العملية تمت ما بين قريتي الزحاحفة ومنطقة عنق الجمل بلدية باب العسة، وقد جاءت استغلالا لتحقيقات إستعلاماتية كشفت عن كمية تزيد عن٣٠٠ طن من المخدرات كانت مهربة نحو الجزائر عبر الحدود الغربية من طرف بارونات المخدرات الذين كونوا شبكات عابرة للحدود.
وحسب مصادرنا فإن الكمية كانت موزعة على ٣١ حقيبة تتراوح أوزانها بين ٢٥ و٣٠ كلغ ، معبأة على متن سيارة مرسيدس إخترق سائقها الشريط الحدودي بسرعة فائقة قبل أن يحاول الرجوع، لكنه فشل ما أرغمه للتخلي على السيارة والبضاعة والفرار، رغم ذلك نجح أعوان الدرك الوطني من تحديد هويته، هذه الكمية تضاف إلى كمية الـ ٥٠,٥٤ قنطارا التي تم حجزها خلال الأسبوع المنقضي والتي حجزت منها مصالح الجمارك ٢٠,٥٤ قنطار بمنطقة عين فتاح وعناصر حرس الحدود أكثر من ٢٠ قنطارا بمنطقة الدالية بالحدود الغربية وعناصر الدرك الوطني ١٠ قناطير بمنطقة المفتاحية في الطريق نحو مدينة زناتة.
يدل هذا على مدى قوة البارونات التي تستغلها بعض الأطراف السياسية في إغراق الجزائر بالمخدرات، وإلا كيف يفسر حجز أكثر من ١٣٠ طن من السموم منذ بداية السنة من مصالح الأمن المشتركة ومن يقف وراء تعويض الخسائر الناجمة عن الحجز والتي تتكبدها شبكات التهريب والمقدرة بمئات الملايير من الدينارات، الأمر يؤكد وجود لوبي قوي وراء تدعيم حملة تهريب المخدرات من المغرب إلى الجزائر.
من جهتها باشرت مصادر أمنية تحقيقات معمقة مصحوبة بمخطط أمني للتصدي لزحف المخدرات إلى الجزائر خاصة بعد الارتفاع الكبير للكميات المحجوزة خلال الأسبوع الماضي أين تمكنت عناصر الأمن المختلفة من حجز ما كميته ٥٠,٥٤ قنطارا من المخدرات في عمليتين منفصلتين ما بين الجمارك وحرس الحدود.
العملية الأولى تمت على مستوى منطقة الدالية الحدودية أين تمكن عناصر حرس الحدود من حجز ٢٠ قنطارا من الكيف المعالج كانت بصدد الدخول إلى التراب الوطني تخلى عنها مهربون وتراجعوا نحو المغرب على خلفية إصطدامهم بدورية لحرس الحدود كانت بالمنطقة، وقد حجزت مصالح حرس الحدود البضاعة فيما لا تزال مصالح الدرك الوطني لدائرة مغنية المختصة إقليميا تحقق في الموضوع.
من ناحية أخرى وفي عملية منفصلة تمكنت عناصر الجمارك لمغنية في حدود العاشرة ليلا من حجز سيارتين من نوعي «مرسيدس، ورونو ٢٥» تمت مطاردتهما بمنطقة بوطراق التابعة لبلدية فلاوسن محملتين بـ ٢٠,٥٤ قنطارا من الكيف المعالج في حين تمكنت سيارة ثالثة من الفرار أين تم توقيفها من طرف عناصر الدرك الوطني بإقليم أولاد رياح بعدما تخلى عنها سائقها أين تم العثور على كمية ١٠ قناطير من المخدرات داخل السيارة التي لا يزال البحث عن أصحاب البضاعة جاريا هذه الكمية التي تعد الأكبر خلال هذه السنة.
وقد إرتفعت كمية المخدرات المحجوزة إلى أكثر من ١٢٠ طن في ظرف ٣ أشهر فقط وهو ما يعكس الارتفاع المذهل لهذه السموم التي حجزت منها مصالح الجمارك لوحدها ٨,١٥ طن وهو ارتفاع بثلاث مرات مقارنة بالسنة الماضية أين حجزت مصالح الجمارك خلال سنة كاملة ١٩,٦١طن هذا ولا تزال مصالح الأمن المشتركة (شرطة، الدرك، فرقة مكافحة المخدرات، حرس الحدود) تقيم طوقا أمنيا شديدا على المنافذ الحدودية بعد معلومات وصلت مصالح الأمن تشير إلى أن بارونات المخدرات عازمون على تهريب كمية ضخمة من المخدرات تزيد عن الـ ٣٠٠ طن من الكيف لتعويض خسائرهم المتزايدة بفعل عمليات المراقبة المشددة على مستوى الحدود الغربية الجزائرية.
حقول الماريخوانا بإقليم جبالة بالمغرب
كشفت مصالح مكافحة المخدرات لولاية تلمسان أن تزايد كمية الأمطار خلال السنوات الأخيرة بإقليم جبالة المغربي وراء ارتفاع محصول حقول الماريخوانا بالمغرب التي حطمت الأرقام القياسية ما جعل المنتجين يفكرون في طريقة لتصريف منتجاتهم قبل موسم الجني لتفريغ المخازن تحضيرا للمنتوج الجديد.
وإن كانت أوروبا الطريق الوحيد لتصريف المنتجات أين كانت علاقات بارونات المغرب تتم مع بارونات أوربا عن طريق البحر استغلالا لقرب المسافة فإن تجميد الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الصيد البحري استغلتها مافيا تهريب المخدرات وترويجها بطرق ملتوية نحو أوربا ما جعل السلطات الإسبانية تلغي الاتفاقية للمحافظة على أمنها.
هذا القرار جعل المغاربة يجندون جيوشا من البارونات أغلبهم من المبحوث عنهم في قضايا مخدرات لنقل كميات كبيرة من السموم نحو المشرق انطلاقا من الجزائر. وزادت الوضعية الأمنية بكل من ليبيا وتونس ومالي في تسهيل مهمة البارونات الذين صاروا ينقلون المخدرات من المغرب نحو الشرق عبر الطرق السرية.
وأشارت مصالح الأمن إلى أن الكميات الكبيرة من المخدرات المحجوزة لا تشكل سوى ١٥ بالمائة من الكميات التي يتم تهريبها من المغرب، حيث تختلف طرق التهريب من شبكة لأخرى فمنها ما يختار الطرق الصحراوية من بشار إلى أدرار ومنها إلى ولاية الواد والحدود ومنها ما يختار الطريق السيار شرق غرب عبر العاصمة وصولا لعين مليلة ومنها إلى الحدود.
أما الفئة الثالثة فتختار طريق الساحل حيث يتم تهريب مئات القناطير عبر وهران التي تحولت بدورها إلى طريق خصب للمخدرات وخزانا مهما لها قبل تحويله إلى الشرق أو بحث سبل لشحنه في البواخر الموجهة لأوروبا انطلاقا من ميناء الباهية.
أكثر من ١٠٠ بارون جزائري متابع من قبل العدالة يعيشون بالمغرب
أكدت مصادر قضائية أن أكثر من ١٠٠ شخص من سكان المناطق الحدودية محكوم عليهم بالحبس النافذ لأكثر من ٢٠ سنة وهم في حالة فرار لتورطهم في قضايا المخدرات أما عن المحكوم عليهم والموقوفون في قضايا المخدرات فيشكلون ١ / ٣ من مجموع المحبوسين.
وأشار ذات المصدر إلى أن البارونات المحكوم عليهم غيابيا والذين لازالوا في حالة فرار هم من يقفون وراء عملية تهريب المخدرات للجزائر بعدما تمركزوا بالمغرب وشكلوا قاعدة خلفية قوية بالمناطق الحدودية حيث تمكنوا من الحصول على الجنسية المغربية باستعمال أموال المخدرات وربطوا علاقات مع أصحاب المال بالمشرق العربي وصاروا ينقلون كميات كبيرة من السموم نحو المشرق.
وتعرف باب العسة أكبر منطقة عبور لهذه البضاعة الخطيرة التي غالبا ما تستعمل فيها سيارات المرسيدس «سبينتر» المعروفة بالسرعة والقوة وقدرة الحمولة كما تستعمل سيارات (رونو٢٥) وقت الشدة وذلك لسرعتها وخفتها.
أما عندما تقوم مصالح الدرك الوطني بالتمشيط فإن الأمر يفرض على البارونات استعمال الأحمرة المدربة لنقل البضاعة من الحدود إلى المخازن ومنها يتم حملها في الشاحنات لنقلها نحو الشرق حيث أن البارونات يستعملون شاحنات تحوي على مخازن سرية أو يقومون بالتمويه باستعمال مواد البناء أو الحصى أو الرمل لإخفاء المخدرات.
ويستعمل المهربون طرقا مختلفة لتفادي التفتيش حيث أنه غالبا ما يغير السائقون الطرق خوفا من إلقاء القبض عليهم قبل بلوغ البضاعة إلى أهلها. أكد أحد الموقوفين في محضر سماعه أنه يقوم بنقل المخدرات بـ ٤ ملايين للكلغ الواحد من مغنية إلى أم البواقي وأحيانا يرتفع المبلغ حسب الكمية.
وبقدر ما كانت المهمة خطيرة بقدر ما ارتفعت تكلفة النقل ،حيث أن الناقل غالبا لا يعرف صاحب البضاعة ولا مصدرها حيث يتلقى الشاحنة المحملة بمنطقة حدود ويبلغونه بمكان وصولها أين يلتقي به شخص مجهول يأخذ منه البضاعة ويدفع له المبلغ المتفق عليه، وهذه الطريقة يتبعها البارونات المعروفون والذين يتفادون ظهور طرقهم ومنابعهم في حالة القبض على السائق الذي غالبا ما يتحمل المسؤولية أثناء توقيفه لغياب أثار الممون الذي يتعامل معه باسم مستعار وبرقم هاتف بإسم أموات أو قصر أو مبحوث عنهم.
معدات وأجهزة حديثة لمكافحة الجريمة
أجمعت المصالح الأمنية المكلفة بحماية الحدود لـ «الشعب» أن الكمية المحجوزة من المخدرات ورغم ضخامتها لا تشكل سوى ١٥بالمائة من الكيف المهرب من المغرب، حيث أنه غالبا ما يتم حجز المخدرات بناء على وشاية من المغاربة أو بعض البارونات الذين يعشون صراعات دائمة ويسعون إلى تحطيم بعضهم البعض للمحافظة على ارتفاع البضاعة من جهة وتحكمهم في تسيير الكيف من جهة.
أمام هذا الوضع الخطير لم تجد الدولة الجزائرية من سبيل للوقوف في وجه هذا التنامي الكبير للمخدرات سوى تجنيد كافة الطاقات وتدعيم مصالح الأمن بمنشآت جديدة على رأسها ٣٢ مركزا حدوديا مدعما بعتاد متطور في انتظار تدعيمهم بطائرة مروحية لمراقبة الحدود عن كثب.
كما تم فتح مركز للفرقة الجهوية لمكافحة المخدرات بمنطقة حمام بوغرارة قرب الطريق السيار الذي أصبح سبيلا خصبا لتنقل المخدرات بحكم أنه يربط بين الشرق والغرب ، كما تدعمت فرق مكافحة المخدرات بالعنصر النسوي والعتاد من أجل ضمان مكافحة آفة المخدرات التي حولت الجزائر إلى منطقة عبور، الأمر الذي جعل من السلطات القضائية تقوم برفع نسبة التجريم وتخصيص محكمة خاصة بوهران لمعالجة قضايا المخدرات وتسليط أحكاما قاسية على البارونات ليكونوا عبرة لكن رغم ذلك تبقى الظاهرة في تزايد مستمر.
مسؤولون مغاربة على رأس الشبكات
أكدت التحقيقات التي باشرتها مصالح الأمن المشتركة وقوف مسؤولين سامين في الدولة والأمن المغربي وراء عمليات تهريب المخدرات بكميات كبيرة من خلال دعمهم للبارونات.
ولعل توقيف أكثر من مسؤول من الأمن الملكي بالمغرب وكذا مسؤول المخزن لعمالة وجدة في المغرب من خلال تورطهم في قضايا مخدرات خير دليل على تورط مسؤولين في الأمن مع بارونات المخدرات في أكبر القضايا، وبالجزائر أطاحت قضية الـ ٢٨ قنطارا من الكيف التي ضبطت بمغنية والغزوات التي كانت في طريقها نحو أوروبا بمدير الأمن الولائي لتلمسان الأسبقئالموجود رهن الحبس ورئيس أمن دائرة مغنية ومجموعة من الضباط الذين تبين ضلوع بعضهم مع بعض بارونات التهريب.
هذا وفي الوقت الحالي تحقق مصالح الأمن في تورط مسؤولين سامين استغلوا أوضاع الأمن بليبيا وتونس ومالي لاتخاذ الجزائر معبرا لكميات كبيرة من المخدرات التي بلغت درجة من الخطر فرضت تدابير عاجلة من مختلف المصالح الأمنية الوطنية لمواجهتها.