الجو العائلي يقاوم السلوكات المنحرفة
تعيش حديقة الوئام المدني أو حديقة التسلية والترفيه بابن عكنون واقعا مزريا يحتاج لمخطط استعجالي لإنقاذ إحدى أهم الرئات التي تتنفس منها العاصمة. كما تطرح وضعية الحديقة الكثير من التساؤلات، خاصة في ظل سكوت الجهات الوصية وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري على تدهور حالتها والإهمال الذي يطالها..
يحدث هذا في ظل حاجة الخزينة العمومية لكل دينار لتغطية العجز والاستجابة للمصاريف الكبيرة التي يتطلبها الاقتصاد الوطني والجبهة الاجتماعية لحديقة الوئام، كان يمكن أن تكون مصدرا مدرا لملايير الدينارات لو يتم استغلالها أحسن استغلال. التفاصيل في هذا الاستطلاع الذي أجرته «الشعب» بعين المكان.
الغريب في الأمر أن تدهور الحديقة التي يعود تاريخ تدشينها الى 04 جويلية 1982 حيث راهن عليها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لدفع الحركة السياحية في الجزائر وتمكين الجزائريين من فضاءات ترفيه وتسلية، يتزامن مع حالات الترميم ورد الاعتبار لمختلف المساحات الخضراء والحدائق، على غرار غاباتي بوشاوي وباينام التي استرجعت بريقها وأصبحت قطبا سياحيا ومصدرا للتنمية المستدامة، حيث ساعدت على نمو الحركة التجارية وخلق مناصب عمل للعديد من الشباب. كما أن حديقة الأحلام بالصنوبر البحري بالعاصمة، تم تأجيرها لأحد الخواص الذي أعاد بعثها وباتت مكانا عائليا بامتياز.
307 هكتار غير مستغلة ...
كشف المدير العام بالنيابة لحديقة الوئام بابن عكنون» ح.م»، بأن مساحة الحديقة بأكملها 307 هكتار، وهي مساحة معتبرة جدا، معظمها غابات ومساحات خضراء، فهي إحدى أهم رئات العاصمة.
أوضح المدير العام بالنيابة في حديث لـ «الشعب» على هامش تدشين مركز للحماية المدنية في الحديقة أن وضعية الحديقة صعبة نوعا ما، موضحا بأنه مدير بالنيابة خلفا للمدير السابق ولا يمكنه القيام بالشيء الكثير.
قال ذات المتحدث لنا أن الوصايا هي التي لها صلاحيات اتخاذ القرار للعناية بهذا المرفق السياحي الترفيهي المميز، وبأن التمويل سيكون أهم محور لتطوير الحديقة التي تحتاج لميزانية لتغطية احتياجاتها والتكفل بـ 507 عامل من مختلف الأصناف.
أوضح المتحدث في سياق متصل بأن المتوفر حاليا يتم استغلاله والحفاظ عليه لتمكين العائلات الجزائرية من مساحة ترفيه وتسلية.
يظهر أن عدم استقرار المدير على رأس الحديقة من أسباب تدهورها، ناهيك عن عدم وجود مخططات تهيئة وعصرنة جعلها تفقد الكثير من بريقها ومنه حرمان العاصمة والخزينة العمومية من موارد مالية مهمة في ظل ما تجنيه مختلف المساحات الحديثة على غرار «آرديس» والمركز التجاري باب الزوار، وغابة بوشاوي والقائمة طويلة.
تميزت الحديقة بالعديد من الفضائح حيث تم الاستيلاء على أراض تابعة لها من جهة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وكذا من جهة معهد علوم الإعلام والاتصال، حيث تم تشييد بنايات فوقها، كما كانت عرضة لبناء أحياء قصديرية، تم التخلص منها في السنوات القليلة الماضية.
قد يكون الإهمال الذي تعاني منه الحديقة مطية للتغطية عن الكثير من السلبيات والفساد الذي تعاني منه الكثير من المساحات المماثلة، حيث سبق وأن عرفت الحديقة تسريب 800 شاحنة محملة بمادة «التيف» وهو ما تسبب في متابعات قضائية لبعض المسؤولين.
العصرنة أكثر من ضرورة
تحتاج حديقة الوئام إلى مخطط استعجالي للنهوض بها ورد الاعتبار إليها، خاصة وأنها تضم فنادق «الأروية الذهبية» و»المونكادا» اللذين يتواجدان في قلب غابات الحديقة ويمكن أن يقدما مردودية أحسن، خاصة من خلال الإقبال الكبير لإقامة الأعراس بهما لتوفرهما على جو طبيعي جميل ومساحات للتوقف وحظائر وخدمات راقية.
يأمل القائمون على الفنادق، في تصريحهم لنا، في تمكينهم من مخططات جديدة، مثلما استفادت منه فنادق العاصمة الاخرى على غرار «السفير» و»الأوراسي»، خاصة وأن هذه الفنادق تصلح لاستقبال الرياضيين والفرق من أجل الاسترجاع والابتعاد عن الضغط، ولكن غياب سياسة تسويقية، ومنح صورة سوداء عن أملاك «البايلك» يبقى السمة الغالبة على تسيير المرافق العمومية.
حتى لجمع المعلومات حول الحديقة اصطدمنا بعراقيل كثيرة فالكل يتخوف من التصريحات وكأن أمور خفية خطيرة تحدث وهو ما يدفعنا لضرورة الدعوة لفتح تحقيق حول الحديقة التي تسير نحو الانقراض إذا ما استمر الحال الذي تتواجد عليه.
كانت نقابة عمال الحديقة قد دعت في وقفة احتجاجية، بداية السنة الجارية، وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري السابق سيد احمد فروخي لإيفاد لجنة تحقيق للوقوف على واقع الحديقة، وهي الدعوات التي لم يتم الاستجابة إليها لتستمر معاناة المرفق.
تحتاج الحديقة لإعادة مسح أراضيها للوقوف على العقارات الضخمة التي نهبت منها وإمكانية مباشرة الإجراءات لاسترجاعها.
تدهور التهيئة قلّص من مساحات الاستغلال
الزائر لحديقة الوئام بابن عكنون يلاحظ تقلص المساحات المستغلة المخصّصة للعائلات، فمن 307 هكتار لا يتم استغلال سوى المساحات المحيطة بالطرق الكبيرة، بينما يبقى عمق الحديقة مهملا ومحاطا بالأحراش والأعشاب الضارة فحتى الحيوانات المفترسة لا يمكنها اختراقه.
حتى على مستوى النظافة ورغم مجهودات العمال، إلا أن شساعة المكان جعلتهم لا يستطيعون ضمان النظافة اللازمة، وقد ازدادت حالة المحيط تدهورا في ظل انعدام ممرات ولو ترابية لتنظيف الحديقة والحفاظ على معالمها ومسالكها.
كما أن حالة الحظائر على مستوى سعيد حمدين وابن عكنون تعرف تدهورا على مستوى الزفت فالسير بالسيارة يجب أن يكون بحذر شديد وإلا تتعرض المركبة للعطب، والغريب على مستوى الحظائر هو أن التذاكر مكتوب عليها الدفع ضروري غير أن إدارة الحديقة لا تتحمل أية مسؤولية عند السرقة أو نشوب حريق في مشهد هزلي لا يكاد يصدق.
قال أحد الأعوان الذي رفض الكشف عن اسمه بالنظر لحالة الاحتقان التي تسود الحديقة أن إهمال الحديقة أمر مفتعل فالسلوكات المنحرفة والأفعال المخلة بالحياء هي التي تقف وراء قدوم الكثير من الزبائن للأسف فالأغلبية الأزواج غير الشرعيين هم من يقصد الحديقة ويتناولون المأكولات، فهؤلاء يدفعون جيدا، بينما العائلات يكاد يكون غير مرغوب فيها، لأنهم يأتون بكل شيء من البيت، فهذا واقع وحديث يتم تداوله يوميا.»
حظيرة الألعاب في تآكل مستمر...
لم تخضع الحديقة منذ تدشينها إلى إدخال ألعاب جديدة عصرية شأنها شأن كبرى الحدائق العالمية، حيث تنعدم الاستثمارات في هذا الجانب بسبب الحالة المادية للحديقة التي تكاد تعاني العجز فالمصاريف تصل إلى الملايير سنويا، بينما المداخيل ناقصة جدا، ولحسن الحظ فالسلطات تخصص ميزانية للحديقة حتى تبقي على نشاطها.
كشف «عبد القادر/ ق.» أستاذ جامعي عن تأسفه للحالة التي آلت إليها الحديقة التي كانت جوهرة حقيقية بعد تدشينها حيث تعود الذهاب إليها منذ الصغر وحتى بعد زواجه بات يجلب أولاده للترفيه، موضحا لـ «الشعب» أن «الحديقة تعاني الإهمال منذ زمن طويل فلا ألعاب جديدة وحتى المساحات الخضراء، تم التضييق عليها، والمتوفرة لا تضمن الجو العائلي فالسلوكات المنحرفة والمخلة بالحياء هي السائدة وتجعلنا في حرج كبير في الكثير من الأحيان حتى بتنا نتحاشى التجول في الحديقة، وخاصة من ناحية ابن عكنون فركوب القطار للذهاب إلى حديقة الحيوانات يجعلك تتطلع على مشاهد منحرفة لا تحتمل ولكن في غياب البدائل يجعلك تأتي مرغما خاصة أمام إلحاح الأبناء.»
أضاف الاستاذ بمرارة وتأسف:» حتى أسعار تذاكر الألعاب تم رفعها لأكثر من 250 دج وهو مبلغ كبير بالمقارنة بالحالة الاجتماعية والمادية لجل العائلات الجزائرية التي باتت تكتفي بالجلوس في المساحات الخضراء والمشاهدة فقط» .
قال « رشيد / هـ « عامل بمصنع للنسيج لنا: «إن الحديقة لم تعد توفر ذلك الجو العائلي فكما ترون الأمور أصبحت خطيرة، إن لم يتدخل العقلاء لإرجاع المكان للعائلات»، متسائلا عن التأثيرات السلبية على الأطفال الذين يقصدون الحديقة ببراءتهم ليصطدموا بمشاهد لا تتماشى وتقاليدنا الاجتماعية، وهو ما قد يترك فيهم آثارا سلبية.
من جهته، قال: «سمير/ م» عون بمساحة الألعاب أن واقع الحديقة مزري فالجمهور يكون في مواسم معينة ومواسم أخرى، خاصة في فصل الصيف والشتاء، فالحديقة تكون مهجورة تماما وهو ما يجعل الإقبال على الألعاب ضعيفا جدا وبالتالي قد يكون عدم وجود مداخيل هامة وراء عدم الاستثمار في اقتناء ألعاب جديدة. تبقى العجلة الكبيرة وألعاب الأطفال الصغار الأكثر استقطابا خاصة العجلة الكبيرة التي تمنح الزائر فرصة لاكتشاف الحديقة من مكان عالٍ.
حديقة الحيوانات تستحق أحسن...
هناك نقائص أخرى تعاني منها حديقة الحيوانات بابن عكنون، منها التهيئة الغائبة التي تجعل السير فيها صعبا في ظل انتشار الأحجار والأتربة، وحتى أقفاص الحيوانات والمساحات المخصصة لها تفتقر للكثير من المواصفات، كما أن نقص الاعتناء بالحيوانات أمر ظاهر للعيان، وانتشار سلوكات غير حضارية وخاصة منح الجمهور مأكولات غير صحية للحيوانات والتي قد تكون سببا في نفوق العديد منها.
ينتشر بالحديقة النمر البنغالي، والنمر البني والسود بمختلف أنواعها والذئاب والراكون والأفناك، والصقور، ودب بني وتمساح وأفراس النهر، والجمال، والعديد من الحيوانات الأخرى التي تجلب فضول الكثير من الزبائن الأوفياء لحديقة الحيوانات.
كما تجلب الغزالات والفيلة من جهة مدخل الحديقة بابن عكنون جمهورا غفيرا، و يبقى بعد حديقة الحيوانات من مدخل سعيد حمدين أو بن عكنون وحتى القطار الذي يوفر النقل من بن عكنون إلى حديقة الحيوانات يفرض أسعارا غالية جدا كانت محل سخط الكثيرين حيث يجبر الكبار لدفع 100 دج والصغار 50 دج لقطع مسافة لا تتجاوز 03 كلم. حتى صاحب القطار، اشتكى من العراقيل التي تواجهه من قبل الإدارة خاصة عند تجديد العقد.