تحظى شعبة تربية النحل، بولاية تيبازة، باهتمام متميّز من لدن الجهات الوصية من حيث الرعاية والدعم والمتابعة والتكوين، إلا أنّ ارتباط الشعبة بعدّة قطاعات بحكم تكامل سيرورة عملية التربية حال دون تحقيق النتائج المرجوة بفعل انتشار مظاهر السرقة والتشبع أحيانا، ناهيك عن الاستعمال المفرط للمبيدات الحشرية، ولكنّه بالرغم من هذه العوائق البارزة فقد خطت الشعبة بالولاية خطوات عملاقة تحسب لصالح قطاع الفلاحة.
لا تزال شعبة النحل، بتيبازة، تستقطب نحالين جدد وتكتسح فضاءات أوسع عبر مختلف بلديات الولاية، وقد برزت عبر عدّة مناطق أقطاب مميّزة تترجم مدى تطور الشعبة محليا ومسايرتها لتطلعات القائمين عليها من خلال نصب مناحل إضافية بالجهة الغربية للولاية تضاهي تلك التي تحويها مناطق الشعيبة والقليعة والحطاطبة والدواودة بالناحية الشرقية. ولا يزال الزحف متواصلا نحو مناطق أخرى أكثر وفرة للأمان والنباتات العسلية، على أن تشهد الشعبة تنظيما أكثر ملائمة بخصوصياتها عقب زوال جائحة كورونا التي عقّدت من عملية التواصل والتعاون بين النحالين بحسب رئيس المجلس المهني للشعبة والذي أكّد بأنّ الشعبة تشهد تطورا ملحوظا وبروزا لافتا بالرغم من العوائق المثبطة التي يتخبّط فيها جلّ النحالين.
تكوين أكثر من 700 نحّال على مدار أربع سنوات
كشف الأمين العام للغرفة الفلاحية، شكري بن شعبان، عن تكوين 340 نحّال، منذ سنة 2017 والى غاية اليوم ضمن برنامج سنوي متجدد تعدّه الغرفة لفائدة النحالين الراغبين في تحيين ثقافتهم بحيث يتم تأطير هؤلاء من طرف أساتذة متخصّصين متعاقدين مع الغرفة مع الإشارة الى أنّ المستفيدين من عمليات التكوين ينحدرون من فئات اجتماعية ومهنية متعددة، من بينهم إطارات في قطاعات الصحة والعدالة والتربية، وشهد الموسم المنصرم تكوين أكبر حصة من هؤلاء قاربت 200 فيما أكّد الأمين العام للغرفة على أنّ الاهتمام بهذه الشعبة أضحى يتزايد بشكل لافت وكان من الممكن تكوين ما يقارب 300 نحال، خلال الموسم الجاري، لولا جائحة كورونا التي عطّلت العديد من البرامج التكوينية والتنموية.
على صعيد آخر، استفاد 246 فلاح من المناطق الريفية من تكوين سريع الأجل سنة 2018 بمعية 196 فلاح آخر، سنة 2019 ضمن برنامج الصندوق الوطني للتنمية الريفية الذي ترعاه محليا محافظة الغابات لفائدة المناطق الريفية المحرومة ليصل بذلك عدد النحالين المستفيدين من عمليات التكوين 782 فرد، منذ سنة 2017 ولا يزال برنامج التكوين يحظى بالأولوية والرعاية التامة من طرف الغرفة الفلاحية.
4500 قنطار من العسل سنويا
استقر معدل الإنتاج السنوي للعسل، بولاية تيبازة، عند حدود 4500 قنطار على مدار السنوات القليلة المنصرمة بالرغم من جملة العراقيل التي أضحت تشكّل عقبة أمام تطور شعبة النحل، بحيث أحصت المصالح الفلاحية حيازة ما يربو عن 800 نحال لـ 62 ألف خلية بحيث يضطرّ هؤلاء للتنقل عبر مختلف ولايات الوطن ولاسيما تلك الواقعة بالهضاب العليا والجنوب لإنتاج مختلف أنواع العسل الذي يحتسب لفائدة ولاية تيبازة، وما يحسب لهؤلاء النحالين كونهم يصنفون من بين النحالين الأوائل المقبلين على استخدام الرمز الشريطي بمنتجاتهم ما يعرّف أكثر بمصدر المنتوج ويضمن نوعيته.
على صعيد آخر، طالب الأمين العام للغرفة الفلاحية الجهات المعنية بإنجاز مخبر محلي وجهوي متخصص في تحليل العسل وتحديد درجة جودته في بادرة لابد منها لبلوغ مرحلة تطابق المنتجات مع المواصفات الدولية والمرور مستقبلا نحو مرحلة التصدير وفق المعايير الدولية المعمول بها، وأشار محدثنا الى أنّ الجهود التي لا يزال يبذلها جموع النحالين بالولاية بوسعها بلوغ هذا المبتغى في آجال قريبة مما سيتيح للمنتجات الفلاحية استدراك الخلل الذي تشهده السوق البترولية العالمية حاليا.
اتفاقيات تنظيمية تصطدم بواقع مرير
دأبت الغرفة الفلاحية على تجديد عمليات التوقيع على اتفاقيات مشتركة بشعار رابح رابح بين جمعية النحالين وجمعيات منتجي الأشجار المثمرة والخضروات خلال مجمل التظاهرات الدورية التي ترعاها الغرفة على مدار السنة، وهي الاتفاقيات التي تنص في فحواها على ضرورة التنسيق بين الطرفين، خلال حملات الرّش بالمبيدات الحشرية تجنبا لظاهرة إبادة النحل أو فقدانه للذاكرة في أبسط الحالات، إلا أنّ ذات الاتفاقيات لم يتم تجسيدها على أرض الواقع لاعتبارات عديدة يأتي في مقدّمتها عدم توحيد فترات الرّش بين منتجي الأشجار المثمرة ومنتجي الخضروات من جهة وعدم التزام الفلاحين باستعمال الأدوية والمبيدات الأقل تأثيرا على أسراب النحل من جهة أخرى، بحيث أشار رئيس المجلس المهني للشعبة ياسين سليمي الى أنّ الأمر يقتضي تظافر جهود الجميع وترسيخ ثقافة معالجة راقية لدى الفلاحين ليس من السهل وضع أسسها على أرض الواقع وليس بديهيا بتاتا بأن تتدخل الغرفة أوالمجلس أو حتى الأقسام الفرعية للمصالح الفلاحية لتنظيم العملية مادام الفلاحون يفتقدون لذات الثقافة التي تجعلهم يدركون كلّ الإدراك بأنّ وفرة الانتاج الفلاحي تعتمد أساسا على التلقيح الطبيعي الذي تنجزه أسراب النحل بالحقول، الأمر يقتضي سعي الفلاح للمحافظة على النحل، في حين أنّ الواقع يشهد بأنّ النحال عندنا لا يزال يدفع ثمن استغلال المكان لنصب منحلة بجوار حقول الفلاحين.
ترقية الشعبة بمساهمة جميع القطاعات
تعتبر سرقة خلايا النحل وتشبع الإقليم وتراجع انتشار النباتات العسلية وعدم تعاون الفلاحين من بين أهم المعوقات التي يعاني منها النحّالون بتيبازة، وهي العوائق التي ظلّت قائمة منذ أمد بعيد دون أن تتمكن الجهات الوصية من تذليلها ومحو آثارها خدمة للشعبة، ومن ثمّ فقد أجمع العديد من النحّالين الذين تحدثنا إليهم بمن فيهم رئيس المجلس المهني للشعبة على أنّ تذليل هذه الصعاب التي يتخبّط فيها النحالون، منذ فترة طويلة، يقتضي تظافر جهود الجميع، بدءا بالمصالح الفلاحية المعنية بوضع استراتيجية واضحة لتجسيد الدعم الفلاحي على أرض الواقع ومحافظة الغابات المعنية بإدراج النباتات العسلية ضمن برامجها للتشجير وإنتهاءً بالمصالح الأمنية ومصالح البيطرة المعنية بتقفي نقل خلايا النحل من موضع لآخر، كما تتطلب هذه الخطوات مجتمعة تجسيد حملات تحسيس وتوعية واسعة النطاق في أوساط الفلاحين والنحالين، على حدّ سواء، في بادرة لابد منهالضمان إنخراطهم في برنامج ترقية الشعبة.
كورونا تؤجّل نشاطات المجلس المهني للشعبة
كشف رئيس المجلس المهني لشعبة النحل ياسين سليمي عن تأثير جائحة كورونا على نشاطات المجلس التي ارتبطت في المرحلة السابقة بالتظاهرات الرسمية لقطاع الفلاحة، إضافة الى تأطير عملية منح التراخيص للنحالين خلال فترة بروز الجائحة، مع الاشارة الى أنّ المجلس تمّ إنشاؤه رسميا، عشية بداية انتشار كورونا مباشرة. كما أشار رئيس المجلس الى أنّ النظرة المستقبلية للشعبة تدرج العديد من القطاعات الفاعلية لتسطير استراتيجية محلية واضحة المعالم لترقية الشعبة، ويتعلق الأمر هنا بالتحديد بإيلاء اهتمام أكبر للنباتات العسلية التي يجب ان تتكفل بعملية غرسها محافظة الغابات والجماعات المحلية والجمعيات، إضافة الى قطاع الفلاحة المدعو لتأطير الفلاحين لغرس أشجار مثمرة عسلية يمكن استغلالها لانتاح العسل، كما أنّ قضية التنسيق المحكم بين النحالين والفلاحين، فيما يتعلق بعمليات الرّش بالمبيدات الحشرية لتجنب موت النحل وفقدانه للذاكرة، وأشار رئيس المجلس أيضا الى أنّ قضية الدعم التي تحظى بها الشعبة من طرف الجهات الوصية تستوجب إعادة النظر من حيث انتقاء المناطق المعنية بتوزيع خلايا نحل مجانية، لاسيما وأنّ الغرفة الفلاحية بالولاية لجأت، خلال السنوات الأخيرة، الى تبسيط إجراءات الحصول على بطاقة نحال الى أقصى حدّ ممكن.
نحو إنشاء تعاونيات خاصة بالشعبة
كشف الأمين العام للغرفة الفلاحية عن إدراج تسهيلات غير مسبوقة بالمرسوم التنفيذي الوارد بالجريدة الرسمية رقم 59 مؤخرا والذي يحدّد كيفيات ومسار إنشاء التعاونيات الفلاحية، مشيرا الى أنّ النحالين مطالبون بالسعي الحثيث من أجل إنشاء تعاونيات على هذا المنوال، وهي التعاونيات التي بوسعها مساعدتهم على حلحلة عدّة إشكاليات قائمة لاسيما إشكالية التسويق التي عانى منها النحالون مرارا ولا يزالون، كما يرتقب بأن توفر ذات التعاونيات فضاءات أوسع لتلقي الخدمات والتزود بالمادة الأولية.
تربية النحل موهبة لدى البعض وغريزة لا تقاوم أحيانا
النحالون ليسوا بالضرورة من فئة الفلاحين، فمنهم أطباء وحقوقيون وأساتذة وأمثال هؤلاء كثيرون وجلّ هذه المراتب المرموقة في المجتمع مرّت على مراحل التكوين بالغرفة الفلاحية، خلال سنوات خلت، ويندرج ضمن هؤلاء المهندس التطبيقي في ميدان الفلاحة بن شرقي مداوار الذي يحوز على أراض فلاحية شاسعة دأب على خدمتها منذ عقود خلت من الزمن، إلا أنّه لم يتمكن من مقاومة غريزة تربية النحل التي أضحت تنقله من عالم الى آخر وتوفر له العديد من أوجه الطمأنينة والتأمّل والأمل، بحسب إعترافاته الشخصية التي نقلناها من منحله بالحطاطبة، بحيث أكّد بن شرقي مداوار بأنّه ليس مهما جني أرباح طائلة من تربية النحل في مرحلة أولى بقدر ما تكمن الأهمية أكثر في تحسيس جميع الفاعلين للانخراط في برنامج شامل يصبو الى ترقية شعبة النحل باعتبارها شعبة ضرورية لاستمرارية الحياة للبشر، مشيرا الى أنّ أكبر خطر يهدّد هذه الشعبة حاليا يكمن في الاستعمال غير العقلاني للمبيدات الحشرية بحيث يتطلب الأمر تدخل الجهات المعنية لتنظيم هذه العملية في أوساط الفلاحين، كما أكّد بن شرقي مداوار على أنّ جميع الفاعلين مطالبون بالتشبع بثقافة غرس الأشجار والنباتات العسلية في مختلف برامج التشجير المحتملة بما في ذلك الخواص والجمعيات والجماعات المحلية، وهي الثقافة التي تبقى حاليا بعيدة المنال وتتطلب بذل جهود أكبر من طرف المجتمع المدني والهيئات المعنية بالقطاع الفلاحي.
ويسترسل في اعترافاته مؤكدا على أنّ علماء العالم يؤكدون على أنّ الحياة ستتوقف كلية بعد 3 الى 4 سنوات من موت أسراب النحل ليبقى بذلك النحل عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه في حياة البشرية، كما أثار محدثنا إشكالية التسويق التي لا تزال تشكل عائقا أمام النحالين الذين لم يتمكنوا من مجابهة ظاهرة استيراد العسل من عدّة بلدان أجنبية في حين يتعرّض العسل المحلي لمضايقات وإشاعات بفقدانه للجودة.
تشبع الإقليم يقتضي التحوّل للولايات الداخلية
أكّد رئيس المجلس المهني لشعبة النحل، ياسين سليمي، على أن جلّ المناطق القابلة لتربية النحل بالولاية أضحت مشبّعة ولم تعد قادرة على استيعاب أعداد أكبر من الخلايا ولاسيما المناطق الشرقية التي تحوّلت الى أقطاب نشطة، الأمر الذي يقتضي التحوّل نحو الولايات الداخلية لإنتاج العسل في حين يمكن أن تخصص أقاليم ولاية تيبازة للتربية والتوّسع. كما أشار الى أنّ المصالح الفلاحية بمعية محافظة الغابات تبقى مطالبة حاليا بتوجيه آليات دعم النحالين نحو المناطق الغربية الواسعة على حساب المناطق الشرقية التي تشهد تشبعا مثيرا وصعب التحكم فيه وهو التشبع الذي أضحى يولّد معارك ضارية بين أسراب النحل خلال فترات تغذيته مما يؤدي الى موت كميات هامة منه، اضافة الى استحالة إنتاج العسل في مثل هذه الظروف.