تركت مهنة الطب التي مارستها بحب وإتقان، لتنتقل إلى ميدان آخر مغاير تماما.. إلتقتها «الشعب» في المنتدى الجهوي الذي ضمّ المتعاملين الناشطين في مجال الزراعات الغذائية من دول عربية، أمال صحور المرأة الوحيدة التي اقتحمت مجال إنتاج، تحويل وتصدير التمور في الجزائر، صاحبة مؤسسة (سوكوفيل)، مقرها في قسنطينة. سيدة الأعمال هذه، لم تجد الطريق معبدة أمامها لتحقق طموحها وفرض وجودها في الميدان، بل لاقت صعوبات كثيرة، لكنها صمدت وواجهت المشاكل بصبر وتعقّل، وتمكنت من إثبات نفسها كمسيرة رتبت ضمن أحسن سيدات أعمال في الجزائر، جعلتها تحظى باهتمام المحيط الذي تنشط فيه، وقد تحدثت عن تجربتها بحلوها ومرّها في هذا الحوار مع «الشعب».
- الشعب: متى دخلت السيدة صحور، مجال تصدير التمور، وما سرّ هذا التحوّل الجذري من الطب إلى التجارة؟
@@ أمال صحور: أعمل في مجال تحويل وتصدير التمور، وكذا صناعة حلوى من فاكهة التمر، ولكن قبل أن أصل إلى هذه المرحلة، سأحدثك عن تجربتي التي بدأتها سنة ١٩٩٣.
وكانت صدفة، إذ في الأول كنت أعمل طبيبة عامة في عيادتي الخاصة بقسنطينة ـ مسقط راسي ـ ومرة جمعني وزوجي بلقاء مع أحد الأصدقاء الذي يمتلك خبرة ومعلومات في مجال التجارة، فاقترح علينا فكرة تصدير التمور إلى الخارج، لأنه رأى أنني أمتلك المواصفات التي تؤهلني لممارسة هذا النشاط، فقبلت الفكرة وقلت لِمَ لا، وكانت بمثابة مغامرة دخلتها بعد اتكالي على الله، توجهت إلى بسكرة حيث أقمت مع عائلتي، وبدأت العمل بلا تردد، وكانت أول عملية قمت بها شراء ٢٠ طن من التمر وتصديره إلى فرنسا، عن طريق صديق عرفني بزبون فرنسي، فتمت العملية بنجاح، وهذا ما فتح أمامي آفاق أخرى، وقررت الاستمرار، وأصبحت الطلبات تزداد من الخارج، فقررت عدم الاكتفاء بتصدير التمور وإنما تطوير إنتاجها وتنويعه، والبحث عن حصص في الأسواق الأوروبية.
- هل واجهتك عراقيل وأنتِ تقتحمين مجالا كان حكرا على الرجل، باعتبارك المرأة الوحيدة المنافسة في تصدير التمور إلى الخارج؟
@@ بدأت المشاكل تتعقبني وأنا أضع أول خطواتي في مجال إنتاج وتحويل التمور لتصديرها إلى الخارج، حيث لم يكن من السهل قبولي كامرأة عندما انتقلت إلى بسكرة واستقريت لوقت هناك رفقة عائلتي، لمباشرة هذا النشاط، حيث كان ينظر إليّ بنوع من الرفض والإزدراء، لكوني امرأة، ولأنني لست من تلك المنطقة، لكنني استطعت بعد مدة أن أكسب إحترام الآخرين وارتاحوا لي، خاصة لما رأوه من تواضع وسعة الصدر، والصبر، حتى صاروا الآن يطلقون علي اسم (المجاهدة) تارة، و(الأسطورة) تارة أخرى، كما ينادوني كذلك بالطبيبة فأصبحت منهم، وأعجبتني المهنة الجديدة، الذي يزداد حبي لها يوما بعد يوم، وكنت كلما واجهتني مشكلة إلا وتزيدني قوة وإصرارا في مواصلة العمل، وبلوغ الأهداف التي سطرتها، لتحقيق طموحي في أن أكون من خلال مهنتي أحسن سفيرة لبلدي، وتقديم منتوج التمور الجزائرية في أحسن تعليب حتى يصل إلى الخارج، وهو مقبول شكلا وذوقا، كما صنعت حلويات من التمر في أشكال مختلفة، وتعرف طلبا متزايدا عليها.
- كم يبلغ حجم الكمية التي تصدرينها حاليا؟
@@ أصدّر حاليا ١٠٠٠ طن سنويا من التمور إلى دول أوروبا منها فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، بالإضافة إلى روسيا، ماليزيا والبنغلاديش، بالإضافة إلى موريتانيا وكندا، وأعتزم دخول الأسواق الخليجية من خلال الإمارات، التي طلبت التمر الجزائري، نظرا لجودته وأنواعه المختلفة، كما أصدر ـ كذلك ـ حلويات مصنوعة من التمر.
- إنطلاقا من تجربتك في المجال، هل يمكن للمنتوج الجزائري التموقع في الأسواق الخارجية وسط المنافسة شديدة؟
@@ سأقول لك شيئا.. في التجارة لا بد أن تترك العواطف جانبا، القول بأن التمور الجزائرية هي الأجود، لأنها طبيعية، لا يكفي لكي تقبل من طرف الزبون وتحظى بثقة المستهلك الأجنبي، التصدير يتطلب توفير عوامل أساسية أهمها المارتينغ واللوجستيك، بالإضافة إلى المشاكل الناجمة، صعوبة التعاملات البنكية، وتذبذب حركة النقل البحري، إذ أن البواخر يمكن أن تغادر الميناء في أوقاتها المحددة، كما يمكن أن تتأخر، ولا يمكن معرفة مدة التأخر، مما يؤثر على نوعية بعض أنواع التمور، وأضيف لك شيئا، أن الجزائر تنتج التمور أكثر من تونس، لكن هذه الأخيرة تصدر كميات أكبر من تلك التي نصدرها، لهذه الأسباب التي ذكرتها.
- هل يمكن توضيح العلاقة بين العوامل التي ذكرتها، وكيف تؤثر في عملية التصدير؟
@@ المنافسة في الأسواق الخارجية لها قواعد، أهمها جودة المنتوج، وكيف يعرض على الزبون والمستهلك، فلا يكفي أن يكون من نوعية جيدة، لأن سوء تعليبه وتخزينه يؤثر على جودته وتسويقه، وهذه من بين المشاكل التي يواجهها المصدّر، بالإضافة إلى العراقيل التي نلاقيها في نقل المنتوج عبر شركات النقل البحري (سي -أم - ا) و(سي جي أم)، والذي زاد الأمر تعقيدا القرار الذي اتخذته هذه الأخيرة فيما يتعلق بتغيير صيغة التعامل التي كانت سائدة بين المصدّرين وزبائنهم في الخارج، حيث كان المصدّر يأخذ على عاتقه مصاريف نقل المنتوجات لغاية إيصالها إلى زبائنه، من خلال الدّعم الذي تقدمه الدولة في هذا المجال، أما حاليا فإن المتعامل الوطني تنتهي مهمته بمجرد وصول البضاعة المصدرة إلى الميناء، وهذا ما جعلنا نواجه مشاكل مع زبائننا، ويؤثر على العملية ككل، وأوجه نداء عن طريق «الشعب» إلى الجهات المسؤولة بإعادة النظر في هذا القرار.
- تصل كمية التمور التي تصدرها الجزائر إلى الخارج ١٢ ألف طن، يعني ذلك أن هناك إنتاج وافر، لكن هذه الوفرة لم تنعكس على الأسعار في الداخل، حيث يصل سعر الكيلوغرام الواحد في وقت الجني إلى ٣٠٠ دج ويتضاعف في أوقات أخرى، إلى ما يعود ذلك في نظرك؟
@@ أعتقد أن السبب الرئيسي في ذلك، يعود إلى تذبذب السوق، فغياب التنظيم يفتح المجال للمضاربة، والمنافسة غير الشريفة، هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى ارتفاع في الأسعار، والمشكل دائما تحدثه الحلقة الوسيطة (بين الفلاح والمستهلك)، أي ذلك الذي يجمع التمر ويبيعه إلى المتعامل لتحويله وتعليبه، سواء كان موجه للاستهلاك المحلي أو للتصدير، وقد أصبحنا نعاني نوعا من الغش في المادة الأولية، بالإضافة إلى صعوبة الحصول عليها بالجودة المطلوبة في بعض الأحيان.
- بعد ٢٠ سنة من ممارسة هذا النشاط الذي تصفينه بالصعب، هل حققت كل طموحاتك؟
@@ استطعت أن أثبت ذاتي وأن أكون منافسة في مجال تصدير التمور، وتمكنت من إعطاء قيمة مضافة لهذا النشاط، والمساهمة في رفع قيمة الصادرات، مما جعلني أحظى باحترام ـ حتى المنافسين لي ـ وتقدير المسؤولين عن القطاع، وقد سلمني وزير التجارة شهادة أحسن مسيرة لسنة ٢٠١١، وكان هذا شرف كبير لي، وشجعني على العمل أكثر، لتسليم المشعل فيما بعد لأولادي .