تحصي السواحل الجزائرية 26 منارة ما تزال شامخة في مواجهة أمواج البحر العاتية، بعد أن لعبت دورا كبيرا في إدارة الملاحة البحرية وساهمت في تطور العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية بين الجزائر وشركائها الأجانب، وشاركت بطريقة غير مباشرة في تدعيم الانتقال من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الليبرالي الجزائري ومحاولة محاكاتها لآثار العولمة بالرغم من تراجع دورها في وقتنا الراهن، بسبب الاعتماد على التكنولوجيات الجديدة والتطور السريع الذي عرفته أنظمة الملاحة البحرية.
لإعادة الاعتبار لهذا النوع من المنارات لاسيما تلك الموروثة عن حقب سابقة والتي يشرف عليها الديوان الوطني للإشارة البحرية التابع لوزارة الأشغال العمومية، لابد من جعلها في تناغم مع التطورات التي تعرفها الملاحة البحرية من خلال امتثالها للمعايير والأنظمة الدولية، وأن تكون مسيرة بأدوات الإدارة الحديثة، لتكون مكسبا فاعلا يتماشى وآفاق التنمية عبر تدابير البرمجة القابلة للتجسيد على المدى القصير والمتوسط في إطار عقلاني، وهو ما تم مناقشته مع ضيوف منبر «الشعب» عشية انطلاق الطبعة الرابعة للعملية الوطنية «موانئ وسدود زرقاء» بدءً من هذا السبت.
وحسب الأمين العام لمجمع خدمات الموانئ محمد طيب عبود، تمثل هذه المنارات إرثا ثقافيا وسياحيا بل ذاكرة الملاحة البحرية، التي كان فيها للجزائر صيت عال فيما مضى بعدما كان لها اليد الطولى في أعالي البحار وتسيطر على أهم الممرات البحرية التجارية، ما يستدعي إعادة الاعتبار لها من خلال الحفاظ عليها وتهيئتها وإعادة الاعتبار لوظيفة حارس المنارة الذي لا يجب أن يعامل ــ على حد قوله ــ كحارس عادي أو عون أمن.
في هذا الإطار كشف عبود عن اتصالات ومحاولات مع الوظيف العمومي لإعادة الاعتبار لحارس المنارة لما يمثله من تراث حافظ لتاريخ وهوية المنارة بحد ذاتها فهو يمثل كتاب سياحي بحد ذاته وذاكرة حية للمكان لابد من تثمينها بشكل يمكن من الاستفادة منه ومن خبرته ودرايته بالمكان ووظيفته لاسيما في الملاحة البحرية حتى يمكن أن يلعب دور الدليل السياحي.
من جهته، قال المدير الفرعي لمديرية الهياكل البحرية الأساسية فرحات جحا، هناك الكثير من المنارات المغلقة والمهملة والتي بالإمكان الاستفادة منها من خلال تهيئتها وإعادة الاعتبار لها من خلال فتحها أمام المواطنين، وهناك من هي أصلا صالحة لاحتضان نشاط سياحي يستقطب المواطن على غرار منارة «باينام» بعين البنيان التي تتميز بمنظر خلاّب وحديقة ساحرة، و»رأس سيغلي» ببجاية، وهي نماذج من المنارات التي تعانق البحر وتزين السواحل الجزائرية.
وحول سبب بقائها مغلقة في وجه المواطن، برّر جحا أن الهاجس الأمني وما مرت به الجزائر من أحداث خلال العشرية السوداء كان أحد الأسباب الهامة لبقائها على هذه الحالة غير مستغلة خارج إطار الملاحة، وعدم استعداد الجهات المسؤولة خاصة الموارد البشرية التي تسيرها على إداراتها كموقع سياحي، لاسيما فيما تعلق بالتحكم في الأحداث المحتمل وقوعها، وقد تم تسجيل عدة أحداث في وقت سابق بسبب عدم الإلتزام بالإجراءات الوقائية.
وفي المقابل أشار المدير الفرعي لمديرية الهياكل البحرية الأساسية على مستوى وزارة الأشغال العمومية، إلى بقاء إمكانية فتحها مستقبلا أمرا واردا وهو ما يعول عليه حتى يكون لها مردود مالي من خلال فرض مبلغ رمزي على روادها، يستغل فيما بعد في تهيئتها وتزيّن المساحة المحيطة به الذي في غالب الأمر يكون محاطا بحدائق تخلق منظرا خلابا يخطف الأنظار ويريح زواره.
ولعل هذه التصور للجهات المسؤولة اتجاه هذه المنارات وتحديدا الديوان الوطني للإشارة البحرية يندرج في إطار إدراك أهمية هذه البنى الهيكلية لما تمثله من إرث تاريخي وحضاري يستدعي المحافظة عليه واستغلاله سياحيا مستقبلا، خاصة وأن أغلبها يبلغ من العمر ما بين قرن ونصف قرن وفيها ما هو مصنف كمعلم ثقافي، مع العلم أن أقدم المنارات متواجدة في الجهة الغربية، أما الجهة الشرقية فجميعها بنيت مع بداية القرن العشرين لكن تبقى معلما يؤرّخ للملاحة البحرية الجزائرية.
ويظهر هذا الاهتمام جليا في المشاريع المسطرة في مخطط العمل المشاريع الحالية المتكفل بها من خلال بناء 09 دعامات أضواء وتدعيم الموانئ بمنارات جديدة بكل من ستورا بسكيكدة / 02، جميلة بالجزائر العاصمة / 02، كريستل بوهران / 02، قوراية بتيبازة / 02، وشرشال بتيبازة / 01، ناهيك عن أربعة دعامات معدنية للأضواء المؤقتة، وإعادة تأهيل الهندسة المدنية للمنارات: رأس الكربون ورأس سيغلي ببجاية وجزيرة أرزيو بوهران، إلى جانب مشاريع أخرى تتعلق بتهيئة الموانئ وتعزيزها بدعامات الأضواء.