في هذا اليوم الأغر من أيام تأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، كان الحدث بارزا في المنشأة الغازية بتيقنتورين. إحياء لهذه المناسبة الوطنية ... كل العمال كانوا متواجدين في هذا الأحد ٢٤ فيفري لتأكيد تعلقهم وتمسكهم، وارتباطهم بهذا المصنع الغازي الرمز المعبر حقا عن الصمود في وجه الهمجية الإرهابية التي أرادت تحطيم معلم إقتصادي حيوي من معالم هذاالبلد.
تيغنتورين شاهدة اليوم على دحرها لعصابات إجرامية وإحباطها لمخطط جهنمي سعى أصحابه لضرب القدرات الإستراتيجية للجزائر، والأكثر من هذا إعتماد المساومة والإبتزاز إلى أقصى حد لكن الإرادة ضد العدوان، ورد الأذى كانا أقوى وأكبر .... هو درس لا ينسى الى كل الذين يعتقدون بأن هناك لقمة صائغة تكمن لأي كان أن يجهز عليها في الوقت الذي يرغب فيه « لقد فهم الإهابيون واسيادهم بأن المشهد لن يتكرر أبدا ـ وأن الرسالة وصلت واضحة لا غبار عليها».
العمال في تيغنتورين لا يستسلمون لأي طارىء وقوة عزيمتهم من حديد لاتلين بالسهولة التي يعتقدها البعض وكلما إقتربت من أحدهم تقرأ في عينه شعارا واحدا مفاده «إننا هنا لا يحركنا أو يزعزنا أحد» وفي كلامهم إصرار على حماية الموقع مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات .. تعبيرا عن قناعتهم بأن الجزائر في حاجة ماسة إليهم في الوقت الراهن .. ولا بد من الإستمرار في تسيير المنشأة وعدم ترك الخوف يتغلب على النفوس
هذه المعاينة إستقيناها في عين المكان بتيقنتورين من المطار إلي المنشأة على مسافة حوالي الـ ٣٠ كلم، تتواجد قوات الأمن الجزائرية من أفراد للجيش الوطني وعناصر من الدرك وأعوان للشرطة مهمتهم حماية هذا الموقع .. بكل ما أوتوا من إقدام ... عيون ساهرة، على المصالح العليا للوطن .. مستعدة في كل لحظة لإحباط المحاولات الإجرامية ... هم شباب كلهم حيوية ونشاط لقنوا درسا لا ينسى للإرهابيين .
وقد يخطىء من يعتقد بأن دخول المنشأة يعد أمرا سهلا بل هناك إجراءات أمنية صارمة جدا ... لايمكن لأي شخص أجنبي أن تطأ قدماه المكان بالسهولة التي يتصورها لذلك فإن الإرهابيين سلكوا طريقا آخرا حتى يتمكنوا من الوصول إلى النقطة المراد بلوغها ... وبالرغم من ذلك فقد وجدوا مقاومة أولية عند سعيهم لإقتحام المنشأة .
٥٢ ساعة ..... في «الجعب»
وقد عاش الشاب بن بلوط محند الشريف وهو حارس أمن لحظة بلحظة ما وقع ... عند حوالي السادسة صباحا لوحظ وصول سيارات إلي القاعدة ... وتوقفت عند المدخل وفي هذه الأثناء دعونا أصحابها إلى إخلاء المكان .. لكنهم رفضوا ذلك وفي هنيهة إنقطعت الكهرباء ...... مباشرة سارعنا إلى إغلاق الباب الرئيسي .... وهنا بدأت الشكوك تراودنا خاصة مع ذهاب التيار الكهربائي .. ومع إطلاق صفارات الإنذار تفطن الجميع بأن هناك هجوما إرهابيا على المنشأة .
ومع تكرارنا لهم بمغادرة المكان فورا وعدم البقاء هنا أطلقوا علينا الرصاص، وقد أصيبت بعيارات في رجلي وما يزال حتى الآن الشاب بن بلوط يعاني من جروحها ولم نجد أي مخرج هنا رفقة ٦ أعوان حراسة آخرين سوى البحث عن مكان لإتقاء شرهم، وذهبنا إلي الإختباء فيما يسمى «بالجعب» وهي القنوات الكبيرة التي مكثنا بها ٥٢ ساعة قرابة الـ ٣ أيام ورغم الجرح الخطير الذي كان ينزف، فإن هناك شخصا يسمى جمال بن سالم رفض الهرب
وبقي معي يواسيني طيلة الحادثة، إلى غاية خروجنا الجمعة صباحا، وألقي القبض علينا من طرف إرهابيين يتحدثون بلغة غير جزائرية وطلبوا تشغيل المصنع، وكذلك البحث عن العيادة وبفضل تدخل الجيش تخلصنا من هذا الكابوس المروع الذي أدخل العمال في وضع مأساوي سببه هؤلاء الإرهابيين الذين أرادوا تفجير المنطقة لتتأثر مسافة حوالي ٤٠ أو كلم .وفي حديثنا مع العمال إزداد فضولنا لمعرفة المزيد من التفاصيل منها أن الإرهابيين لم يكونوا على دراية بوجود منفذ خاص بني حديثا إستغله كل الرهائن للهروب منه إلى خارج القاعدة ... كما أن الكثير مازال يتذكر ماحدث بألم كبير . نظرا لبشاعة هؤلاء، وخير دليل على ذلك قتلهم للشباب محمد لمين لحمر عون أمن الذي تصدى لهم لوحده، ومنعهم من دخول المنشأة وهذا من خلال غلق الباب الكبير وذهابه مباشرة إلى تشغيل صفارات الإرهاب التي تكشف عن وجود إعتداء إرهابي في هذه الأثناء سارع التقنيون إلى تقليص ضغط الغاز إلى مستويات أقل .
محمد لمين لحمر ... مازال بيننا
في تيغنتورين وجدنا والد والدة محمد لمين لحمر في مقدمة المدعوين من عمال وإطارات في سوناطراك ... وقال لنا السيد لحمر الحاج السعيد أن ما أقدم عليه إبنه يعد مفخرة للجزائر من أجل أمن الأرواح والممتلكات، وهو امتداد لما قام به كل الشهداء الذين حرروا الجزائر
وأوضح والد لحمر محمد لمين أنه مرتاح لتدخل الجيش الوطني الشعبي قصد إحباط المخطط الإرهابي .
رافضا الحوار مع الجبناء والمرتزقة وإعطائهم الفرصة لإملاء شروطهم على الآخر شاكرا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والوزير الأول عبد المالك سلال، ووزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي وقوات الأمن وكذلك التضامن الكبير من طرف سكان مهدية بتيارت .. ونشير هنا إلى أن المرحوم لمين منح له وسام من درجة عهيد من طرف رئيس الجمهورية سلمه لعائلته السيد سلال .
في هذا اليوم التاريخي من مسيرة الجزائر، جدد كل العمال العهد على مواصلة الجهد المبذول من أجل إرجاع المنشأة إلى سابق وضعها ففي هذا الإطار فإن الجزء الأول من المصنع يشتغل حاليا في إنتظار باقي الأجزاء التي تجري بها الأشغال على قدم وساق.
إنها فرحة العمال الجزائريين في هذا اليوم الذي يعد جزءا لا يتجزأ من تاريخهم النضالي المجيد من أجل إستكمال الإستقلال السياسي ودعمه وتعزيزه بالقرار الإقتصادي الحاسم المتمثل في إسترجاع الثروات الجزائرية منها خاصة المحروقات ... وعدم تركها في أيدي العابثين بها ومستغليها ... إنه الشريط المخزن في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري .. زاخر بالموافق الوطنية المضيئة التي فتحت الأفق واسعة نحو مستقبل واعد .
والرمزية القوية التي يتطلب الأمر الإشارة إليها، هي إجماع كل الخيرين في هذا البلد علي إحياء هذه الذكرى في منطقة تعرضت لإعتداء إرهابي همجي وهذه دلالة على الحرص الذي يبديه كل الجزائريين من أجل صون بلادهم إنطلاقا من مبدأ التضامن المتواصل .