برد بلا غاز وظلام دون كهرباء

200 منطقة ظل تنتظر مشاريع تنموية بقسنطينة

مفيدة طريفي

عند الحديث عن مصطلح مناطق الظل يتبادر للأذهان تلك المناطق المعزولة، القرى والمشاتي النّائية المهمّشة والمحرومة تنمويا، هذا المصطلح ينطبق على العديد من الأحياء التي لا تبعد سوى كيلومترات عن مقر البلدية، وأخرى تقع في مناطق معزولة وقرى نائية تنعدم بها أدنى ضروريات العيش الكريم.
لمست مجلة «التنمية المحلية» في خرجاتها الميدانية معاناة سكان هذه المناطق، أقل ما يقال عنهم إنّهم يعيشون تحت الظل، ويكدحون من أجل توفير أبسط الضّروريات، في مقدّمتها الحصول على مياه صالحة للشّرب، أما التنمية المحلية والتهيئة الحضارية فهو حلم طالما طالبوا الجهات الوصية بتحقيقه، لكن دائما ما كانت عجلة التّنمية بطيئة ومشاريع تنموية مسجّلة لا ترقى لسقف التّجسيد على أرض الواقع.
هذه الصّورة تجسّدت بمشتة «جنان الباز» الواقعة ببلدية بني حميدان بولاية قسنطينة، حيث يعيش سكانها في ظروف مزرية، وهي منطقة تتواجد منذ عهد الاستعمار وتعرف بمنطقة الشّهداء اعتبارا لمقبرة الشّهداء المتواجدة داخل المشتة، إلاّ أنّ سكانها يشتكون العزلة والتهميش جرّاء النّقائص المسجّلة، على رأسها غياب الغاز الطّبيعي وصعوبة إيجاد قارورات غاز البوتان، ما يدفع الأهالي للاعتماد على الحطب كوسيلة للتدفئة والطهي سيما عند انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج، حيث تنقطع بهم السبل جرّاء تحوّل المسالك الترابية لأوحال وحفر وبرك مائية لتصبح بذلك قارورات غاز البوتان حلما يستحيل الوصول إليها هي كذلك.
إلى جانب غياب الغاز والطّرقات، يشتكي سكان «الباز» غياب الشبكة الكهربائية الريفية عن منازلهم، حيث طالبوا في عديد المناسبات الجهات الوصية بضرورة الاستفادة من هذه الخدمة الضّرورية، إلاّ أنّ مطالبهم لم ترق مسامع المسؤولين المحليين ليبقى ساكنو مشتة الباز يعيشون وسط الظلام لتاريخ غير معلوم. هذا زيادة على غياب المياه الصّالحة للشرب، حيث يعتمدون على المنابع الطبيعية والتي تبعد مسافات طويلة عن المشتة، ويستعينون بالحيوانات لنقل المياه لأن المنطقة تعرف بتضاريسها الوعرة.
ويؤكّد أحد سكان المنطقة لمجلة «التنمية المحلية»، أنّ الطريق الوحيد المؤدّي لمشتة الباز كان قد استفاد من إعادة الاعتبار، لكن للأسف لم يتم استكمال المشروع لأسباب يجهلها الأهالي، الذين يناشدون السلطات النظر في وضعهم المزري، سيما وأن منطقتهم صنّفت من طرف الولاية منطقة ظل وبامتياز.
نفس الوضعية يعيشها سكان مشتة الشعابنة بنفس البلدية، حياة أقل ما يقال عنها بدائية تغيب عنها كافة مظاهر التنمية، بداية من غياب شبكات الغاز والكهرباء وصولا لانعدام مياه الشرب ووسائل النقل بسبب عدم تهيئة الطرقات، حيث أن المسالك الترابية هي سيّدة الموقف، وتبقى هاجس السكان الذين يجدون صعوبات جمّة في العيش وسط هذه الوضعية المزرية، التي تنعكس سلبا على تلاميذ مشتة الشعابنة وشبابها.
ويقول العديد من السكان، إنّ السّلطات تحرّكت وتنقّل مسؤولون لمعاينة أوضاعهم، وهو ما استحسنوه بعد أن فقدوا الأمل في التغيير، كما أنّ قرارات الحكومة الأخيرة أعادت لهم الأمل بإنهاء معاناة طال أمدها.
وتطبيقا لالتزامات رئيس الجمهورية، فقد برمجت ولاية قسنطينة، في إطار المساعي الرامية إلى تنمية مناطق الظل، العديد من المشاريع التنموية المختلفة، بهدف إعادة الاعتبار لـ 200 منطقة ظل، والالتفات لمطالب قاطنيها من خلال الاستماع لانشغالاتهم وتلبيتها، لاسيما المتعلقة بتحسين ظروفهم المعيشية، حيث تمّ برمجة حوالي 452 عملية إلى غاية شهر ديسمبر 2021، منها 67 عملية قيد الإنجاز ستكون منتهية جميعها نهاية السنة، مقسّمة عبر بلديات قسنطينة.  
وفي بلدية مسعود بوجريو، الوضع لا يختلف عن سابقاتها، فهي تفتقر لأبسط ضروريات الحياة، حسب سكانها، ما جعلها منطقة ظل فما بالك بمناطقها المعزولة سيما وأنها تعرف بطابعها الفلاحي، حيث أحصت مصالح البلدية حوالي 14 منطقة ظل، والتي تتفاوت فيها التنمية المحلية، حيث تنقّلنا نحو قرية بولحصان وكذا عين الكبيرة، ووقفنا على النّقائص المتواجدة هناك.
وتتوزّع مناطق الظل على عدّة جهات حسب رئيس المجلس الشعبي البلدي أحمد زعطوط، من بينها عين الكبيرة وبوحصان، فهما لا تفتقران للتنمية بشكل تام عكس المناطق الأخرى التي تنعدم فيها الكثير من الوسائل والتنمية البسيطة مثل المشاتي الواقعة على حدود الولاية، ويقطن بها عدد قليل جدا من السكان.
ويشير إلى أنّ قرية المسيدة السفلى سبق وأن تطرّقوا لمشاكلها سنة 2013، من أبرزها مسألة سد بني هارون الذي أغرق القرية بسبب زيادة منسوب المياه به آنذاك، حيث أنّ أشغال جسر دار الوادي الذي أنجز لفك العزلة عن سكان قرية مسيدة وبعض القرى المجاورة لها، لم يبق من استكماله إلا تعبيد الطريق على مسافة خمسة كيلومترات مقسّمة على الجهتين، مضيفا أنّ عملية بناء الجسر قد كلّفت 18 مليار سنتيم.
كما تحدّث رئيس البلدية عن مشروع إنشاء توسعة بقسمين على مستوى مدرسة بوجاجة في عين الكبيرة، حيث أشار إلى أنّ العملية جارية وستستلم الورشة في شهر جوان المقبل، كما أوضح أنّ مدة الإنجاز لن تستغرق أكثر من أربعة إلى خمسة أشهر، في حين أوضح أنّ مشروع تحويل محلات الرئيس بحي بولقزاز في بوجريو مركز قد تجاوز نسبة الـ 40 بالمائة، وسيكون جاهزا هذه السنة. كما نبّه رئيس البلدية إلى أن تكلفة عملية التحويل تقدّر بمليار و200 مليون سنتيم، بينما أنجزت الدراسة الخاصة بالمشروع وستبعث الأشغال قريبا. من هنا يمكن الحديث عن انطلاق عملية التكفل بمناطق الظل بالبلدية التي تعتبر من أهم البلديات ذات الطابع الفلاحي، ودفع عجلة التنمية لسد احتياجات أهالي المناطق المعزولة والقرى النائية.

لا حديث عن التطور في ظل نقائص تنموية بالجملة
من جهته، صرّح  مصدر مسؤول بولاية قسنطينة، أنّه سيتم تخصيص غلاف مالي لإنجاز عدة مشاريع تنموية لمناطق الظل والموزّعة عبر مختلف بلديات الولاية، وهي العملية التي سيتم تنفيذها على 03 مراحل بنسبة نصف مليار لكل عملية، والتي تهدف إلى تدارك النّقائص في المناطق الهامشية التي تمّ إحصاؤها حسب معايير صنّفت حسبها كمناطق ظل شملتها مراسلة خاصة، حيث تمّ برمجة مشاريع يتم تجسيدها عبر مراحل، المرحلة الأولى انتهت شهر ديسمبر الماضي، المرحلة الثانية من البرنامج قبل نهاية شهر جوان القادم، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فتنتهي قبل نهاية هذه السنة.
وتتمثّل هذه المشاريع - حسبه - في توسيع شبكة الغاز الطبيعي، التكفل بقنوات الصرف الصحي وربط القرى والمداشر بالمياه الصالحة للشرب، فضلا على عمليتين متعلّقتين بشق الطرقات لفك العزلة عن بعض المناطق المصنّفة ضمن نقاط الظل، كما تمّ تخصيص غلاف مالي إضافي ستستفيد منه الولاية من الميزانية المقترحة لسنة 2021، مؤكّدا أنّ عدد المشاريع المنتظر انطلاقها وعدد المناطق التي سيتم التكفل بها مربوط بقيمة المساعدة المالية التي ستستفيد منها الولاية، والتي سيتم توزيعها حسب أولويات كل منطقة.  
أمّا رئيس المجلس الشّعبي الولائي لقسنطينة، الدكتور بوصبع عبد الرحمان، فيعتقد أنّهم بحاجة لمعرفة معنى مناطق الظل، على اعتبار أنّ المناطق المعزولة تفتقد لأدنى وسائل التنمية المعهودة، وبهذا ستكون هناك مناطق كثيرة جدا على مستوى الولاية، حيث تمّ إحصاء عدد لا بأس به من المناطق التي تفتقر لأدنى ضروريات الحياة.
ويقول إنّ المسؤولين المحليّين يقومون بخرجات وزيارات ميدانية للوقوف على الأوضاع المعيشية لسكان المناطق التي صنّفت كمناطق ظل، والتي تعتبر أولوية بالنسبة للحكومة وتوصياتها بضرورة التكفل والدفع بعجلة التنمية المحلية على مستواها انطلاقا من محاولة الاطّلاع على انشغالات المواطنين بدءاً من الغاز والكهرباء وصولا إلى الطرقات والنقل المدرسي، الذي يعد الهاجس الأكبر.
ويعتبر المتحدّث مناطق الظل انشغالا كبيرا وتحديّا هامّا، حيث أنّه لا يمكن الحديث عن تطوّر البلاد في ظل بقاء فجوات قائمة تأتي في مقدّمتها نقائص تنموية بالجملة، لتأتي حتمية التكفل بها انطلاقا من المرافق المحلية وتنمية المناطق والإنصات لانشغالات السكان أولوية. وعلى هذا الأساس جاءت برامج تحمل مشاريع تنموية موجّهة لمناطق الظل، ممثّلة في قرى معزولة ومداشر نائية موزّعة عبر قطر ولاية قسنطينة.
عن مجلة «التنمية المحلية»
شهر جوان 2021

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024