توسيع تغطية السوق الوطنية بالعصائر والمصبرات والتصدير
أسبوع مر على حريق مخزن مصنع نڤاوس للمصبرات والعصائر بباتنة وحديث السكان لم يتوقف بعد، والسؤال المعلق حول تداعيات هذا الحريق الذي أتى على معمل كان «مفخرة» للأوراس والجزائر قاطبة، بمنتوج حقق شهرة وطنية ودولية.
كثر التساؤل عن تداعيات المعمل خاصة في ظل التوقف الجزئي لإنتاجه بفعل الحريق الكلي للمخزن المتكون من ثلاثة طوابق، واتلاف الأطنان من المواد الأولية المستعملة في صنع العصائر والمصبرات.
«الشعب» عادت، أول أمس، إلى موقع الحريق، للوقوف الميداني على ملابساته، وتقدم أدق التفاصيل.
كانت الساعة تشير إلى 9:30 صباح يوم الخميس، عندما ركبنا حافلة لنقل المسافرين خط باتنة ـ نڤاوس، على مسافة 95 كلم. وجدنا المسافرين في حالة غليان بسبب التسعيرة الجديدة للنقل والتي وصفوها بالعشوائية، في وقت رد صاحب الحافلة بالقول إن مديرية النقل رخصت لهم ذلك ومن غير المعقول استمرار العمل بالتسعيرة القديمة في ظل الزيادة المرتفعة لأسعار الوقود.
بمجرد خروجنا من المحطة البرية اذرار الهارة ومرورنا على الحاجز الأمني الثابت، بدأ الحديث عن الحريق من خلال مكالمة هاتفية لأحد المسافرين مع عامل بالمصنع كما كانت توحي المكالمة والذي سيضطر حسب ما فهمنا إلى تأجيل زواجه إلى غاية استئناف المصنع لنشاطه الكلي، كونه توقف منذ الحريق عن الالتحاق بالعمل لدواعي إنتاجية.
أغلق المتحدث الهاتف بنبرة غضب، بدأ في الحديث مع مسافر آخر بجانبه، يقول: «هل تصدق فعلا أن الحريق قضاء وقدر أم انه مفتعل للتهرب من الضرائب»؟، يقاطعه مسافر أخر بدا عليه إلمامه بالموضوع، مؤكدا بالعامية أن «يا خويا لعزيز هذي هدرة تاع راديو طروطوار»، يتوقف قليلا ويواصل «التحقيقات الأمنية المكثفة التي انطلقت في الساعات الأولى للحريق أثبتت أن شرارة كهربائية هي المتسبب في الحريق».
كانت الطريق طويلة زادها شغفنا بالوقوف للمرة الثالثة على «أطلال» المصنع، حيث كانت الأحاديث الكثيرة التي تلقفناها ونحن في الطريق تبين مدى الصدمة الكبيرة التي عاشها سكان نڤاوس وبخاصة العاملين بالمصنع.
يوم ونصف لإطفاء الحريق و1200 عامل لإزالة للركام
كانت أجواء السماء بنڤاوس، توحي بوجود حريق مر على المنطقة، حيث ما يزال السواد يخيم على كل هياكل المصنع والخردوات متراكمة هنا وهناك، والركام الكبير للمخزن، رغم مجهودات الحماية المدنية، في نقله، ما تزال الكثير منها شاهدة على «الخميس الأسود».
كشفت خلية الإعلام بمصالح الحماية المدنية لـ»الشعب»، عن وضعها لكامل التعداد في حالة جاهزية تامة إذ تم سخر 223 عون تدخل بمختلف الرتب يتقدمهم مدير الحماية المدنية لولاية باتنة العقيد دحمان شليحي، و46 آلية تدخل مختلفة من شاحنات إطفاء، سيارات إسعاف وآليات أخرى، من 07 وحدات ثانوية من ولاية باتنة، يضاف لها الدعم من ولاية سطيف المجاورة ذكرت بها «الشعب» في تغطيتها للحريق فور وقوعه.
عن سير عملية إخماد الحريق، أشار مدير الحماية المدنية لباتنة، إلى أن التحكم في الوضع واخماد ألسنة اللهب كان في منتصف يوم الجمعة، لتتم بعدها عملية إزالة الركام وبقايا المواد المحترقة تفاديا لإعادة اشتعالها مجددا، وهي العملية التي استمرت إلى غاية صبيحة الأحد الماضي أي بعد 4 أيام كاملة من نشوب الحريق، فيما تم الإبقاء على فرقة أخرى مرابطة بعين المكان لحد كتابة هاته الأسطر في مهمة الحراسة والمراقبة.
تمكنت مصالح الحماية المدنية المتدخلة بكامل إمكانياتها المادية والبشرية، وبصعوبة بالغة، من إنقاذ جميع الوحدات الصناعية والإنتاجية للمصنع. كان تدخل الأعوان فعالا، وفي وقته، حسب العقيد شليحي، بفعل تجنيد وتسخير إمكانيات ضخمة بهدف حماية باقي المنشأة الصناعية وهو ما تحقق بالفعل بعد رسم خطة وقائية فورية لا سيما بوجود وحدات إنتاجية قريبة من المخزن المحترق، من ذلك إنقاذ 08 ورشات للتصنيع والإنتاج، مخزن خاص بالمنتج النهائي، جناح إداري ومرقد، وهو ما سيسمح للمصنع بالعودة إلى نشاطه الإنتاجي في غضون أسابيع قليلة، مثلما أكده مسيروه.
2.5 مليار دينار خسائر الحريق وعزيمة كبيرة للاستدراك
تحدثت «الشعب» خلال زيارتها للمصنع، مع مجموعة من العمال الذين وجدنا أغلبهم خارجه، وحتى بعض المسؤولين الذين رفضوا ذكر أسمائهم على اعتبار أن مدير مجمع معزوز التابع له مصنع نڤاوس هو الوحيد المخول بالحديث لوسائل الإعلام عن الخسائر المالية والمادية.
غير أن إلحاحنا، جعلهم يتجاوبون معنا بتحفظ، حيث أشاروا إلى تسجيل خسائر فاقت ٢٫٥ مليار دينار، وكذا إتلاف الأطنان من المواد الأولية المستعملة في عمليات التعليب وكذلك العصير المعد للإنتاج، بالإضافة إلى انهيار جدران المخزن المحترق والممتد على مساحة 7000 م مربع على ثلاثة طوابق بفعل الحرارة التي بلغت حوالي 1000 درجة مئوية، وهي الدرجة التي تنصهر فيها مواد البناء.
تسببت قوة الحريق حتى في إتلاف بناية الطابق الثاني المشكلة من اسمنت مسلح قبل أن تنهار الجدران المبنية من الآجر وتنصهر.
شرارة كهربائية تحدث الكارثة
رغم تواصل التحقيقات الأمنية حول ملابسات الحادث، أشارت إلى أن أغلب المصادر الأمنية من شرطة ودرك وطنيين لا تزال بموقع الحريق، إلا أن الشرارة الكهربائية تبدو السبب، خاصة وأن المخزن به أطنان من المواد الأولية السريعة الالتهاب من براميل تحتوي على عصائر مركزة ومختلف أشكال العلب الخاصة بالتعبئة.
ساهمت المواقع السريعة الالتهاب، حسب مدير الحماية المدنية في توسع رقعة الحريق إلى كامل أجزاء المخزن، خاصة أن إدارة المصنع باشرت منذ مدة قبل نشوب الحريق في عملية تلحيم واسعة بالمخزن.
وهنا أشار بعض العمال إلى أنهم عبّروا عن رفضهم في وقت سابق لعملية التلحيم أثناء نقل المواد الأولية ـ السريعة الالتهاب - إلى داخل المخزن، مشيرين إلى أن عملية التلحيم من المفروض أن تكون قبل شحن المخزن.
هذا ونفى أغلب من تحدثنا إليهم بعين المكان فرضية الحادث المفتعل، مشيرين إلى أن إنجاز المخزن المحترق قامت به شركة أعمال صينية منذ أكثر من 6 أشهر لتوسيع وتطوير إنتاج المؤسسة، بغلاف مالي ضخم فاق 700 مليون دينار.
عملية الإنتاج متوقفة مؤقتا وعملية التسويق مستمرة
لاحظنا أثناء تواجدنا بالمصنع، دخول وخروج عدد معتبر من الشاحنات، الناقلة لعصائر نڤاوس ومصبراته، كانت متجهة إلى البليدة وبعض الولايات القريبة منها، حيث أكد لنا أحد العمال التوقف المؤقت لعملية الإنتاج مع استمرار عملية تسويق المصبرات والعصائر وعدم تأثرها بشكل كبير بالحريق، الذي أتى على المخزن دون باقي الأجزاء من مرقد وجناح إداري ووحدة الإنتاج التي تعتبر القلب النابض المتمثل في الآلات والأجهزة الحديثة المستعملة في عملية صنع العصائر والمصبرات وتغليفها.
عبر العمال عن تفاؤلهم من استئناف عملية الإنتاج الكلي في أقرب وقت، بفضل تجند الجميع وتحليهم بإرادة فولاذية لتدارك الخسائر واستئناف النشاط، مطمئنين المستهلكين بكل القطر الجزائري الذين يعدون بالملايين.
وقال العمال لنا بلغة التحدي والتفاؤل، أن دعمهم الكبير لهم من خلال الآلاف من الرسائل التي وصلتهم عبر الفضاء الأزرق، جعلهم يصلون الليل بالنهار لإعادة مصنع نڤاوس إلى سابق عهده ولم لا أفضل مما كان.
غياب الإجراءات الأمنية الداخلية خلل لابد من إصلاحه
أشارت الأستاذة فاتن صبري سيد الليثي محامية بمجلس قضاء باتنة، أن تكرار الحرائق بالمصانع الجزائرية، أصبح محل تساؤل عن الأسباب، في ظل تواجد أجهزة الأمن التي يستعملها أصحاب المصانع ومدى فعاليتها، مؤكدة في حديث لـ»الشعب» حول الموضوع، أن أغلب المصانع الجزائرية الاقتصادية والصناعية خاصة، تفتقد لأنظمة الأمان المتعارف عليها في كل دول العالم، الأمر الذي يعني أن غياب وعدم فاعلية أجهزة الرقابة الأمنية المعمول بها في المصانع الجزائرية هو السبب في هذه الكوارث.
وبخصوص إجراءات السلامة في هذه المصانع حتى لا تتكرر حوادث الحرائق، أشارت المتحدثة إلى ضرورة توفير معدات وأجهزة مكافحة الحريق، وصيانة جميع المعدات ووضعها في حالة جيدة، وكذا تثقيف وتدريب العاملين على السلامة ومكافحة الحريق، خاصة أن متطلبات السلامة في المصانع تعتمد إلى حد كبير على طريقة البناء ومواد الإنشاء، يضاف لها وضع مخارج طوارئ جيدة يمكن للعمال الاستنجاد بها عند الضرورة، على ألا تتجاوز 35 مترا ليتمكن العمال من الوصول إلى بر الأمان، بل ينبغى أن تؤدي أبواب المخارج النهائية إلى سطح مستوي، وأن يركب بالأبواب مزلاج يفتح الباب بضغط الجسد عليه، وأن تكون واضحة وسهلة التمييز ويجهز بلوحات إرشادية.
30 سنة من الإنتاج للوصول إلى المستهلكين في كل القطر
يعتبر مصنع «نڤاوس» لصناعة العصير أحد أهم المصانع على المستوى الوطني المختصة في صناعة العصائر، والذي قطع أشواطا كبيرة جدا للوصول إلى تغطية نسبة كبيرة من القطر الجزائري وحتى التصدير إلى الخارج.
رغم بعد المسافة بين المصنع وبعض الولايات الكبرى بالجزائر كالعاصمة ووهران، وحتى الجنوب الكبير، إلا أن إرادة مسيري المصنع في الوصول إلى المستهلك في أغلب نقاط الوطن جعل التحدي، هدفا تم رفعه، بتمكين مستهلكي عصائر ومشروبات نڤاوس الاستفادة من استهلاك هذا النوع من المشروبات، خاصة أن مدة استغلالها فاقت 30 سنة وهو تاريخ افتتاح المصنع، الذي كان سابقا تابعا للدولة ثم تمت إعادة هيكلته سنة 1981 بفصل صناعة العصير عن السكر لتعاد هيكلته مرة أخرى خلال سنة 1997، لتصبح بعد ذلك المؤسسة الوطنية للعصير والمصبرات تضم مركبي نڤاوس ووحدة منعة.