الهيئـــــات العرفيـــــــــة والدينيــــــة تــــــدعو لإزالة أسبــاب الأزمــــــــــة
جمعيات وأساتذة يثمنون جهود استتباب الأمن وترسيخ ثقافة التعايش
الحلـقـــــــــــة والأخـــــــــــيرة
بعد الأحداث المأسوية التي شهدتها بعض مدن غرداية، عاد الهدوء إلى الواجهة، ساهم فيه تضافر جهود السلطات العمومية وسكان الولاية، الذين ثاروا ضد العنف، منادين من أجل التسامح والتعايش المرسّخ في المنطقة عبر العصور. هذا ما رصدته «الشعب» بعين المكان.
أما عن المدى المتوسط، فيرى الناشط الجمعوي أن الانطلاق في عجلة التنمية والدفع بالمشاريع، سواء سكن أو مرافق ترفيهية، هي الخطوة المهمة التي ينتظرها المواطن، إذ أن المنطقة ليس من السهل إعمارها، حيث يجب إعادة الثقة الكاملة للسكان، وأن أول تقييم للشباب يجب أن يكون بفتح مراكز لهم ونواد بالواحات، حيث هناك تهميش واضح في المنطقة.
كما يرى بوكراع حسين، أن في منطقة غرداية طاقة كبيرة تستطيع أن تكون قطبا تجاريا صناعيا وسياحيا كبيرا في الجنوب، باعتبار الجغرافيا والموقع مؤهل لذلك. فعند تفعيل عجلة التنمية، خاصة في المجالين الصناعي والتجاري، سيكون هناك تقدم كبير حتى على المستوى الوطني، بحيث هناك تجارب قوية بالمنطقة في هذا الشأن.
ونادى بوكراع إلى فتح أقطاب تجارية بكل المواصفات، كون كل الإمكانات متوفرة وسيكون أهم شيء في عجلة التنمية بالمنطقة. وحان الوقت لأن يكون هناك سياح من الداخل، إذ أن مفهوم المواطنة الحقيقية هو مفهوم الدولة المدنية، بحيث يجب إشراك المجتمع المدني فيه واعتباره الحلقة الأساسية في المعادلة.
وعن المدى البعيد، يرى حسين بوكراع ضرورة تكوين مواطن حقيقي بجمعياته وليس «بجمعيات الفلكور ولا الغنيمة أهم شيء في هذه المرحلة، لأن بناء المجتمع المدني الحقيقي هو الأهم لنهوض أي شعوب».
المجلس المالكي بغرداية: قرارات السلطات العليا هامة
من جهته يرى المجلس المالكي بغرداية، أن القرارات المتخذة على مستوى رئاسة الجمهورية والرامية إلى إعادة الأمن والسكينة لبعض المناطق التي شهدت أحداث عنف «هامة»، حيث أنه وبعد النتائج الملموسة للتدابير التي شرع في تجسيدها ميدانيا، تحت قيادة الناحية العسكرية الرابعة، أصبح الشعور لدى الكل بأن غرداية بدأت الدخول في الخطوة الأولى وهي المرحلة الجديدة، حيث أنه لابد من إجراء تقييم لما سبق من أحداث، خاصة أسباب العنف وكذا مواكبة الإجراءات المتخذة لتسهيل الوصول إلى مبتغاها.
ويقول عبد القادر البرج، النائب الأول بالمجلس المالكي، في هذا الإطار: «ليس من السهل التطرق للعوامل التي أدت إلى نشوب النزاع مع نهاية 2013، لأن الأمر يتعلق بعنف خلف الكثير من الضحايا، سواء في الأرواح أو الجانب المادي أو الجانب النفسي لسكان غرداية عموما».
وأثار عبد القادر مشاكل متراكمة ساهمت في تعقيد الوضع ولم تحل في وقتها، منها مشكل العقار. كما أن هناك إطارات ساهمت في تأجيج الوضع من خلال استدعاء هيئات أجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية.
وهو يدرك أيضا، أن العنف الذي هز عاصمة الولاية هو عنف مترابط مع ما وقع في مدينة القرارة وبريان، بحيث أن الأسباب تطابقت جدا، إلا أن التحليل هنا سيقتصر على مدينة غرداية، حيث حلل متحدثنا تشخيص الأحداث.
ويرى المتحدث ضرورة إدماج المجتمع المدني في تعميق الانفراج والحلول الدائمة. وقال متحدث «الشعب» عبد القادر البرج: «بعد كل الذي حدث، لابد للسلطات العمومية أن تكثف جهودها لترسيخ الطمأنينة وسط السكان. وهو ما تضمنته الخطة التي دعت إليها أعلى السلطات، على رأسها رئيس الجمهورية في الاجتماع الخاص بغرداية والتدابير التي اتخذت للحيولة دون انفلات الوضع.
كما يرى متحدثنا، أن المجتمع المدني المحلي له دور كبير، بحيث يجب إعطاء الدور لهيئات المجتمع المدني ذات التمثيل الواسع في كل جانب، سواء مالكي أو إباضي، بتحمل التزاماتها والعمل على تجسيد ذلك في أرض الواقع، إذ يجب في هذا الإطار تقوية الهيئات التي تؤمن بالقيم الجمهورية وتنبذ التفرقة والعنصرية وكل ما من شأنه ينمي الأحقاد ويغذيها.
يوسف العيورات، النائب الثاني في المجلس المالكي:
أفكارا دنيئة ألغت قوانين الجمهورية!
من جهة أخرى، يرى يوسف العيورات، النائب الثاني في المجلس المالكي، أن فكرة الخصوصية كرست بعض الأفكار الدنيئة، إلى درجة أن قوانين الجمهورية ألغيت باسم هذه الفكرة، مثلا تحويل الأساتذة في المؤسسات التربوية في عدة مناطق واستخلافهم بآخرين، ملتمسا من السلطات النظر جيدا في الحركة التي تمس مختلف الأجهزة على اختلاف تخصصاتها، حيث يقول إن المجتمع المالكي له كل الثقة في هذه الحركة على المستوى المركزي، إلا أن هناك مسؤولين يعلمون كل خبايا الوضع، لهذا نأمل في عدم تغييرهم.
وبحسب العيورات: «لابد أن يراعى في التنمية الحل الأمني عندما يحل يجب القضاء على دعاة الفتنة في كل المجالات، خاصة وأن الحركة الانفصالية استغلت الأحزاب السياسية من أجل الغطاء واستغلال المنظمات الحقوقية».
وبخصوص الحركة التنموية التي سيشرف عليها وزير الداخلية قريبا، والتي حملت شعار التنمية والمصالحة، أكد يوسف العيورات لـ «الشعب» أن المجتمع المالكي يثمن ويدعم نشاطها، آملا أن تكون التنمية شاملة على مستوى جميع الأحياء، دون استثناء، حيث يقول هذا الأخير، إننا ننتظر من اللجنة أن تتدارك العجز والنقائص التي كانت في بعض الأحياء على أحياء أخرى، خاصة تدارك العجز في الأحياء الشعبية المالكية. إن هناك بعض المشاريع المحورية المسجلة منذ 2006 لم تنطلق بعد إلى اليوم، في مجال الصحة والصرف الصحي والطرق وغيرها».
كما شدد محدثنا على توسعة الأحياء الشعبية واستكمال مشروع الكاميرات في جميع المناطق دون استثناء.
الأساتذة الجامعيون... أحداث غرداية سحابة عابرة
من جهتهم يرى مجموعة من الأساتذة بجامعة غرداية، أن غياب المجتمع الحقيقي لربط الاتصال والتواصل بين المالكية والإباضية منذ بداية الأحداث، زاد من تفاقم الوضع، خاصة بعد خروجه عن السيطرة، حيث يؤكد الأساتذة أن الأحداث ما هي إلا سحابة عابرة، لكن على الجميع بذل أكبر مجهود من أجل إنهائها وإعادة المياه لمجاريها التي بدأت بوادرها تظهر.
وقال عدد من الأساتذة المالكيين والإباضيين، إن المطلوب من هذه الهيئات وجميع النخب، الجلوس إلى طاولة واحدة بعيدا عن المجتمع والخروج بنتائج حقيقية وتوصيات يتم تجسيدها على أرض الواقع، شريطة أن تكون النوايا صادقة، من خلال رسم خارطة تعايش حتى يتسنّى للسكان إعادة الانسجام والنسق الاجتماعي، مؤكدين أن الحل موجود لدى السكان دون غيرهم، وأن أي مبادرات يجب أن تكون مدروسة جيدا لأنها قد تنشر حالة الاحتقان، كون أغلبية الجزائريين لا يعلمون خصوصيات المجتمعين، لهذا يتطلب الحذر من رجال السياسة والإعلام والمحللين والمتتبعين أثناء الخوض في غمار هذه الأحداث، كما دعا هؤلاء إلى ضرورة تجنب أي حديث عن موضوع غرداية، كونه يؤزم الوضع من جديد.
الأسرة الإعلامية تثمّن جهود المؤسسة العسكرية
يرى مكتب الاتحاد الوطني للصحافيين والإعلاميين الجزائريين، أن على جميع وسائل الإعلام الحرص على تحقيق المصلحة العليا للوطن والمحافظة على النسيج الاجتماعي للمنطقة المتشبعة بروح التعايش والتسامح، مؤكدا أنه يجب أن ترتقي وسائل الإعلام والصحافة بالخطاب الإعلامي إلى مستوى المسؤولية الوطنية، التي تخدم الوحدة وتنبذ التفرقة وتساهم في التنمية وعملية البناء وتعزز مساعي وجهود استتباب الأمن.
الزوايا تدعو إلى تضافر الجهود
ترى مختلف المؤسسات الدينية بولاية غرداية والتي كانت قد قالت كلمتها في كثير من المحطات، سواء بعد زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال أو الزيارات المتتالية لوزير الداخلية والجماعات المحلية نورالدين بدوي للمنطقة، منذ بداية الأحداث، ضرورة تقوية المجتمع لمواجهة التحديات المستقبلية التي تحاول العديد من الأبواق إشعالها، مؤكدين «أن التمسك بعقيدتنا ستمنع على أي جهات أجنبية المساس ولو بشعرة من وحدة هذا الوطن ترابا وشعبا».
ترى زاوية سي الحسين بالمنصورة، «على الجميع إعادة النظر في منطقه وعقله والابتعاد عن كل الشرور التي تحيط بنا والإكثار من المبادرات الخيرية والتكافل بين المجتمعين، مؤكدا أننا لسنا في منأى عن هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن».
كما ترى زاوية الشيخ الشنقيطي: «ضرورة التمسك بعقيدتنا ووحدتنا وهو ما سيقطع دابر الأعداء ولن تدخل الفتنة أبواب الآمنين، لكن هذا يتطلب جدها جهيدا وعقلا واسعا وحكيما، لا بالقيل والقال، لترجع الأمور إلى مجاريها».
كما تتصور زاوية الشيخ أحمد بومعزة: «أن على جميع المؤسسات في الولاية المساهمة في إزالة أسباب الأزمة ووضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار وأن التاريخ لن يرحم ما تشهده الأمة الإسلامية من توترات وحروب وفتن من أعداء الأمة، يحتم تلاحمنا والتماسك وعقيدتنا. وهو التلاحم الذي يشكل الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات المساس بالاستقرار الوطني حاضرا ومستقبلا».