تواصل عاصمة الغرب الجزائري، وهران، جهودها الحثيثة لتغطية الطلب المتزايد على المياه في ظل التحديات الحالية والمستقبلية، المرتبطة بالتغير المناخي والبيئي وزيادة النمو السكني، في مقابل الحاجة الملحة إلى رؤية استشرافية واضحة لمواجهة ضمان الأمن المائي بالمنطقة.
يتجاوز عدد سكان وهران 2 ملايين و200 ألف ساكنة؛ وتقدر احتياجاتهم من المياه الشروب بحوالي 550 ألف إلى 600 ألف متر مكعب يوميا، فيما لا يتعدى الإنتاج الحالي 450 ألف متر مكعب.
بالمقابل، تشكّل المصادر المائية في مستوياتها الأفقية 590 ألف متر مكعب يوميا، فيما تقدّر سعة التخزين بنفس الولاية 774 ألف متر مكعب، بحسب ما أظهرته آخر المعطيات، الصادرة عن المديرية الوصية.
واستنادا إلى نفس الجهة، فإنّ نسبة الربط بهذه المدينة، تعتبر من أعلى المعدلات على المستوى الوطني؛ حيث تقدّر بـ 99 بالمائة، فيما تقدّر شبكات التوزيع والتوصيل بـ 4269 ألف كيلومتر من القنوات.
وتجلب الاحتياجات المحلية من نقاط التعبئة التالية: محطة تحلية مياه البحر الكائنة بمنطقة المقطع، والتي تزود الولاية حاليا بـ 175 ألف م3 يوميا، ومحطة كهرماء المتواجد بجهة أرزيو، والتي يصل إنتاجها اليومي إلى حوالي 90 ألف م3؛ يستغل منها 50 إلى 54 ألف م3 للشرب، والباقي يوجّه للاحتياج الصناعي، بالإضافة إلى محطة تحلية مياه البحر بشاطئ الهلال المتواجدة بتراب عين تموشنت، والتي تنتج 200 ألف م3 في اليوم، يوجّه منها تقريبا 100 ألف م3 إلى وهران.
ومن الموارد المائية غير التقليدية، نجد أيضا محطة نزع الملوحة «بريدية» التي تنتج حاليا 13 ألف م3 يوميا، فضلا عن المحطتين الصغيرتين المتواجدتين على مستوى إيدين المقدرة سعتها بـ 540 متر م3 يوميا وبوسفر ببلدة عيون الترك الساحلية بطاقة 450 متر م3، فيما تناهز المياه الجوفية التقليدية بـ 10 آلاف م3 يوميا.
الحصص المائية كانت توزع بصفة منتظمة وطبيعية، قبل تفاقم المشاكل التي تسبّبت فيها عدّة عوامل؛ فبالإضافة إلى زيادة عدد السكان والاستهلاك العشوائي والمتنامي للمياه، طفت على السطح ظاهرة الجفاف وانخفاض المخزون الجوفي، وكذا منسوب المياه السطحية، ناهيك عن قدم الشبكات بوسط المدينة والأسباب التقنية بمحطة المقطع المتواجدة في الجهة الشرقية.
وتناقصت المياه الصالحة للشرب المنتجة بمحطة المقطع، بفعل تذبذب توزيع الطاقة الكهربائية والأعطاب المتكررة على مستوى القناة الرئيسية من أكثر من 300 ألف م3 يوميا إلى 270 ألف م3، تصل إلى مدينة وهران حاليا بـ 175 ألف متر م3، والباقي توجه لولاية معسكر، مع العلم أن توقف الكهرباء لمدة 24ساعة، يتسبب في ضياع 200 ألف متر مكعب يوميا بكل محطة.
جاء ذلك على لسان المدير الولائي للموارد المائية، موسى لبقع، الذي أوضح أن «التحديات الكبرى التي تواجه القطاع بثاني أكبر مدن الجزائر، تعكسها نسبة العجز بالمياه الشروب التي ناهزت الـ 25 بالمائة خلال السنة الجارية 2021؛ الأمر الذي دفع بالوصاية إلى مراجعة أنماط التوزيع واعتماد نظام التناوب، من أجل تعزيز المخزون المائي، والمحافظة على الموارد المائية من الهدر والاستنزاف…».
وتطرّق لبقع في تصريح لـ «الشعب» إلى الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الولاية، تحت سيناريوهات مختلفة لمواجهة تنامي الاحتياجات المائية، نتيجة التزايد السكاني والتقدم الصناعي والاجتماعي، مع مراعاة رضا العملاء، من خلال تطوير جودة المياه والخدمات، وتوسيع تغطية المياه، كما قال.
وتتضمّن الخطة الولائية استنادا إلى نفس المصدر، العديد من العناصر، بما في ذلك إعادة تأهيل شبكات التوزيع وعقلنة التوزيع، وصولا إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب، بالإضافة إلى مواصلة ﺍﻟﺠﻬﻭﺩ لتعزيز الأمن المائي، وضمان تزويد كافة المواطنين بالمياه الصالحة للشرب دون انقطاع.
وأكّد مجدّدا، أنّ ارتفاع العجز المسجل في المياه الشروب المقدر كما سبق وأشرنا بنسبة 25 بالمائة نشأ عبر مرحلتين؛ بدءا بالجهة الغربية التي سجلت عجزا بـ 30 ألف متر مكعب، بعد تراجع منسوب فوهة البركان «رزيوية» التي تمون عبر سدي بوغرارة والسكاك، والتقليص الثاني من الجهة الشرقية، التي تمون عبر نظام الماو، حيث يترواح العجز بين 80 إلى 90 ألف متر مكعب.
ويرجع ذلك إلى تراجع معدل التساقطات المطرية، وتأثيرها السلبي على نقاط التعبئة ومنشآت المياه السطحية، ومنها السدود المزودة لنظام الماو (مستغانم - أرزيو - وهران) الذي يعتبر من نقاط التعبئة الرئيسية الممولة للمدينة، وفق ما أشير إليه.
كما نوّه في هذا الصدد بتقلص حصة وهران من نظام تحويل «الماو» إلى مستويات دنيا، بعدما تراجع الإنتاج على مستواها من أكثر من 300 ألف م3 إلى أقل من 155 ألف م3 يوميا، بسبب جفاف سد شلف، وفق نفس المصدر.
في سياق ذي صلة، كشف لبقع عن انخفاض إنتاج محطة التحلية «شط الهلال» من 200 ألف م3 يوميا إلى أقل من 180 ألف م3، يوجّه منها 100 ألف متر م3 لولاية وهران، وذلك جراء تراجع قدرة حوض التخزين المموّن بمنطقة «دزيوة» من 35 مليون إلى 4 ملايين متر م3.
الحوض عبارة عن بحيرة طبيعية، تكونّت نتيجة فوهة بركان، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 342 متر، ولتفادي ضياع مياه الأمطار، تمّ تشييد هذه المحطة الطبيعية للتخزين للحفاظ عليها، وعدم إهدارها في مياه البحر، حسبما أشير إليه.
واعتبر نفس المسؤول، أنّ «الطنف» الوهراني وغرب الولاية، الأكثر تأثرا بأزمة تراجع إيرادات المياه من المنبع، بسبب توقف استغلال المياه السطحية لحوض التخزين بمنطقة «دزيوة»، فضلا عن محدودية حصة المياه التي تصل المنطقة من محطة شط الهلال، باعتبارهما المصدرين الوحيدين لهذه الجهة؛ ما انعكس سلبا على أغلب المناطق التابعة لها، ولاسيما بلديات دائرة بوتليليس والمناطق العليا، كأحياء البدر، بوعمامة، اللوز، الكمين، مرفال والسعادة...
إعادة النّظر في التّوزيع
في ضوء ذلك، كشف نفس المسؤول عن إجراء جديد لتأمين المياه الشروب في حالة حدوث اضطرابات في التزوّد فترات الذروة (خاصة أيام المواسم والأعياد)، وذلك من خلال اعتماد نظام التناوب في التوزيع.
واستنادا إلى نفس التوضيحات، فقد كان 90 بالمائة من سكان الباهية يشربون 24/24 ساعة، فيما يتزوّد تقريبا 7 بالمائة بنظام 1/2 (يوم بيوم) فما أكثر، وأصبح حاليا 77 بالمائة يشربون 24/24 ساعة، و13 بالمائة يوميا و10 بالمائة بنظام 1/2 (يوم بيوم) فما أكثر، بعد توقيف المنشأة «رزيوية» التي كانت تموّل الجهة الغربية للولاية ومحطة شط الهلال، بسبب الانخفاض الشديد لمخزونها وضرورة الحفاظ عليها.
مساعٍ جادّة
بناءً على ذلك، أكّد المسؤول الأول على القطاع بالولاية مساعي جادّة لضمان كميات كافية من المياه المؤمنة لما فيه مصلحة للمجتمع الوهراني حاليا ومستقبلا، وبناء القدرة على الصمود في الحالات العادية، وفي حالات الطوارئ، كما قال.
وأعرب عن قناعته بالتّدابير التي تمّ اتخاذها لضمان خدمة عمومية ناجعة طيلة موسم الاصطياف بالولاية، وفق برنامج مضبوط بأمر من المسؤول التنفيذي الأول بالولاية، وذلك بالتنسيق والتعاون الوطيد بين مديرية الموارد المائية ومؤسسة «سيور» للمياه والتطهير.
ويرى لبقع أنّ «جزءا من حل مشكلة المياه في وهرن، والجزائر عامة، يكمن في وضع هدف استراتيجي موحّد، يتمثل في تعزيز ثقافة ترشيد الاستهلاك ورفع الوعي المائي من أجل استدامة الموارد المائية على خلفية تزايد الطلب، وزيادة الظواهر المرتبطة بالمناخ والتغيرات البيئية.
واعتبر محدثنا أنّ «540 ألف م3، تنتجها ولاية وهران حاليا (493 ألف لاحتياجات المواطنين و70 ألف للصناعة) كافية لتغطية الطلب المتزيد في حالة التقيّد ببرنامج توزيع صحيح، يساهم في ترشيد استخدام المياه، ويحد من الهدر.
وأضاف أنّ برنامج التوزيع الجديد، سيظل سائدا إلى غاية تجسيد مشروع إعادة تأهيل وتجهيز محطة المقطع التي تتسع سعتها الكلية لـ 500 ألف متر مكعب، والذي أعلن عنه وزير القطاع، كمال ميهوبي، خلال زيارته إلى الولاية، ناهيك عن مشروع إعادة تأهيل التنقيبات والتجهيزات الإلكتروميكانيكية لرفع طاقة محطة نزع الملوحة «بريدية» من 13 ألف م3 إلى نحو 24 ألف م3.
كما أشار إلى مقترح في طور التسجيل لإنجاز محطة ثانية لتحلية مياه البحر بمنطقة الرأس الأبيض ببلدية عين الكرمة، مؤكّدا أنّه في حال تجسيد هذه المنشأة التي ستصل طاقتها الإنتاجية بنحو 200.000 م3 سيحل المشكل نهائيا بهذه المناطق.
واعتبر أنّ «أهم شيء في هذا المشروع الذي لا زال قيد الدراسة، أنه سيؤمن عملية التزويد بالمياه الصالحة للشرب لمجمل الجهة الغربية بالولاية، وخاصة منها الطنف الوهراني الذي يشهد كل موسم صيفي عجزا بسبب الإقبال الكبير للمصطافين…».
وتمّ خلال الأسبوع الأخير من شهر جوان 2021 استلام محطة الضخ بـ «العوامر» التابعة لبلدية وادي تليلات، بطاقة 30 ألف متر مكعب، والتي ستسمح بتعزيز حصة دائرة وادي تليلات التي عانت أزمة ماء حادة في ظل عمليات الترحيل المتتالية التي عرفتها المنطقة.
وفي هذا الشأن، أوضح نفس المسؤول بأنّ «هذا المشروع الذي انتظرته الساكنة لسنوات طوال، يهدف إلى تزويد عدّة مناطق مستهدفة بالمياه الصالحة للشرب، ومنها الموقع السكني الجديد 17 ألف وحدة سكنية، وذلك من خلال قنوات تمتد من محطة المقطع نحو خزان العرابة إلى وادي تليلات على مسافة 34 كلم.
كما أكّد المسؤول الأول بالقطاع على الولاية، أنّهم «سيعملون جاهدين من أجل إتمام الشطر الثاني من هذا المشروع ببلدية طافراوي والدواوير الصغيرة التابعة لها في نهاية 2022، وذلك من خلال إنجاز محطة ضخ وشبكة توزيع، تمتد على مسافة 60 كلم، باعتبارها المنطقة الوحيدة بالجهة الشرقية الجنوبية التي لا تزال تشرب بنظام 1/7».
ضمان النّوعية
كما تطرّق إلى مشاريع أخرى لا تقل أهمية للرفع من نوعية المياه الشروب، والتخلص من الروائح والألوان المنفّرة ببعض المناطق، من خلال إعادة تهيئة الشبكات القديمة التي تعود لسنوات الثمانينات والتسعينيات، وعلى رأسها قنوات الربط بين محطة تحلية مياه البحر بالمقطع ومحطة عين البية والمصنوعة من مادة الحديد، والتي يكلف مشروع استبدالها بقنوات أخرى 1 مليار دينار.
وأكّد موسى لبقع، أنّ «الوضعية الصعبة قائمة إلى غاية تساقط كميات كبيرة من الأمطار على الولاية، وما جاورها لاسيما بعدما انخفضت المياه في البحيرات والسدود وغيرها من المصادر التقليدية إلى مستويات متدنية غير مسبوقة، فيما جفت بعض السدود بشكل كامل عبر الوطن...».