تعرف المناطق الحدودية تفشي ظاهرة التهريب والتي تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد، وفي هذا الإطار، يقع كثيرون في إشكالية التمييز بين التهريب والتجارة وكذا تحديد الأشخاص المؤهلين لمعاينة جريمة التهريب والقوة الإثباتية للمحاضر الجمركية، بالإضافة إلى إمكانية اللجوء لوسائل الأخرى على غرار تلك المستعملة في قضايا القانون العام.
وبالرغم من كل الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة للتصدي لجريمة التهريب التي عرفت آلياتها تطورا كبيرا، إلا أنّ المناطق الحدودية تعرف تنامي هذه الظاهرة والتي تشكل خطرا متزايدا إذا ما استغلت عائدات التهريب في تمويل الجريمة العابرة للحدود والإرهاب.
وعلى هامش زيارة المدير العام للجمارك للشريط الحدودي الشرقي، تمّ التطرق إلى التركيز على رفع اللبس الحاصل بين الإقليم والنطاق الجمركي وعن جرائم التهريب المرتبطة بكل منهما، ومدى مسؤولية الإدارة وتقادم الجرائم الجمركية، وصولا إلى آليات مكافحة التهريب وإعطاء دفع حقيقي للمبادلات التجارية الخارجية خاصة التصدير وكذا مرافقة المتعاملين الاقتصاديين.
عين على الكمامات والمواد الطبية
بالرغم من تلقي شبكات التهريب والجريمة العابرة للحدود لضربات موجعة من خلال عمليات الحجز، إلا أنها رفعت من مؤشر النشاط مستغلة الوضع الأمني العام على الحدود الشرقية في ليبيا وتونس لتوسيع نشاطها في إختراق السوق الجزائرية بتهريب مختلف المواد، فبعد العملة الصعبة وترويج المهلوسات والمعادن النفيسة والأسلحة والذخيرة دخلت أجندة التهريب المواد الصيدلية والكمامات والقفازات الطبية والأواني المنزلية وحتى المواد الواسعة الاستهلاك والمدعمة.
وبحسب ما توفر من معلومات في هذا الشأن، فإنّ شبكات التهريب على مستوى الحدود الشرقية لا سيما ببلديات ولايات تبسة والطارف والوادي وسوق أهراس إلى غاية المثلث الحدودي مع تونس وليبيا، إضافة إلى الحدود الجنوبية مع دول الساحل الإفريقي تركز تهريب المعادن النفيسة والأسلحة والمخدرات والمؤثرات العقلية، وبسبب جائحة كورونا وغلق الحدود الجزائرية مع دول الجوار دخل أجندة التهريب مواد طبية وشبه طبية وكمامات وقفازات ناهيك عن مختلف المواد الغذائية خاصة المدعمة والأواني المنزلية، فيما مازالت مواد الوقود والعجلات المطاطية وحديد البناء في مقدمة المواد المهربة عبر الحدود الشرقية.
تؤكد الأرقام أنّ مافيا شبكات التهريب لازالت تستثمر بقوة في نفايات النحاس والحديد ومختلف الأدوية بما في ذلك المكملات الغذائية التي تهدد صحة مستهلكيها، فيما عمد بعض المهربين إلى البزنسة في الوصفات الطبية بأخذ الوصفة من المريض والتوجه بها إلى الصيدليات بتونس وجلب الأدوية، لاسيما النادرة وغير المتوفرة بالسوق الجزائرية مقابل مبالغة مضاعفة.
ومن جهة أخرى، يستحسن الجزائريون نوعية السميد التونسي الذي يدخل عبر الحدود عن طريق التهريب ويعرض ويباع في محلات البلديات الحدودية ويتهافت عليه الزبائن بالرغم من ارتفاع ثمنه.
الرفع من الأداء الجمركي
وقام المدير العام للجمارك، نور الدين خالدي، هذا الأسبوع، خلال زيارة عمل دامت يومين لولاية تبسة، بزيارة تفقد وتفتيش لمصالح قطاعه بإقليم الاختصاص كانت البداية بمقر المديرية الجهوية للجمارك، أين وقف على حصيلة نشاطات مصالح الجمارك، مشدّدا على ضرورة الرفع من الأداء الجمركي، حاثا على التجنّد التام واليقظة الدائمة للتصدي لكل محاولات الغش والتهريب وذلك بالتنسيق مع الشركاء الفاعلين لحماية الاقتصاد الوطني موصيا في معرض كلامه بتفعيل عمل الفرق المختلطة على مستوى أقسام المفتشيات بالموازاة والاهتمام بآليات التكوين في مجال مكافحة التهريب والتصدي للجريمة العابرة للحدود.
ووقف المدير العام للجمارك على جاهزية أعوان الجمارك خاصة فيما يتعلق بمجال مكافحة التهريب بكل أشكاله، وقد تلقى، في هذا الصدد، شروحات مفصلة من طرف رؤساء المصالح حول آليات مكافحة التهريب والإحصائيات المسجلة، خلال سنة 2021، مقارنة بالسنوات الأخرى في مجال تهريب ومحاولة تهريب مختلف البضائع كالوقود والمواد الغذائية والاستهلاكية وقطع غيار السيارات وغيرها.
معبر بوشبكة قطب
كما توجه خلال زيارته إلى معبري الحدود بوشبكة ورأس لعيون، حيث قال أنّ مصالحه تسهر من أجل مكافحة التهريب بكل أشكاله، وأكد خلال تصريحه بمعبر الحدود بوشبكة أنّ أبواب المديرية مفتوحة أمام المتعاملين الاقتصاديين الذين سيجدون كل التسهيلات في الإجراءات الجمركية وأنّ الهدف المسطر من السلطات العليا هو بلوغ 5 مليون دولار كعادات في مجال التصدير.
ولتفادي كل ما يتعلق بنشاط التهريب، أشار ذات المسؤول بأنه ستكون هناك تغطية شاملة لـ7 أيام وعلى مدار 24 ساعة لتفعيل نشاط التجارة الخارجية، كما سيتم بالتنسيق مع المصالح الأمنية لوقوف والتصدي لظاهرة التهريب، حيث تم إعطاء تعليمات صارمة لكل الفرق الجمركية المتواجدة عبر الشريط الحدودي والتي ستدعم بفرق جمركية أخرى لتغطية شاملة لكل الشريط الحدودي للحدّ من نشاط التهريب وتفعيل حركة التجارة الخارجية.
وبالموازاة مع الزيارة الميدانية لمعبر الحدودي بوشبكة، أعطى المدير العام جملة من التوجيهات لمصالحه لضمان سلاسة المعالجة الجمركية وحركة البضائع وضمان معالجة أنية وآلية للتجارة الخارجية، حيث أوضح المدير العام للجمارك أنّ معبر بوشبكة يعتبر قطبا من أقطاب المعابر الحدودية عبر الوطن، حيث تعد هذه المعابر واجهة ومرآة عاكسة للدولة وللمعاملة الإيجابية لصالح المسافرين الجزائريين والأجانب.
وأكد أنّ أبواب المديرية مفتوحة لكل من تتوفر فيهم شروط النزاهة لممارسة التجارة والتي تعتمد على قررات تصدر عن المصادر القاعدية، فالهدف هو تسهيل الإجراءات بالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين العموميين أو الخواص على حدّ سواء، حيث توضع ملفاتهم على مستوى المصالح الجهوية لدراستها وتحول للمديرية العامة لدراستها من طرف لجان مشكلة من مختصين ويتحصل كل ملف مقبول على الاعتماد.
تنشيط المبادلات وتبسيط الإجراءات
ومواصلة لبرنامج زيارة العمل والتفقد والتفتيش إلى مصالح قطاعه بولاية تبسة، توجه نور الدين خالدي في اليوم الثاني من الزيارة إلى بلدية “ بئر العاتر”، حيث تفقد مفتشية أقسام الجمارك، وعاين ظروف سير العمل ومدى جاهزية الهياكل الجمركية، متابعا عرضا مصورا حول حصيلة نشاطات مصالح المفتشية من “ 2019 إلى 2021 “، موصيا بالعمل على تحسين ظروف الأداء للمساهمة في فعالية النشاط الجمركي وتقوية الأداء في مجالات الرقابة الحدودية ومحاربة التهريب والجريمة المنظمة لحماية الاقتصاد، مشدّدا على ضرورة تكثيف الجهود من أجل محاربة تهريب المواد المدعمة ذات الاستهلاك الواسع.
كما كشف عن تشكيل لجنة على مستوى المديرية العامة لمتابعة مشاكل التحصيل بالتنسيق مع الجهات القضائية وتسريع عمليات البيع بالمزاد العلني والاستفادة من السيارات المحجوزة مثلا ليستفيد منها الأشخاص والمؤسسات خاصة ذات الطابع الاجتماعي، وعدم إتلاف السجائر المحجوزة الصالحة للاستهلاك والتي تاريخ صلاحيتها مازال ساري المفعول بل القيام ببيعها كما يوصي به القانون.
وعلى هامش لقاء مع المتعاملين الاقتصاديين، قال بأنّ مصالح الجمارك وعبر كامل الإقليم الجمركي مجنّدة للإسهام الفعلي والمباشر في تجسيد التوجه الاستراتيجي الاقتصادي الجديد بمختلف أبعاده لترقية الصادرات خارج المحروقات، خاصة المتعلقة بتنشيط المبادلات التجارية في المناطق الحدودية وترقيتها من خلال مجموعة من الآليات التي تهدف لتسهيل الإجراءات الجمركية في هذا المجال.
لقاء لطرح الانشغالات
تمحورت انشغالات المتعاملين الاقتصاديين المحليين حول إعادة النظر في الشعاع الجمركي بالمنطقة الحدودية الذي يصل إلى حوالي 80 كلم، فيما من المفترض أن لا يتجاوز 30 كلم، طلب توجيه مداخيل الرسوم على النشاط المهني للشركات الكبرى لفائدة البلدات الفقيرة وإعفاء بعض البضائع من رخص التنقل وإنشاء منطقة تبادل حر، من جهته، أكد المدير العام أنّ جميع المطالب مشروعة واعدا بالنظر فيها.
وبغية تحقيق الأهداف المبرمجة عمدت مصالح الجمارك إلى إدراج مجموعة من التدابير، بعنوان قانون المالية لسنة 2022 لفائدة المتعاملين الاقتصاديين، منها تقليص أجال مكوث البضائع المخزنة في المخازن المؤقتة، ممّا يسمح بخفض مختلف التكاليف اللوجستية، تأطير نشاط الطرود البريدية والإرساليات السريعة، من خلال تسهيل التكفل الجمركي بهذا النشاط، إمكانية تمديد أجال تسوية الوضعية القانونية للسيارات التي تدخل الإقليم الجمركي أو تخرج منه، إمكانية تسجيل التصاريح بالعملة عن الطريق الالكتروني من طرف المسافرين قبل الولوج لحدود الأماكن المخصصة للمراقبة الجمركية.