منتجون يفسّرون أسـباب غـلاء البطـاطا والدجـاج

القرارات الإدارية الفردية لا تحلّ المشاكل الميدانية

ريبورتاج: زهراء بن دحمان

الجفـاف ونـقـــص البـذور يقلّصـان مـساحـة الـــغـرس  والأمـراض تـفـتـكّ بالـدواجــــــن

 

تبدو الهوة بين الفلاح المنتج ومسؤولي الإدارة «واسعة»، أحدثت شرخا في العلاقة بينهما، ما انعكس سلبا على مردودية قطاع يصنف ضمن القطاعات الإستراتيجية والهامة التي يعوّل عليها، لضمان موارد مالية خارج قطاع المحروقات، وقبل ذلك تحقيق اكتفاء بلد، يبحث عن التخلّص من التبعية للمحروقات ومن تكلفة باهظة تزيد الأعباء على الميزانية العامة.
عندما طفت إلى السطح، قضية الارتفاع «الجنوني» لأسعار البطاطا والدجاج وعدة منتجات فلاحية أخرى، تساءل العديد عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الارتفاع المفاجئ خاصة وأن قطاع الفلاحة، لم يكن يمرّ عليه عام منذ أن حقق مداخيل تجاوزت قطاع المحروقات لأول مرة منذ الاستقلال، حتى يتهاوى فجأة دون سابق إنذار أو مقدمات، ويقف عاجزا أمام توفير مواد زراعية أصبحت الجزائر رائدة في إنتاجها.
وجهت أصابع الاتهام للمضاربين، وشنت وزارة التجارة حربا عليهم، انتهت بتشميع مخازن بما فيها تلك التابعة لفلاحين ينشطون في إطار قانوني، ولكن في الميدان هناك تفسيرات أخرى من مهنيين لأسباب غلاء مادة البطاطا، وهي ظاهرة تتجدّد مع نقص المنتوج في فترة الفراغ في الفترة الممتدة من سبتمبر إلى فيفري وقت دخول منتوج ولاية الوادي.
وقفت «الشعب» في زيارة ميدانية مع الغرفة الوطنية للفلاحة، لأحدى مزارع انتاج البطاطا بولاية تيبازة، على حقائق أخرى لأسباب «انتكاسة» شعبة البطاطا وتأثيرها السلبي على الأسعار، فحسب محمد بلعيدة رئيس المجلس المتعدّد المهن لشعبة البطاطا بولاية تيبازة، وبلعربي موطرفي عضو في ذات المجلس، وهما من كبار مكثفي بذور البطاطا والموجهة للاستهلاك، تقف عدة عوامل وراء «أزمة البطاطا» منها تقلص مساحة غرس هذه المادة في السنتين الأخيرتين والتي أدت إلى تراجع الإنتاج بشكل لافت، فبولاية تيبازة التي تعتبر من الولايات الرائدة في إنتاج الخضروات بمختلف أنواعها والمدرجة في إنتاج 11 صنفا من مادة البطاطا، أصبحت تنتج هذه المادة على مساحة 1700 ألف هكتار بمختلف أصنافها المبكرة، الموسمية والمتأخرة، بعد أن كانت تصل إلى 3500 هكتار.
ولعلّ من الأسباب الرئيسية وراء تقلص مساحة زراعة «سيدة المائدة الجزائرية» الجفاف الناتج عن شحّ الأمطار والذي أدى إلى تراجع منسوب مياه سد بوكردادة، وعدم تجدد مياه الآبار. ويقول موطرفي «حتى الآبار التي كانت تسقي 10 هكتارات، أصبح مخزونها لا يكفي 4 هكتار، وهو ما دفع بالكثير من المنتجين إلى تقليص المساحة المغروسة» واقترح توسيع بناء السدود، وتخصيص جزء منها للسقي الفلاحي، أو بناء أحواض مشتركة لتفادي هذا المشكل لأن «بتوفير المياه يمكن التحكم في المساحات المزروعة، ولكن في غيابها حتى ولو استوردت البذور الممتازة لن تكون نتيجة».
ويطرح منتجو البطاطا مشكل آخر يقف وراء تقلّص رقعة زراعة هذا المنتوج، وهو عدم توفر البذور الجيدة، فبالنسبة لهم المحلية لا تعطي المردود الوفير وإن توفرت لا تصلح للإنتاج لمدة تتجاوز العامين، عكس المستوردة التي يتجاوز مردودها 4 أضعاف المحلية، ويمكن زراعتها 3 مرات في السنة، لذلك وصفا قرار تخفيض الكمية المستوردة إلى النصف، بـ»الخاطئ» ويدفع الجميع ثمنه الآن، بدليل النقص الكبير للإنتاج والارتفاع الفاحش للأسعار.
ويفترض حسب المتحدثين، أن يكون اتفاق بين الإدارة والمهنيين، حول حاجيات الفلاح أو المنتج، بدل اتخاذ قرارات فردية لا تخدم الميدان، فقرار ضخّ كميات من البذور المستوردة (160 ألف طن) تتجاوز الاحتياجات الوطنية المعبر عنها (120 ألف طن )، ولد أزمة فائض في الإنتاج منذ 2016 إلى غاية 2020، تكبد الفلاح خلالها خسائر فادحة، حيث اضطر لبيع البطاطا بـ10 دج للكيلوغرام الواحد و12 دج في 2020، في وقت بيعت في 1985 بـ25 دج، وهذا يبرز حجم الخسارة، بسبب فتح باب استيراد البذور بكميات تتجاوز الاحتياجات المعبّر عنها، والتي تتراوح ما بين 100 ألف إلى 120 ألف طن، وليس 160 ألف طن.
وتسبّب هذا القرار في انهيار أسعار البطاطا، حيث لم يتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد في أسواق التجزئة 40 دج، كما أدى هذا الوضع إلى كساد المنتوج في بعض الولايات ورميه في الشوارع والطرقات مثلما حدث بولاية البويرة، والوادي، وتعرض للتلف أكثر من مرة لعدم قدرة استيعاب مخازن وغرف التبريد الكميات المنتجة.
أما في سنة 2020، فقد تمّ اتخاذ قرار تقليص كمية البذور المستوردة إلى النصف، حيث تمّ السماح باستيراد 55 ألف طن، وهو ما تسبّب في تقليص مساحات غرس البطاطا، وأثر ذلك فيما بعد على كمية الإنتاج، وظهر ذلك جليا في خريف 2021، حيث بدت «عيوب القرار» واضحة بعد لم تغط الكميات المخزّنة والمنتجة الاحتياجات الوطنية، وارتفعت الأسعار بالشكل الذي شاهده الجميع في الأسواق.
هذه الظروف يقول موطرفي «دفعت منتجي البطاطا إلى الاستغناء على هذا النشاط، وتقلص عددهم إلى 20 بالمائة ليس بسبب الجفاف ونقص المياه فقط، وإنما نتيجة القرارات الإدارية الانفرادية التي تتخذ في مكاتب بعيدا عن الأراضي المنتجة والتي لا تخدم الفلاح والإنتاج».
وما زاد الطين بلة يضيف المتحدث، «مشكل فوائد القروض المفروضة من قبل بنك بدر على منتجي البطاطا، بالرغم من أن القروض الممنوحة فوائدها مدّعمة من خزينة الدولة ولا تقع على الفلاح، ولكن فوجئنا بعد الاستفادة من قرض بقيمة 3 مليار سنتيم وتسديده كاملا بعد عام، بطلب البنك تسديد مبلغ مليار سنتيم كفائدة، وهو ما شكّل لنا صدمة خاصة وأنه حينما تقدمنا لطلب القرض لم يخبرونا بهذا الشرط وهذا مشكل آخر، يعكس العلاقة المتوترة بين المهنيين والإداريين الذين لا يكلّفون أنفسهم شرح شروط الاستفادة من قروض الدعم ومنح كل المعلومات الدقيقة».
ولفت موطرفي الانتباه، إلى أن بعض الفلاحين اضطروا لبيع أجزاء من أملاكهم من أجل تسديد أجور العمال، وتكاليف التخزين، ومنهم من صادر البنك أملاكه وهذا ما دفعهم إلى التوقّف عن ممارسة هذا النشاط.

أنفلونزا الطيور تخلط حسابات مربي الدواجن
في شعبة تربية الدواجن، لم تكن العلاقة بين الإدارة والمهنيين «المتوترة»، السبب في بروز الصعوبات التي حالت دون تطوّر الإنتاج، وضمان الاحتياجات الوطنية من اللحوم البيضاء، بل وقف إلى جانب ذلك «تهاون» بعض المربين، الذين رفضوا التصريح الدقيق بعدد نفوق الدجاج عند انتشار مرض أنفلونزا الطيور شهري مارس وأفريل من السنة الماضية، ووقفت الإدارة عاجزة عن ضبط الرقم الحقيقي بسبب غياب آلية إحصاء دقيقة لحصر أضرار الوباء.
ويقول نور الدين عايد، عضو المجلس المهني المشترك لشعبة الدواجن بولاية تيبازة، إن نفوق أمهات الصوص، في تلك الفترة خاصة بولاية الجلفة التي تضرّرت كثيرا من الوباء، وراء «أزمة الدجاج» الحالية، وعقد الوضعية أكثر عدم تصريح المربين بعدد الدواجن النافقة، حيث كانت تشير المعطيات الأولى إلى هلاك 900 ألف دجاجة، واتضح بعد شهرين أن الرقم أكبر من ذلك يصل إلى مليون أمهات صوص، وهو ما أدى إلى حالة فراغ السوق بسبب عدم دخول الصيصان دورة الإنتاج، مع العلم أن أمهات الصوص تحتاج إلى 8 أشهر حتى تبيض.
ولتدارك الخسائر الناجمة عن تفشي وباء أنفلونزا الطيور، أوضح عايد أنه تمّت مراسلة وزارة الفلاحة من أجل الترخيص لهم باستيراد البيض المخصب من أوروبا، لأن البيض المحلي يغطي 33 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، ولكن المربيين لم يجدوا الكمية الكافية، لذلك حدث الفراغ، وارتفع سعر الدجاج البيوض، والموجّه للاستهلاك بسبب قلة العرض وارتفاع الطلب.
كما تسبب نفوق الدجاج الذي كان سيدخل الإنتاج، في حدوث الأزمة، وتعويض الخسائر حسب عايد يحتاج إلى حوالي مليوني دجاجة وهذا يتطلّب شهورا لتوفيره، مع العلم أن الاحتياجات الوطنية تقدر بـ 4.5 مليون دجاجة، والكمية المستوردة كافية لتغطية العجز، لذلك يتفاءل المربون بالانخفاض التدريجي لأسعار الدجاج في الأسواق نهاية ديسمبر الجاري واستقرارها بداية جانفي 2022، إذا لم يحدث نفوق، لأن النفوق الذي حدث العام الماضي كلّف غاليا، حيث وصل السعر المرجعي لأمهات الصوص 350 دج وسعر الصوص قفز من 50 إلى 240 دج مع العلم أن تكلفة الدجاجة الواحدة تقدر بـ260 دج عند المربي وعند المذبح 330 دج، وتصل إلى نقاط البيع للمستهلك بـ460 دج و500 كلغ للكيلوغرام.
وينفي المتحدث، أن يكون بروز هذه الأزمة بسبب عدم تنظيم الشعبة التي تعافت حسبه منذ 2018 إلى غاية 2020 بفضل البرنامج المسطر مع الوزارة الوصية، والذي حدّد كمية الأمهات الصوص المستوردة حتى لا يحدث فائضا في السوق وتنهار الأسعار ويتمّ بيع الدجاج في الأسواق بسعر معقول يراعي القدرة الشرائية ويحمي المربين من الخسائر، حتى وإن تغيرت الأسعار تكون بشكل طفيف في حدود 20 دج و30 دج، ولكن ما حدث يقول «فوق طاقتنا».
يبقى مشكل رفض المربين التأمين على منتوجاتهم، ويقترح عايد إبرام اتفاقية بين التعاضدية والمربين، تمنح عروضا أفضلية تشجع على التأمين عكس الطريقة المعتمدة حاليا، التي تشترط نفوق نسبة 8 بالمائة من المنتوج ما فوق للتعويض، ولكن الأفضل أن تكون محددة بـ 5 بالمائة، وأن يتوفّر لدى كل مربي مجمد لتخزين الدجاج النافق حتى تسهل عملية إحصائه من قبل البيطري، ويتم إتلافها، والتعويض على ذلك الأساس، أما عن طريق الهاتف مثلما هو معمول به الآن فيمكن أن تكون فيها عدة تلاعبات.
ويشترط عايد أن توضع آلية تشجع المربين على التأمين، أو على أقل مراقبة مديرية الفلاحة الدواجن عند البيع كما تفعل عند الاستيراد، حتى لا نقع في نفس الأخطاء.
أما قرار استيراد الدجاج، فاعتبره المتحدث أنه لا يحل المشكل، لأن سعر الدجاج في الأسواق الأوروبية مرتفع عن السوق الوطنية، وحتى المجمّد، يتجاوز سعره 12 أورو في البرازيل، ما يعادل بالدينار الجزائري 440 دج للكيلوغرام، وإذا دعمته الدولة ستكون الخاسرة حسبه بسبب فارق السعر، ناهيك على أن هذه الوضعية مؤقتة، وليست دائمة، ولا يوجد من يخاطر بالاستيراد والأسعار يمكن أن تنهار في أي لحظة، إضافة إلى أن زيادة سعر المادة الأولية ارتفع بنسبة 70 بالمائة، وتوجد مذابح صناعية أغلقت بسبب الخسائر.
وربط انخفاض سعر الدجاج بتوفير عدد الصوص، وحاليا عدد الدواجن المتواجدة في طور الإنتاج، تتجاوز 6 ملايين، والاحتياجات الوطنية تقدر 4.5 مليون دجاجة.
ومن أجل ضمان تصريف المنتوج وتخزين الفائض، قال عايد أنه تمّ الاتفاق مع بنك بدر، من أجل تمويل أصحاب المذابح لشراء المنتوج من عند المربين مباشرة حتى يمكّنهم دفع مستحقاتهم، وإنشاء مخازن تبريد، على أن يقوموا بتشكيل مخزون والالتزام بإخراجه وقت الندرة، في إطار نظام الضبط «سيربلاك»، وهذه العملية تحتاج إلى وقت مثلما ذكر، «لأن إحصاء أصحاب المذابح ومخازن التبريد، عملية صعبة، ويوجد الكثير منهم يرفض التعامل مع ديوان الخضر واللحوم لأنهم يريدون تسويق المنتوج بأسعار السوق وليس كما يفرضه سيربلاك».

حمضيات متيجة تبحث عن أسواق خارجية
إذا كانت شعبة البطاطا والدواجن، تعانيان من تراجع الإنتاج، وصعوبة تلبية الطلب الداخلي للمستهلكين بأسعار معقولة، بسبب عوامل المناخ وأخرى تسييرية، فإن شعبة الحمضيات، تبحث عن منافذ للأسواق الخارجية، ودعم لاستعادة مكانة الجزائر دوليا بعدما فقدتها لصالح «برتقال» و»يوسفي» دول شقيقة وأخرى صديقة ليست أقل جودة من المنتوج المحلي بشهادة الأجانب أنفسهم.
وفي بوفاريك، حيث تعدّ المنطقة مهد زراعة الحمضيات بمتيجة، وقفنا رفقة الغرفة الوطنية للفلاحة، على جهود الفلاح محمد سلامي، والعاملين معه في مزرعة تتجاوز مساحتها 9 هكتار، لتطوير هذه الزراعة التي ورثها عن والده، ويعمل على تحسينها بإدخال التقنيات الحديثة واستعمال المكننة بالاستعانة بمهندسين في المجال، وإرشادات الغرفة الفلاحية والمختصين، لأن استعمال العتاد القديم أو الطريقة التقليدية «محراث جدي» لا توصلنا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي مثلما ذكر المتحدث.
ويقول سلامي، أنه اعتمد الزراعة المكثفة للحمضيات المبكرة والموسمية (1000 شجرة في الهكتار ومردود 600 قنطار في الهكتار) منذ 2010 على مساحة 9 هكتار، أضيفت لها نفس المساحة بالشراكة مع أحد الخواص، وهذه طريقة جديدة تعمّمت اليوم على كامل التراب الوطني من الطارف إلى مغنية، معتبرا أن هذا «نجاح للجزائر».
هذا التحوّل في الزراعة، ربطه سلامي بالنتائج المحقّقة ميدانيا والتي أقنعت حسبه العديد من الفلاحين بالانخراط في هذا النشاط، بعدما كانوا لا يعرفون عنه شيئا، وأصبحوا اليوم أكثر وعيا بالطرق الحديثة بفضل التواصل بينهم وتبادل المعلومات في المقاهي والأسواق، ناهيك عن مشاركتهم في المعارض بدول أوربية وآسيوية وإفريقية والتي سمحت لهم بالإطلاع على تجارب الآخرين، ونقل التقنيات الحديثة، سواء في استخدام السقي بالتقطير، أو استعمال الأسمدة في المياه، مثلما يتمّ العمل به في دول أوروبية وهذا ما يمكن الجزائر من استعادة مكانتها في السوق العالمية، ولكن يجب تقديم الدعم من الإدارة للفلاح خاصة في مجال تحسين الإنتاج، التعليب والتغليف، والشحن، لأن المنتوج سريع التلف، ويحتاج لخطوط نقل مباشرة.
ولأن تقوية الإنتاج وتسهيل تصريف المنتوج في الأسواق يرتبط بانخراط الفلاحين في تعاونيات للاستفادة من الامتيازات والخدمات المتاحة، أوضح سلامي أن إنشاء مؤسسة يتطلّب تقديم تسهيلات إدارية لتشجيع المنتجين على الانضمام للتعاونيات، منها الإعفاء من دفع الضرائب لمدة 5 سنوات الأولى من النشاط وتخفيض قيمة الضريبة على الدخل، وهي خطوة رآها مهمة لتشجيع الفلاحين على تطبيق القوانين فيما بعد آليا.
كما أن الفلاح يحتاج ـ حسبه ـ إلى حلول حديثة لمواجهة الأمراض، والمكننة الزراعية، ولكن في غياب توفر الآلات ذات النوعية الجيدة، لأن الجرارات المتوفرة صالحة للحبوب وليس للحمضيات، لذلك وجب فتح باب استيراد العتاد الفلاحي، متسائلا عن مصير القرار الذي أمضي عليه في رمضان الفائت دون أن يطبق لغاية اليوم وقال «كيف تستورد السيارات ونحرم الفلاح من العتاد».

حلول لمواجهة الجفاف
كغيرها من الشعب الفلاحية، تعاني شعبة الحمضيات من ظاهرة الجفاف الذي مسّ الجزائر في السنتين الأخيرتين، وأثر على المساحات المزروعة بسبب تراجع منسوب السدود والآبار، ولكن بالنسبة لمنتجي البرتقال واليوسفي بالبليدة، يمكن تجاوز هذه المعضلة حسب سلامي، بتبني مقترح الفلاحين، المتعلّق باستغلال مياه الثلوج والأمطار، عن طريق تجميعها في أحواض ومجمعات مائية، وإعادة تحويل مسارها إلى مناطق أخرى بدل تركها تضيع دون استغلال.
وأوضح سلامي، أن هذه طريقة استعملها الأتراك قديما في منطقة متيجة وهي لا تحتاج إلى تكاليف كبيرة، وتسمح في حال تجسيدها بتجديد مخزون المياه الباطنية، مشيرا إلى أنه تمّ تجربة الفكرة على مستوى منطقة بوينان، بوضع مادة زرقاء في الماء، وظهرت في آبار بمنطقة بودواو بولاية بومرداس وهو ما يؤكد نجاحها.

التفكير في فائض الإنتاج من الآن
وعلى صعيد آخر يوافق حميد برناوي المهندس والمكلف بالإرشاد بالغرفة الوطنية للفلاحة، رأي المنتج محمد سلامي بخصوص واقع شعبة الحمضيات واحتياجاتها، حيث أكد لنا أن إنتاج الشعبة يرتفع كل عام، لذا وجب التفكير من الآن في كيفية التعامل مع فائض الإنتاج مستقبلا، لأن مساحة زراعة الحمضيات تتوسّع في الجزائر، ومقارنة بالسنوات الماضية توجد أكثر من 32 ولاية تنتج الحمضيات بعد أن كانت محصورة في 12 ولاية فقط، معروفة على المستوى الوطني، والبليدة ولاية رائدة في هذا المجال.
وأشار إلى أن الجزائر تنتج 16 مليون قنطار سنويا من مختلف الأنواع، بفضل إستراتيجية وزارة الفلاحة وحكمة المستثمرين، الذين أصبحوا يعتمدون على التقنيات والمهندسين، والخبرات الخارجية، ويوجد أكثر من 12 صنفا ينتج في الجزائر خلال فترة 9 أشهر، حيث يسمح الموقع الجغرافي بتوفير الحمضيات من بداية نوفمبر إلى غاية جويلية، وهذا يسمح للمواطن استهلاك منتوج طازج، أو يستهلك عن طريق عصائر والمنتجات المتحوّلة.
وبالرغم من الطفرة المسجلة في الإنتاج، إلا أن تحديا كبيرا يواجه وزارة الفلاحة، وعليها أن تتفطن إليه يقول برناوي، وهو السقي الفلاحي، بعد التراجع الرهيب في وفرة المياه والتساقطات، وهذا يجعل الشعبة مهدّدة كثيرا، وعلى هذا الأساس لابد من الاستثمار في مصادر أخرى، كبناء سدود صغيرة، أو متوسطة، وكبيرة، حسب مناطق الإنتاج وتوفر المياه واختصاص كل منطقة إنتاجية.
أما المشكل الذي يعرقل تطوّر هذه الشعبة والمتعلّق بغياب التعاونيات، فاقترح برناوي تهيكل الفلاحين ومنتجي الشعبة في تعاونيات فلاحية، تمنح لهم عدة امتيازات مثل الدعم، المرافقة، التسويق، جمع المنتوج، والمفاوضات، بحيث يدافع كل منتج عن حقوقه دون المساس بالقدرة الشرائية للمستهلك، حيث يمكنه أن يفاوض حول أسعار بيع تحمي المستهلك والمنتج.
ويرى أن مرافقة الغرفة الوطنية للفلاحة وحدها لا يكفي أو المعاهد لذلك لابد من إقامة فضاء تشاوري يسمح بتعميم التقنيات الحديثة على المستوى الوطني ويمكن إيصال المعلومة بكل سهولة للمستثمر الفلاحي لتفادي الأمراض وعدة إشكاليات بسهولة، وتوفير المشتلات الخاصة، ويعتبر هذه نقطة مهمة جدا، لأن وزارة الفلاحة شجّعت إنشاء مشاتل على المستوى الوطني لكن لا توجد مشاتل متخصّصة حسب احتياجات كل منطقة وتوجيه الإنتاج للاستهلاك المباشر أو للصناعة التحويلية وهذه السياسة التي يجب التوجه إليها مثلما قال.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024