تقع بلدية عين تالوت على الحدود الإدارية الشرقية لولاية تلمسان في نقطة التماس مع بلدية بن باديس التابعة لولاية سيدي بلعباس، هذا الأقليم الذي يحتّل موقعا استراتيجيا كواجهة وبوابة أولى لولاية تلمسان من الجهة الشرقية، ما جعلها تحظى باهتمام خاص في برنامج التنمية وفق مختلف البرامج التي تستفيد منها ولاية تلمسان، ولاسيما مشاريع الهضاب العليا لتدارك التأخر الذي عرفته خلال السنوات الماضية خصوصا خلال العشرية السوداء، هذا وإن الزائر للمنطقة ليقف على الواقع الذي يعكس فعلا تأخر التنمية بشرق الولاية مقارنة بالجهة الشمالية والغربية منها، إلا أن ذلك لم يعد كافيا بالنظر لمطالب سكانها المتعددة الجوانب والمجالات.
''الشعب'' إختارت المنطقة للوقوف على معاناة سكانها والوقوف على احتياجاتهم .
القطار لفك العزلة على السكان
رغم النقائص الكبيرة التي تعرفها بلدية عين تالوت والتي جعلتها من أفقر بلديات الولاية الـ٥٣، لكن أحلام سكانها لاتزال بسيطة بساطة أهلها، إذ أن مسألة الإغلاق غير المبرر لمحطة القطار أمام الخدمة للمواطنين تعد أهم انشغالات المواطنين بعين تالوت التي تبعد عن عاصمة الولاية تلمسان بنحو ٣٢ كيلومترا شرقا ولاية تلمسان، وهو ما جعل السكان يعبرون باستمرار عن تذمرهم واستياءهم الشديدين عن عدم الاهتمام الذي تبديه المؤسسة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية وأيضا مديرية النقل بالولاية بشأن ذلك وطالها الإهمال لأكثر من ١٥ سنة، حيث يعود آخر نشاط لها إلى بداية التسعينات قبل أن يتوقف بسبب تعرض مسار السكة الحديدية إلى زرع للألغام من طرف الجماعات الإرهابية على طول المسار المؤدي إلى باقي المناطق، وأيضا تعرض العديد من القطارات لهجومات إرهابية بما في ذلك الخاصة بنقل المسافرين، ليتوقف معها شريان مهم للنقل لعدة سنوات، إلا أن الظروف الأمنية الحالية أصبحت أفضل بكثير مع استتباب الأمن وتراجع كبير لنشاط الإرهاب الذي لم يعد موجودا كما كان من قبل، وساهم الأمن أيضا في عودة النازحين إلى ديارهم بعد أن هجروها بسبب مخاوفهم على أمنهم وأمن عائلاتهم، وكذا ارتفاع ساكنة المنطقة بشكل معتبر والتي تعتبر ثاني أهم دائرة إدارية في الجهة الشرقية من ولاية تلمسان بعد الجارة أولاد ميمون وبوابتها الأولى والرئيسية على الحدود الإدارية مع سيدي بلعباس، وهي من بين العوامل التي جعلت المواطنين يمارسون الضغط على المصالح الوصية للتحرك من أجل إعادة فتح المحطة من جديد والتي يعود تاريخ انجازها إلى الفترة الاستعمارية.
كما تتميز بشكل هندسي وموقع جغرافي هام للغاية، وما يزيد من أهمية المحطة أنها الوحيدة بالجهة وبات إعادة فتحها لتقديم الخدمات للمواطنين أكثر من ضروري، وفتحها مجددا يعني فك العزلة عن سكان القرى والبلديات المجاورة، لاسيما المتواجدة في إقليمي عين تالوت وعين نحالة والتي تتميز بطابعها الرعوي والقروي، خاصة وأن إمكانية القيام بذلك ممكنة بشكل كبير، على أساس أن خط السكك الحديدية الرابط بين ولايتي وهران وتلمسان يشق عدة أحياء من المدينة وقطار المسافرين الذي يعمل على هذا الخط يمر بها يوميا وفق ثلاثة رحلات ذهابا ونفس العدد إيابا ولا يتوقف ولو للحظات بالمحطة، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول القضية، في وقت يعيش فيه سكان الجهة أزمة في النقل تكاد تكون ظاهرة معتادة يوميا خاصة في فترات الصباح والمساء، وهي الأوقات التي يتوجه فيها عدد من الطلبة إلى جامعة تلمسان وكذا عدد آخر لا يستهان به من العمال لمزاولة عملهم اليومي بكل من أولاد ميمون وتلمسان، ناهيك عن تنقل مئات الأشخاص إلى هذه المدن لأغراض شخصية أو أمور إدارية، ويضطرون للانتظار لعدة ساعات للظفر بمقعد في حافلة أو حتى التنقل واقفين بها.
النقل البري المنفذ الوحيد
رغم أن المدينة تقع بجوار الطريق الوطني رقم ٧ الذي يعتبر واحدا من أطول الطرقات على المستوى الوطني يشق عين تالوت إلى شطرين ليساهم هو الآخر في تأكيد أهميتها بالجهة لا سيما ما تعلق بنقل المسافرين، إلا أن ذلك لم يحدث اطلاقا، فالبلدية التي تضم ساكنة يتجاوز عددها ٢٠ ألف نسمة لا يوجد بها محطة لنقل المسافرين، ويقتصر الأمر فقط على أربعة نقاط لتوقف الحافلات على جنب الطريق الرئيسي، موزعة بالتساوي نقطتين يسارا ونفس العدد يمينا وكلها موجودة على مشارف ومداخل البلدية الشرقية والغربية، ورغم أنها مكيفة بشكل يكاد يكون لائق إلا أنها لا تستجيب للأمن، خاصة وأن الطريق بجانبها و يهدد أمن المواطنين بشكل كبير وهو ما تؤكده سلسلة الحوادث ومنها القاتلة، ناهيك عن تسبب توقف الحافلات بهذه النقاط الأربعة في عرقلة حركة المرور بالطريق الذي يعرف كثافة مرورية كبيرة، وما يزيد الأمر سوءا أيضا أن مئات المواطنين يضطرون للتوقف بهذه المحطات لساعات طويلة، خاصة في المواسم القاسية مثل الشتاء أين تعرف المنطقة برودة قاسية وتساقط للثلوج وكذا، في فصل الصيف أين ظلّ تواجد أماكن للانتظار لا تتسع في أغلب الأحيان لخمسة أو ستة أشخاص وبات إنجاز محطة بالبلدية أمرا حتميا لما قد يشكله ذلك من تدعيم لما تقول عنه الدولة دائما، أنها سياسة فك العزلة عن المواطن في المناطق المحرومة وتزداد أهمية انجاز المحطة في كون استغلالها حتى على الخطوط ما بين الولايات، لا سيما وأن الحافلات التي تربط تلمسان بباقي الولايات، تمر هي الأخرى بعين تالوت خاصة الخط باتجاه الجزائر العاصمة وأيضا بشار وأدرار وحتى أقصى شرق البلاد، مثل خط سكيكدة وقسنطينة وتبسة وبسكرة وهي عوامل تدركها جيدا المصالح المختصة وفي مقدمتها مسؤولو قطاع النقل ومصالح البلدية .
أكبر عملية تسرب المدرسي
رغم أن مدينة عين تالوث تعد ثاني تجمع سكاني بشرق تلمسان بعد بلدية أولاد ميمون، إلا أن غياب ثانوية بالمنطقة التي لاتزال تعرف عملية تشييد لثانوية والتي كان من المنتظر أن يعيش سكان عين تالوت أول موسم دراسي لمتابعة أبنائهم وهم يمتحنون لشهادة البكالوريا هذه السنة بمقر بلديتهم، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب تأخر تدشين الثانوية الأولى لسنة كاملة وهو ما جعل العشرات من أولياء التلاميذ يعبرون عن تذمرهم الشديد من ذلك رغم أن مديرية التربية، كانت قد أكدت ومنذ فترة أنها ستعطى إشارة عملها مع بداية الموسم الدراسي والذي انقضى منه عدة أسابيع، قبل أن توضح الأمر بعد انتهاء الفصل الدراسي الأول وأرجعت تأخر استلام هذا المرفق البيداغوجي والتربوي إلى الدخول الدراسي ٢٠١٣ ـ ٢٠١٤، بسبب عدم انتهاء الأشغال به، خاصة وأن المشروع العلمي الذي تم انجازه في إطار البرنامج الخماسي المنصرم والذي لا طالما انتظره سكان المنطقة منذ أزيد من عشرين عاما بمثابة المنعرج الهام في المسار الدراسي لمئات تلاميذ الجهة، خاصة وأنه من شأن تحول إلى متوسطة في حين تبقى الثانوية التي تعتبر أهم مكسب اجتماعي تربوي بالمنطقة والتي ينتظر أن يضمن ما لا يقل عن ١٠٠٠ مقعد بيداغوجي في عدة اختصاصات كعلوم الطبيعة والعلوم الدقيقة والعلوم التجريبية والآداب واللغات لدى الجنسين إناث وذكور أن تساهم في خفض معدلات التسرب المدرسي الذي تعتبر عين تالوت واحدة من أكثر مناطق الولاية التي تعاني منه، خاصة خلال السنوات الأخيرة حين توقف مئات التلاميذ ولاسيما الفتيات عن الدراسة بمجرد إنهائهم لمرحلة التعليم المتوسط وتعذر عليهم مواصلة ذلك في التعليم الثانوي لغياب مؤسسة تربوية ثانوية في هذا المستوى تسمح لهم بمواصلة المشوار في ذلك لأسباب تتعلق أساسا بالعادات والتقاليد من جهة ولدوافع مالية بسبب الحالة الاجتماعية لغالبية أهل المنطقة من جهة أخرى التي تتميز بطابعها الريفي والفلاحي، ولم يمنع ذلك البعض والمحظوظين منهم التنقل على مسافة ٢٢ كيلومترا يوميا إلى مدينة أولاد ميمون غربا للتمدرس، إلا أن ذلك كان محفوفا بالمخاطر فتارة لغياب النقل ومرة أخرى لظروف جوية لا تسمح لهم بالتنقل وتارة أخرى لإحساسهم بأنهم ضيوف غير مرغوب فيهم في مؤسسات تربوية خاضعة لسلطة بلدية لا يقيمون فيها، وبعيدا عن ذلك ينتظر أن تضمن الثانوية الجديدة هاته و التي تم تجهيزها بكافة الوسائل الضرورية وفي مقدمتها التدفئة وكلفت الخزينة العمومية ملايير السنتيمات أيضا خدمات الإطعام لتلاميذ المناطق المعزولة، لا سيما القادمين من تاجموت الواقعة ٢٥ كيلومترا جنوب عين تالوت شأنها في ذلك شأن قرى تاغزوت والسعادنية، ناهيك عن تلاميذ منطقة عين النحالة المجاورة، كما سيتم تحويل عدد من التلاميذ الآخرين لعين تالوت إلى هاته الثانوية وفي سياق متصل تعوّل جمعيات أولياء التلاميذ بالجهة إلى جانب السلطات المحلية بالمنطقة من هاته الثانوية أن تحسن مردود ومستوى أبناءهم وتلامذتهم، خاصة وأن عين تالوت اعتادت خلال السنوات الأخيرة أن تحتل مراتب متأخرة في جميع أنواع الشهادات والامتحانات الرسمية التي تشرف عليها وزارة التربية مع نهاية كل موسم، مما كان يتجدد طرح السؤال حول أسباب ذلك، وهو ما أكدته فعلا نتائج هاته الامتحانات خلال بكالوريا دورة جوان ٢٠١٢، وقبلها دورة السنة الماضية، والأمر يتشابه مع امتحانات شهادة التعليم المتوسط والابتدائي وهي وضعية تعلمها جيدا مديرية التربية بالولاية التي تسعى لتشخيص العلة وتدارك المشاكل.
نقص العقار يرهن المشاريع
تعرف البلدية صعوبات في التجسيد بسبب غياب الوعاء العقاري، خاصة وأن أغلب المناطق والأراضي بالجهة هي ممتلكات للخواص والأكثر من ذلك أنها لأكثر من فرد في العائلة وهي ميراث لأكثر من شخص وصعب الأمر بالنسبة للسلطات المحلية التفاوض معهم من أجل شرائها لإنجاز مشاريع ذات منفعة عمومية مثل ما هو معمول به في التشريع والتنظيم الساري به العمل، ورغم اجتهادات لاستغلال بعض الأماكن في انجاز مشاريع جديدة والتي تمت فعلا على غرار المقر الجديد للبلدية الذي أنجز بمواصفات تربط بين الحداثة والتراث المعماري الإسلامي التلمساني وأيضا مقر المكتبة العمومية للمطالعة ومركز للبريد الذي يعتبر تحفة هامة، وبه كل الخدمات إلا أن معظم المشاريع الأخرى مازالت معطلة لذات الأسباب لا سيما انجاز السكنات ذات الطابع الاجتماعي، وفي هذا الإطار تم انجاز فقط نحو ٢٠٠ وحدة سكنية خلال السنوات القليلة الأخيرة هي الآن مغلقة و لم يتم توزيعها و تسليمها لمستحقيها و طال انتظار المواطنين في الوقت الذي ترجع فيه السلطات المحلية أسباب ذلك إلى عدم التوازن بين الطلب والعرض من جهة وإلى الحيطة في تحديد قائمة المستفيدين، منها وفق الشروط مع اتخاذ الصرامة في ذلك على حد قولها.
ويعتبر ملف العقار بعين تالوت واحدا من أكبر التحديات التي توجد على طاولة القطاع المخول له قانونيا وهو مديرية مسح الأراضي.