مباشرة بعد قرار زيادة عدد الرحلات الجوية الدولية الى مطار هواري بومدين الدولي، بمعدل 32 رحلة أسبوعيا، تضاعف إقبال الجزائريين على اقتناء التذاكر وفُتحت شهية السفر من جديد، وعاد الأمل للملايين منهم، وهم الذين انتظروا استئناف الحركية الدؤوبة إلى المطار بصفة مستعجلة منذ شهور طويلة، من أجل العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، والتنقل والسفر من وإلى أرض الوطن، كلما استدعى الأمر ذلك بالرغم من استمرار معوّقات كثيرة.
تنقلت «الشعب ويكاند» مباشرة بعد دخول قرار زيادة عدد الرحلات الجوية، حيز التنفيذ، خاصة الى فرنسا التي تحتضن أكبر جالية جزائرية في المهجر، إلى مطار الجزائر الدولي هواري بومدين للوقوف على «عودة الروح»، إلى هذا المرفق الحيوي تدريجيا، عودة جاءت بعد مرور قرابة 3 أشهر عن الفتح التدريجي للرحلات خلال شهر جوان الماضي بعد غلق دام 15 شهرا، بسبب جائحة كورونا التي غيرت حياة الملايين من البشر عبر المعمورة.
مضاعفة الرحلات تفتح الشهية
قرّرت الجزائر زيادة عدد الرحلات الجوّية الدولية، التي تسمح بها بدءا من 28 أوت الماضي، وبحسب البرنامج الذي وضعته وزارة النقل فقد تم رفع عدد الرحلات الجوية من 9 رحلات أسبوعيا حاليا، إلى 32 رحلة على مدار الأسبوع، ابتداء من السبت الماضي في إطار الفتح الجزئي للمجال الجوّي الذي تم تعليق حركته من قبل في إطار التدابير الرامية إلى الوقاية من وباء كورونا.
وتتوزّع الرحلات على 24 رحلة أسبوعيا نحو فرنسا، منها ثلاث رحلات أيام الأحد، الإثنين، الأربعاء والجمعة وأربع رحلات أيام الثلاثاء، الخميس والسبت.
كما يحتوي البرنامج الجديد، على رحلتين أسبوعيا نحو تركيا، يومي الأحد والخميس بين الجزائر العاصمة وإسطنبول، ورحلتين أسبوعيا نحو إسبانيا يومي الأربعاء والجمعة من الجزائر العاصمة إلى برشلونة، ورحلة واحدة أسبوعياً نحو كل من إيطاليا (يوم السبت)، وألمانيا (الأربعاء)، وتونس وروسيا (الجمعة).
المكان ينبض بالحياة
وقفت «الشعب ويكاند» على تحضيرات مطار الجزائر الدولي هواري بومدين لزيادة عدد رحلات شركة الخطوط الجوية الجزائرية، حيث بدا المطار جاهزا، وعماله على أهبة الاستعداد للعودة إلى العمل المكثف، وللترحيب بالمسافرين واستقبالهم واحتضانهم قبل ان تحتضنهم أرضه الطيبة، وصادف تواجدنا هناك قيام المدير العام لمطار هواري بومدين، الطاهر علاش بجولة للوقوف على مدى استعداد «الطاقم» لعودة الحركية الدؤوبة إلى أروقة ومدرجات المطار، وحتى إلى المساحات الخضراء التي تزين المرفق الاقتصادي، أين شاهدنا تكثيف جهود «البستنة» والاعتناء بمحيط المطار وجماليته حتى يعطي منظرا جميلا يشرح النفس، وهو الذي استعاد «برقيه» وحيويته من جديد، فالمكان الذي كان خال طيلة الأشهر الماضية تحول إلى فضاء يعجّ بالحياة.
عدنا ... والعود أحمد
شهدت أسعار تذاكر الطيران من وإلى الجزائر خلال الساعات الماضية، تراجعا معتبرا بعد دخول البرنامج الجديد حيز التنفيذ، حيث عرف مكتب شركة الخطوط الجوية الجزائرية بمطار هواري بومدين، وكذلك موقعها الإلكتروني توافدا كبيرا لاقتطاع التذاكر، و بلغ سعر تذكرة الجزائر-باريس ذهاب وإياب 67 ألف دينار بعد أن كان في وقت قريب أكثر من 100 ألف دينار.
واعتبر أمين أندلسي، المكلف بالإعلام بالخطوط الجوية الجزائرية في تصريح لـ»الشعب ويكاند» أن تراجع أسعار تذاكر السفر الى 67 ألف دينار مردّه زيادة عدد مقاعد النقل، في وقت كان الأمر خلال جوان الماضي أمرا مستبعدا، قابله أيضا طلب كبير على السفر في الوقت الراهن.
وأشار محدثنا إلى زيادة النشاط الملحوظ للرحلات من قبل شركة «الجوّية الجزائرية»، مشيرا الى أن أبرز مسارات رحلاتها تكون الى باريس، بعد أن رفعت الشركة عدد رحلاتها الأسبوعية من وإلى الجزائر إلى 32 رحلة مقابل 9 رحلات منذ الفتح الجزئي للمجال الجوي.
كما لوحظ بعين المكان توافد المواطنين على مكاتب شركات الطيران الأجنبية الناشطة في الجزائر لاقتناء التذاكر أو الاستفسار، بسبب كثرة الطلب على السفر الى الخارج، والقدوم إلى البلاد، حيث أكد أحد الشباب الذين كانوا يقفون عند مكتب أحدى شركات الطيران الأجنبية أنه جاء للاستفسار حول سعر التذكرة هنا، ليتضح له أنها أغلى من سعر تذكرة الخطوط الجوية الجزائرية، بينما أكدت لنا إحدى السيدات قادمة من فرنسا على متن طائرة لشركة أجنبية، أن مضاعفة عدد الرحلات جاء متأخرا بعدما حجزت عبر الأنترنت في شركة أجنبية، ولو لم تفعل لكانت وجهتها الخطوط الجوية الجزائرية.
الكثير من العوامل تعود بالنفع، على الجزائر، حيث تحدث إلينا أحد المسؤولين بالمطار، وقال إن عدد السيارات المركونة بموقف المطار، ارتفع بدوره بنسبة كبيرة مقارنة مع الشهور القليلة الماضية، فمنذ السبت الماضي وموازاة مع مضاعفة الرحلات ــ يستقبل الموقف في كل رحلة قادمة من الخارج، أو ذاهبة حوالي 250 سيارة، وهي تمثل نسبة معتبرة من عائداتنا».
طلبات لتعميم الرحلات على باقي الدول
لكن من يسأل حاليا بعض المسافرين بالمطار عن تقييمهم لمضاعفة الرحلات، فإنه يسمع ما يفاجئ، حيث يقابله تفاؤل فاتر، تقول سيدة تستعد لركوب طائرتها متوجهة إلى العاصمة الفرنسية باريس»، بالرغم من مضاعفة عدد الرحلات خاصة إلى فرنسا، إلا أنه اجراء لم يشمل الآلاف من الجزائريين الذين ينتظرون العودة إلى البلد من مختلف بلدان العالم»، متسائلة: «لماذا لم يتم فتح رحلات جديدة نحو بلدان أوروبية أخرى وحتى أمريكية أو آسيوية، خاصة كندا التي تتواجد بها جالية جزائرية معتبرة، فقد يئسوا لحد الساعة من عدم إدراجهم في الحسبان... «
« كانت سنة 2021 سنة أفضل بكثير»، يقول أحد المسافرين الذين كان يقف بطابور لاقتناء تذكرة سفر إلى باريس بمكتب الخطوط الجوية الجزائرية، وهو الذي كانت حياته قبل كورونا عبارة عن تنقل أسبوعي وشهري بين الجزائر وباريس، بسبب ممارسته للتجارة، فعودة الرحلات بالنسبة إليه أمر مفرح جدا حيث سيعاود مزاولة نشاطه ولو بشكل محتشم.
بينما تحدثت إلينا سيدة قادمة من ولاية قسنطينة رفقة ابنتها التي تستعد للالتحاق بالدراسة بفرنسا، قائلة إن «المشكل الذي يؤرق اليوم هو نوعية اللقاح المأخوذ في الجزائر، حيث ان باريس مثلا لا تعترف بنوع من اللّقاحات، وإلا فإن فحص pcr في كل مرة هو مصير الزائرين»، لتقاطعها ابنتها قائلة: «أنا لم أتلق اللقاح في الجزائر وسأخده بفرنسا وأنا مستعدة للدراسة والتكوين هناك، بالرغم من إجراءات الحجر التي تصل إلى 10 أيام وتحملي تكاليفها الباهظة»، وقبل مغادرتنا مكان جلوسهما على حاملة الحقائب، لفتت السيدة إلى أمر هاما، وهو خلوّ بهو المطار الدولي من المقاعد، أمر يؤرق المسافرين خاصة أولئك الذين ينتظرون لساعات قبل موعد رحلتهم، وهذا بالرغم من إعلان العودة إلى الفتح التدريجي في الجزائر.
شهدت مكاتب «الجوّية الجزائرية»، بمطار الجزائر الدولي إقبالا كبيرا من طرف المواطنين، بعضهم جاء لاقتناء التذاكر، وآخرون لطرح انشغالاتهم والاستفسار عن الإجراءات المطبقة مع هذا الإجراء الجديد الذي يفرض شروطا استثنائية للوقاية من انتشار الوباء، فقد كان مكتب الخطوط الجزائرية بالمطار يوم تواجدنا، يعجّ بالناس، مستفسرين ومقتنين تذاكر، ووصل طول الطابور لحوالي 100 شخص.
بالرغم من أن عدد الرحلات محدودة إلا أن المواطنين استحسنوا القرار، كونه وضع نهاية لكابوس، أرهقهم كثيرا ولا يزال، حيث لوحظت علامات الرضا بادية على وجوه المسافرين، وهم يقتطعون تذاكر الخروج والسفر، مستحسنين هذه الإجراءات التي طالما انتظروها وسارعوا من الوهلة الأولى لشراء تذاكر السفر.
إجراءات الوقاية... خط أحمر
كما يجب لفت الانتباه، إلى أن التعامل مع المسافرين خلال فترة انتشار وباء كوفيد-19، ومنذ العودة الأولى خلال شهر جوان 2021، بقي هو نفسه منذ فتح أبواب المطار، وبقيت نفس الإجراءات الوقائية المتخذة، من فحص وتوفير أدوات التعقيم واجبارية ارتداء الكمامات، وتوفير هلام النظافة وغيرها من الأمور، هي اجراءات أصبحت من يوميات عمال المطار وأكسبتهم خبرة واحترافية أكبر، حيث التدابير الوقائية هي السائدة والتي لن تزول حتما غدا بسبب استمرار كابوس الكوفيد.
«الخضر» يسجلون هدفا
ومن محاسن الصدف، أن صادف تواجدنا بعين المكان قدوم لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم إلى مطار هواري بومدين، من أجل تنشيط اللقاء الودي بملعب مصطفى شاكر بالبليدة ومواجهة منتخب جيبوتي اليوم، الخميس، في إطار منافسات الجولة الأولى للمجموعة الأولى من دور المجموعات لتصفيات كأس العالم 2022 الذي سيقام بدولة قطر.
خطف الخضر «الأضواء والتف حولهم المتواجدون وهم يشاهدون عناصر الفريق الذين أدخلوا البهجة إلى قلوب الملايين منذ أكثر من سنتين وصنعوا أفراح الجزائريين قاطبة.
وكان تواجدهم مع بداية مضاعفة الرحلات الجوية فأل خير، كما وصفه أحد المتواطنين، وقال: «نتفاءل خيرا بوجود عناصر الفريق الوطني هنا، وان شاء الله تكون فال خير على المطار وعلى الجزائر ككل، ونتمنى لهم كل التوفيق وسنكون بجانبهم يوم المباراة، ونتوقع تسجيل أهداف في مرمى الخصم، كما سجلوا اليوم حضورهم المبهج والمفرح».
التعايش مع كورونا «واقع محتوم»
وبالنظر إلى ظهور «متحورات كوفيد 19 « ، بين الفينة والأخرى، فإن العودة إلى الحياة الطبيعية بات صعبا جدا، لذلك فإن التعايش مع الفيروس الشرس أصبح واقعا محتوما في كل أصقاع العالم، والجزائر جزء لا يتجزأ منه، يقول أحد المسافرين الذي كان يعتزم السفر الى اسطمبول عاصمة تركيا، ليضيف « لذلك وجب التفكير في كيفية العودة إلى التحليق مجددا، بالرغم من القيود العالمية المفروضة، والمخاوف من جلب المتحور إلى أرض الوطن، إلا أن اقتصاد البلاد لابد ان يستمر ويكافح، علما أن تراجع حركة الملاحة كانت من بين الخسائر الكبيرة التي سجلت في الجزائر».
قضاء يوم في مطار هواري بومدين بعد زيادة عدد الرحلات الجوية، كان بمثابة الوقوف على استعدادات الجزائر للعودة التدريجية للرحلات ومواجهة الخطر القادم من بعيد، خطر لايرى بالأعين المجردة، لكن الوقاية واليقظة وعدم التراخي عوامل كلها ستحارب الوباء، رفقة التلقيح الذي بات السبيل الوحيد لمواجهة «كوفيد»، على الأقل من بوابة المطارات التي تعتبر أخطر الأبواب الناقلة «للمتحوارت»، في انتظار عودة الرحلات دونما عودة الفيروس نهائيا.