محـطة تحـسـين الســلالات بلحنجـير بـالعين الـصــفـراء

«الـكنز المـدفون» بــسبــب غـيـاب سـلـطة الـقرار!

النعامة: سعيدي محمد أمين

تعتبر المحطّة الجهوية لتحسين السلالات ببلحنجير بالعين الصفراء ولاية النعامة من المكاسب الاقتصادية التي استفادت منها المنطقة، إذ من شأنها تحسين وتكثير السلالات، خاصة سلالة الدغمة بالمنطقة والتي أصبحت مطلوبة في الأسواق الأوروبية، ناهيك عن الأسواق الجزائرية باعتباره يتوفّر على مخبر خاص بجمع النطاف جعله يشكّل مكسبا اقتصاديا هاما، غير أنّه تحوّل اليوم الى هيكل بلا روح أو كما يفضّل  تسميته أهل المنطقة «الكنز المدفون» بسبب جملة من المشاكل، أهمها انعدام سلطة القرار من طرف المشرفين عليه، إلى جانب مشاكل أخرى منها انعدام التهيئة وغياب المياه به، وتدهور بعض الحظائر الموجودة به.

المحطّة الجهوية لتحسين السلالات ببلحنجير بالعين الصفراء تمّ افتتاحها سنة 2006، الهدف منها نشر التقنيات الحديثة في وسط المربي بالمنطقة، حيث من شأن هذه التقنيات الرفع من المستوى الاقتصادي للمربي أولا وللاقتصاد الوطني ثانيا، من بينها عملية التلقيح الاصطناعي وعملية المزامنة الشبقية أو ما تعرف لدى المربي بالبونجة، وكذا نشر طرق تكاثر وإنتاج السلالات المحلية مثل سلالة الدغمة التي تشتهر بها المنطقة، ونشر وتحسيس المربي بأهمية هذه السلالات من الناحيتين البيئية والاقتصادية.
هي محطّة جهوية للتلقيح الاصطناعي وتحسين السلالة تتكفّل من سعيدة شمالا إلى ولاية أدرار جنوبا مرورا بالبيض، بشار، بني عباس وتيميمون، وهي المحطة الجهوية الوحيدة على المستوى الوطني تابعة الى المركز الوطني للتلقيح الاصطناعي، وتحسين السلالة المتواجد ببئر توتة بالجزائر العاصمة، والذي يشرف على سبع 7 محطات فرعية، منها محطات سطيف، الطارف، بسكرة، وهران وبابا علي.
تتوفّر على عمال إطارات تتمثل في طبيب بيطري، تقني سامي في البيطرة الحيوانية، تقني سامي في الحيوانات ومهندس دولة في الإنتاج الحيواني، انطلاقته الفعلية كانت سنة 2014 بعد تكليف الإدارة الحالية، والتي قامت بإقصاء كل ما ليس له علاقة بهذه بالمؤسسة أو لا يخصها، وكذا بتجنيد كل الطاقم واتخاذ كافة الإجراءات الضرورة اللازمة من أجل نشر الهدف الأساسي للمؤسسة، وهو تقنين ونشر عملية التلقيح الاصطناعي وسط المربي، حيث وجدت إقبالا كبيرا سنوات 2014 - 2015 - 2016 وسط المربين بالمنطقة.
وتعدّى نشاطه حتى للمربين بالولايات المجاورة كبشار والبيض من خلال تنظيم أيام تحسيسية، الإكثار من القطيع بالمؤسسة من أجل السير في تحسين السلالة خاصة سلالة الدغمة أو الرأس الحمراء، محاولة نشر سلالة الخيل العربي الأصيل بالرغم من أنّها كانت ضعيفة في تلك الفترة بين المربين، وهذا من خلال إجراء بعض العمليات والمتمثلة في التزاوج بين الحصان العربي الأصيل الموجود بالمحطة وبقية الفرس للمربين المتواجدين بالمنطقة، حيث عرفت تلك الفترة حركة وبالرغم من محدوديتها إلا أنها أعطت ثمارا جيدة.
وحسب المشرفين على المحطة، فإن بدايتها كانت تقوم بنشاط غير نشاطها الأساسي الذي أنشئت من أجله ممّا أدى بها الى الابتعاد عن دورها الأساسي، والدخول في رواق كبير من المشاكل التي عصفت بها الى أزمات اقتصادية متتابعة، وفي نفس الوقت الى ضياع وقت وتبذيره في أمور ليست خاصة بالمؤسسة، وهذا على حساب الهدف الأساس المحدد لها وهو نشر التلقيح الاصطناعي وسط المربين.
هذه الأزمات التي أصابت المحطة واللامبالاة والتهميش، حاولت الإدارة الجديدة وحتى لا يضيع كل شيء والاهتمام بجانب واحد فقط، حيث انصبت كل الجهود من أجل تحسين وتكثير سلالة الرأس الحمراء أي سلالة الدغمة، فهذا هو اليوم عنوان وبرنامج واهتمام هذا المركز السلالة الحمراء فقط لأنها أولا خاصة بالمنطقة، ثانيا مطلوبة في الأسواق الأوروبية ناهيك عن الأسواق الجزائرية، وثالثا تتوفر المحطة على مخبر خاص بجمع النطاف، والذي يعتبر مكسبا اقتصاديا، ورابعا الطلب على سلالة الدغمة أكثر من السلالات الأخرى في وسط المربين، خاصة بعد وعيهم بأهميتها.
لذلك أصبح الطلب عليها أكبر، وذلك لعدّة أسباب حتى بيئيا، فسلالة الدغمة لا تضر البيئة ولا تؤثّر عليها، خاصة مع الجفاف الذي تعرفه المنطقة، فهي تتحمل هذا الجفاف ولا تؤثر على الأرض مثل السلالات الأخرى كالسلالة البيضاء، كما أنّها بنت المنطقة وعلميا لديها غرائز وخصوصيات لا تضر بالبيئة وبالنباتات الموجودة بالمنطقة، وقد تمّ التوفيق في تربية وإنتاج قطيع من السلالة الحمراء.
وتتوفّر المحطة الجهوية لتحسين السلالات بلحنجير على مخبر مجهز بالكامل من أجل اقتناء النطاف من السلالة التي يتم اختيارها وعملية تخزينه وصولا الى إقامة بنك للنطاف، والذي يسمح للدولة أو الوزارة المعنية أي الفلاحة أن تنشره وتبيعه بالعملة الصعبة في الأسواق الأوروبية مثل سلالة الرأس الحمراء، التي لديها أهمية كبيرة في السوق الأوروبية بدليل أنهم يصفونها باللحم الطبيعي وهي مطلوبة.
ففي سنة 2018 تم عقد اجتماع بالغرفة الفلاحية بحضور رئيس مصدري اللحوم الحمراء الجزائرية،  الذي كشف عن الطلبية من خلال عقد شراكة مع الأسواق الأوروبية بطلب كمية كبيرة من لحوم الرأس الحمراء، ولكنه فوجئ بأن هذه السلالة في مرحلة تعرضها للانقراض. ولتفعيل دور هذه المحطة تم الاتصال برؤساء الغرف الفلاحية لولايات سعيدة، أدرار، البيض، بشار، بني عباس وتيميمون خلال سنتي 2015 - 2016 قصد عرض كل خدمات المحطة.
وكان هناك صدى واستماع من طرف هذه الولايات، حيث تمّ القيام بولاية بشار بأكثر من 600 عملية تلقيح اصطناعي للأبقار، وبولاية البيض تم تسجيل أكثر من 1200 طلب اسفنجة مهبلية وتلقيح اصطناعي لحوالي 55 مربيا ما يعادل 100 رأس من الأبقار، كما تم تنظيم أيام تحسيسية في كل من بلديتي بوسمغون والكاف لحمر بولاية البيض، وبلديتي موغل ولحمر بولاية بشار، وكان هناك إصغاء وتجاوب كبير من طرف مربي هذه البلديات، تم بعدها تنظيم دورات من أجل المزامنة الشبقية للأبقار، ثم دورات من أجل التلقيح الاصطناعي، فدورات لإعادة التلقيح الاصطناعي ولحد الآن هناك تواصل مع مربي هذه الولايات.
وعن الدور الأساسي لهذه المحطّة، أوضح أحد التقنيين أن الفرق بينهم وبين المربي العادي هو أنهم مربين للمواشي ولكن متعلمين بتقنيات وليس مثل المربي العادي وهذا ما جعلهم يتحملون عبئين، عبء المربي العادي المتمثل في الاهتمام بهذه الأغنام من ناحية العلف والسقي مع انعدام أماكن للرعي تابعة للمؤسسة.
والعبء الثاني هو أنه لديهم مخبر مجهز، ولكن ليس لديهم سلطة القرار بتجميع نطاف السلالة الحمراء والقيام بمحاولة إنشاء بنك لها وإشهارها في الأسواق  ولم لا حتى تصديرها، أي لا توجد لديهم سلطة للقيام بدورهم من الناحية التقنية، وهذه أهم العوائق التي تعترض هذه المحطة.
الى جانب عوائق محلية، فهي محطة جهوية لا تتوفر على بئر أو الماء سواء لسقي المواشي أو الأعلاف، انعدام إدارة بمعنى الكلمة فمثلما يلاحظ وجود مخبر فقط تم اقتطاع جزء منه كمكتب، لا يتوفر على حظائر والموجودة محدودة وقديمة ومحطمة، أما الجانب البشري فهو المشكل الكبير الذي أصبح عقبة في وجه هذه المحطة، فهو يتوفر على 17 عاملا ولكن بدون مردود بالرغم من تقديمهم لعدة اقتراحات للإدارة المركزية ولوالي الولاية - حسب محدثنا - من بينها فتح نافذة اقتصادية، من ناحية تقوم بتشغيل هؤلاء العمال المتواجدين بها، ومن ناحية أخرى يكون لها دور اقتصادي للمركز، منها عملية التسمين حيث كانت للمحطة عدة اتصالات مع المذبح الجهوي ببوقطب بالبيض، وأكبر مشروع اقتصادي للمركز والذي من شأنه إيجاد مدخول كبير له هو تسمين الخرفان فهو مشروع جيد، مربح وله مردودية كبيرة.
أما المشروع الثاني فباعتبار المنطقة رعوية ومنطقة مربين، فإنّ أبرز انشغال للموال والمربي هو غلاء الأعلاف والجفاف، وكذا نقص البونجة أو ما تعرف بالاسفنجة المهبلية، والتي يكثر عليها الطلب بكثرة، ويطالبون بتخفيض أسعارها والمركز يوفرها، فمن جهة يكون هناك دخل للمؤسّسة، ومن جهة أخرى يكون المركز في أيدي آمنة تصل لهذا المربي وبسعر في متناوله.
كما أنّ كل المربين الذين استفادوا من هذه الاسفنجة المهبلية من المركز أعطت نتائج إيجابية، وتوجد اتصالات من المربين من كل الولايات التي تم التعامل معها كأدرار، بشار والبيض فالتواصل مع المربين مستمر دائما سواء من المنطقة او من هذه الولايات.
وقد تم تنطيم يوم تحسيسي مع CRAM حول التلقيح الاصطناعي في بعض المزارع النموذجية الناجحة بحضور مربين من الولاية، وكان الطلب على التعامل مع المركز اكبر من ناحية التلقيح الاصطناعي.
أما عن التواصل والتنسيق بين الفروع الأخرى المتواجدة على المستوى الوطني، فأكّد المتحدّث أنّ التنسيق الإداري موجود، ولكن التنسيق التقني قليل بسبب عدة مشاكل، أهمها بعد المسافة، مشكل المركزية واتخاذ القرار، فلا نستطيع اتخاذ القرار هنا في المحطة، فالكثير من المبادرات والاقتراحات نحاول القيام بها لفائدة المربي كتحسيسه بضرورة السلالة الحمراء ولكن هذا العمل يتطلب خطوات، وتعترضه مشاكل إدارية كبيرة، منها ضرورة الموافقة من الإدارة المركزية ودراسة الملف من كل الجوانب.
إنّ المحطّة الجهوية للتلقيح الاصطناعي وتحسين السلالات ببلحنجير بالعين الصفراء دورها الأساسي الحفاظ على السلالات المتواجدة بالمنطقة، وقد تم الاتصال برئيس الغرفة الفلاحية لولاية البيض من أجل جلب غزال محلي وليس مستوردا من أجل أخذ النطاف الأصلية للغزال المحلي الأصلي، وتوسيع إنتاج هذا الحيوان المهدد بالانقراض، فلماذا ولاية النعامة لا تبادر وتكون الولاية الاولى في المحافظة على السلالات المتواجدة بها مثل الغزال البري والماعز البري، خاصة وأن المحطة تتوفر على مخبر مجهز بأحدث التقنيات.
وتوجد إرادة من طرف عمالها بإمكانهم الوصول الى الهدف المنشود، لكن يبقى في حاجة الى عناية ورعاية من طرف الوزارة الوصية قصد تفعيله وبعث نشاطه من جديد، ومنحه سلطة اتخاذ القرار لأنّه مكسب اقتصادي هام للولاية بل لمنطقة الجنوب الغربي ككل، إن رفعت عنه هذه القيود.
وحسب الأستاذ رزيقي عمر، مدير محطة المعهد التقني لتربية الحيوانات لولاية سيدي بلعباس خلال إشرافه على أيام تحسيسية حول الأبقار الحلوب بالمنطقة، أنّ ولاية النعامة تتوفر على كنز هام جدا غير أنه غير مدعّم، فهو يحتاج الى إمكانيات وإطارات، وأن تكون له نظرة جد مهمة وصارمة من طرف السلطات الفلاحية والولائية، وهذا بالتفاعل مع البياطرة والمختصين من أجل إحياء هذا المركز لأنه عبارة عن كنز مهمل، فلو تمّت إعادة الاعتبار له سيكون له تأثير إيجابي على بعد 300 كلم بالمنطقة، يعني كل الولايات المجاورة ستستفيد منه في تحسين السلالات، تحسين وتكثيف الإنتاج وتحسين التكاثر مهما كان نوع الحيوان، غنم، ماعز، بقر وغيرها.
وفي حال استغل هذا المركز سيمكّن المربي من مضاعفة الإنتاج، فهل يجد هذا النداء أذانا صاغية؟ ذلك ما يطمح إليه مربو المواشي بولاية النعامة والجنوب الغربي.
جدير بالذكر الوالي الدراجي بوزيان كان قد زار المركز، والذي يعد أول مسؤول يزوره، حيث استمع لانشغالات المشرفين عليه، ووعدهم بالاهتمام به من حيث التهيئة والترميم قدر المستطاع، إلى جانب الاتصال بالإدارة المركزية وكذا وزارة الفلاحة لتفعيله، وهي المبادرة التي أرجعت لعماله بصيص أمل، وشجعتهم من أجل مواصلة العمل، كما طالبوا من والي الولاية بتوسيعه من خلال ضم المساحة الفارغة المقدّرة بحوالي 4 هكتارات قصد توسيعه واستغلالها لزراعة الأعلاف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024