لم تعد ظاهرة إقتحام المرأة الريفية الماكثة في البيت بولايتي الشلف وعين الدفلى للأنشطة التقليدية والحرفية عبر أشغال حرة منعزلة أو مؤسسات مصغرة على قلّتها مطروحة ضمن يومياتها التي لاتخلو من معاناة ومتاعب ومضايقات من بعض الإنتهازيين من تجار وأشباه جمعيات تستغل بساطتها وضعف تكوينها الذي مازال بعيدا عن طموحها وأمانيها وتطلعاتها وأناملها الإبداعية كطاقة منتجة يعتبرها البعض بالمعطلة مع غياب خارطة تكشف تواجدها وطبيعة حرفها وآليات الدعم الحقيقية.
الوضعية التي عاينتها «الشعب» من تصريحات عائشة وجميلة وخيرة من عدة بلديات، وكذا رئيسة جمعية الإنتصار للصناعة التقليدية فاطمة حمرون ليست شعارا أو « كليشيهات» تلوكها الخطابات وتتقاذفها التصريحات بقدر ما هي إستغلال لبساطتهن في القرى والمداشر والمناطق الريفية التي تتنفس من خلالها ضمن مظاهر التحدي وإثبات الذات التي لاتحس وتشعربها إلا هي.
هو عربون مقاومة المتاعب اليومية التي تناضل من أجلها عبر مواقع وفضاءات لا تتحقق إلا بنسب متفاوتة من بلدية إلى أخرى بحسب أقوالهن وطبيعة خصوصية واقعهن، فيوميات المرأة متباينة من بني بوعتاب والهرانفة وبريرية وبني راشد وتلعصة وأولاد بن عبد القادر والزبوجة بولاية الشلف والماين وبلعاص وبطحية وتاشتة وواد الجمعة وبن علال وتبركانين والجمعة أولاد الشيخ بولاية عين الدفلى، حيث لاتخلو من معاناة تقول خديجة التي إلتقينا بها في فضاء المعرض الولائي لسوق الرحمة رفقة فاطمة حمرون التي أكدت أن المرأة الريفية الماكثة في البيت تحاول تجاوز الواقع الذي فرض عليها بكل الطرق بالرغم من العقبات والحواجز الإجتماعية والأسرية والطبيعية، بما فيها عامل العزلة والبعد عن الفضاءات الحضرية ومواقع المدن الكبرى.
منهن من نجحن بدرجة متفاوتة ومنهن من إستسلمت بعيدا عن العيون والمتابعة والمرافقة، ذاك هو حال الكثير منهن في عدة بلديات رفضن الكشف عن هويتهن، فيما نجحت آخريات في بلوغ بعض الطموح الذي راودهن مغتنمات عامل التحسيس والتوعية والإحتكاك والإتصال المباشر مع الحركة الجمعوية وآليات الدعم الإدارية التي تقدمها عدة قطاعات بولايتي الشلف وعين الدفلى.
عزلة وظروف إجتماعية غيبتها عن الأنشطة والإتصال
«تمتلك مهارات وقدرات ما يجعلها عنصرا فعالا في تدبير شؤونها ولتلبية إحتياجاتها، غير أن واقعها وموقعها حد من رغبتها، «الله غالب» تقول مريم بكل ثقة وعزم وهي تمسك ابنتها أمام محطة النقل الريفي بمنطقة بولفراد التابعة إقليميا لبلدية أولاد بن عبد القادر القريبة من جبال الونشريس بتسمسيلت وسوق الأحد بولاية غليزان. حرفة اليدين رصيدنا ورثه هؤلاء من الأجداد، لكن عوامل النسيان وتأخر عملية الإلتفاتة للمرأة بمثل هذه المناطق وغيرها عطل إخراج هذه الكنوز التي تعد مصدر عيشها. هذا الغياب الذي تتحدث عنه عينات من نسوة ماكثات في البيوت من خلال تصريحاتهن بكل من الكريمية والهرانفة وتاجنة وبني راشد وبلعاص والماين والحسانية وبطحية وبمحيط بعض البلديات كما هو الحال بالشلف والعطاف وعين الدفلى التي عرفت في سنوات الجمر نزوحا هربا من آلة الإرهاب لتستقر بسكنات هشة سرعان ما تحولت إلى مجمعات سكنية جديدة، وهي الفرصة التي إغتنمتها بعض النسوة لممارسة أنشطة بهذه البيوت القصديرية لتوفير لقمة العيش، كما تقول (خيرة ع. 47سنة) من العبادية التي أكدت «أن عائق العزلة والمحيط العائلي المحافظ وسلطة الرجال ورب الأسرة حال دون فتح مجال للإتصال والإحتكاك بسكان المجمعات الحضرية سواء بالعطاف أو عين الدفلى وخميس مليانة موقعي النشاط التجاري المفتوح»، تضيف خيرة وزميلتها (خديجة 51سنة) من منطقة تاشتة. هذه الأخيرة التي أبانت عن ناشطات في الحرف التقليدية بمداشر أولاد العربي و أولاد بوعلي وحمليل وأولاد بن يوسف والقصور وغيرها من القرى ببلدية بريرة التي مازالت بحاجة إلى مشاريع تنموية بحسب معاينتنا لها.
رحلة الكشف عن أياد ناعمة في سنوات التهميش
التقرب منها في سنوات التهميش التي أخفت دورها كان مغامرة محفوفة بالمخاطر والمفاجأت تقول إحدى الناشطات في المجال الجمعوي المبكر بولاية الشلف فاطمة حمرون الملقبة بالعزلية التي كان لها في سوق الأربعاء، الموقع التجاري كملتقى لسكان عدة بلديات بما فيها التابعة لولاية غليزان وبعض مناطق برج بونعامة بتسمسيلت، منفذا للبحث عن موقع المرأة بهذا النشاط خاصة وأن بني عزلية معروفون بهذه الحرف تقول فاطمة حمرون رئيسة الجمعية الولائية «الإنتصار» التي إمتدت يدها من خلال خرجاتها وطوافها بمداشر أولاد بن عبد القادر التي كانت آنذاك مرتعا للغبن والتهميش للمرأة حيث كان لها الفضل في إكتشاف عدة عائلات حرفية منها عائلة الطيب وبلعربي وأبوعظمة وخان، ممن جعلت من بيوتها البسيطة والمتواضعة والنائية فضاءات تحوك فيه الأيادي الناعمة أجمل التصاميم في الفخارالطيني والزربية ومنتوجات الدوم الزاهية التي لم تخضع لتكوين.
لم تكن مشاهد حرفة اليدين التي تركها الأجداد، كما قالت عائشة وفاطمة لتخفى عن إصرار عائلة خرباش ع. الحرفية التي كان لها الفضل في تنظيم معرض بتاجة سنة 2010 ، مع بروز عينات من بلدية بني راشد يحركهن حب الأواني الطينية والزربية وصناعة جفنة الطعام وطاجين المشوط والمطلوع وأنواع الفخار الذي كان يملأ سوق السبت بصور موزيكية حضر فيها الرجال وغابت عنها المرأة، تقول حمرون بكل أسف عما صدمت به من سلوكات جعلت المرأة الماكثة في البيت تغيب عن هذه المشاهد التي عطلت من بروزها كقوة نشيطة وفاعلة والتي أجمع كل من تحدثوا إلينا أنها كانت ضحية التهميش والإستغلال والظلم الإجتماعي.
منتوج الماكثات بالبيوت تحت رحمة إنتهازيين
لم ترحم الممارسة التجارية غير النزيهة من لدن بعض التجار في تعاملهم مع المرأة الماكثة بالبيت التي ظلت طوال السنوات المنصرمة وحتى هذه الأيام ضحية لهؤلاء الذين وصفتهم رئيسة الجمعية حمرون بمصاصي الدماء وآكلي عرق و تضحيات ومعاناة هؤلاء النسوة اللواتي يشتغلن في صمت وعزلة تشير محدثتنا بكل مرارة.
هذا الطوق الذي وجدت فيه المرأة الماكثة في البيت نفسها ضحية عوامل عديدة فريسة للممارسة بعض التجار الإنتهازيين الذين ينتقلون إلى موقع تواجدها بالبيت فيقتنون منتوجاتها بأسعار منخفضة ليعاد بيعها بأثمان مضاعفة بفضاءاتهم التجارية القارة والمتنقلة، تقول محدثتنا التي إعتبرت العملية بالإبتزاز في غياب عملية تسويق منتظم ونزيه من هذه الفئة التي مع الأسف يدعي بعضها أنهم حرفيون، وتجدهم يزاحمون المرأة الماكثة كلما فتحت لها أبواب المشاركة في التظاهرات التي تنظمها غرفة الصناعة التقليدية ومديرية النشاط الإجتماعي والتضامن وقطاع الشبيبة والرياضة ومصالح الغابات والسياحة بحسب قولها.
وتضيف «هذه الوضعية باتت بحاجة إلى إعادة النظر في التعامل مع المرأة الماكثة بالبيت من خلال عملية جرد ميداني وتحديد نشاطها ونوعه، وذلك من خلال قافلة أتطلع إلى تنظيمها بالتنسيق مع المصالح الوزارية للقطاع ومشاركة مديريات الصناعة التقليدية والنشاط الإجتماعي والشبيبة والرياضة والبيئة ومؤسسات القرض المصغر وآليات الدعم المعروفة».
هذه القافلة التي تقف على حقيقة كل امرأة ماكثة في البيت ومجال نشاطها الإنتاجي الذي عبر بطاقية ولائية. هذه العملية بحسب محدثتنا من شأنها تحديد طرق التعامل والنشاط من حيث الإنتاج وظروفه وطرق تسويقه وموقع المرأة من هذه العملية، كونها مدرة للعملية الإنتاجية كمظهر إقتصادي وإجتماعي وتراث مادي وحضاري يبرز ويرسخ هويتنا وكنوزنا والمحافظة عليها من الزوال والإندثار.
التكوين والمرافقة الميدانية وبطاقات للمواد الألية
تعدد مظاهر النشاط الحرفي واليدوي والصناعة التقليدية لدى المرأة الريفية بحاجة إلى تكوين مستمر من طرف كل القطاعات المعنية، كما حدث مع فعاليات الأيام التكوينية للمرأة الريفية بعين الدفلى والتي نظمتها مديرية الفلاحة بالتنسيق مع غرفة الصناعة التقليدية والسياحة وآليات الدعم من القرض المصغر والوكالة الوطنية للتشغيل والمتعلقة بإنتاج الحليب ومشتقاها، إنطلاقا من حليب الماعز والأبقار والأغنام بالإضافة للمنتوجات الفلاحية. ومست هذه العملية أكثر من 220 امرأة من مداشر واد الجمعة والماين ومليانة والحسانية زدين وتبركانين وواد الشرفة وتاشتة وبن علال وبطحية والجمعة أولاد الشيخ وغيرها من البلديات، حيث تلقت الماكثات في البيوت تكوينا نظريا وتطبيقيا أشرفت عليه مهندسة مختصة من ولاية تيزي وزو مختصة في إنتاج الحليب ومشتقاته، حيث قدمت دروسا تطبيقية بإستخدام الوسائل المتوفرة لدى المرأة الريفية، وهذا من تحضير الأجبان بأنواعها بما فيه «الكومنبير» .
هذه العملية لقيت إستحسان المتربصات في الأيام التكوينية التي إنتهت بمنح المشاركات شهادات مهنية من طرف الجهات المختصة. كما إلتزمت إدارة قطاع الشباب والرياضة بمواصلة العملية التكوينية. وما يقال عن ذات المنتوج، تتجلى دعوة المرأة الريفية من جهة أخرى نحو فتح مجال الوصول إلى المادة الأولية التي تجمعها بنفسها من خلال منحها بطاقة ترخص لها بهذا النشاط حتى لا تتعرض لمضايقات ومنع من طرف المصالح المعنية كالغابات والبيئة. فجلب المادة الأولية بنفسها بعيدا عن الوسطاء والتجار مكسب يحقق لها ربحا ويبعدها عن إبتزاز هؤلاء، تقول فاطمة حمرون التي أوضحت أن السلوك الفوضوي لهؤلاء يحتم على النساء الماكثات في البيوت من ذوي حرفة الدوم مثلا دفع مبلغ يتراوح ما بين 6000 إلى 8000د.ج لكومة من الدوم ذات وزن 25كلغ. هذه المبالغ المرتفعة لاتسمح لها بتطوير انتاجها وتنويعه والرفع من كمياتها لتلبية الطلب المتزايد تشير محدثتنا التي تجمع مئات المنخرطات من بلديات الولاية .
لذا باتت عملية التكوين المستمر الميداني الذي تلح عليه النسوة في مختلف الحرف والمنتوجات اليدوية التقليدية مجالا لترقيتها وتحسين النوعية لضمان تسويق قادر على المنافسة في الأسواق والمعارض المتخصصة داخل الوطن وخارجه. وقد ربطت ذات المتحدثة العملية الإنتاجية بمرافقة للمعنيات في مواقعهن خاصة المستفيديات من آليات الدعم التي تقدمها الدولة. وهو ما أبلغته النساء الحرفيات لوزارة التضامن والنشاط الإجتماعي خلال وقوفها الميداني على معروضات سوق الرحمة بوسط مدينة الشلف.
دعم غير كاف ووزارة السياحة الغائب الأكبر
أبان الإختلال المسجل في عملية الإستغلال لقدرات المرأة الريفية قصورا في معالجة القضايا المطروحة وطرق التكفل بواقعها وطموحها الذي مازال محدودا، بحسب أقوال الكثير ممن إلتقين بهن. فعمليات الدعم المقدمة عبر من عدة قطاعات كالشبيبة والرياضة ومديرية السياحة والصناعة التقليدية ومؤسسة القرض المصغر والصندوق الولائي ومديرية النشاط الإجتماعي وبعض البلديات صار غير كاف في الوقت الراهن لتحقيق آمالها وتحسين واقعها الذي لم تنل منه سوى حوالي 60 بالمائة في وقت نطالبها فيه بعصرنة منتوجها التقليدي لمواكبة رغبة الزبون والمستهلك الذي يفضل الموروث وصنعة اليدين خير من مال الجدين، تقول حمرون ومرافقاتها اللواتي يرفضن الإستغلإل من طرف بعض التجار الإنتهازيين. لذا فالمطالبة بعودة دعم وزارة السياحة صار ضروريا حتى يكون دور المرأة الريفية فعالا ومنتجا ومشاركا في تطوير آليات الإقتصاد وإنعاشه بمنتوجاته ومن جهة أخرى ترقية الجانب الإجتماعي والمعيشي للأسر الريفية التي تعاطت هذه الحرف وتصر على العض عليها بالنواجد.
ومن جانب آخر، فإن النتائج المشجعة ميدانيا تفرض إعادة هذا الإجراء التي كانت وراءه ذات الوزارة، تقول محدثتنا في عدة مواقع من بلديات الولايتين. وفي ذات السياق، إن نجاح الأسرة المنتجة والمؤسسات المصغرة التي لقيت الدعم من طرف أجهزة الدولة عربونا لتكثيف عمليات الدعم في عدة مجالات من إهتمامات المرأة الماكثة في البيت التي تتطلع للمرافقة والمتابعة وفتح فضاءات بالمدن والأسواق يشرف عليها مجمع لمنتوجات المرأة الريفية.