خبراء يقترحون إنشاء تعاونيات لكسر السّمسرة والوسطاء
يتكرّر سيناريو ارتفاع سعر مادة البطاطا الواسعة الاستهلاك التي يشملها نظام الضبط «سيربلاك»، ومع ذلك تعرف تذبذبا ليس في الإنتاج، لأن الأرقام تشير إلى وفرته، لم يدخل الأسواق بعد، وبالرغم من تطمينات الوصاية بضبط السوق، وتوزيع هذه المادة بسعر معقول يراعي القدرة الشرائية للمواطن، ويحمي الفلاح من الخسارة، إلا أن هذا الوعد لم يتحقّق بعد، ويُرجع فلاحون ومهندسون زراعيون أسباب ذلك إلى تراكم مشاكل التسويق في السنوات السابقة، وفشل في عمليات التخزين وتنظيم الإنتاج.
ارتفاع أسعار البطاطا هذا الموسم حسب فلاحين ومهندسين زراعيين في تصريحات متطابقة لـ «الشعب»، يرجع لارتفاع تكاليف الإنتاج من بذور وأسمدة ومبيدات زراعية وذوبال ونقل وغيرها من المدخلات، ومن الطبيعي - حسبهم - أن ينعكس ذلك على أسعار السلع والمنتجات، كما أن الخسائر الفادحة التي تكبّدها الفلاحون في مواسم الوفرة والفائض الفارطة وانهيار الأسعار تحت عتبة 15 دينار للكيلوغرام الواحد في أسواق الجملة نتج عنه امتناع كثير من المنتجين عن زراعة هذه المادة أو عدم توسيع مساحتها خوفا من الفائض والإفلاس.
ارتفاع تكاليف الإنتاج والجفاف
يعدّد المكلف بتنظيم وتأطير أسواق الجنوب للخضر والفواكه بالإتحاد العام للتجار الجزائريين إدريس لقميري في تصريح لـ»الشعب»، الأسباب الحقيقية المؤدية لارتفاع أسعار مادة البطاطا ويقول إنها «كثيرة» وأبرزها غلاء البذور، اليد العاملة، بنزين تشغيل المحركات، والمبيدات الزراعية التي ارتفعت نحو 300 %، وكذا الطلب المتزايد على المحصول في الأسواق خلال هذه المرحلة.
وأوضح لقميري، أن الجفاف المسجّل منذ فترة في الولايات الغربية للوطن المعروفة بإنتاج مادة البطاطا بدوره ساهم في انخفاض حجم المحصول المعتاد، بالإضافة إلى عدم بناء سدود جديدة لتخزين المياه في ظلّ زيادة توافد الفلاحين إلى القطاع وخدمة الأراضي، ناهيك عن سقوط الصقيع الذي ضرب عدة مناطق خلال شهر جانفي الفائت، مما أدى إلى تراجع في الإنتاج، وكلها عوامل ساهمت في الوضعية الحالية لأسعار المحصول - حسبه -.
الوفرة تفلس فلاحين!
تكبّد الفلاح خسائر كبيرة جدا في السنوات الماضية، أدت إلى إفلاسه وعزوفه عن توسيع مساحات غراسة البطاطا أو ترك الأرض، وقد انهار سعر بيع البطاطا لدى الفلاحين مثلما ذكر إدريس لقميري إلى أقل من 20 دينار، وفي أوقات أخرى 60 دينارا، وهذا التضارب يعود ـ حسبه ـ لعدم تنظيم الشعبة وتوفير تسويق ناجع لها.
كما أضاف المتحدث وجود سبب آخر أدى لصعود أسعار البطاطا في هذا الموسم، يعود لتأخّر وقت تخزين هذه المادة، مما دفع بتجّار الجملة لشرائه بأسعار باهظة من عند الفلاح مباشرة بهامش ربح أكبر، منوّهًا بأن ولاية الوادي هي المنتج الوحيد لهذه المادة الأساسية في الفترة الشتوية.
بنك جينات لتخفيض أسعار البذور
أبرز المكلف بتنظيم وتأطير أسواق الجنوب للخضر والفواكه بالإتحاد العام للتجار الجزائريين إدريس لقميري، أهمية إنشاء بنك جينات في الجزائر لتخفيض أسعار البذور المستوردة التي تكون في بعض الأحيان مغشوشة، مع عمل مخابر لصنع المبيدات المستعملة في الفلاحة لتخفيض التكلفة، وتنظيم وتسهيل وتشجيع مبادرات الاستثمار في الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى دعم وحدات التخزين وعمليات التصدير عندما يكون هناك فائض في المنتجات الزراعية.
وبخصوص عملية ضبط المنتجات أشار لقميري لإمكانية القيام بإحصاء دقيق من أجل ضبط الإنتاج عبر كل التراب الوطني، حسب أوقات جنيه وتخصّص كل منطقة في نوع المحصول، خاصة ما تعلّق بضبط قيمة المحاصيل التي تستهلك أسمدة فوق واحد مليون سنتيم للقارورة أو العلبة الواحدة، و1200 لتر بنزين يوميا، وبذور 250 دينار للكيلوغرام الواحد، يضاف لها تكاليف الحرث والزرع واليد العاملة اليومية والحصاد.
غياب سياسة تنظيم الإنتاج
اعتبر رئيس مكتب الإتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين بالوادي العربي بليمة في تصريح لـ «الشعب»، مسألة اضطراب تسويق البطاطا الذي يحدث من سنة لأخرى وتكدس السلع ثم نقصها في السوق، نتاج غياب السياسة المحكمة في تنظيم الإنتاج، وعدم تفعيل نشاط التعاونيات والهيئات والمجالس مهنية الغائبة عن الميدان، وتكتفي الوصاية بالتصريحات من المنابر والمكاتب دون التواجد الفعلي لدى الفلاح.
وأشار المهندس الزراعي بليمة إلى رصد تهافت العديد من التجار بشراهة على شراء مادة البطاطا مؤخرا، عندما علموا أن الدولة بصدد تخزين نسبة منها لموازنة السوق، واستخراجه في وقت فراغ جنيه آخر الموسم الربيعي.
زراعة البطاطا بولاية الوادي عرفت توسّعا وإقبالا من الفلاحين، دفع بالدخلاء عن القطاع لولوج إنتاجها منذ سنة 2015، وتوجههم نحو الاستثمار في مختلف المجالات الحيوانية والنباتية، ما خلق مزاحمة للفلاحين الحقيقيين في الميدان وأدى لوفرة وفائض في بعض المنتجات، حيث تسبب ذلك على ضوء غياب الهياكل سواء المهنية أو الوصية بالقطاع في وضعية عدم توازن في السوق، وتعرض الجميع إلى قانون العرض والطلب وسلبياته المتعدّدة، يضيف المتحدث.
انعدام الهياكل التقنية
يرى المهندس العربي بليمة، أن هناك كثير من العوامل الطبيعية واللوجستية أدت إلى تكدّس المنتجات الزراعية وتعرض العديد من الفلاحين للإفلاس خلال المواسم السابقة، يأتي في مقدمتها غياب الهياكل التقنية المرافقة للمنتج في جميع المراحل من البذر إلى الجني أو التخزين، وعدم وجود مسار تقني حقيقي يسهل بدوره الإجراءات اللازمة المتعلّقة بتصدير المنتجات الفلاحية، وكمية المبيدات المستعملة خلال كل فترات التسميد وتنمية المحصول.
كما عرفت البلاد، حسب بليمة، ندرة في الأمطار لعدة سنوات أثرت بشكل مباشر على مستوى منسوب مياه السدود، ودفعت إلى تراجع الفلاحين في المناطق الشمالية الغربية عن زراعة البطاطس الموجهة للاستهلاك والانشغال فقط بإنتاج البذور المربحة إلى حدّ ما مقارنة بالمنتج الموجه للمستهلك، مضيفًا أن فترة إنتاج وجني هذا المنتوج المبكر في ولاية الوادي طويل مقارنة بباقي الأقطاب الزراعية الوطنية، يبدأ من شهر أكتوبر ويستمر إلى غاية شهر مارس، في حين البطاطا الموسمية تبدأ في الجني من جديد أواخر شهر أفريل.
وضع خرائط لكل المحاصيل
يعتقد المهندس الزراعي العربي بليمة أن وضع خرائط دقيقة المعطيات لكل المحاصيل على المستوى الوطني، والدفع بتدخل التعاونيات الفلاحية المحلية أثناء حصول وفرة لأي محصول، كفيل بامتصاص الفائض وتخزينه وإخراجه أوقات الحاجة، وضخه في الأسواق الوطنية.
وبخصوص تنظيم نشاط الشاحنات التجارية ونقل المنتجات، حسب بليمة، كان من الأجدر فرض استعمال استمارات لتدوين الشّحْنات التي تخرج من الولاية إلى باقي الولايات الأخرى من طرف الغرفة الفلاحية والمصالح الفلاحية والتجارة وأسلاك الأمن، بهدف مراقبة وجهة هذه السلع سواء كان ذلك للسوق أو التخزين، على أن يتمّ استلامها من طرف اللجنة الولائية الأخرى لمحاربة كل أشكال المضاربة والاحتكار، وكبح مختلف الأساليب الماسة بالقدرة الشرائية للمواطن.
كما أبرز المتحدث الدور الذي يمكن أن تؤديه عملية تسوية العقار الفلاحي لضبط الوعاء وتقويم الإحصاء الرسمي والثابت للمساحات المستغلة وعدد الفلاحين الناشطين بدقة، وكذا خلق آليات حقيقية للتكفل بكل ما يحتاجه الفلاح بحيث يكون محله الأرض والإنتاج فقط، مع ضرورة تنشيط مصلحة تنظيم الإنتاج بالمصالح الفلاحية في الولايات ميدانيا، وإنشاء وحدات إرشاد ومرافقة ميدانية ومعاهد تقنية ومراكز لتكوين الفلاح، لاسيما في المحاصيل الإستراتيجية المبرمجة من طرف السلطات لتحقيق الأمن الغذائي المنشود.
تعاونيات فلاحية لكسر السمسرة والوسطاء
يعتبر رئيس مكتب الإتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين بالوادي العربي بليمة، إنشاء التعاونيات الفلاحية متعدّدة النشاطات من أبرز عوامل نجاح نشاطات القطاع الفلاحي، ومنحها القدرة الحقيقية على العمل وتوفير الأسمدة والبذور مباشرة من الاستيراد إلى الفلاح، سيسهم في كسر كل أنواع السمسرة والوسطاء للتقليل من المصاريف الزائدة على عاتق المنتجين لاسيما في محصول البطاطا.
ولحماية محصول الفلاح من الكساد، قال بليمة، «إن ضبط الأسعار من خلال رصد الأعباء المترتبة عن الاستثمار الزراعي بدراسة تقنية بحتة ومعقولة»، من شأنه ضمان تسويق المنتج وفق آلية تحمي المنتج والمستهلك معًا، ويَتَأتّى ذلك بتجنيد الإطارات المتخصّصة ومدّها بكل الوسائل المادية والمعنوية لتحقيق إحصاء دقيق، والمتابعة اليومية لكل المحاصيل وتكاليف مدخلاتها الإنتاجية.
كما يأتي من جملة مقترحات ضبط أسعار المنتجات الزراعية تقديم تسهيلات وخدمات للفلاح من خلال توفير كل ما يلزمه من دعم بالطاقة والأسمدة والعتاد والبذور النوعية خاصة في الشعب ذات التكاليف العالية، ومحاربة كل أشكال البيروقراطية في استيراد البذور وتعميم العملية على جميع التعاونيات القادرة على ذلك، بالإضافة إلى إنشاء أسواق مغطاة منظمة ومراقبة، ووحدات تخزين وتوضيب وتحويل، يضيف المهندس العربي بليمة.
تخوّفات السنوات الأخيرة
أوضح الخبير الزراعي إبراهيم خلف في اتصال مع «الشعب»، أن سبب ارتفاع أسعار الخضر خاصة البطاطا يرجع إلى عدة أسباب أهمها وجود فائض غير مدروس، كلما انخفض ارتفعت الأسعار كما هو واقع هذه الأيام، وكلما ارتفع انخفضت الأسعار مثلما حدث في السنوات الماضية، وخاصة سنة 2019 / 2020، بالتحديد التي شهدت تراجع في أسعار البطاطس غير الموسمية.
وحسب المهندس خلف، سُجل خلال السنوات القليلة الفارطة عزوف للفلاحين عن الزراعات ذات «رأس المال» المرتفع مثل البطاطا، ودخولهم غمار إنتاج محاصيل أكثر ضمان لبيعها بأسعار مستقرة وبأقل مغامرة كزراعة «الفصة»، التي انتشر زراعتها كثيرا بحقول وبساتين الوادي.
وأبرز الخبير الزراعي وجود ارتفاع محسوس في أسعار التكلفة والمدخلات الفلاحية المتعلقة بإنتاج محصول البطاطا كالبذور والأسمدة والمبيدات وغيرها من الوسائل التقنية، وكلها عوامل جعلت الفلاحين يتخوّفون من الخسائر وانخفاض الأسعار المفلس مثلما حدث في المواسم السابقة، وبالتالي التقليص من المساحات أو ولوج زراعات أخرى أقل تكاليف.
دخول ولايات جديدة خط الإنتاج ولكن!
يؤكد الخبير الزراعي إبراهيم خلف وجود سبب آخر لانخفاض وارتفاع أسعار منتوج البطاطا في السوق الوطنية، منها دخول عدة ولايات في إنتاجها لم تكن معروفة بقوة كولايتي الجلفة والأغواط، لكن في نفس الوقت تراجعت المساحات في الولايات الأساسية المنتجة لها بالنظر لعدم هطول الأمطار والجفاف الحاد الذي ضربها.
منظومة أسعار الخضر، بحسب خلف، ضعيفة التسيير وغير مواكبة للمنتج والمستهلك، وهناك طرق لتحقيق أسعار منطقية يكون إمّا بتحديد سعر ثابت من طرف الدولة لا يرتفع ولا ينخفض كالخبز والأدوية وبعض مواد الاستهلاك الأخرى، أو يرتفع وينخفض في مجال معين كسوق العملات، أو كما تُسيّر الدول الأوروبية منتجاتها، منوهًا أن أضعف طريقة هي المطبقة على السوق الوطنية حاليا، بحيث يكون فيها الغلبة حينًا للمنتج وحيناً آخر تميل الكفة لصالح المستهلك، وفي كلا الحالتين الطرفين متضررين من الوضع.
استغلال الجامعات لدراسة وضعية الإنتاج والتسويق
لدراسة الفائض المتسبب في كل الأزمات التسويقية، وفق المهندس خلف، لابد من استغلال الطاقات والدراسات الجامعية في الولايات المنتجة لمحصول البطاطس والخضروات، من خلال تكليف معاهد الاقتصاد بإحصاء المنتوج في حالة الارتفاع من حيث الكمية، نقاط الإنتاج وفترة البيع، وأيضًا إحصاء المنتوج المطلوب في السوق من حيث عدد المستهلكين، الولايات الأكثر استهلاكا وفترة ذروة الاستهلاك.
وقد يتطلب ذلك - حسبه - وقت يقدر بحوالي خمسة سنوات للوصول لملاحظات دقيقة حول ارتفاع الأسعار وانخفاضها، وعلى ضوء تلك الدراسات تحدّد الكمية المطلوبة الإنتاجية لكل ولاية أو حتى وطنيا، وكذا لتحديد مناطق الإنتاج وتخصّصها ومدة توزيع المنتوج.
وعلاوة على ما سبق ذكره حتى يتمكّّن القائمون على القطاع للوصول إلى توازن بين الإنتاج والاستهلاك، يجب تكوين لجنة أعضائها خبراء في الاقتصاد وتجار البذور والمدخلات الفلاحية، وأصحاب أجهزة الوزن الكبيرة وتجار الجملة للخضر في كل ولاية حتى يتّضِح حجم الإنتاج الحقيقي الوطني بعيدا عن أرقام التوقعات، يضيف الخبير الزراعي إبراهيم خلف.