«الشعب» تستطلع واقع السياحة في عنابة

السكون يخيّم من جديد على شواطئ المدينة

عنابة: هدى بوعطيح

أُغلقت شواطئ عنابة بقرار مستعجل من والي الولاية، تجسيدا للإجراءات الوقائية اللازمة لمجابهة الوباء القاتل والحفاظ على سلامة وصحة المواطنين، ليُخيم السكون من جديد على شواطئ المدينة التي كانت قبل أيام قبلة للمصطافين والزوار الذين هبوا إليها من كل حدب وصوب أملا في الاستجمام والراحة، لا سيما «كورنيش عنابة» الذي يُعدّ الوجهة الأولى لكل من يفكر في قضاء يومه على شاطئ البحر.

هذا قرار ثمّنه أغلب سكان بونة، بسبب الاكتظاظ الكبير الذي كانت تشهده أغلب الشواطئ، ما جعلهم يتخوّفون من حدوث كارثة وبائية بهذه المدينة، خصوصا وأن الجزائر تعيش هذه الأيام موجة ثالثة مع ارتفاع كبير في عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد، وهو ما أدى بأبناء المدينة لمناشدة الوالي التدخل المستعجل لإيقاف «الزحف» على شواطئ عنابة خصوصا من الولايات المجاورة لها، على اعتبار أن الظروف الصحية لا تسمح بذلك، كما أن العديد من المصطافين ضربوا بإجراءات البرتوكول الصحي عرض الحائط، لا سيما فيما يتعلّق بالتباعد الجسدي، ما جعلهم يتخوفون من أن يكون موسم الاصطياف سببا في انتشار الوباء القاتل وتسجيل إصابات مرتفعة.

 ردع مخالفي البرتوكول الصحي
كانت السلطات الولائية حريصة على أن يكون موسم الاصطياف هذه السنة آمنا لا سيما من الناحية الصحية، حيث سعت لوضع مخطّط عملي لتنظيمه، وتوفير الوسائل البشرية والإمكانيات المادية اللازمة لإنجاحه، خصوصا في ظلّ استمرار الجائحة الصحية العالمية كوفيد ـ19، مؤكدة على اتخاذ إجراءات ردعية لكل مخالف للبرتوكول الصحي، مع الحرص على تطبيق كل الإجراءات الخاصة بحماية الصحة العمومية وتوفير الراحة للسكان والمصطافين على حد سواء من خلال برامج التنظيف بجميع متطلباتها.
كما راهنت عنابة على موسم اصطياف ناجح، في ظلّ التقيد بالبرتوكول الصحي ومدى حرص المواطنين على الالتزام به، وذلك حتى لا تكون هذه المناطق السياحية بؤرا لانتشار عدوى الوباء، خصوصا وأن بونة ما تزال مستثناة من الحجر المنزلي المفروض على العديد من ولايات الوطن، غير أن الوباء يقف للمرة الثانية حائلا أمام انتعاش السياحة من جديد بعد الركود الذي عرفته السنة الماضية وتأثرها بسبب تداعيات الأزمة الصحية.

حملات تحسيسية وتوعوية
وقفت «الشعب ويكاند» على واقع السياحة اليوم في هذه الولاية الساحلية في زمن «كورونا» وكيف تمّ التحضير لموسم الاصطياف والإجراءات المتخذة قبل تسطير قرار غلق جميع شواطئ بونة أمام المصطافين الذين غصّت بهم المدينة، ليكون لنا حديث مع المسؤول الأول على القطاع الوردي عبيدي والذي أشار إلى أن «موسم الاصطياف يأتي للمرة الثانية على التوالي في ظروف صحية استثنائية، وهو ما دفع بهم إلى التركيز على برنامج أساسه بالدرجة الأولى الحيطة والحذر تمّ تسطيره بمعية مديرية الصحة والسكان، من أجل الوقوف على مدى تطبيق البرتوكول الصحي المنصوص عليه والمعمول به»، مؤكدا أنه على مستوى مديرية السياحة «تم تنظيم حملة تحسيسية وتوعوية في مختلف الهياكل الفندقية التي تنشط على مستوى الولاية، وإعطاء التوجيهات والتطبيقات فيما يخصّ الإجراءات الوقائية الواجب إتباعها».
وأضاف بأنه تمّ تسطير برنامج آخر مدعم للبرامج السابقة من أجل الوقوف على الالتزام بهذه الإجراءات، لا سيما في المناطق المغلقة، مؤكدا أنهم كانوا سيعملون قدر الإمكان على التحكّم أكثر في تجسيد البروتوكول على أرض الواقع، من خلال القيام بزيارات تفتيشية فجائية من باب التوجيه والتوعية، واتخاذ إجراءات صارمة في حق المخالفين لكل ما يتعلّق بصحة وحياة المواطن.

برنامج ولائي لموسم الاصطياف
وكشف مدير السياحة لولاية عنابة عن التحضير لموسم الاصطياف مبكرا، وذلك من خلال تقييم أولا الموسم المنصرم والوقوف على النقائص المسجلة لتجاوزها، حيث يتمّ ذلك بالتنسيق مع مختلف القطاعات، على اعتبار أن المهمة لا تخصّ فقط قطاع السياحة، مشيرا إلى أن هناك برنامج ولائي يتمّ التحضير له بتضافر جهود الجميع، على غرار البلديات بصفتها المنشط الرئيسي، على اعتبار أن هذه الفضاءات ـ يقول المتحدث ـ تتواجد بإقليمها، وبالتالي هي المسؤولة المباشرة على التنظيم والتحضير لموسم الاصطياف كما يجب.
وأضاف عبيدي أن تأطير العملية يتمّ من خلال الاجتماعات التنسيقية التي يتمّ ترتيبها على مستوى الولاية، سواء بإشراف الوالي أو الأمين العام، بحيث تقدم جملة من التعليمات لتحضير موسم الاصطياف في المستوى الذي يليق بهذه الولاية السياحية، مبرزا في سياق حديثه، أن هذه الاجتماعات ينبثق عنها خروج اللجنة الولائية المكلفة بالمتابعة إلى عين المكان، من أجل الوقوف على حقيقة الوضع، لا سيما فيما يخصّ الشواطئ التي تعتبر مقصد السواح بالدرجة الأولى، قائلا بأن تحضير هذا الفضاء مسؤولية الإدارة المحلية والذي يتطلّب وضعه في ظروف جيدة.

تهيئة وتجهيز الشواطئ
وأشار مدير السياحة إلى أن هناك مبالغ مالية تخصّص لتهيئة وتجهيز الشواطئ، والتي انطلقت سنة 2019، وبحسب المتحدث هناك عمليات تقييم لهذا الغرض، لتكون مختلف الظروف مهيأة وبنسبة كبيرة لاستقبال المصطافين، قائلا بأن جل شواطئ هذه المدينة حضارية بحيث تتوفر على 21 شاطئا مسموحا للسباحة و6 شواطئ ممنوع السباحة فيها.
ولم تفوّت السلطات المحلية فرصة تسهيل تنقل سكان المدينة نحو الشواطئ التي يودون الاستجمام فيها، حيث كشف مدير السياحة عن تسطير برنامج خاص يتعلّق بتسخير 83 وسيلة نقل من وإلى جميع الشواطئ المخصصة للسباحة بعنابة، وتمكين سكان المناطق الداخلية للولاية على وجه الخصوص من الاستفادة من هذه الأماكن السياحية، كما أكد حرصهم على تسطير برنامج ثقافي ثري طيلة موسم الاصطياف لإحياء ليالي بونة، إلى جانب برنامج مديرية البيئة الذي يعتمد على تنظيف وتهيئة الشواطئ، وتكليف مؤسسة عنابة نظيفة لأجل التكفّل التام والشامل بهذه العملية.

48 مؤسسة فندقية بـ 5221 سرير
«عنابة واجهة سياحية معروفة منذ الأزل، وتتوفر على إمكانيات طبيعية كبيرة ومقومات سياحية هامة، غير أن هناك بعض النقائص التي تسجل على مستوى هذا القطاع، وهو ما لاحظناه منذ تنصيبنا على رأس السياحة بعنابة»، يقول الوردي عبيدي في حديثه إلينا، مؤكدا على العجز المسجل في هياكل الإيواء، حيث أرجع ذلك إلى أن ولاية عنابة يقصدها أعداد كبيرة من السواح والمصطافين، لا سيما خلال موسم الاصطياف، وهو ما جعلها لا تستطيع امتصاص الوفود القادمة إليها.
وأشار إلى أنها تتوفر على 48 مؤسسة فندقية بقدرة استيعاب 5221 سرير، وتأسف في ذات السياق لعدم وجود هياكل كافية مطلة على البحر، مؤكدا على أن أغلب الأراضي القريبة من الشاطئ هي ملكية خاصة يحميها القانون، وهو ما جعلهم يفكرون ـ يقول المتحدث ـ في انشاء فضاءات جديدة من أجل توطين مشاريع تغطي هذا العجز.

25 مشروعا قيد الانجاز
وتتوفر ولاية عنابة على 5 مناطق للتوسّع السياحي مخصّصة لاحتضان مشاريع سياحية بحتة، منها منطقتين ببلدية عنابة، منطقة بسيدي سالم، ومنطقتين ببلدية شطايبي، حيث أكد الوردي عبيدي على الانطلاق في بعض المشاريع على مستوى «كورنيش عنابة» وببلدية سيرايدي، مشيرا إلى أن هناك 25 مشروعا قيد الانجاز ومن بين هذه المشاريع من لديها إطلالة على البحر.
وراهن مدير السياحة على جاهزية المشاريع في المستقبل المتوسّط أو القريب حتى تكون داعمة للقطاع، كما أكد على مشاريع أخرى على المستوى البعيد ببلدية شطايبي، وقال بأن هناك عمل إداري لتحضير ملفات ومنح أراضي لأصحاب المشاريع للانطلاق فيها، خصوصا وأن عنابة لا تتوفّر على قرى سياحية وتفتقر لهذا النوع من المشاريع الكبرى والهامة في دعم السياحة بالولاية، غير أنه أكد على أن المشاريع قيد الانجاز ستساهم في فتح الآفاق وستساهم في تقليص العجز المسجل على مستوى الهياكل بهذه المدينة، مشدّدا على أن ذلك يعتبر رهانهم الأول.

التسيير والاستقبال
ويرى عبيدي بأن عنابة تستقطب في كل سنة أعدادا كبيرة من السياح والمصطافين، وهو ما يحفّزهم ليكونوا في كل موسم عند المستوى المطلوب بالتنسيق مع مختلف الهيئات ومع السكان من خلال حسن الاستقبال والمعاملة، وكيفية التواصل مع الزوار، إلى جانب الوقاية من الحوادث على غرار الغرق، قائلا بأن ذلك يدخل في إطار البرامج التوعوية التي يقومون بها، بالتعاون مع الحماية المدنية ومديرية الصحة من أجل الحفاظ على أرواح المصطافين، كما أكد المتحدث على مجانية الشواطئ التي تعتبر حقا دستوريا لكل مواطن جزائري، على اعتبار أنه ملكية عمومية، مؤكدا على أنها ظاهرة تنتشر عبر مختلف شواطئ الوطن وهي نتاج لبعض السلوكيات والتراكمات السابقة، ولذلك يعملون بالتنسيق مع مصالح الأمن على التقليص قدر الإمكان من هذه الظاهرة، بتطبيق القانون الذي يقر بمجانية الشواطئ.
وفي الأخير قال مدير السياحة بأن عنابة مقصد سياحي بامتياز ووجهة العديد من المصطافين، وعليه يجب أن يكون هناك حسن التسيير والاستقبال لاستقطاب عدد كبير من السياح، وتقديم صورة حسنة للمدينة، وأضاف أنه على المصطاف أن يكون في مستوى المواطنة، على اعتبار أن الشاطئ ملك له وعليه أن يحافظ عليه من ناحية النظافة والتحلي بالسلوكيات الحسنة، متمنيا في سياق حديثه أن يرفع الله عنا هذا الوباء لتعود السياحة في عنابة كما كانت عليه ويعود لجوهرة الشرق بونة بريقها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024