لاتزال تداعيات الأمطار التي تساقطت الخميس المنصرم، تلقي بظلالها على حي الدرب وسط مدينة وهران، حيث يتربص الموت منذ ما يزيد عن ١٣ سنة بمئات السكان، بعد أن تحول نسيجه العمراني إلى أطلال وأكوام من الأتربة والقاذورات.
زادت من تأزم الأوضاع الاضطرابات الجوية الأخيرة ما دفع السكان المتضررين إلى تنظيم وقفة احتجاجية صبيحة أمس بساحة أول نوفمبر.
«الشعب» تنقلت إلى عين المكان للتحري في وضعية الحي الآيل للسقوط وبصعوبة ولجنا المباني المهددة بالانهيار الكلي في أية لحظة.
وبعد دخولنا أول مبنى ، لم نتمكن من صعود السلالم الخشبية إلا بمساعدة قاطنيها الذين ارتسمت المعاناة على وجوههم قبل استعراض وضعيتهم الصعبة ، خاصة وأن العشرات منهم تجاوزوا سن الـ٧٠ من العمر.
وعبر السكان لـ «الشعب» عن تذمرهم وغضبهم الشديدين زهاء ما وصفوه بلا مبالاة السلطات المحلية خاصة أثناء فترة تساقط الأمطار، حيث قضوا الليلة في الشارع، يؤكد هؤلاء دون تدخل أحد، عدا مصالح الأمن الذين أمروا بإخلاء المباني قبل وقوع الكارثة.
وأكد السكان أن العقود المسبقة للاستفادة من سكنات تجاوزت ١٦ شهرا دون جديد يذكر، وبالمقابل يعرف عدد المتضررين من الجرحى ومرضى الحساسية ارتفاعا متواصلا، خاصة الأطفال وكبار السن.
وحسب المعلومات التي استقيناها من هؤلاء فإن زهاء ٧٤٠ عقدا سبق تم الإفراج عنهم منذ ١١ ديسمبر ٢٠١١، وزهاء ٣٦٠ طعنا لم يفصل فيه بعد رغم مرور المدة القانونية المحددة بـ٦٠ يوما، كلها معطيات يقول السكان «تجعلنا نطالب بلجنة تحقيق لتقصى الواقع المر»، وخاصة الـ ١٠٠ عائلة المنسية التي لم يحدد مصيرها بعد، ناهيك عن أكثر من ١٠٠ دخيل يضيف أحد سكان حي الدرب.
السيدة بن يوب مخطارية تقطن عمارة رقم ٨ بشارع البليدة، ممثلة ٣ عائلات بسكن واحد من أصل ١٥ عائلة ناشدت الجهات المعنية، وعلى رأسهم الوالي عبد المالك بوضياف التدخل العاجل والإفراج عن كوطة رئيس الجمهورية الخاصة بالقضاء على السكن الهش.
وتفاقمت معاناة السيدة آيت بن علي خديجة إلى درجة متقدمة على خلفية تعرض ابنتها إلى جروح على مستوى الرأس، وهي تنظف مخلفات الأمطار التي كانت سببا في سقوط سقف منزلها، وتبقى التهديدات تتربص بأفراد عائلاتها التسعة، حالها حال عائلة بن يوب السعيد المكونة من ٩ أفراد.
أما منزل مقران جمال أب عائلة من ٤ أفراد فتحولت أجزاء كبيرة منه إلى أكوام من الأتربة والحفر، وهي وضعية مسكن بزيدي الهواري صاحب ٥ أفراد يتقاسمون الخطر بكل معانيه، حالهم حال سكن السيدة فداق نفيسة الذي يأوي ٧ أفراد وعائلة بن صالح الويزة والهاشمي المكونة من ٩ أفراد.
في هذا الجو واصلنا الصعود إلى حي الدرب وكلنا حذر، استوقفنا السيد هزيل بلحاج ٤٥ سنة في حالة نفسية منهارة زاد من معاناته حسب ما ذكره تماطل الجهات المعنية في دراسة وضعيته.
وأكد بلحاج بنبرة غضب أنه لم يستفد بعد من أي عقد وقال « ماتت والدتي قبل أن يتحقق حلم العائلة في الحصول على مسكن».
السيدة قلوشة قادة الزهرة، التي تعيش نفس الوضعية تساءلت « أين المفر من الردم تحت الأنقاض، أنا أتكفل بعجوز معاقة طريحة الفراش».
وقد وقفنا على نفس المعاناة بتدخل السيدة داودي نصيرة أرملة تحلم بسقف وجدران تحميها.
وما سجلناه بمبنى رقم ٥ الذي يضم أكثر من ١٢ عائلة، أن عديد السكنات تأوي ثلاث عائلات في منزل واحد يجابهون خطر الموت الجماعي، على غرار عائلة بشفار خالدية وبومغزة سعدية، حيث يعيش أكثر من ١٢ فردا ظروفا أقل ما يقال عنها أنها غير إنسانية.
إنها عينة من الواقع وليس الواقع كله ، حيث دق السكان ناقوس الخطر بشارع سكيكدة، وبالضبط على مستوى مبنى رقم ١، حيث تفجأنا بتسرب الغاز والروائح الكريهة. سألنا عن مصدرها، أوضح السكان، أن رائحة الغاز تعايشوا معها منذ أكثر من ١٠ سنوات ، أما الروائح الكريهة فمصدرها ارتفاع الرطوبة وتسرب المياه القذرة والنفايات الفوضوية التي أتت على محيط الدرب، بعدما تحول إلى منطقة محظورة باستحقاق، حسب عائلة شيخاوي المكونة من ٦ أفراد تعرض سقف منزلها إلى انهيار كلي.
وواصلنا مسيرتنا إلى أن بلغنا منزل بن الدين كريم ٤٩ سنة، بعد شهرين من الغياب قضاها بغرفة العناية المشددة، ليخرج معاقا إثر تعرضه إلى حادث مميت بالبناية.
مع العلم أن منزل المعني يأوي أيضا عائلة كوبي مراد والقائمة طويلة...
عائلات حي الدرب خرجت إلى الشارع لإسماع صوتها على تماطل السلطات المحلية في ترحيلهم، ورفعوا لافتات يطالبون فيها بحضور والي الولاية، وذكروه بوعد «نقلهم إلى شقق جديدة منذ سنة ٢٠١١ تاريخ الإفراج عن العقود المسبقة».
وعبر أحد القاطنين بحي الدرب في تصريح لـ «الشعب» عن «خيبة أمل العائلات التي ظلت تنتظر الترحيل منذ شهر جوان الماضي، بعد أن طلب منهم أعضاء لجنة الإسكان حزم أمتعتهم لتبقى الأمور تراوح مكانها منذ ذلك الحين».
وركز جل السكان على الطابع السلمي للاحتجاج، من أجل إسماع صوتهم للمسؤولين وإثارة انتباههم للحالة المزرية التي لا تطاق .
المؤكد أن سكان العمارات المنهارة الذين يواجهون هذه الظروف الصعبة فندوا الأخبار المتداولة حول رفضهم الترحيل نحو سكنات بشرق وهران، مؤكدين أن العقود تحمل موقع حي قديل متسائلين عن موقع الحي الذي لم يعثر له على مكان بعد، باعتبار أن قديل اسم بلدية بوهران.