بطاقـة استيعاب تصــل 1500 حاويـة

«جانت» تــدعّـم التّـقليل مـن فاتـورة الاستئجـار

محمد فرڤاني

 ناقلة حاويات خضراء تعزّز الأسطول البحري الوطني

رست سفينة خضراء صديقة للبيئة بميناء الجزائر تحمل العلم الوطني، في الثالث من جويلية 2021 عائدة من أوّل رحلة لها في البحر المتوسّط، بعد أن رسمت طريقها لموانئ الجنوب الأوروبي. بقدرة استيعاب تفوق 1500 حاوية، من شأن ناقلة الحاويات الجديدة التي يصل طولها إلى 170 متر أن تدعّم أسطول الجزائر في عالم الملاحة البحرية، وهو العالم المليء بالخبايا التي اكتشفت مجلة «الشعب الاقتصادي» جزءًا منها في جولة على متن السّفينة، التي تحمل طاقما مفعما بالحيوية، وتحدوه روح العمل لإعادة مجد الجزائر في الملاحة البحرية بالمتوسّط.
أوضح ضابط الملاحة على متن سفينة «جانت»، قوسم نذير، أنّ السّفينة التي دخلت حيّز الاستغلال من طرف الشّركة الوطنية الجزائرية للملاحة 2021 في  حلّة جديدة بالكامل، وهي أوّل سنة نشاط بالنّسبة لها، حيث تمّ الانتهاء من بنائها في ديسمير 2020 بأيادي وخبرات صينية، لتكون أوّل رحلة لها بقيادة طاقم بحّارة صينيّين قدموا بها إلى غاية ميناء مرسيليا، أين كان الطّاقم الجزائري برفقة قنصل الجزائر في انتظارهم لاستلامها، ورفع العلم الوطني على متنها ثم الإبحار بها نحو الجزائر.
أول رحلة قام بها طاقم السّفينة عبر «جانت»، كانت في 23 جوان، معلنة دخول حاملة الحاويات حيّز الاستغلال، لتشق بحر المتوسط نحو موانئ الجنوب الأوروبي، فكان ميناء «مارينا دي كارارا»، بإيطاليا، أوّل ميناء أجنبي ترسو فيه «جانت» في إطار نشاطها التجاري، قادمة من الجزائر ومحمّلة بالسّلع والبضائع.
وقال قوسم «انطلقنا من ميناء الجزائر العاصمة، يوم الأربعاء 26 جوان، لمباشرة استغلال السّفينة، بعد أن خضعت للمراقبة، لتكتسي طابعا وطنيا بصفة نهائية، واتّجهنا نحو موانئ إيطاليا في رحلة تجارية عادية تدخل ضمن نشاط الشّركة الأم».
أبحرت السّفينة من ميناء «مارينا دي كارارا» بإيطاليا إلى ميناء مجاور اسمه ميناء «لاسبيتسيا»، ومن ثمّ نحو ميناء «جنوى»، لتشقّ بعدها «جانت» البحر نحو المياه الإقليمية الإسبانية وترسو في ميناء «فالنسيا»، لتحمل سلعا وبضائع داخل حاويات كانت تنتظرها، وبخبرة وكفاءة طاقم «جانت» اكتملت عملية الشّحن من الموانئ الأربعة في ظرف قياسي، وترسم بعدها طريق العودة نحو الجزائر.
سارت أوّل رحلة لجانت كما اشتهى طاقم السفينة، هذه الأخيرة باستطاعتها حمل 1500 حاوية ذات 20 قدما، غير أنّ حمولة الرّحلة الأولى لم تفق 750 حاوية نظرا لطابعها التّجريبي، وتنوّعت بين الحاويات ذات 20 قدما و40 قدما، أضيف إليها بضائع تحمل صفة الخطورة تنقل وفق معايير وشروط جد خاصة، حيث لا يُسمح بوضعها على رصيف الميناء قبل جاهزية وسيلة نقلها منه.
وأضاف ضابط الملاحة، أنّ الخرجة الأولى للنّاقلة سارت في ظروف حسنة تمّ من خلالها معاينة السّفينة واختبارها، واكتفت فيها بنقل عدد محدود من الحاويات كون قواعد الملاحة البحرية تفرض تجريب أيّ باخرة في رحلتها الأولى بحمولة أقل من نصف طاقة استيعابها القصوى.
وأشار محدّثنا إلى أنّ الخطوط التي تعمل عليها السّفينة الجديدة، هي خطوط نقل بحرية منتظمة، مختصّة في الرّحلات التجارية بين ميناء العاصمة وموانئ دول البحر الأبيض المتوسّط، وتسير وفق مخطّط الشّركة الأم (كنان-ميد) المختصّة في الرّحلات التجارية في حوض المتوسط، وهي الشركة التي تملك خبرة وسمعة على الصّعيد الإقليمي.
السّفينة الشّقيقة «لجانت»، والمسمّاة «سيرتا»، سفينة جزائرية لها نفس مواصفات «جانت» وتعمل على الخط البحري (وهران، إسبانيا)، وقد غادرت ميناء وهران في 7 جويلية متّجهة نحو برشلونة ومن ثم نحو ميناء فالنسيا بإسبانيا.  
وتستغرق السّفينة التي هي صنف «Feeder» يوما واحدا أو يوما ونصف على أقصى تقدير للوصول إلى الضفة الأخرى، فهي حسب محدّثنا تحتاج إلى ما بين 38 و40 ساعة من أجل القيام برحلة ما بين ميناء الجزائر العاصمة وميناء «مارينا دي كارارا» بإيطاليا، في حين لا تحتاج سوى لساعات معدودة في تنقّلها بين موانئ إيطاليا ثم فرنسا ومن ثم إسبانيا.
صديقة للبيئة والإنسان
أوضح نذير قوسم، أنّ سّفينة «جانت» مزوّدة بأحدث التكنولوجيا في النّقل البحري، إذ تعتبر الناقلة صينية الصنع صديقةً للبيئة، حيث تحوز على نظام متطوّر لفلترة وتصفية الإنبعاثات الغازية، واحتراقات زيت ووقود المحرّك، عكس السّفن القديمة التي كانت انبعاثات محرّكاتها ترمى في الهواء، في حين تتخلّص من زيوتها ووقودها في المحيط، مخلّفة مآسي وكوارث بيئية في وقت سابق، لكن، اليوم، وتماشياً مع إستراتيجية الشّركة الوطنية الجزائرية للملاحة «كنان-ميد» في حفاظها على البيئة واحترامها للاتفاقات الدولية الخاصة بالبيئة البحرية، فإنّ الخصائص الخضراء للسّفن باتت معياراً أساسياً لديها في اقتنائها لأيّ ناقلة جديدة.
وتعمل التكنولوجيا الحديثة على تقليص الانبعاثات الغازية شيئا فشيئا للقضاء عليها نهائيا، خاصة فيما يتعلق بغاز ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد الكبريت، وانبعاثات أكسيد النيتروجين.
وينقسم طاقم «جانت» إلى قسمين، فريق السّطح وفريق الماكينة، حيث يعتبر قائد السّفينة أعلى هيئة نظامية على متنها، يليه ربّان السفينة، ثم ضباط الملاحة، هؤلاء تتمثل مهامهم في الملاحة البحرية ويزداد ثقل المسؤولية لحظة وصول السفينة إلى الميناء، حيث يعمل نذير وزملاؤه جاهدين على أن ترسو السفينة بأمان، وقبل رسوّها يسهرون على احترام قواعد السّلامة للملاحة البحرية التي تخضع لقانون مثل قانون المرور، الذي يضمن السّير الحسن والسّلامة للمركبات، في حين، يتكفّل قسم الماكينة بكل ما يتعلق بمتابعة وصيانة المحرّك والأنظمة التي تعمل داخل السّفينة.
وأوضح قوسم أنّ الرّحلة الأولى للباخرة جانت استغرقت 11 يوما، طافت فيها السّفينة الجزائرية عبر أربعة موانئ بجنوب أوروبا، وعادت لميناء الجزائر، عشية الثالث من شهر جويلية 2021، مؤكّداً أنّ عدد الرّحلات التي يمكن القيام بها يتعلق بوضعية البحر وبرنامج السّفينة في كل مرة.
تخصّص «جانت» هو نقل الحاويات فقط على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو نوع من السّفن يدعى الـ «Fully cellular»، وأوضح ضابط الملاحة أنّ هناك نوع آخر من السفن يستطيع حمل البضائع والسلع وحتى السيارات من مختلف الأنواع ويدعى «multi-purpose».
اقتصاد الوقت ومبدأ الأمان مزايا
أكّد نذير قوسم، أنّ مزايا باخرة «جانت» عديدة ومتعدّدة، فهي تختصر الوقت في عملية شحن وتفريغ الحاويات، تماشيا وسياسة الموانئ العالمية المعروفة بـ
«LES PORTS TIC»  التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات لمراقبة المناطق البحرية الحسّاسة، وكلّها تكنولوجيا تعمل على تقليص مدّة رُسوّ السّفن في الموانئ قدر المستطاع، كما أوضح محدّثنا أنّ عملية شحن 100 حاوية بميناء إيطاليا لم تستغرق أكثر من 6 ساعات بفضل التكنولوجيا الحديثة المستعملة في تسيير الميناء الإيطالي.
السّفن التي تختص في نقل الحاويات فقط، تكون عملية الشّحن والتفريغ بها أسرع من السّفن من صنف «multi-purpose»، كون هذه الأخيرة تتنوّع بها البضائع والسّلع، ويصعب تنظيمها على ظهرها بطريقة تتيح حمل أكبر قدر ممكن مع مراعاة الحجم والوزن.
ويواصل ضابط الملاحة الشاب شروحاته حول عملية الشّحن ونحن على ظهر باخرة «جانت»، منوّها بأمور تقنية صغيرة لكنها ذات أهمية كبيرة من ناحية الأمان والسّلامة، فكشف لنا قوسم عن قفل صغير يدعى باللّغة الأجنبية  «Twistlock»، وهو عبارة عن قطعة من المعدن على شكل قفل ملتو بطول 10 سم وعرض حوالي 5.6 سم. تستخدم هذه القطع المعدنية لتثبيت حاويتين بواسطة قفلين من المعدن مستويين والزاوية لتأمين حاويات الشحن، وتتمثل الاستخدامات الرّئيسية لهذه القطعة في تثبيت الحاوية في مكانها على متن سفينة الحاويات، وتوجد أقفال لولبية شبه أوتوماتيكية، بالإضافة إلى أقفال لولبية أوتوماتيكية بالكامل، حسب ضابط الملاحة البحرية.
كما أنّ هناك دعائم حديدية تقوم بدعم وتأمين الحاويات العلوية، التي تأتي في الصف الثاني، وتستند على الحاويات الموضوعة على سطح السفينة والمدعومة بالقطع المعدنية «Twistlock».
ثلاث رحلات شهرياً من أنشط موانئ الجزائر
أكّد قائد باخرة جانت، فريد دبوز، أنّ السّفينة بإمكانها أن تبحر ثلاث مرات في الشهر عبر رحلات منتظمة، بمتوسّط 10 أيام في كل رحلة مثلما ذكرنا سابقا، نحو موانئ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، مضيفا أنّ ميناء الجزائر العاصمة يعتبر أكثر موانئ الجزائر حركية، واستقطابا للخدمات التجارية عبر الملاحة البحرية، لذا فإنّ «جانت» تنتظرها رحلات وحركية دائمة، خاصة بعد العودة التّدريجية للملاحة البحرية عبر العالم. وأضاف محدّثنا أنّ السّفن المتطورة التي لدى بعض الدول، حينما تدخل المياه الإقليمية للدول الأجنبية، تقوم بإطفاء جميع المحركات التي تشتغل بـ «زيت وقود السفن»، وهو زيت لزج، ومن أثقل أنواع الوقود الأحفوري، ومن مخلّفات تكرير النفط الخام في عملية إنتاج البنزين أو الديزل وغيرها من المحروقات الأخف، وتعيد تشغيل محركاتها بنظام كهربائي يضمن 0 بالمئة من انبعاث الغازات المضرة بالمحيط.
وعن محرّك السّفينة، قال ، إنّ لقسم الماكينة والميكانيكيين مؤهّلات كبيرة، كما أنهم تلقّوا تكوينا خاصا بكيفية التعامل مع المحركات الحديثة والمتطورة، مضيفا أنّ محرّك «جانت» واحد منها، يعمل وفق نظام آلي ومعلوماتي حديث، وحتى عملية التدخل لإصلاح أيّ عطب تتم عبر لوحة التحكم، بعد الفحص عن طريق أجهزة «السكانير»، ووفق تكنولوجيا جد متطوّرة تتطلّب تكوينا متواصلاً، وهو ما ستعمل عليه الشركة الوطنية الجزائرية للملاحة «كنان-ميد» المالكة للسّفينة، حيث تعتزم إرسال فريق لتلقي تكوين وتحيين لمعارفهم في هذا المجال.
وقال قائد سفينة «جانت»، فريد دبوز، إنّ الجائحة العالمية أثّرت وبشكل كبير على أداء الملاحة البحرية، كما أنّ نسبة الحمولات تراجعت إلى النصف، ما أضرّ كثيرا بحركة السّفن وضاعف من تكاليف الشحن في العمليات التجارية، ما يعني زيادة الأرباح لدى شركات النّقل العالمية الكبرى، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة، والتي تعتمد أكثر على كراء السّفن للنّقل البحري.
الاستثمار في السّـفن يرافق باستثمار في الموانئ
أوضح قائد سفينة «جانت»، أنّ الاستثمار في السّفن وحده لا يكفي للنّهوض بمجال النقل البحري، إذ لا بد من مرافقته باستثمارات في الموانئ، وإعادة التفكير في مواكبة التطورات الحاصلة على مستوى الموانئ العالمية الكبرى، إذ تعتمد هذه الأخيرة على التكنولوجيا بشكل كامل في تسيير عمليات الشحن والتفريغ، والتي لا تكاد تحتاج لليد العاملة، فغالبية النّشاطات تتم عن طريق البرمجيات التي تعمل على رفع الحاويات وتحميلها على متن السّفينة أو على رصيف الميناء.
وأضاف محدّثنا أنّ «جانت» مجهّزة بآخر التّقنيات التي تساعد على الشّحن السّريع من خلال توفيرها لأماكن خاصة وأكثر سلاسة خلال عملية نقل الحاوية من الرصيف، ووضعها على سطح السّفينة.  
« خطوة نحو التّـخلّـص من عبء كراء السّـفن
كان العبء ثقيلا على الشّركة الأم قبل اقتناء سفينتي «جانت» و»سيرتا»، خاصة وأنّ الأزمة الصحية قلّلت من حجم الحاويات والسّلع في المبادلات التجارية عبر البحر، وهو ما يعني أنّ كراء سفينة وعدم القدرة على شحنها بطاقة استيعابها القصوى، هي معادلة تجارية تثقل كاهل الشّركة الأم.
لذا فالسّفن الثلاث (تامنراست، جانت، سيرتا) التي دعّمت أسطول شركة «كنان-ميد»، ستسمح بالتحكم في الحمولة دون حسابات الكراء التي لطالما شكّلت عبئاً إضافياً عليها، ويشير قائد الحاملة إلى أنّه خلال استئجار أي سفينة، فإنّ الشركة تعمل على شحن أكبر عدد ممكن من الحاويات والبضائع من أجل تعويض تكاليف الكراء التي أضيفت لتكلفة الرحلة البحرية، وبتعزيز الشركة لأسطولها بسفن تمنراست، جانت وسيرتا، فبالإمكان نقل 4500 حاوية على متنها مجتمعة، وهو رقم كبير كان يكلّف الكثير لتوصيله من طرف شركات أجنبية.   
وعن أوّل رحلة للسّفينة، قال دبوز إنها كانت ناجحة، وتمكّن فيها الطاقم من استغلال أكثر من 50 % من طاقة استيعاب السفينة، وهو الأمر المشجّع من أجل التقدم تدريجيا نحو استغلال الطاقة القصوى للسفينة، والتي تصل حتى 6 طوابق من الحاويات توضع بطريقة مدروسة. كما إنّ السّفينة بإمكانها مواكبة أيّ استراتيجية للتصدير تنتهجها الدولة، مؤكّداً أنّ سفينته قادرة على الوصول إلى أيّ نقطة في العالم، وبإمكانها الإبحار لمدة 40 يوماً متتالياً.
قسم «الماكينات» لا ينام حتى أثناء التوقف
برفقة المهندس الثاني، لوطماني كمال، اكتشفنا الغرفة السّفلى التي تضم محركات السّفينة التي تدفع بها وبما عليها من حاويات في عرض البحر لمسافات طويلة، وداخل دهاليز المحركات والمضخات للطاقة نبض دائم لا يتوقف كقلب الانسان.
وأوضح أنّ التكنولوجيا هي السائدة في غرفة مراقبة المحركات، وبعد التحقق من أن كل شيء على ما يرام، يمنح المهندس الثاني لربّان السفينة إمكانية التحكم في قوة الدفع لدى المحركات واتجاه السّفينة، مع المراقبة الدائمة.
وكشف كمال لوطماني عن وحدة إنتاج الكهرباء ونظام التدفئة والتبريد في السفينة، والذي يضمن عدّة مزايا تساعد على عمل المحرك، بالإضافة إلى راحة طاقم السفينة، كما يوجد في الغرفة السفلى للمحركات أنظمة «الفلترة»، والتي تعمل طيلة الرحلة عن طريق مصفاة تمنع تسرب الغازات وزيت وقود السفينة.
ويعتمد نظام الفلترة على تقنية تمكن من تقليل انبعاثات أكسيد الكبريت، وانبعاثات أكسيد النيتروجين، حيث يتم مزج تلك الغازات بالبخار وتسخينها إلى أقل من 250 درجة مئوية وإدخالها في المفاعل، فينشأ داخل هذا النظام تفاعل كيميائي يفكّك جزيئات المزيج المنبعث من محرك السفينة.
عن مجلة «الشعب الاقتصادي»- العدد 7

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024