انعكاسات إيجابية في الأفق

نحو تعزيز شبكة السّـكة الحديدية بالجنوب الشّـرقي

إيمان كافي

يحظى تدعيم النّقل بالسّكك الحديدية باهتمام في الوسط المجتمعي، بمناطق الجنوب، خاصة في تلك التي لم تعرف امتدادا لخطوط السّكة الحديدية نحوها، وأخرى ظلّت حركية النّقل عبر محطّاتها محتشمة.
يعتبر المواطن المحلي مشاريع إنجاز خطوط جديدة في الولايات الجنوبية، وتدعيم بعض المحطّات الموجودة أساسا بخطوط لنقل المسافرين، أمرا في غاية الأهمية ومن شأنه أن ينعكس إيجابا على واقع التنمية في هذه المناطق، على الصّعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
من بين المشاريع التي تدعّم هذه الرّؤية، حلقة الجنوب الشّرقي التي تشير البطاقة التقنية المتعلّقة به أنّ هذه الحلقة التي تمتد على مسافة 560 كلم، تشمل خطوطا رئيسية تربط كل من ولايات الأغواط، غرداية، ورقلة، تقرت والوادي. وتقدّر سرعة قطارات نقل الأشخاص عبرها بـ 220 كلم في السّاعة، بينما تبلغ السّرعة 100 كلم في الساعة بالنسبة لقطارات نقل البضائع، علما أنّ كل من خطوط غرداية - ورقلة (180 كلم) وورقلة - حاسي مسعود (90 كلم) وتقرت - الوادي (105 كلم)، توجد حاليا في مرحلة الدّراسة التّقنية، في حين تعرف أشغال إنجاز خط تقرت - حاسي مسعود على مسافة أكثر من 150 كلم نسبة متقدّمة.
ومن بين الأهداف الكبرى لهذا المشروع الضّخم: - خلق خطوط جديدة للسّكة الحديديّة ما بين مختلف ولايات الجنوب وتحديدا ما بين ولايات الأغواط، غرداية، ورقلة والوادي، والتي تندرج ضمن حلقة السكة الحديدية جنوب شرق، ومن المرتقب أن تعمل على الرّبط بين شمال وجنوب الوطن، انطلاقا من العاصمة الجزائر، مرورا بولايات البليدة، المدية والجلفة.
- تعزير قدرات شبكات البنية التحتية لنقل المسافرين والبضائع بخلاف شبكات الطرقات، وبسرعة تصل إلى 220 كم في الساعة، وذلك سعيا إلى العمل من أجل التقليل من الحجم السّاعي للتنقل ما بين ولايات الشمال والجنوب، وبالتالي فك العزلة على العديد من المناطق الحضرية المعنية والمحيطة أو المجاورة لهذه الخطوط، بالإضافة إلى ترقية الحركية التجارية والاقتصادية، مع امكانية خلق موانئ جافة وحظائر للدعم اللّوجيستي، وبذلك تطبيق المخطّط الوطني لتهيئة الإقليم لآفاق 2030.
خط تقرت - حاسي مسعود لدفع الحركية الاقتصادية
على الرّغم ممّا يشهده مشروع خط تقرت - حاسي مسعود الذي أوكلت مهمّة إنجازه إلى مجمّع مؤسّسات عمومية، منذ انطلاقه سنة 2013 من تأخّر في إنجازه لعدّة أسباب تقنية، أبرزها تتعلّق بتحويل مسار خط السكة الحديدية لتجنّب أنابيب نقل المحروقات وشبكات الكهرباء ذات الضّغط العالي المتواجدة على مسار المشروع، إلاّ أنّه يسجّل تقدّما في وتيرة أشغاله، حيث تمّ الانتهاء من تجسيد ما نسبته 71 في المائة من المشروع، كما أنّ هذا الخط سيشهد تشييد محطات لنقل المسافرين والبضائع عبر كل من تقرت والمدينة الجديدة والقطب البترولي بحاسي مسعود، بحسبما أعلنته الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية «أنسريف»، على صفحتها الرّسمية على موقع «الفيسبوك».
وينتظر من هذا المشروع، فور تجسيده ووضعه حيّز الخدمة، تعزيز مؤشّرات التنمية في هذه المناطق، مثلما جرى التأكيد عليه من قبل ممثلي المجتمع المدني محليا، حيث يمثّل خط السكة الحدیدیة الجدید الذي سيربط مدينتي تقرت وحاسي مسعود على مسافة 150 كلم إنجازا هاما، ويهدف إلى تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية عبر المساهمة في استحداث مناصب شغل، وتخفيف الضغط على الطرقات البرية، سيما فيما يتعلّق بنقل البضائع.
من جانب آخر، يعتبر العديد من المهتمّين بالشأن المحلي أنّ خط  السكة الحديدية تقرت - حاسي مسعود، سيشكّل إضافة نوعية لتعزيز حركة المواصلات بالولاية، ومن شأنه الدّفع بحركية تنقّل المسافرين والبضائع، خاصة وأنّ حاسي مسعود منطقة اقتصاد كبرى، وربطها بالسكة الحديدية سيساهم في إنعاش الحركة التجارية والاقتصادية بالجهة ككل.
ويعتبر الكثير من المتدخّلين في الموضوع، أنّ إنجاز مشروع خط تقرت – حاسي مسعود له بعد اقتصادي واجتماعي مهم، حيث من المتوقّع أن يسجّل الخط حركية كبيرة على مستوى نقل المسافرين، بحكم تواجد آلاف العاملين في الحقول البترولية وبدرجة أكبر لنقل البضائع، وهذا على اعتبار تواجده على مسار أكبر تجمع للشركات البترولية وحقول النفط، فضلا عن هذا فإنّ المدينة الجديدة حاسي مسعود، والتي تعد إحدى المحطات التي يشملها خط تقرت - حاسي مسعود، تتواجد بها منطقة نشاط لوجيستية تتربّع على حوالي 900 هكتار، وتضم العديد من المشاريع الاستثمارية التي من شأنها تعزيز الحركية الاقتصادية عبر استغلال خط نقل البضائع.
وهو نفس التّوجّه الذي ذهب إليه بعض المستثمرين المحليّين، الذين أكّد بعضهم على أهمية تدعيم خطوط النقل عبر السكك الحديدية، ومساهمته في إنعاش مناخ الاستثمار في هذه المناطق وفتح آفاق لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.   
المواطن يتطلّـع إلى استعادة نشاط محطّـة تقرت
إنجاز مشروع حلقة الجنوب الشرقي الذي يهدف إلى ضمان توسعة شبكة السكة الحديدية الجديدة وربطها بالمنجزة، يعد خطوة أيضا تضاف إلى الخطوات والمساعي الهادفة إلى فكّ العزلة عن منطقة الجنوب الشرقي للبلاد.  
وفي هذا السياق، يعتبر الكثير من المواطنين المحليّين، أنّ أهمية النقل بالسكك الحديدية ترتبط بشكل كبير بالتنمية المجتمعية من ناحية أخرى، فبالنسبة لولاية تقرت التي يعد نشأة خط السكة الحديدية بها حدثا تاريخيا، فعلى مدار أزيد من قرن من الزمن، كان أحد أبرز وسائل المواصلات التي ساهمت في فك العزلة عن المناطق الجنوبية وربط جنوب البلاد بشماله، كما ارتقى بقطاعات عديدة وحسّاسة على غرار الصناعة، الفلاحة والسياحة.
المجتمع التقرتي بالخصوص ومجتمع منطقة وادي ريغ، أَلِف القطار لفترة تتجاوز قرنا من الزمن، أين كانت هناك خطوط ذات مسافات قصيرة، متوسطة وطويلة ومباشرة إلى العاصمة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، واستمرّ الحال بعد الاستقلال إلى غاية سنوات التسعينيات، أين تراجع نشاط نقل المسافرين بشكل ملحوظ إبّان العشرية السّوداء، ليشهد توقّفا طويل الأمد بالنسبة لقطار المسافرين الذي اختزل آنذاك صوب ولاية بسكرة دون المسافات الطّويلة، أمّا قطار نقل السّلع فلقد كان في الخدمة دون توقّف، كونه ينقل الحبوب والاسمنت والمحروقات وغيرها من المعدّات والعتاد، مثلما أكّده لمجلة «التنمية المحلية» أحد ممثّلي المجتمع المدني بولاية تقرت، خميسي ذباح.
وبهذا الصدد، أشار إلى أنّه حاليا وبعد تحديث شركة النقل بالسكك الحديدية لقاطراتها وشبكاتها في معظم المناطق بما فيها خط تقرت، خصّصت الشركة خطين، أحدهما يربط قسنطينة بتقرت وآخر في فترة الصيف باتجاه سكيكدة، إلا أن الخطين لم يستمرّا لظروف يجهلها المواطن.
خطّـا الجزائر وقسنطينة أبرز المطالب
من أجل إعادة الخطّين للنّشاط مجدّدا، ناشد المجتمع المدني والفاعلون في مناسبات متفرّقة عبر مراسلات رسمية الشّركة الأم وعبر وسائط أخرى، لأجل إعادة تفعيل خطّي قسنطينة والجزائر العاصمة مباشرة، وقد تحقّق ذلك بالفعل، أين استفادت تقرت من خدمات قطار «كوراديا» الحديث، إلاّ أنّ الخطين توقفا لمدة، قبل أن يتوقّفا تماما بسبب وباء كورونا.
الآن وبعد تخفيف بعض القيود والإجراءات، خاصة إجراءات كوفيد 19 التي تمنع تنقّل الرّحلات الطويلة بالمراقد، فقد كانت هناك نقاشات واجتهادات لأجل إعادة تفعيل خط تقرت - العاصمة من جديد مباشرة، دون التّوقّف عند المسيلة ثم تغيير القطار ولو بدون مراقد لفترة مؤقّتة لحين رفع قيود وإجراءات فيروس كورونا.
وهو الذي على أثره، برمج سبر آراء على مستوى محطة تقرت، شارك فيه عدد معتبر من المواطنين في تقرت، وكذا جامعة وربما من المغير لأجل التّسريع في إعادة تفعيل الخط لما فيه من فائدة من ناحية الأمان، الراحة والخدمات المفقودة في معظم وسائل النقل الأخرى ذات المسافات الطّويلة.
وهنا تجدر الإشارة، إلى أنّ قطار «كوراديا» السّريع تقرت - قسنطينة، الذي تدعّمت به في وقت سابق محطة تقرت، تميّز بتوفّره على كل أساليب الرّاحة بالنّسبة للمسافر، كما أنّه شكّل وسيلة نقل عصرية تقدّم عدّة خدمات، ومن أهمها التكييف وخدمة الإطعام، ويبلغ سعر التذكرة من تقرت نحو قسنطينة حوالي 1.515 دج بالنسبة للدرجة الأولى و1.190 دج بالنسبة للدرجة الثانية، ويتقاطع هذا الخط مع خط باتنة - الجزائر في محطة عين توتة، هذا الأخير الذي يمرّ عبر كل من عين توتة، بريكة، المسيلة، برج بوعريج والجزائر بقطار «كوراديا» السريع.
وقد بلغ المتوسّط اليومي للمسافرين من مستعملي قطار «كوراديا» السّريع الرّابط بين مدينتي تقرت وقسنطينة آنذاك نحو 100 مسافر يوميا، بحسب معلومات قدّمت في وقت سابق، وهو معدّل يومي كان مرجّحا للارتفاع بالنظر إلى مساعي ترقية مستوى الخدمات في مجال النقل بالسكك الحديدية.
لذلك، فإنّ المواطن في ولاية تقرت وولايات الجنوب، يتطلّع إلى تعزيز المواصلات عبر مختلف وسائل النّقل وخاصة عبر السكة الحديدية، كما يطالب بربطها بمختلف المناطق عبر خطوط جديدة من وإلى ولايات أخرى من الوطن.
ناهيك عن الحفاظ على مكتسبات الخطوط التي تدعّمت بها محطّات النّقل عبر السكة الحديدية خلال السّنوات الأخيرة، والتي لاقت استحسانا كبيرا من طرف المواطنين نظرا لمساهمتها في تسهيل حركة التنقل بكل أريحية من الولاية تقرت والمناطق المجاورة لها إلى ولايات الشمال، خاصة بالنّسبة لطلبة الجامعات ومن المتوقع أن تعرف توسّعا أكبر، بعد الانطلاق في تجسيد مختلف خطوط حلقة الجنوب الشرقي.
هذا ويأمل المواطن في تجسيد خطوات جادّة لإشراك خطوط النّقل عبر السكة الحديدية في إنعاش الموسم السياحي في الظروف العادية، وذلك من خلال تعزيز الخطوط البحرية في فصل الصيف، من أجل تطوير المواصلات نحو السّاحل، خاصة خلال موسم الاصطياف مع ضرورة ترقية الخدمات فيها بما يتوافق وتطلّعات المواطنين، مع الإشارة إلى أنّ خطوط نقل المسافرين للسكة الحديدية كانت تدعّمت بخط يربط مدينة تقرت بسكيكدة الساحلية، والذي على الرغم من أنّه لم يكن كافيا وفي حاجة إلى تعزيزه بخطوط جديدة، من أجل إنعاش حركة تنقل المسافرين عبر خطوط السكة الحديدية في هذه المنطقة التي سجّل فيها نشاط الرّحلات عبر القطار تحسّنا ملحوظا مقارنة بالسّنوات الماضية، إلاّ أنّ فيروس كورونا أدّى إلى تراجعه نوعا ما على غرار عدة خطوط على المستوى الوطني، نظرا لظروف عامة فرضت من أجل تطويق الوباء والحد من انتشاره.  

 (عن مجلة التنمية المحلية أوت 2021)

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024