تجسيد 98 بالمائة من المشاريع

ولاية الجزائر تطوي ملف مناطق الظل

هيام لعيون

هناك من صُدم بالرّقم، وهناك من اعتبره عاديا، فوجود نحو 159 منطقة ظلّ بالعاصمة أو محيطها وفي ضواحيها، لا تتوفّر فيها أدنى شروط الحياة، من ماء، غاز، كهرباء وقنوات الصرف الصّحي، بعيشة بدائية، أمر لم يكن متوقّعا بعاصمة تعدّ من بين أكبر الدول الإفريقية وأغناها، خاصّة وأنّ مناطق الظل أو المناطق المحرومة لطالما ارتبط اسمها بالمناطق الرّيفية الجبلية ذات التّضاريس الوعرة التي لم تصلها شمس التّنمية بعد، علما أنّ الجزائر أرض مبسوطة وتضاريسها سهلة.
طالما كانت التّفاوتات في توزيع المشاريع التّنموية مشكلة أساسية حتى أيام الانتعاش و»البحبوحة» التي عاشتها الجزائر، عندما وصل سعر البترول إلى 150 دولار للبرميل الواحد، وفشلت السياسات المتعاقبة في تقليص الفجوات التّنموية بين المناطق الحضرية وشبه الحضرية، فبقيت ضواحي العاصمة كسائر ضواحي المدن السّاحلية والداخلية للبلاد، مهمّشة عُرفت فيما بعد بمناطق الظّل، مناطق كشف النّقاب عنها في «الجزائر الجديدة»، التي وعد مسؤولوها بأنّ لا أحد أحسن من أحد، وأنّ الكل سواسية في توزيع ثروات البلاد.
تلك المناطق، هي التي «احتلّها» الهاربون من الإرهاب، من المدن المجاورة للعاصمة زمن العشرية السّوداء التي مرّت بها الجزائر وأتت على الأخضر واليابس، بحثا عن حماية أمنية ولو نسبية، فالإرهاب الدّموي كان يتّخذ من الجبال حصنا منيعا له، كان ضحيّته القاطنون هناك لما يتعرّضون له من ابتزازات مالية، وتهديدات يومية بالتّصفية الجسدية، إن هم لم ينصاعوا لأوامرهم. كذلك هم النّازحون من المدن الداخلية بحثا عن فرص لعيش كريم بعاصمة البلاد، حيث تشكّلت مناطق مهمّشة ومُتأخّرة، فيما تركّزت الجهود على العاصمة وبعض مناطقها فقط، وظلّت هذه المناطق ولعقود من الزّمن محرومة من أدنى شروط الحياة، وتعيش البؤس والفقر.
فعندما يكون هناك نقص في الخدمات الأساسية، فإنّه غالبا ما يكون الأمر متروكاً لسكان الأحياء الفقيرة لاستخدام مبادراتهم الخاصة، حيث تتمثّل انشغالات سكان هذه المناطق بالدرجة الأولى في افتقارها للغاز، الإنارة، ماء الشرب وقنوات الصرف الصحي، بالإضافة إلى خدمات النقل، التمدرس والصحة.

 159 منطقة ظل بالعاصمة
إلى غاية سنة 2020، كان العيش من دون الدولة في حوالي 159 منطقة ظلّ بالعاصمة عاديا، بل وأصبح يدخل في خانة المألوف، بالرّغم من معاناة السّاكنة، وهذا حتّى في نظر المسؤولين المتعاقبين الذين لم يكلّفوا أنفسهم عناء التكفّل بتلك المناطق المهمّشة، ففي العاصمة كان التّلميذ يسير مسافات أكثر من 5 كلم للوصول إلى المدرسة مثلا، في العاصمة لم تكن المياه تصل المنازل وكانت الصهاريج الحلّ الأمثل لهم، في العاصمة وضواحيها كانت هناك طرق ترابية ومحفّرة، تزيد من معاناة السكان بعد كل قطرة ماء تنزل من السّماء، حيث تتحوّل إلى برك وأوحال يصعب تجاوزها بسهولة. كلّ هذه الأسباب وغيرها جعلت المسؤولين التّنفيذيّين بالولاية يصنّفون تلك المناطق كمناطق ظلّ بامتياز، وهرعوا لإحداث التنمية فيها تلبية لأوامر الرّئيس عبد المجيد تبون، فكانت بداية التّجسيد انطلاقا من سنة 2020، ولا تزال الأشغال سارية لحدّ الساعة، ولم يتبّق عن استكمال التنمية سوى 98 بالمائة، وذلك بتجسيد 280 مشروع حسب أرقام يقدّمها الأمين العامة للولاية، جمال الدين حموش، خلال لقاء مع مجلة «التنمية المحلية».

 2.6 مليار دينار للتّـكفّـل بنحو 150 ألف ساكن
 ونحن على مشارف انقضاء السداسي الأول من سنة 2021، عرفت وتيرة الأشغال في مناطق الظل وتيرة متسارعة، فبالنسبة لسكان تلك المناطق، بدأت تلك الوعود تتجسّد وتتّضح معالم التنمية فيها، عن طريق تقديم الخدمات الأساسية وتحقيق التنمية في الأحياء الفقيرة، حيث يعيش أكثر من 145 ألف من ساكنة العاصمة في مناطق الظّل.
حسب ما يكشف عنه ممثّل الجهاز التّنفيذي لعاصمة الجزائر، فإنّه تمّ تخصيص 2.6 مليار دينار جزائري لتنفيذ 300 مشروع لفائدة أزيد من 145 ألف من ساكنة مناطق الظل في الجزائر العاصمة القاطنين خصوصا في الأحواش والمناطق المعزولة وشبه الحضرية.
يوضّح الأمين العام لولاية الجزائر المشرف على اللّجنة الولائية المكلفة بمناطق الظل، جمال الدين حموش، أنّه تمّ إحصاء في ولاية الجزائر 159 منطقة موزّعة على 35 بلدية و12 مقاطعة إدارية تضم 145.316 نسمة و43.649 مسكن.
وتتعلّق هذه المشاريع - حسب المسؤول ذاته - بتوفير ضروريات الحياة كماء الشرب، الصرف الصحي، الغاز، النقل المدرسي، فكّ العزلة من خلال إنجاز طرقات، ملاعب جوارية، الإنارة العمومية والنقل العمومي، حيث تمّ إلى حدّ الآن إنجاز 280 مشروع بصورة نهائية، بينما تشرف أشغال المشاريع المتبقية على الانتهاء، على أن تنتهي أشغال جميع المشاريع خلال أشهر معدودات.

 خلط بين مناطق الظل ومناطق أخرى
يعتبر المسؤول الأول عن الملف، أنّ عدد مناطق الظلّ هي نسبة ضئيلة بالنّسبة لولاية الجزائر، وغالبا ما يتمّ الخلط بين تلك المناطق ومراكز أخرى لم تصنّف كمناطق ظل، حيث أعطى مثالا عن بعض المناطق التي تخلو من منطقة ظل لكنها تضمّ أحواشا، فالدولة - حسبه - تعطي الأهمية للمناطق النّائية، وليس للأحواش الذين يحوزون على نسب متفاوتة من التنمية، فالأحواش مثلا لهم الغاز والكهرباء، حيث إنّ تعبيد الطّرقات أولوية بالنسبة لهم، كذلك الماء، إذ يتمّ الأخذ بعين الاعتبار بأولوية الأولويات كطبيعة المكان الفلاحي بالدرجة الأولى.
ويوضّح ذات المسؤول، أنّ المناطق المستفيدة من هذه المشاريع هي المناطق شبه الحضرية والفلاحية، والتي كانت مبرمجة من قبل ضمن برنامج خاص، والمتمركزة أساسا في البلديات ذات المداخيل المحدودة، خاصة وأنّ محدّثنا يعتبر أنّ مشكل الميزانية لا يطرح بالعاصمة على عكس الولايات الأخرى.

^ حلول استعجالية والمال ليس عائقا  
بخصوص ما اعتمدته السّلطات المحلية حول الحلول الإستعجالية، يرى السيد حموش، أنّ ولاية الجزائر اعتمدت على حلول ذات طابع استعجالي، للتكفل السّريع بمطالب المواطنين في أقرب الآجال، باعتبار أنّ المشاريع الكبرى لا يمكن تجسيدها في فترة وجيزة، كبناء المدارس أو محطّات الصرف الصحي أو مراكز البريد التي تحتاج إلى ميزانية كبيرة ووعاء عقاري، خاصة وأنّ عديد البلديات تفتقر إلى الأوعية العقارية، حيث يُعتبر مشكلا عويصا في تجسيد مختلف المشاريع الجوارية، على غرار بلدية أولاد شبل بالمقاطعة الإدارية ببئر توتة، وغيرها من الأماكن، إذ بات العقار مشكلا يعيق التنمية في العاصمة.
وفي نفس السياق، برمجت المصالح المختصّة، مثلا توفير النقل المدرسي عوض بناء المدارس، وضمان الإطعام للتلاميذ كبديل لبناء المدارس، في حين تبقى مشاريع مبرمجة إلى غاية وجود الحلول.
كما يؤكّد حموش أنّ بلديات مثل بئر توتة، أولاد الشبل وتسالة المرجة هي أماكن فلاحية محضة، فبالنسبة له فإنّ مناطق الظل بالعاصمة لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن قلب العاصمة، حيث تتواجد وسائل النقل عكس المناطق النائية في المدن الداخلية ذات التضاريس الوعرة، وهو أمر سهّل عملية التكفل بها بهذه الوتيرة المتسارعة.
ويشير المتحدّث، إلى أنّ العاصمة لم تعانِ من مشاكل مالية في إتمام المشاريع التي تحتاج إلى التنمية، فالقضية - بالنسبة له - هي قضية أشخاص، كفاءات والتزامات، إذ «لابد من تضافر الجهود من إدارة، منتخبين ومحليّين».
ويوضّح حموش أنّ «عملية التنمية تتمّ تدريجيا، فمثلا غياب الغاز في بعض المناطق وقنوات الصرف الصحي، تكون فيه الأولوية لقنوات الصرف الصحي، ومن ثمّ تتم عملية إيصال الغاز للمنازل، لكن هذا لا يعني تركها بدون غاز، بالعكس نوفّر غاز القارورة، ومن بعد نستكمل الإجراءات وإزالة العراقيل، حيث يتمّ إيصال الغاز وهكذا تتمّ العملية في مختلف المناطق المعنية بالتنمية».
وحسب الأرقام التي تحصّلت عليها «التنمية المحلية»، فإنّ المقاطعات الإدارية المستفيدة من المشاريع المنتهية هي:
الحراش (5)، الشراقة (52)، بوزريعة (7)، الدار البيضاء (16)، بئر مراد رايس (12)، بئر توتة (34)، براقي (8)، درارية (37)، باب الواد (12)، زرالدة (52)، الرويبة (21) وسيدي عبد الله (17).
وتعليقا على هذه الأرقام، يرى ممثّل ولاية الجزائر أنّ التكفّل بمناطق الظلّ في مختلف مناطق الوطن من أولويات المسؤولين المحليين بعد صدور تعليمات رئيس الجمهورية بضرورة تسريع عملية التكفل بهذه  المناطق.

مجمّـع فيلات فخمة.. غير معني
يستهجن المسؤول الولائي وجود مناطق يعتبرها الكثيرون حتى وسائل الإعلام مناطق ظلّ، وعلى عكس ذلك لم تصنّف في تلك الخانة، لعدّة أسباب، فمثلا ببلدية براقي هناك مشاريع كبيرة، حيث قام أصحاب الفيلات التي تصل أسعارها إلى 5 ملايير سنتيم، بتصنيفها ضمن مناطق ظلّ، وهو أمر غير صحيح - يقول المتحدّث - فالأولوية هي تلبية احتياجات المواطنين من جلب الغاز والكهرباء، فمناطق الظلّ هي المناطق الهشّة، وهذا بسبب وجود مشكل اتصال مع المواطن، ليستدرك قائلا «صحيح البلدية تتكفّل بها لكن لا تصنّف في نفس الخانة مع المناطق المحرومة».
وعلى عكس بعض الريبورتاجات التي تقوم بها قنوات تلفزيونية تخص مناطق تصنّفها كمناطق ظل، يرى ممثّل ولاية الجزائر أنّ «هناك من يعتقدون خطأ أنّ بعض المناطق هي مناطق ظل، بل هي مجرّد مناطق سكنية حديثة بها فيلات فخمة، بل وقصور يشيّدها أصحاب المال، وبعد غياب بعض المشاريع يهرولون لتصنيفها في نفس الخانة».
كما يتحدّث حموش عن بعض المزارع والأحواش التي بنيت بطريقة غير قانونية، بحيث يعاني سكانها من تقادم مساكنهم، والتي لا يستطيعون حتى ترميمها أو توسيعها لأنّها «غير قانونية»، ما يصعّب مهمة السلطات التنفيذية في إيجاد حلول لها، فالمواطن أيضا يجب أن يحترم القانون في بناياته التي يشيّدها.
فمناطق الظل - يقول حموش - عبارة عن بؤر عجز حقيقي، ولحسن حظّنا نحن بولاية العاصمة عكس الولايات الأخرى نملك الإمكانات المادية، وفي سنة 2021 تدعّمت ميزانية الولاية بـ 50 مليار سنتيم، كإعانة في حين تمّ رصد 2.6 مليار دينار لمناطق الظلّ، وهو مبلغ كفيل بالتكفل بـ 300 مشروع موجّه لها، حيث يتمّ العمل تدريجيا، مثلا السنة الماضية وفّرنا الماء والغاز، والسنة الحالية نتكفّل بتعبيد الطرقات، إذا لابد من التّخطيط، بدون أن نغفل عن مناطق أخرى، وهذا لإحداث التّوازن في التنمية وتغطية كل المشاكل.
وبخصوص مشكل العقار، الذي يعيق بناء المدارس والمرافق الجوارية الأخرى، وفرنا مدرسي وفرنا اقتناء 25 حافلة بلديات النائية الأحواش التي لها نقص في انتظار المزيد، وإن لم تلبّ حاجياتهم سنضطر إلى كراء الحافلات وتوزيعهم، حسب احتياجات كل بلدية.
ويضيف المسؤول أنّه «وخلال الدخول المدرسي المقبل، سنطلب إحصائيات لتدعيم تلك المناطق أكثر بالنقل، تستهدف تلاميذ الابتدائي، المتوسط والثانوي، في حين سنضمن التدفئة والأكل الساخن، ضف إلى أنّنا سنتكفّل بفتح خطوط نقل جديدة، وإعطاء فرصة عمل للشباب تحت إشراف مديرية النقل للعاصمة، فالمشكل ليس في المال، بل في التنفيذ».

 حقّ وليس فضل..
بالرغم من التسريع في إنجاز المشاريع لـ 159 نقطة ظلّ بعاصمة البلاد، إلاّ أنّ مظاهر الأحياء الفوضوية، وانتشار البنايات غير المكتملة، لا تزال تعكّر جمالية المدينة التي تحتاج إلى ترميم سكناتها وتسوية وضعية البنايات غير القانونية، في إطار القانون المتعلق بتسوية وضعية البنايات طبقا لقانون التسوية 08/15.
فالعاصمة التي عُرفت منذ سنوات «بثورة» القضاء على القصدير، ها هي اليوم تعيش مرحلة أخرى، تتعلّق بالقضاء على مناطق الظل، والاتجاه أكثر إلى عمق العاصمة، حيث يتواجد 145 ألف ساكن هم بحاجة لدولتهم التي لا يمكن لهم أن يعيشوا بدونها، وهو حق يكفله الدستور لكل جزائري يقطن فوق أرض الجزائر، مع العلم أنّ العاصمة مترامية الأطراف على مساحة 1190 كم² بتعداد سكاني يقارب 3 ملايين نسمة.

صدر في العدد 3 لمجلة التنمية المحلية:  أفريل - ماي2021

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024