غياب التحسيس بثقافة التخييم الصيفي كرَّس الهوّة وعمَّق الفارق
في ظل وجود غطاء نباتي غابي كثيف، يمر صيف سوق أهراس حارا جافا لا يختلف عن المدن السهبية والصحراوية، لغياب الإرادة الجادة التي تعيد للسياحة الغابية بريقها، وتفك العزلة عن مواطني الولاية الذين يتجهون أغلبهم ممن حالفهم الحظ إلى المناطق الساحلية أو إلى الجارة تونس ككل موسم صيف، في حين تتربع ولايتهم على موارد طبيعية غابية هامة، ومناظر سياحية خلابة مازالت تعاني الإهمال، ليبقى السواد الأعظم من سكان المدينة يكابد حرارة الصيف ليلا ونهارا، مع الافتقار لأي منتجعات أو مخيمات أو فضاءات طبيعية معدة للترفيه، ما عدا التجول بين أزقة المدينة العريقة والتسوق ليلا خاصة في الفترة الرمضانية وأيام العيد، أين عرفت المدينة حركة دؤوبة، لتعود إلى سباتها من جديد حتى موعد الدخول الاجتماعي.
نقل إلينا العديد من مواطني المدينة صرخة تعبر عن فراغ كبير تركه الحرمان البالغ من التمتع بالمقومات الطبيعية لسوق أهراس، التي باتت مهملة بسبب غياب النظرة الاستشرافية الجادة في إيجاد فضاءات طبيعية للترفيه للعائلات السوقهراسية خاصة في فترات العطل، أين أجمع كل من تحدثنا معه، على ضرورة الاهتمام بثقافة التخييم وإيجاد حدائق للتسلية في سوق أهراس على غرار العديد من المدن الجزائرية، فغياب السواحل والبحر لا يعني قتل المدينة صيفا، بل هناك موارد تفوق السواحل من الناحية السياحية ألا وهي الغابات الكثيفة، والقريبة من المسطحات المائية خاصة الشريط الممتد بين دائرة المشروحة وبلدية عين سنور حتى الحدود المتاخمة لولاية الطارف، وكذا الغابات الكثيفة التي تتمتع بها منطقة الزعرورية إلى غاية أعالي أولاد ادريس.
أبناء المدينة يناشدون السلطات لإيجاد فضاءات للترفيه والتخييم صيفا
يقول الحاج محمد رجل، متقاعد من قطاع التربية بسوق أهراس، إذا كانت السلطات المحلية تعمل على حماية وتطوير وزراعة الغابات، والأملاك الغابية على مساحة تمثل تقريبا ربع المساحة الاجمالية للولاية أي ما يعادل 96 ألف هكتار (حوالي 22%) السؤال الذي يطرح نفسه لفائدة من هذه الموارد إذا لم تستغل أحسن استغلال في تلبية الاحتياجات المحلية سواء كانت هاته الحاجيات مادية أو معنوية، لماذا لا تستغل المساحات الغابية في ايجاد فضاءات للتسلية والترفيه، لماذا يعاني السوقهراسيون ككل صيف العزلة في بيوتهم بينما ولايتهم تتربع على طبيعة خلابة قلما نجدها في العديد من المدن التي يتجهون إليها صيفا، أو حتى في الجارة تونس؟
هذه كلها أسئلة أردنا أن نجد لها إجابات في ظل فراغ سياحي كبير تعاني منه الولاية سواء على مستوى الفضاءات المعدة للراحة والاستجمام أو على مستوى المرافق السياحية من فنادق ومراقد، لكن هذا لايعني أن الولاية في معزل عن تطوير نفسها خاصة في ظل تراجع عائدات المحروقات والبحث عن بدائل لخلق الثروة على مستوى كل ولاية.
وإذا عددنا المساحات الغابية الطبيعية الخلابة بسوق اهراس فإننا نجد العديد من الفضاءات في الاتجاهات الأربع للولاية يكفي فقط أن تكون هناك الإرادة الجادة في تجسيد مشاريع سياحية ترقى إلى تطلعات سكان المدينة وتستقطب هواة التخييم والطبيعة العذراء من جميع ولايات الوطن، أليس لسكان الجنوب حق في هاته الفضاءات الطبيعية إذا تمت تهيئتها وتسقيف أسعارها أمام مريديها ؟
ثروة نائمة يمكن للولاية وعلى رأسها الجهاز التنفيذي أن يسعى في هذا الإطار ويخصص جانبا كبيرا، خاصة مع شح الموارد التمويلية، وبالتالي فهذه تعطي بدائل هامة في تجسيد القطاعات التنموية بالولاية.
المشروحة.. مدينة الاخضرار ومستشفى طبيعي مفتوح على مدار العام
تعد المشروحة مدينة من سحر الطبيعة الأوروبية، أو هكذا يطلق عليها، مزجت بين جمالها الطبيعي وألوان جغرافيتها لتعانق تضاريسها أشجار السرول والفلين وتصنع منه هواءا نقيا، أفضل فضاء للسياحة الجبلية الترفيهية، بارتفاعها عن سطح البحر بـ1420 متر، وغاباتها التي تستحوذ على 75% من مساحتها الاجمالية، تتوفر المشروحة على منشآت أساسية بإمكانها أن تكون الوجهة السياحية الأولى بامتياز بثروة غابية ونباتية لا مثيل لها أو كما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي هي المستشفى الذي اشفاني في بيئتها النقية عام 1933.
الحدادة.. الحضيرة الطبيعية المفتوحة
تبعد الحدادة عن عاصمة الولاية بحوالي 43 كلم، تحمل المدينة مواصفات الحضيرة الطبيعية، حيث تشكل الغابات ما يعادل 50% من مساحتها الاجمالية، فهي فضاء نباتي يجمع بين الضرو وأشجار الصنوبر، وعلى غرار موقعها الجغرافي وجمال مناظرها الطبيعية تتوفر المدينة على العديد من المنشآت القاعدية من شبكات طرق وموارد مائية وطاقوية ومناخ معتدل خال من التلوث، فضلا عن كرم سكانها باعتبارها منطقة حدودية اعتادت على تمازج الزوار واختلافهم ما يؤهلها أن تكون قطبا سياحيا بامتياز ينتظر منه أن يستقطب السكان التونسيين بدل الذهاب إليهم.
تاورة «تاغورة».. فضاء للراحة والاستجمام الطبيعي
تعتبر تاورة مكسب كبير للولاية والبلدية سياحيا إذ تبعد بحوالي 18 كلم عن عاصمة الولاية وموقعها على الطريق الوطني رقم 82، حيث تعد من أهم المدن التي نجت من الاستغلال العمراني العشوائي، جمعت بين عراقة تاريخها وطبيعتها الخلابة، توزعت بين غابات البطوم المترامية، وأشجار الصنوبر الحلبي، والاحواض المائية التي استغلها المعمر الفرنسي في انجاز اكبر المزارع واستغلال مناطقها السهلية في الزراعة، كذلك بها العديد من الحاواض المائية لتوريد المناطق الزراعية، والعديد من الآثار البيزنطية تؤرخ لفترة ازدهار ونمو مرت على المدينة.
تدعى قديما مدينة القديسة «كريستين»، تتوفر على فضاءات شاسعة للراحة والاستجمام وشبكة طرقات وبنية تحتية تؤهلها للاستغلال السياحي ومحطات للمياه الحارة «منبع الدامسة» والذي من شأنه أن يوفر سياحة حموية على مدار السنة، واستقطاب الفئات التي تعالج على مدار العام ومعالجة الكثير من الأمراض.
يجمع السوقهراسيون أن الولاية ومنذ تولي السيد عبد الغني فيلالي الجهاز التنفيذي قطعت شوطا كبيرا في ايجاد نفسها من خلال البحث الجاد عن موارد لخلق الثروة في ظل تعقد الحالة الاقتصادية بعد تراجع اسعار المحروقات في الأسواق الدولية، أين باشر هذا الأخير بفتح العديد من القطاعات للاستثمار، لكن يبقى قطاع السياحة نوعا ما يعاني تأخرا ملحوظا في ظل توفر موارد طبيعية هامة لا تقل عن نظيرتها في الولايات السياحية الأخرى، وبالتالي يجب الالتفات الى اهمية ايجاد فضاءات للترفيه، تحتاج إلى إعداد مدروس بعناية يوفر على سكان المدينة عناء التوجه الى المدن الاخرى في العطل وفي الصيف، وكذلك يجب ان توضع استراتيجية طويلة المدى لاستقطاب السواح الجزائريين من المدن الداخلية والصحراوية الى هذه الفضاءات، ما يعود على الولاية بمداخيل سنوية هي في امس الحاجة اليها من خلال انتعاش الحركة التجارية والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة.