قبل الشهر الفضيل، تراجع المعدل اليومي للإصابات بشكل كان يوحي ان منحنى الإصابات الجديدة ينزل شيئا فشيئا، ويستمر على هذا المنوال حتى سقط تحت عتبة 100 إصابة، يوميا، لكن ومن حيث لم تنتبه اللجنة العلمية لمتابعة ورصد كورونا، جرى تسجيل ما لم يكن في حسبان معهد باستور، الذي أصبح يزّف أخبارا مخيفة عن الفيروس المتحوّر، الذي يشقّ طريقا له في بلاد، لم تقض بعد على نظيره الكلاسيكي، وبدأ الضحايا يحجزون أسرة لهم في قاعات الإنعاش، ومع هذه الحركة عادت أخبار النعي ملازمة لحصائل كورونا، بمعدل عشر وفيات يوميا.
تجارة الأقنعة تعود بعدما كادت صور حاملي الكمامات تتلاشى من المشهد العام، في الشوارع، الاسواق، الأماكن المغلقة، وفي المساجد، وفي الساحات العامة.
المتاجرة في الكمامة تنتعش، ومعها تعود سلوكيات كاد الجزائريون ينسونها، مثل شراء واستعمال المطهر والمعقم، وتفادي المصافحة، واحترام التباعد الاجتماعي، ولو أن نجاح عمليات التحسيس المتواصلة بخطورة فيروس كورونا الكلاسيكي والمتحور، تبقى محدودة التأثير، طالما ان كثير من «الناس ترى بأُذنيها».
قد تكون هذه الصورة الأخيرة أحد تفاسير التراخي العام الذي يلاحظه متتبعون لحصائل جائحة كورونا في الجزائر، وهو تراخي بلغ أشدّه في النصف الأوّل من شهر رمضان.
جميلة بوحيرد و»لا تتهاون»..
«يا صديقي، سجّّل نفسك في المنصّة الرقمية الخاصة بكورونا حتى تتلقى اللّقاح. لا تتهاون. الله لا يشوّفك في آلام وصعوبات كورونا».. هذا ما قاله الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية، منتصر أوبترون، وهو يوصي بالحيطة والحذر، بعدما أقعده هذا المرض في الفراش، وفرض عليه حجرا صحّيا، لم يخرج منه حتى الآن.
شخصية ثورية أخرى، وقعت قبل أيام ضحية الفيروس «كوفيد-19» وتداولت أخبارها منصّات التواصل، إنها جميلة بوحيرد، 85 سنة، نقلت فورا إلى مستشفى مصطفى باشا، حيث تلقت العلاج، كما عايدها وزير الصّحة للاطمئنان، علما أنها مصابة بالسكري وضغط الدم. الفيروس لا يفرّق ويداهم كل من استخف بالأمر.
رقابة كبيرة في المساجد
المؤذن يستعد لإعلان الإفطار بـ»الله أكبر» في مسجد ابن باديس بالجزائر العاصمة، في الوقت الذي ما زالت فيه روائح «البوراك» و»البريك»، الذي يطهوه عمال في محل «ملك اللوبيا»، استثناء في رمضان، ويصطف من أجله المولعون به قرب المحل، للحصول على سيّد المائدة العاصمية في رمضان.
في هذا المسجد، الذي يحرض القائمون عليه، على احترام التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة، يحدث أن تجد فيه من يرتدي الكمامة وهو داخل إليه، وينزعها في الداخل. ويحدث أن تلاحظ التصاق القدم للقدم والكتف للكتف، متى تراخى القيمون عليه، أو لم يلاحظوا ذلك.
وحدث هذا في مساجد كثيرة، في النصف الأول من الشهر الفضيل، وبعض المصلين استسهلوا الصلاة بين «صفوف التباعد الاجتماعي»، التي احترمها كثيرون، وداس عليها من لا يؤمنون بوجود كورونا، أو هكذا يعللون عدم احترامهم للتباعد الاجتماعي في الصلاة، وخصوصا صلاة التراويح.
في باب الوادي تكررت نفس الظاهرة، وفي أحياء شعبية عاصمية، يجد القائمون على مساجدها صعوبة في استيعاب العدد الكبير للمصلين، الذين حرموا العام الماضي من صلاة التراويح بسبب إجراءات حجر صحي صارمة، ولما فتح باب هذه الصلاة، تكاثر مرتادو المساجد، في منعكس شرطي طبيعي جدا..
وعلى بعد 25 كيلومترا عن الجزائر العاصمة، يثير انتباهك مسجد علي ابن أبي طالب، بولاية البليدة، الذي ساهم في بنائه بجمع التبرعات واحد من ضحايا كورونا، وهو الراحل يحيى العوفي.
في هذا المسجد يحتاط مرتادوه للفيروس اللّعين، منذ مدّة، ولا يقبلون تجاوز قواعد السلامة الصّحية، مهما حصل، وهو مسجد نموذجي في هذا الجانب، مقارنة بمساجد أخرى لا يلتزم فيها كل المصلين بما ينبغي فعله في زمن الجائحة.
من يوميات نصف الجزائريين..
في رمضان 2021 يقصد 18مليون جزائري مساجد الله لتأدية صلاة التراويح يوميا، وهو رقم كبير، مقارنة بعدد سكان البلاد، الذي يقارب 44 مليون نسمة، أي أن قاصدي المساجد في التراويح يقترب من نصف عدد سكان البلاد.
هذا الرقم يحيلنا ورغم ضخامته، مقارنة بـ 18.449 مسجد، الذي تحصيه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، على أمر هام وهو كيف يُضبط محيط المساجد صحيا، في زمن كورونا، طالما أنها أماكن مغلقة، وتسرب الفيروس إليها، ينبئ بمخاطر تتجاوز الأرقام، إلى التوقعات.
ولكن الثابت حتى الآن، في إحصائيات وأرقام وزارة الصّحة، ان مصدر انتشار الفيروس مرتبط بعدم احترام قواعد السلامة الصحّية والحجر الصّحي، ما يعني أن الأمر متعلق بأماكن كثيرة لا يحترم فيها الناس الرغبة المقدسة في الصّحة: الخلو من الأمراض، ما أمكن!
المفتش العام بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بزاز خميسي، قال إن مساجد الجمهورية تسجل توافدا معتبرا للمواطنين يوميا على صلاة التراويح، منذ بداية رمضان. والرقم مرشح للارتفاع في العشر الأواخر من رمضان، بالنظر إلى قراءات خاصة وسلوكيات جزائريين يعتقدون ان هذه العشر الأواخر في «ثواب كبير».. هنا الحيطة مطلوبة مبكرا.
19 ألف «رجال واقفون»!
بداية من النصف الثاني من الشهر الكريم، لاحظ الناس صرامة كبيرة في التعامل مع رواد المساجد، وفرق تنظيمية تسهر على احترام شروط الحجر الصّحي والتباعد الاجتماعي في بيوت الله، مع دعم من متطوعين، يرشدون المصلين الى ضرورة ارتداء الكمامات والتباعد داخل المساجد، بل ويجبرون المصلين على الخضوع للترتيبات الصّحية، ويعطون من ليس لديه كمامة واقيا صحّيا، بطريقة منظمة تدعو للإحترام.
وتزامن هذا التشديد، مع أيام حملات تحسيس كبيرة في الإذاعات والتلفزيون ووسائل الإعلام، وتعليمات صارمة قادمة من نظارات الشؤون الدينية، التي طالبت 19 ألف إمام بفرض «الانضباط الصّحي» في بيوت الله، حتى تكون هذه الأماكن نموذجية بالنسبة لفضاءات عمومية أخرى.
ونجحت الفكرة الى حد بعيد، حتى أن لا أحد يحتج على ما يطالبه به القيمون على المساجد، في صورة نتمنى ان تعمم على أماكن أخرى مغلقة يصعب فيها التحكم في الفيروس، الذي أصبحت له طبعات وجنسيات، أشهرها في الجزائر الطبعة النيجيرية والبريطانية، التي تكاثرت في غفلة منا وأنتجت حتى الآن101 حالة جديدة من السلالة النيجيرية، و65 حالة جديدة من السلالة البريطانية.
زوم إلى الخلف
في اليوم الأول من تراويح رمضان تساوت سلوكات بالجزائر العاصمة مع تندوف وعنابة ووهران وسيدي بلعباس والبليدة وورقلة والمسيلة، بحسب مراسلي الشعب.
في العاصمة والبليدة وبومرداس مساجد لم تحترم التباعد الصحي ومصلون ومواطنون لا يحترمون شروط البروتوكول الصحي.
أفاد مراسل المسيلة «صليت بمسجد، ولا شخص فيه كان يرتدي القناع الواقي، ولا حتى الإمام وأغلب المصلين يصلون على فراش المسجد».
في سيدي بلعباس صلت النساء، في أماكن بعينها، في ساحات المساجد، «على البلاط» ودون «احترام للبروتوكول الصحي أو تباعد جسدي»، مثلما قالت مراسلتنا، قبل أن تضيف «هناك منا من استغنى عن الكمامة ويقف في الطوابير ويحب الزحام».
أيام أربع عسيرة..
الأسبوع الماضي، سجلت مصالح بن بوزيد، بداية من الاثنين، 190 إصابة، ثم 232 يوم الثلاثاء، ثم 236 إصابة يوم الأربعاء، متبوعة بـ 286 إصابة، الخميس.
الأثر العام لهذه الأرقام ترجم عودة سريعة للجزائريين نحو شراء الكمامات، والمعقمات، وعادت ألوان الواقيات الزرقاء الفاتحة والداكنة والبيضاء، وألوان أخرى، تزركش المشهد العام، في الشوارع والأماكن العامة والترامواي ووسائل نقل أخرى، بعدما كادت تتلاشى في أوقات سابقة، نظرا لتراخي كبير في هذا الجانب.
هذا الوضع المثير للقلق، دفع متدخلون كثر في الإرشاد الصحي لتجديد دعوات فرض ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي بين المواطنين في وسائل النقل وأماكن العمل، وفرض حجر صحي على الوافدين من الخارج مدة لا تقل عن سبعة أيام، وحتى فرضه على الوفود الرسمية والدبلوماسية القادمة من البلدان الآسياوية والخليجية وبريطانيا، وبلدان أخرى، فيها نماذج خطيرة للفيروس المتحوّر.
ولأن الأمر ليس بالسهولة التي تحددها كلمات متتابعات، في حملة تحسيسية أو رأي مختص، مدّدت الحكومة الحجر الصحي مرة أخرى، مدة 21 يوما، وقد تمدد أيضا، مادام الخطر قائما، والقضاء على كورونا ليس غدا.
كورونا المتحوّرة
نهاية أفريل، لم يحدد مدير معهد باستور، فوزي درار، كيفية دخول فيروس كورونا المتحوّرة، الذي قد يكون دخل الجزائر عن طريق رعايا في ظروف استثنائية. وسجل معهد باستور حالات جديدة من سلالة كورونا المتحوّرة، منها 101 حالة جديدة من السلالة النيجيرية، و65 حالة من السلالة البريطانية.