خارطة طريق للتكفل بالمرضى وتجاوز الإهمال
حقق قطاع الصحة سنة 2015 تقدما ملحوظا من حيث التكفل الطبي بالمرضى، حيث طرأت تغييرات من حيث الكم والنوع على المشهد الصحي، بفضل الاستراتيجية الجديدة التي ساهمت بشكل كبير في ترقية الخدمات الصحية عبر مختلف ولايات الوطن، خاصة في ظل الإمكانات الكبيرة التي وفرتها الدولة لهذا الغرض.
كان وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات عبد المالك بوضياف، قد أعلن مباشرة بعد تسلمه حقيبة الصحة، أنه لا يخشى مشاكل القطاع وأنه قادر على رفع التحدي وتحسين تسييره. ولم يكن ما صرح به مجرد كلام فقط، إنما تم تجسيده على أرض الواقع من خلال وضعه خطة عمل جديدة مكنت من تسيير القطاع بوتيرة لم يعرفها من قبل، بداية بحركة التغيير الواسعة التي مست مديري الصحة على مستوى جميع الولايات، مرورا بالزيارات التفقدية التي يقوم بها على مدار أشهر السنة إلى مختلف المستشفيات والعيادات الطبية عبر الوطن.
اللقاءات التقييمية تكشف مشكلتي التسيير والتنظيم
شكلت اللقاءات التقييمية، التي نظمتها الوزارة بولايات الوطن طول السنة، فرصة لكشف النقائص والقيام بتشخيص دقيق لجملة الاختلالات التي كانت تحول دون الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية إلى المستويات المرجوة، وبعد انتهائها تم تسجيل بعض المشاكل التي تهدد قطاع الصحة، تتعلق بسوء التسيير والتنظيم.
أمام هذا الوضع، أعلن وزير الصحة عن تطبيق مخطط عمل واستصلاح للخطوط العريضة لما سيكون مخطط العمل لسنة 2016، من خلال اعتماد خطة طريق تضمنت 24 نقطة، بالإضافة إلى إقرار 03 مخططات كلها تهدف إلى إعادة الاعتبار لأداء المرفق الصحي العمومي، علاوة على تعليمات دورية لها تهدف إلى القضاء على النقائص المسجلة.
فبعد أن تحول قطاع الصحة في السنوات السابقة إلى مسرح للاحتجاجات والإضرابات التي لم تتوقف، ولم يتمكن أي من الوزراء السابقين من وضع حد لها ولا من إزالة حالة التذمر القصوى السائدة لدى المرضى، استطاع عبد المالك بوضياف أن يعيد الاستقرار إلى القطاع من خلال الحوار مع الشريك الاجتماعي وفتح الأبواب للتعبير عن الانشغالات المهنية والاجتماعية لعمال القطاع.
32 ألف عملية علاج منزلي على مستوى 173 وحدة مختصة
شهد قطاع الصحة خلال السنة الماضية ارتفاعا في عديد الوحدات المختصة في العلاج المنزلي، بلغت 173 وحدة، قامت بإجراء ما يعادل 32 ألف عملية علاج منزلي بما فيها تقديم علاجات لمرضى السرطان، في انتظار النصوص التنظيمية التي تؤطر عملية الاستشفاء المنزلي.
ولأول مرة في تاريخ المنظومة الصحية، يستفيد مرضى السرطان من العلاج المنزلي، من خلال تنقل بعض الأطباء الذين تلقوا تكوينا خاصا إلى مكان إقامة المصاب بالسرطان والقيام بالعلاج الكيميائي عوض التوجه إلى المستشفيات لتلقي العلاج. علما أن أول عملية استشفاء منزلي تمت بالعاصمة ثم تلتها وهران.
وستعرف سنة 2016 تعميم إنشاء وحدات العلاج المنزلي على مستوى كل المؤسسات الاستشفائية، باعتبارها الوسيلة الأمثل للتكفل بالمرضى خارج المستشفيات بهدف ضمان راحة أكبر للمريض وتقليص الضغط على الهياكل الصحية.
مؤسسات الصحة الجوارية تخفف الضغط عن الاستعجالات الاستشفائية
بفضل الاستراتيجية المعتمدة والتي تقضي بتمديد ساعات عمل الهياكل الجوارية، تم تسجيل ارتفاع في عدد العيادات متعددة الخدمات التي تعمل وفق نظام 24 ساعة على 24 ساعة إلى 917 عيادة من أصل 1641 عيادة عبر مختلف أرجاء الوطن.
كما تبرز كل التقارير تسجيل نقص محسوس ومستمر في عدد المرضى الوافدين إلى مصالح الاستعجالات بالمستشفيات، بعد تعليمات الوزير الموجهة للمسيرين والزيارات التفقدية الدورية التي يقوم بها للعيادات متعددة الخدمات، حيث وعد بتزويدها بمختلف خدمات التصوير بالأشعة والتحاليل المخبرية على مستوى كل العيادات بدون انقطاع.
أما في مجال تحسين إلتحاق المواطنين بالفحوصات المتخصصة، فقد اعتمدت الوزارة استراتيجية تقضي بإخراج الفحوصات المتخصصة وفق برنامج مسطر من المستشفيات إلى العيادات متعددة الخدمات بهدف تخفيف الضغط المسجل على المؤسسات الاستشفائية وضمان خدمات صحية متخصصة وجوارية لفائدة المواطنين من جهة، وتحديد مسار التكفل وتكريس منطق التسلسل الهرمي للعلاج من جهة أخرى.
سوق الأدوية يعرف استقرارا غير مسبوق
الاستقرار الذي شهده القطاع، من حيث وفرة كل أصناف الأدوية واللقاحات والأمصال، تم التأكيد على التّطبيق الفعلي لكل الميكانيزمات والآليات التيّ ساعدت على هذه الوفرة وذلك بالاعتماد على عنصر تقدير الاحتياجات والتحكم في تسيير المخزون.
دائما وفي مجال ملف الدواء وبغية تعزيز قدرات تموين السوق، باشرت الوزارة سلسلة مفاوضات مع مختلف المخابر الممونة للسوق الوطنية لتخفيض سعر الأدوية المستوردة والتي أفضت إلى انخفاض قيمة فاتورة الاستيراد بـ40%.
كما تم الإعلان عن مناقصة وطنية موجهة خصيصا للمنتجين المحليين، لأول مرة، قصد ترقية الإنتاج المحلي، حيث توجد 75 وحدة إنتاج للأدوية تعمل بصفة عادية وأكثر من 150 مشروع وحدة لإنتاج الأدوية في طور الإنجاز.
إنتاج دواء التهاب الكبد الفيروسي “س” بالجزائر... أهم الإنجازات
لعل من بين أهم الإنجازات التي قامت بها وزارة الصحة خلال السنة الماضية، إنتاج الدواء - المعجزة “سوفوسبوفير” الموجه لمرضى التهاب الكبد الفيروسي “س” لأول مرة في الجزائر من طرف مخبر “بيكر”، حيث أصبحت فرص الشفاء من هذا الداء مرتفعة، تصل إلى 97 من المائة بعد أن كانت في وقت سابق مجرد حلم يراود كل مريض، فلا مجال للخوف بعد الآن من الفيروس القاتل المسبب لالتهاب الكبد الفيروسي والذي يمكن أن يؤدي إلى تلف الكبد أو الإصابة بسرطان الكبد بفضل الدواء المتوفر حاليا بمستشفيات الجزائر.
وبالرغم من غلاء ثمن هذا الدواء، الذي يمكن أن يصل سعره 41 ألف أورو بفرنسا، 74 ألف أورو في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات تداركت الأمر وبادرت بإنتاجه محليا بعد إثبات فعاليته في الحد من تطور المرض ونجاعته في علاج المرضى، إذ لم يكلفها سعره إلا 300 ألف دج وكفى الجزائر مشقة اللجوء لاستيراده من الخارج.
أسرّة الإنعاش الطبي ترتفع من 200 إلى 893 سرير
في مجال الإنعاش الطبي واستعجالات أمراض القلب، أكدت الحصيلة الأولية على المستوى الوطني ارتفاع عدد أسرة الإنعاش الطبي إلى 893 سرير، بعد أن كانت لا تتعدى 200 سرير في جانفي 2015.
وبعد تنظيم لقاء وطني لخبراء الاختصاص ‘’بالبليدة”، تم إعداد برنامج عملي يرتكز على التكوين الموجه للأطباء العامين في مجال التكفل باستعجالات أمراض القلب والتحضير لإرساء شبكات جهوية في هذا الجانب تضمن التحديد والتدقيق لمسار التكفل بالمريض مع تزويد هذه الشبكة بالإمكانات والتجهيزات المناسبة.
أما في مجال التكوين وتثمين الموارد البشرية، تم إعادة بعث التكوين في مجال الشبه الطبي، حيث عرف القطاع تخرج 14922 شبه طبي خلال هذه السنة الماضية، كما يتواجد حاليا 33230 شبه طبي في طور التكوين وينتظر تخرج 59193 شبه طبي في آفاق 2019، أي ما يعادل 50% من التعداد الإجمالي الحالي للشبه الطبيين.
بخصوص تأطير المؤسسات الصحية من حيث التسيير، يسجل القطاع حاليا تخرج 90 متصرفا رئيسيا للمصالح الصحية في كل سنة مع الاستفادة من تخفيض شروط الأقدمية لشغل المناصب العليا لسنتين فقط.
٪48 نسبة تنفيذ مخطط السرطان
عرف ملف تنفيذ مخطط السرطان (2015-2019)، منذ حلول سنة 2015 قفزة نوعية، حيث تم الشروع في 48% من الإجراءات التي تضمّنها، بالرغم من أنه لم يتم اعتماد هذا المخطط إلاّ خلال هذه السنة الماضية.
كما يجدر الذكر، أن تحقيق هذه النسبة المرتفعة يعود إلى أن وزارة الصحّة لم تنتظر المصادقة على هذا المخطط، وقبل تنصيب لجان المتابعة والتنفيذ لمباشرة العمل ميدانيا بناءً على الاقتراحات الواردة في التقرير التمهيدي المؤرخ في 2013 على غرار تكوين فرق أطباء لمكافحة السرطان من أجل فتح وحدات جديدة وتكوين الأطباء العامين للتشخيص المبكّر ومتابعة المرضى ووضع السجل الالكتروني للسرطان ومخطط مندمج متعدد القطاعات لمكافحة عوامل الخطر، بالإضافة إلى إنشاء مراكز جديدة لمكافحة السرطان وتدعيم القدرات الوطنية في ما يخص العلاج بالأشعة.
وبعد فتح مركزي مكافحة السرطان لولايتي باتنة وسطيف ، صائفة 2014، تم في شهر جوان 2015 الشروع في استغلال مركز عنابة الذي يتوفر على ثلاثة مسرعات مع دخول الخدمة لمسرعين اثنين إضافيين لمركز قسنطينة ورفع كل العراقيل الإدارية للإسراع في إنجاز واستلام مراكز مكافحة السرطان المتواجدة بولايات ‘’تيزي وزو، تلمسان، سيدي بلعباس والأغواط” التي يُنتظر أن تدخل تدريجيا الخدمة بداية من 2016.
كما تم تجديد وتدعيم مركزي ‘’بيار وماري كوري’’ بالعاصمة والبليدة في مجال العلاج بالأشعة والتي يُنتظر دخولهما حيز الخدمة في الأسابيع القليلة القادمة، وكذا تعيين فريق عمل من الخبراء لاعتماد استراتيجيات علاج توافقية لمختلف الإصابات بالسرطان وسيعلن عن ستة منهما في الأيام القليلة القادمة.
2016.. منعرج حاسم في مسار إصلاح المنظومة الصحية
ستكون سنة 2016 محطة ومنعرجا حاسما في مسار الإصلاحات العميقة والهيكلية التي ستعرفها المنظومة الصحية. تستوجب هذه المرحلة إحداث ثورة حقيقية في مجال التنظيم والتسيير وفقا معايير تحكمها أهداف واضحة ونظرة استشرافية للصحة.
وقد وضع وزير الصحة خطة عمل جديدة، حيث سيتم تجسيد مختلف التعليمات التي قدمها في 2015 من خلال وضع شبكات مندمجة للتكفل بالحاجيات الصحية للمواطن وإعادة الاعتبار لكل الوظائف المنوطة بمكاتب القبول وإرساء آليات تقييم كل النشاطات الخاصة بالطواقم الإدارية والطبية وشبه الطبية وكذا إنشاء شبكات معلوماتية داخلية على مستوى جميع المؤسسات تربط بين مختلف مصالحها الطبية والإدارية.
من بين أهم الملفات التي ركز عليها بوضياف، ضرورة إعادة تنظيم مصلحة الصيدلة بكل المستشفيات، بصفة تمكن هذه الأخيرة من تسيير الدواء والمستلزمات الصيدلانية من المخزن إلى فراش المريض، لأنه من غير المعقول أن يقتصر دورها على توزيع الدواء دون متابعة استعماله، بالإضافة إلى أهمية إبرام عقود مع مؤسسة “موبيليس” في إطار اتفاقية “آنفا” لربط المرافق الصحية بشبكة “Intranet santé” بالنسبة للمؤسسات التي لم تستفد من عملية الربط بالشبكة عن طريق الألياف البصرية.