بعد أن سارعت السّلطات المحلية في تجسيد المشاريع

شمـــس التّـنميــة تشرق بأولاد شبـل

هيام لعيون

قبل سنة كانت الحياة شبه منعدمة في بلدية أولاد شبل، التابعة إقليميا لدائرة بئر توتة غرب العاصمة، لكن قطار التنمية وصل إلى محطّاته الأخيرة هناك، بعد أن سارعت السّلطات المحلية في تجسيد المشاريع التنموية امتثالا لأوامر رئيس الجمهورية، الذي حرص على محو مناطق الظل من خارطة البلاد.

ضبطنا بوصلتنا على بلدية بئر توتة التي وصلتها شمس التنمية بالجزائر العاصمة، وهي المعروفة بمناطقها الفلاحية المشتهرة بزراعة الحمضيات والكروم ومختلف الأصناف الفلاحية، تحت مسمّى سهل متيجة، غير أنّ هذا السّهل أكلته الخرسانة، الإسمنت، الحديد وحتى الطوب، وتحوّل إلى عمران وما يعرفه من فوضى وخراب، التي عرفت خلال السّنوات القليلة الماضية نزوحا لسكان قلب العاصمة نحوها، حيث شيّدوا «الفيلات»، القصور والمنازل هروبا من ضيق مساكنهم، وتلوّث هواء المدينة المزدحمة المغبرّة نهارا، إلى الاخضرار والهواء العليل والمسكن الواسع وحتى المركب المريح، منتشرين عبر بلديات الدائرة التي تضمّ أولاد الشبل، بئر توتة وتسالة المرجة.
ووقع اختيارنا على بلدية أولاد شبل، لسبب وجيه وهو أنّها منطقة ظلّ بامتياز، حيث أنّ عمليات استكمال المشاريع ببعض مراكزها لم تُستكمل بعد، وهذا رغبة منّا للوقوف على عمليات التنمية، وما مدى احترام تعليمات الرئيس بالقضاء على مثل هذه المناطق التي شوّهت عاصمة أكبر البلدان الإفريقية.
صُنّفت بلدية أولاد الشبل ضمن مناطق الظل، كونها تفتقر للتنمية في عدّة نقاط ومراكز سكانية، وباتت بحاجة إلى دعم من المسؤولين لإعادة الاعتبار لمختلف المناطق بها، تنقصها مشاريع عديدة مثل تعبيد الطرق وإعادة تهيئتها، تعميم الإنارة العمومية، توصيل الكهرباء والغاز، توفير هياكل تربوية، النقل، وربط مناطقها بقنوات الصّرف الصحي، وهذا باعتراف المسؤولين.

سباق مع الزّمن لاحترام آجال المشاريع
تقول الوالي المنتدب للمقاطعة الإدارية لبئر توتة، بلهوان نشيدة، في لقاء مع مجلة «التنمية المحلية»، إنّها سابقت الزّمن من أجل احترام الآجال التي حدّدها رئيس الجمهورية عبد تبون، «منحنا الرئيس مدّة سنة للقضاء على بؤر الفقر بالعاصمة، أي خلال السنة الجارية (2021)»، معتبرة أنّ «الدائرة التي عرفت 35 منطقة مهمّشة انتهت تقريبا فيها المشاريع التنموية، ودخلت في مرحلة استكمال كلّ المشاريع».
وأضافت «هناك مناطق أكملنا فيها عملية إحلال التنمية بنسبة 100 بالمائة، على غرار حوش جروني، الذي عُبّدت طرقه وتمّ وصله بالكهرباء والغاز والماء، كما استفادت بلدية تسالة المرجة من 8 عمليات ربط بشبكات الكهرباء، لصالح 400 عائلة، ضف إلى ذلك حصول أولاد شبل على مشاريع الربط بالغاز لصالح 230 عائلة، 8 عمليات للغاز و8 عمليات أخرى للكهرباء، إلى جانب مشاريع تعبيد الطّرقات (5 عمليات) مسّت أربع أحواش.
وأبرزت المسؤولة ذاتها أنّ مناطق زوين، بابا علي ولوناب هم المعنيون بالتنمية المحلية في بلدية بئر توتة، فيما تمّ تشييد ملعب جواري بتسالة المرجة، حيث عرفت مناطق الظّل عموما مشاريع إنارة وتعبيد طرقات، تدفئة مدارس، ربط شبكة الكهرباء والغاز. غير أنّها أكّدت أنّ «هناك مشكل عويص يتعلّق بشبكة الصرف الصحي في أولاد الشبل، حيث يغيب مخطّط شامل للصّرف الصحي، وهو مشروع أُوكل لمديرية الموارد المائية، أمّا نحن فنقوم بتجديد بعض قنوات الصّرف فقط».
وأوضحت المسؤولة أنّ المجمّع المدرسي بمركز دربان بأولاد شبل، والذي يُعتبر منطقة ظلّ بامتياز تمّ تشييد فيه مدرسة ابتدائية، افتُتحت خلال الموسم الدراسي الحالي، وتضمّ ستة أقسام تتوفّر فيها التدفئة، على أن يُفتح المطعم المدرسي خلال الدخول المدرسي المقبل بحوالي 200 وجبة يوميا، وقالت «خلال أربعة أشهر سيكون المطعم عمليا، موازاة مع دخول السنة الدراسية الجديدة». ومشروع المجمّع المدرسي مكوّن من ستة أقسام سيتم استلامه للدخول المدرسي 2020-2021.
وأكّدت الوالي المنتدبة، أنّ المشاريع المتبقية في دائرة بئر توتة تتعلّق بـ 5 مشاريع تتضمّن توسعة مدارس، حيث سيتم إضافة من قسمين إلى ثلاث أقسام و3 مطاعم، مشدّدة على أنّ أهم منطقة ظل في بئر توتة هي أولاد منديل.

مسافة 5 كيلومتر..تنتهي إلى خطوة واحدة
تركنا لغة المكاتب والرّسميات، وانطلقنا مرفوقين بأعضاء من دائرة بئر توتة، متّجهين نحو بلدية أولاد منديل، أكثر مناطق الظل شهرة في الدائرة، لنتوقّف عند مركز دربان، حيث كان في استقبالنا عبد الرزاق بن يوب، الأمين العام لبلدية أولاد شبل، وبعد بروتوكولات التّرحيب والتّرغيب، أكّد لنا أنّنا متواجدون في حي دربان الذي تعتبر منطقة ظلّ، حيث تمّ إنجاز مدرسة ابتدائية مكوّنة من ستة أقسام، افتُتحت خلال الدخول المدرسي الحالي يزاول فيها حوالي 180 تلميذ، كانوا يتنقّلون للدراسة نحو حي شعابية، تبعد حوالي 4 أو 5 كلم، وهو ما ساعد أولياء المنطقة كثيرا الذين استحسنوا الأمر، وأصبح التّلاميذ يدرسون على مرمى حجر من سكناتهم.
ونحن نتجوّل بساحة المدرسة، حيث صادف توقيتنا خروج التلاميذ من الفترة الصباحية عائدين إلى منازلهم لتناول وجبة الغذاء، حتى وجدنا أنفسنا محاصرين بصبيان وصبايا تجمّعوا حولنا يستفسرون عن سبب وجود دخلاء على مدرستهم الجديدة، التي تزيّنت بأحلى الألوان والرّسومات، وكانت الفرصة سانحة بالنسبة لنا للحديث إليهم.
قال أحد التلاميذ لنا إنّه يشعر بغبطة وفرحة كبيرتين، بعد ما كان الذهاب إلى المدرسة بعيدا، حيث كان يدرس ببوفاريك، وهو ما يتطلّب نقله من قبل والده، لكنه أضحى اليوم يقصد مدرسته ذهابا وإيابا راجلا رفقة أترابه، أو مترجّلا لوحده، لم يكمل الأخير كلامه حتى يقاطعه زميل آخر له، الذي يقطن بحوش شابير القريب من مقر مدرسته قائلا «كنت أذهب للتمدرس
رفقة والدي، وفي أحيان كثيرة مع جارنا، الذي يصطحبني رفقة ابنه، أمّا اليوم فأنا أذهب لمدرستي وأعود لوحدي». كلام التلاميذ أوحى لنا وكأنّ الذهاب إلى مدرستهم راجلين هو إنجاز عظيم بالنسبة للأطفال الأبرياء الذين عانوا مرّ البعد.
وعندما هممنا بالرّحيل من المدرسة، قاطعتنا تلميذة تخبرنا أنّ النقل غير متوفّر، وكانت تسير لحوالي 4 كيلومترات للوصول إلى المدرسة، أمّا اليوم، فالمدرسة قريبة منها وتبعد حوالي نصف كيلومتر عن مقر سكناها، لكنها نقلت لنا انشغال أساتذتها «لا يوجد النقل في دربان، أساتذتنا يعانون»، أمر استفسرنا عنه أمين عام بلدية أولاد الشبل، حيث أكّد صحة الموضوع، مرجعا إيّاه إلى انعدام خطوط نقل الخواص لعدم توفّر المردودية، حيث تقلّ الحركة في المنطقة، لهذا ينفر الخواص منها، غير مستبعد افتكاك ميزانية من أجل تحقيق مشروع نقل مدرسي مستقبلا، واقتناء حافلتين أيضا.
كما عاينا مشروع إنجاز مطعم مدرسي يتّسع لـ 200 وجبة موجة للتلاميذ، حيث قال مسؤول البلدية إنّهم قد تحصّلوا على إعانة مالية من طرف الولاية، وبدأت المقاولة عملها، مع تحديد مدة الانجاز بـ 4 أشهر، ولاحظنا بعين المكان عمل الجرافات التي كانت تزيح الأتربة.

منطقة مداح مدخل عطافي..الحياة تدبّ تدريجيّا
بعد توديع التلاميذ بأخذ صورة تذكارية معهم، ذلك نزولا عند رغبتهم الجامحة والبريئة، مرفوقة بقبلات حارّة، انتقلنا إلى منطقة مداح مدخل عطافي، حيث استفادت من عدّة مشاريع منها الإنارة العمومية، فيما يتم التحضير لتعبيد الطرقات، ويشرح لنا ممثل البلدية ذلك قائلا «هناك مشروع ربط الحي بشبكة بالكهرباء، أما الغاز فهو متوفّر منذ 6 أشهر، فيما تكفّلت دائرة بئر توتة بتوفير الإنارة العمومية التي أضاءت المكان منذ أكثر من شهرين».
المنطقة التي تضم حوالي 500 بناية، وتتربّع على مساحة 2 هكتار، كانت من قبل تُعتبر منطقة ظلّ بامتياز، التنمية فيها منعدمة، لا غاز، لا كهرباء، لا إنارة، متطلّبات الحياة غائبة، لكننا وقفنا على عودة التنمية والحياة إليها تدريجيا من خلال تنفيذ المشاريع، حيث أوضح لنا أمين عام البلدية أنّ نقص الوعاء العقاري ببلدية أولاد الشبل، من أهم المشاكل التي تسبّبت في عرقلة المشاريع، لأن أغلب الأراضي فلاحية تعود للخواص، أو مستغلّة من طرف الدولة، حيث تعيش هذه المنطقة نقصا كبيرا في الهياكل التربوية، الترفيهية، الصحية، الرياضية والثقافية، وغياب الحصص السّكنية أيضا.
أمن، مشاريع ووعود على وقع «الشخشوخة»
تقرّبنا من أحد القاطنين بعين المكان، للحديث عن تنمية المنطقة، حيث أكّد لنا أنه يقطن بها منذ سنة 2012 عندما كانت التنمية منعدمة، غير أنّ معالمها اليوم بدأت تتّضح من خلال توفير الغاز والإنارة العمومية، مغتنما الفرصة ليخبرنا أنه يدفع شهريا 20 ألف دينار فاتورة الكهرباء لأحد الخواص الذي استغلّ الوضع لتغطيتهم بالكهرباء بمبلغ يراه ضخما، «الحاج» الذي يقود عائلة مكوّنة من 14 فردا، تلقّى وعودا من قبل المسؤولين بتوصيل الكهرباء، حيث أنّ الإنارة العمومية في الشوارع سبقت الكهرباء وهذا لتكفل الدائرة بالأمر، وهو أمر إيجابي بالنسبة له، خاصة وأن الأمن توفّر، بعد أن كانوا يعيشون في ظلام، مع انتشار «قطّاع الطرق»، حيث كانوا لا يبرحون منازلهم مع بداية إسدال الليل خيوطه.
وبعد أن شكر السّلطات، مطالبا إيّاهم بتحقيق المزيد من التقدم في إتمام المشاريع، تركنا «الشيخ» وودّعناه على أمل أن يستضيفنا ببيته على قصعة «شخشوخة»، بعد استكمال كل المرافق وتوفير كل الضروريات في المنطقة، ولاحظنا تواجد فيلات «مهجورة» ينتظر أصحابها أن تدبّ الحياة في المنطقة لشغلها.

 منطقة ظلّ بامتياز  
ختام زيارتنا كانت إلى حوش يطلقون عليه اسم «جروني»، اسم قادنا فضولنا للاستكشاف عن سرّه قبل بداية الجولة فيه، لنتفاجأ على أنّه سمي على اسم أوّل معمّر إسباني سكن المنطقة سنة 1929، «موسيو جيروني»، قبل أن يشيّد برج المياه هناك «شاطو دو»، كما نسمّيه بالعامية عندنا سنة 1933، لأن عملهم كان فلاحيا بالدرجة الأولى يتطلّب توفير المادة الحيوية.
قطن المنطقة أيضا - حسب روايات سكانه - قوميلا وموجي، وهما من الإسبان المعمّرين الذين جلبتهم فرنسا في إطار محاولة يائسة منها لإيجاد «شعب فرنسي» بالجزائر، من خلال تشجيعها لحركة الاستيطان بعد مصادرة الأراضي التي سهّلت عملية إقامة القرى الجديدة، ساعدت على استغلال واستثمار الأرض بما يخدم المصلحة الفرنسية والمستوطنين، حتى أصبح متشرّدو أوروبا وصعاليكها الذين يتوافدون على الجزائر يتمتّعون فيها بحق المواطنة الفرنسية، إذ كان مشروعا أوروبيا أكثر منه مشروعا فرنسيا، وقام تحت شعار «ليكن الاحتلال فرنسيا، لكن الاستيطان يجب أن يكون أوروبيا»، وهو ما فشلت فيه فرنسا الإستعمارية، و»جيروني» اليوم انتزعه الجزائريّون ويتمتّعون بخيرات أراضيه السّهلية الخصبة، وبحليب ولحوم أنعامه.
حوش «جيروني» الذي كان منذ سنوات العشرينات من القرن الماضي يفتقر إلى أدنى شروط الحياة، هو مستفيد اليوم من تنمية تصل إلى 100 بالمائة، توفّر قنوات صرف صحي، غاز، كهرباء، طرق معبّدة وإنارة عمومية، منبسط على مساحة نصف هكتار، تقطنها 30 عائلة، لا تبعد عن أولادهم مدرسة سوى بـ 500 متر، وذلك بعد تسريع وتيرة العمل.
هذا الحوش تعيش عائلاته اليوم على عائدات الفلاحة من بيع الحليب وتربية المواشي والتجارة فيها، حوش يلفّه اخضرار جميل وداكن من كل مكان ممزوج بروائح الطّبيعة الحيوانية على شكل عطر لا يعرف قيمته سوى قاطنيه وأصحاب الأرض، به نسيم عليل يردّ الروح، كونه يقع في منطقة نائية ومعزولة وصلتها كل متطلّبات الحياة، التي كان يسعى «جيروني» ومَن معه الحصول عليها في زمن فرنسا الإستعمارية، والحلم بتركها لأحفادهم والتمتع بخيرات الجزائر، التي لطالما أسالت لعاب كلّ من وقف على ترابها الطّاهر، حلم لم ولن يتحقّق، فالحياة التي كان يبحث عنها «جيروني»، «قوميلا» و»موجي»، عادت لأصحاب الأرض وأصبحت مُلكا لهم بعد أن حقّقوا استقلالهم، وهم ينعمون اليوم بكل حريّة بخيرات بلادهم.
المصدر: العدد ٣ من مجلة التنمية المحلية (أفريل - ماي2021

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024