مشاريع تحقّقت وأخرى لا تزال تنتظر التّجسيد
لا زالت رهانات تحقيق المرحلة الثالثة من إعادة بناء الشلف «الأصنام» سابقا بعد مرور 41 سنة عن زلزال 10 أكتوبر 1980 قائمة بالرغم من المشاريع الكبرى المحقّقة في عمليات تعويض البناء الجاهز الذي انتهت مدة صلاحيته، وصار يشكّل خطرا على صحة وأمن العائلات، وتعبيد الطريق نحو تجسيد برامج الحكومات المتعاقبة فيما يتعلق بالمشاريع السكنية والمدن الجديدة بكل من الشطية والحسانية والشلف وتنس وواد الفضة وغيرها من المجمعات السكنية والريفية. لكن تبقى معضلة مراقبة هذه العمليات ومدى مطابقتها لمقاييس البناء المضاد للزلزال قائمة.
الوقوف على تقييم الملف من جوانبه العديدة صار من الأولويات التي ينبغي الإطلاع عليها من طرف كل المتدخلين في عمليات الإنجاز من سلطات ولائية وبلدية ودائرة وديوان الترقية والتسيير العقاري والمصالح التقنية للبناء والسكن والتعمير وهيئة المراقبة التقنية (سي تي سي) التي تراجع دورها أثناء عمليات الإنجاز، خاصة فيما يخص البناءات الذاتية التي وجد أصحابها كل الحرية في تشييد مساكنهم، وفق ما يرونه مناسبا من حيث الهندسة والمقاييس والطابع العمراني وشروط البناء وملاءة الأرضية وطبيعتها، وما تتطلبه من إسمنت وحديد وخرسانة.
أموال طائلة..هل حقّقت التّطلّعات؟
التحدي في إعادة إعمار الولاية التي فقدت ما يفوق 2500 ضحية انتشلوا من تحت أنقاض بناءات هشّة وأخرى كانت بعيدة عن المقاييس المخصّصة في البناء ما قبل الثمانينات، كان أكبر من ذكر أرقام تتعلق بالمشاريع التي طبّقت لتجاوز المحنة عبر 3 مراحل، منها مرحلة إيواء السكان داخل الخيم، والثانية إنجاز البناءات الجاهزة من طرف مؤسسات معظمها أجنبية، والتي فاقت 18 ألف سواء تلك التي صارت ملكية خاصة بعد شرائها أو استغلالها عن طريق دفع الكراء بحسب ملفات التعويض بالبناء أو القروض بفوائد رمزية أو إعانات مباشرة، حسب ما أقرّته مصالح الدولة والوزارات المعنية. فيما كانت المرحلة الثالثة هو البناء بالمواد الصلبة والخرسانة والأجور كشكل نهائي للسكنات، التي وجهت لهؤلاء سواء ضمن المدن الجديدة كمدينة الشطية الواقعة على الطريق الوطني رقم 19 وحي بن سونة والحسانية والمصالح بالشلف وتنس والسقاسيق بواد الفضة وبوقادير وعين مران وواد السلي، وبعض المواقع بعدة بلديات من تراب الولاية.
ويبقى التساؤل لدى سكان الولاية هل انتهت مرحلة بناء الشلف ضمن البرنامج المخصص لها أم أن ما تعرفه من مشاريع تدخل ضمن الحصص التي خصّصتها الدولة في برامجها الوطنية الموجة للولايات حسب الإحتياجات المرفوعة من طرف السلطات الولائية؟ وهو ما أكّده لنا لخضر سداس والي الشلف في لقاء به بمقر الولاية.
بالنظر إلى الأرقام الخاصة بالتكفل بأصحاب البناءات الجاهزة، الذين أحصتهم اللجنة المختصة بالملف، فإن العملية قد عرفت نهايتها من خلال عمليات التعويض التي مست أكثر من 2500 عائلة ضمن الإجراءات المعتمدة التي أقرتها الدولة، لكن هل اختفت مظاهر البناءات الجاهزة من المحيط العمراني والحضري بالبلديات التي عرفت هذا النوع من السكنات التي مع الأسف صارت تشكّل خطرا صحيا وأمنيا على حياة قاطنيها؟ الواقع يشير إلى وجود آلاف الحالات من هذا النوع من السكنات الجاهزة على الرغم من أنّ شروط الاستفادة حسب المصالح التقنية تخص إزالة مظاهر هذه البناءات وتعويضها ببناءات صلبة. هذه الوضعية التي تم إهمالها وعدم تنفيذها ما زالت تتسبّب في عدة أمراض بوجود مادة «لامنيونت» ومواد أخرى توضع بين جدران هذه السكنات كعوازل.
تجاوزات خطيرة
تنفيذ المرحلة الثالثة كان بواسطة البناء الصلب في إنجاز السّكنات الاجتماعية والترقوية والتساهمية ضمن البرامج القديمة و»عدل»، والتي تتم بمراعاة المقاييس التقنية الخاصة بالبناء المضاد للزلازل.
فالطابع العمومي لهذه السكنات يفرض اتباع مقاييس محدّدة ومصادق عليها من طرف الجهات المعنية، في مقدمتها مصلحة المراقبة التقنية للبنايات التي يقع ضمن صلاحياتها الموافقة على المخططات من عدمها، وبنفس الطريقة يتم التعامل مع الهياكل العمومية من منشآت تربوية ومرافق صحية ومقرات للإدارات ومنشآت جامعية، كما هو الحال بالقطب الجامعي بأولاد فارس والحسانية ووسط مدينة الشلف.
لكن مع مرور السنين سجّلت عدة نقائص كما حدث مع سكنات حي الشارة أين سجّلت به عيوب كامتلاء الأقبية بمياه الصرف الصحي، وتعرض جدرانها للإهتراء تطلب تخصيص أموال لترميمها وتصليح شبكتها.
أما بخصوص البناء الذاتي، فمعظمه لا يستند للمقاييس المضادة للزلزال، وهو ما يعرض أصحاب هذه السكنات إلى أخطار حقيقية في حال حدوث هزة قوية كما حدث في سنة 1980.
وضعية تتطلب تعليمات وإجراءات ردعية من طرف الوزارة المعنية مع تحرك هيئة المراقبة للتقنية للبناء بالشلف حتى تسلم العائلات من كوارث تظل محدقة على ضوء استمرار الوضع على حاله بعدم احترام مقاييس البناء المضاد للزلزال. من جهته، أوضح الوالي أنّ المعايير الخاصة بالبناء في المنشآت العمومية محترمة وتتماشى والمواصفات التقنية. أما فيما يخص البناء الذاتي، فقد حمل المواطن مسؤوليته في حالة تسجيل هذه التجاوزات التي لم تحترم المقاييس التقنية التي يحدّدها خبراء ومهندسو البناء، يقول لخضر سداس، الذي ذكر بالفاتورة المالية الكبيرة التي كلّفت خزينة الدولة، ناهيك عن سقوط ضحايا تحت الركام.
في السياق، قطع قطاع التربية أشواطا بإنجاز أكثر من 30 ثانوية وعشرات المتوسطات والمجمعات المدرسية في الطور الإبتدائي بعد عمليات الهدم التي طالتها مع توسيع هذه المنشآت بأقسام إضافية للتخلص من ظاهرة الاكتظاظ وتحسين الأداء التربوي مع تشييد مخابر علمية بالثانويات والمتوسطات داخل المدن الكبرى والمناطق الريفية كما حدث في بني بوعتاب وبريرة وتاجنة وتواقريت والحجاج وتلعصة والكريمية وواد الفضة والطهرة وغيرها من المواقع ذات الطابع الريفي والجبلي، عملا بالتعليمات الصارمة لوزارة القطاع الرامية لتحسين ظروف التمدرس وأمن التلاميذ.
وحظي قطاع الثقافة بهياكل جديدة عوّضت ما تم إنجازه بالبناء الجاهز، بينها المتحف الجهوي ودار الثقافة والتكوبن والتعليم المهنيين، كما حدث بوادي الفضة وبلدية الشلف وسنجاس وأم الدروع وبوقادير وواد السلي وتنس وغيرها من البلديات، وتم الحرص على ضمان نجاعة مواد البناء، لاسيما باستعمال ثلاثة أنواع مستحدثة من مادة الإسمنت، استجابة للانشغالات التي كان يطرحها المهندسون والتقنيون لضمان نجاعة البناء وصلابته ومقاومته لمختلف الظروف المناخية والطبيعية.
تفعيل البرنامج السّكني
كان للبرنامج السكني الذي حظيت به الولاية في سنوات التسعينيات وبداية الألفية إلى غاية 2021 الأثر الكبير في تخفيف حدة الطلب على السكن بالرغم من النقص المسجل في الحصص إذا ما قورنت بولايات أخرى. فإنشاء الأقطاب الجامعية وهياكل العدالة والشرطة والمجمّعات السكنية ضمن صيغة المدن الجديدة بمرافقها والتربوية والصحية كما هو الحال بمستشفىات 240 سرير و60 سريرا بكل من عين مران وواد الفضة، في انتظار تعويض البناء الجاهز بكل من مستشفى الشرفة وأولاد محمد والصبحة، وضع تحقيق الخدمة العمومية على السكة الصحيحة بالرغم من بعض التأخر الذي عرفته سلسلة من المشاريع السكنية.
وحسب ما أكّده والي الشلف لـ «الشعب»، شرع في تجسيد المشاريع المتوقفة والمتعلقة بحصتي 3000 و2000 مسكن الموزعة على أغلب بلديات الولاية. كما تمّ حل مشكل العقار لإنجاز 300 وحدة سكنية من نوع السكن الترقوي وحصة 200 وحدة من نمط «عدل» و500 وحدة سكنية التي تشرف على إنجازها مؤسسة تركية، بالإضافة إلى مشاريع أخرى كانت تواجهها معضلات عديدة سواء فيما تعلق بالعقار أو الوحدات السكنية من الغرفة الواحدة.
خطوات من شأنها تفعيل مشاريع القطاع، الذي مازال ينتظر حصصا أخرى خاصة على مستوى السكنات الريفية التي بالرغم من تحقيقها نسبا معتبرة، إلا أن عدة مداشر مازالت بحاجة للحصص وإعانات من شأنها تلبية الطلب المتزايد بالمناطق التي رفض سكانها النزوح في زمن الإرهاب الهمجي، مفضّلين الاستقرار وخدمة أراضيهم مع ممارسة الأنشطة الحرفية، حسب القاطنين بذات المناطق الريفية.