منبع ثروات لا ينضــب

الجنوب...الإقلاع التّـنموي المؤجّـل

هيام لعيون

إذا كان مفهوم التّنمية يتلخّص في إحداث تغيير جذري وتطوّر إيجابي تشهده كافة الميادين، أي النمو الاقتصادي وما يحدثه من تغيير في حياة الفرد والجماعة، فإنّ تعريف الجنوب الجزائري الكبير هو عبارة عن طاقة الجزائر وواحاتها وذخرها، ومنبع ثرواتها و80 بالمائة من مساحتها الإجمالية، وما بين التنمية والجنوب خطان متوازيان منذ استقلال الجزائر، حيث وعدت الحكومات المتعاقبة بإحداث ثورة تنموية حقيقية في الجنوب والجنوب الكبير الجزائري، غير أنّ هذا الوعد لم يتحقّق بعد.

 إذ لا تزال صحراء الجزائر تعاني التّأخر بالرّغم ما يدرّه باطنها وسطحها من ثروات تلبّي احتياجات اقتصاد البلد، وتصدّر لدول القارات الخمس، في وقت ينظر سكان الجنوب والمناطق الحدودية للسلطات بعين المستعجل المتلهّف علّ وعسى تلتفت لانشغالاتهم، وتلبّي طموحاتهم بإيصال المشاريع لهم كما تصل صناديق الاقتراع في كلّ موعد سياسي، حتى لا تضطرّ المرأة الحامل للتنقل مئات الكيلومترات لتضع مولودها، وحتى يجد البطال منصب عمل في المؤسسات الوطنية، ويجد الطلبة المتخرّجون ما يسدّون به شغفهم لعالم الشغل، وحتى تسيل الحنفيات بالماء، وحتى لا يضطر المواطن هناك إلى متابعة برامج التلفاز ليتعرّف على الترامواي والميترو، حيث تحتل المناطق الجنوبية للجزائر الممتدّة على مساحة شاسعة 80 بالمائة من مساحة الجزائر الكلية، والمعروفة عموما بتسمية «الصحراء» كانت دوما تثير الحيرة فيما يتعلق بتنميتها وإعمارها، وهذا نظرا للتمركز الذي تحتله في تصور الخريطة الإفريقية، ونظرا لاحتوائها على أهم ثروات وخيرات البلاد من الذهب الأسود والغاز والذهب الأصفر، والمعادن النّفيسة على غرار الماس.


 10 ولايات جنوبية جديـدة..تحدّيات ورهانات


  في عام 2021 أصبحت الجزائر تضم 58 ولاية، بعد استحداث 10 ولايات جنوبية، حيث يشمل التقسيم الجديد كل من تيميمون وبرج باجي مختار الحدوديتين مع مالي، وبني عباس مع المغرب، وإن قزام حدودية مع النيجر، وجانت مع ليبيا، أما أولاد جلال، إن صالح، تقرت، المغير والمنيعة، فتقع في قلب الصحراء.
إنّ استحداث 10 ولايات بالجنوب الكبير، يعني بروز تحدّيات جديدة، يعني محاولة من السلطة الاهتمام أكثر بالمنطقة الصحراوية التي عانت التهميش بكل تجلياته، زاده تعقيدا عامل المسافات الشاسعة، غير أن السؤال المطروح اليوم هل أنّ استحداث 10 ولايات جديدة بالجنوب سيكون له الأثر الإيجابي مستقبلا، خاصة ما تعلق بالتنمية؟
فمعلوم أنّ مناطق الجنوب الكبير ظلّت تشتكي نقص التنمية بشكل كبير جدا، إضافة إلى نقص البنى التحتية التي تكاد تكون غائبة عن المنطقة، لهذا جاءت هذه الترقية، حيث من المنتظر أن يتم مباشرة أول إجراء وهو تسريع وتيرة إنجاز المشاريع، وتوفير مباني إدارية محلية تشرف على مختلف المشاريع التنموية، علما أنّ سكان الجنوب يعانون من غياب كبير للمرافق الصحية والتربوية، وضعف كبير في النقل نظرا لشساعة المساحة الصحراوية وصعوبة التضاريس، حيث الأرض هناك عبارة عن رمال، وما تخلّفه من زوابع وعواصف، وزحف يغطّي غالبا الطرقات، وفي أحيانا أخرى تخفيها عن العيان، ما يصعب مهمة العمل في مثل هذه الظروف.
إلى جانب ذلك، فإنّ نقص المشاريع المتعلقة بتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب سيكون في صلب اهتمامات الولاة الجدد، الذين تنتظرهم تحديات ضخمة، علما أنّ المنطقة صحراوية جافّة تتطلّب إنجاز مشاريع ضخمة لتزويد الساكنة بالمياه الصالحة للشرب أو الموجهة للزراعة والفلاحة، والتي ستكون أيضا في الواجهة من خلال استغلال شساعة الأراضي وتوجيهها للزراعة لتغطية احتياجات سكان الجزائر في الشمال، خاصة وأن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون كان قد أولى عناية خاصة للفلاحة للنهوض باقتصاد البلاد، والجزائر تعيش مرحلة اللجوء إلى إنعاش اقتصادها بعيدا عن اقتصاد الريع، الذي يعتمد بنسبة 98 بالمائة على عائدات النفط، حيث تعمل مختلف القطاعات على تجسيدها، والوفاء بالتزامات رئيس الجمهورية.
ولا يختلف اثنان على أنّ الهدف المرجو من ترقية 10 مقاطعات إلى ولايات جديدة جاء لتحسين الإطار المعيشي اليومي لسكان الجنوب، من خلال ترقية الخدمة المقدّمة للقاطنين هناك في كل المجالات، في مقدمتها توفير مناصب الشغل من خلال استحداث مشاريع استثمارية، والعمل على تشجيع الشباب للانخراط في العملية التنموية عن طريق إنشاء مؤسّسات مصغّرة مقاولاتية أيضا، وتوفير السكن وتحسينه، إلا أن الهدف مصوب أيضا نحو إيجاد توازن في توزيع الثروات الوطنية بين الشمال والجنوب، وإبعاد معادلة جنوب ينام على آبار النفط مهمش يستفيد منه أصحاب الشمال فقط، حيث شهدت الولايات الجنوبية خلال السنوات القليلة الماضية احتجاجات عارمة تطالب بالتوزيع العادل لثروات البلاد، ومن ثم إحداث توازن جهوي، وتوفير ظروف تنمية مستدامة.

مخطّط تهيئة الإقليم...الهدف والنّتائج

  لمّا أُطلق المخطّط الوطني لتهيئة الإقليم لآفاق 2030، والذي شُرع في تطبيقه منذ سنة 2011، اعتبر كما جاءت «أهدافه» فرصة لتحقيق التنمية المتكافئة والمستدامة في كل مناطق الوطن في إطار الإدارة والحكم والراشد، حيث قامت بإعداده لجنة قطاعية شكّلت من طرف وزارة تهيئة الإقليم والبيئة، والتي تضم أيضا خبراء وطنيين وأجانب التوجيهات والترتيبات الاستراتيجية لسياسة تهيئة الإقليم والتنمية المستدامة لآفاق 2030.
ويضمّ هذا المخطّط خمسة محاور تحدّد انسجام السياسات والاستثمارات، وترسم خريطة الهياكل القاعدية وخريطة المنظومة الحضرية، وتأمر بالأحكام للحفاظ على الفضاءات التي هي محلّ أطماع.
وكان من بين أهدافه «الشّروع في إعمار واستغلال المناطق النائية والمعزولة، من بينها الهضاب العليا ومناطق الجنوب والصحراء للتخفيف من اكتظاظ السكان في المناطق الشمالية والتلية والساحلية التي تعرف بهشاشتها نظرا لتعرضها إلى الكوارث الكبرى كالزلازل والانزلاقات الأرضية والفيضانات، إلى جانب الحوادث الصناعية الناجمة عن نشاطات الانسان».
وكما جاء ضمن إطاره، أنّ سياسة تهيئة الإقليم تصبو أيضا نحو «تحسين ظروف معيشة السكان من خلال مكافحة التهميش والإقصاء بفضل تكافؤ الفرص بين كل مناطق الوطن، خاصة بين الأرياف والمدن بإعادة توزيع النشاطات الصناعية والاقتصادية، خاصة في الهضاب العليا ومناطق الجنوب والصحراء».
وقد جاء ضمن أهدافه تحقيق مسعى توازن الإقليم، الذي يتوقّف على أهمية «تثمين المدن الكبرى وتنظيمها بطريقة عقلانية، ومنح الأولوية للتطوير النوعي للأحياء، وأنسنتها بتوفير كل المرافق الضرورية والخدمات الاجتماعية». ويتطلّب ذلك أيضا «إنشاء مدن جديدة تراعي خصوصيات ونشاطات المناطق» من خلال إنجاز «مشاريع بناء مدن جديدة في الهضاب العليا والصحراء، من بينها مدينة المنيعة».
ولربط هذه المدن بالمناطق الشمالية لتحقيق التنمية المستدامة، أبرز نفس المصدر أهمية «توسيع شبكة الاتصالات، من بينها الطرق السريعة وشبكة السكك الحديدية، ودعم مشاريع تحويل المياه إلى مناطق الجنوب».
وقد تمّ جعل عملية استصلاح المناطق الصحراوية «أهم رهان للتنمية»، وذلك في إطار برامج تهيئة الإقليم الجارية في أقصى الجنوب، حيث أنّ السلطات العمومية جعلت من الإعمار المنسجم للفضاءات الشاغرة تقريبا هدفا هاما للتنمية.
ونحن على مقربة من انتهاء تاريخ المخطّط، فإنّ المخطّط لم يحقّق الأمر المرجو به لحد الساعة، حيث يفسّر الخبراء الأمر بأنّ السياسات ذهبت ضحية الفساد المالي الذي عرفته الجزائر خلال العقدين الماضيين، والذي أثّر سلبا على تنمية المناطق الجنوبية والحدودية.

منطقة التّبادل الحر الإفريقية والمقاولاتية

  إنّ استصلاح الجنوب أرادته السلطات أن يكون انطلاقا من اقتحام الأسواق الإفريقية لتعزيز التبادلات بين بلدان الجنوب، حيث انخرطت الجزائر بداية جانفي 2021 في منطقة التبادل التجاري الحر، لما له من فوائد تعود على اقتصاد الوطن، وتساهم في تنمية تلك المناطق الحدودية للوطن، وخلال شهر أوت 2021، شرع المجمّع العمومي للنقل البري للبضائع واللوجستيك (لوجيترانس) في إنجاز مناطق عبور بكل من تمنراست، تندوف وإليزي لتشجيع الصادرات نحو الدول الإفريقية.
وتماشيا ودخول منطقة التبادل الحر الإفريقية (زليكاف) حيز التنفيذ، شرع المجمّع في مخطط لإنجاز مناطق عبور على مستوى الولايات الحدودية بدءاً من تندوف وتمنراست ومؤخرا بولاية إليزي.
كذلك خلصت اجتماعات الحكومة إلى إنشاء منصات لوجيستية على مستوى الولايات الحدودية من أجل تسهيل الولوج إلى الأسواق الإفريقية، حيث أن دخول القطاع الخاص سيؤدي إلى بروز تنافسية جودة الخدمات، مع اعتماد طرق جديدة ومبتكرة في نقل البضائع.
(عن مجلة «التنمية المحلية» العدد 07)

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024