النقل بين الولايات

الطلبة والأساتذة والموظّفون الأكثر تضرّرا

فتيحة كلواز

تَحوَّل النقل بين الولايات في الأزمة الصحية إلى «استثمار» ناجح، الرابح فيه «الكلونديستان» والخاسر فيه طبعا مواطن يهشم عظامه جشع واحتكار التجار على اختلاف نشاطاتهم، فيتحول إلى فريسة سهلة يتصيّدها اللاّهثون وراء «الربح السريع» في أوقات الأزمات.

وقفت «الشعب» في جولة بمختلف محطات نقل المسافرين على معاناة حقيقية يعيشها المواطن بسبب احتكار أشخاص لا علاقة لهم بالنقل بين الولايات لسوق غير قانونية يقتات «تجارها» من جيوب مواطنين تحولوا منذ سنوات طويلة إلى مجرد مال يجب «الاستيلاء» عليه بأي طريقة كانت.

لصوصية..ممنهجة

اعتبر حسين حاج محمد، موظف بمؤسسة عمومية، توقف نشاط النقل ما بين الولايات مشكلا عويصا أوقع الكثير من المواطنين بين فكي من يحسنون استغلال الأزمات لتحقيق ربحا ماديا معقولا، وقال في هذا الشأن: «من سوء حظي أن حصولي على ترقية تزامن مع الأزمة الصحية الاستثنائية التي تعيشها الجزائر، لأنها استوجبت التحاقي بالمؤسسة الأم بالعاصمة، لذلك أصبح تنقلي الى أهلي وعائلتي كل نهاية أسبوع مشكلة حقيقية، فمنذ شهر مارس الماضي لم أزرهم سوى أربع مرات ارتبطت كلها بمناسبات تستوجب حضوري شخصيا، وعليكم أن تتخيّلوا أنني في كل مرة أجد نفسي تحت وطأة استغلال غير مبرر لسائقي «الكلونديستان» الذين أصبحوا يحددون التسعيرة حسب قانونهم الخاص، لذلك أصبح المسافر يدفع السعر مضاعفا بثلاث مرات، فيمكن مثلا أن تجد نفسك مضطرا إلى دفع 6000 دج، وفي بعض الأحيان 7000 دج ذهابا وإيابا رغم أن التسعيرة الحقيقية اقل بكثير من ذلك».
واستطرد حاج محمد قائلا: «أصبح المواطن فريسة سهلة يتلذّذ كل جشع استغلاله، فلا تاجر يرحم جيوبه المنهكة ولا مسؤول يتفهم غيابه المستمر بسبب انعدام النقل، ولا سائق سيارة يضاعف تسعيرة الرحلة الى ثلاث أضعافها فقط لأنه لا يريد أن يترك فرصة الوباء الذهبية تذهب سدى، رغم أنه ابتلاء وبلاء فيه من الدروس والمواعظ ما تكفينا لترك «اللصوصية الممنهجة» والعودة إلى التراحم والتكافل».
تخلى الكثير من المواطنين عن زيارة أهلهم، خاصة أولئك الذي يقطنون في ولايات بعيدة كالجنوب الجزائري والمناطق الحدودية، حيث قالت «نعمة - ت» (ماكثة بالبيت من العاصمة) إن الرحلة الى ولاية تبسة أصبحت من المستحيلات السبع بسبب الغلاء الفاحش في التسعيرة، متسائلة في هذا السياق عن دور الرقابة، خاصة وأن المتحكّمون في «سوق التسعيرة» أشخاص غير مرخص لهم بالعمل في نقل المسافرين هم مجرد «كلونديستان» أحسنوا فن السرقة في وضح النهار وبرضى الزبون، الذي يجد نفسه مضطرا الى الدفع لسبب او آخر.
الأستاذ الجامعي بين مطرقة الإدارة وسندان «الكلونديستان»
وصفتها بالمعاناة الحقيقية حتى قبل حظر النقل ما بين الولايات، فما بالك في زمن الازمة الصحية، حيث ردت أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قسنطينة 2 حفيظة بن دحمان عن سؤال «الشعب» قائلة: «بالنسبة لي المعاناة كانت موجودة حتى قبل الحظر الصحي، بسبب بُعد المسافة بين مقر إقامتي ببومرداس، ومحل عملي بجامعة قسنطينة (500 كلم تقريبا). فلكم أن تتخيّلوا كيف زادت الأمور سوءا مع توقف النقل ما بين الولايات! فالتنقل من بلدية إلى أخرى مجاورة أصبح مشكلة، أما قطع خمس أو ست ولايات، بين كل واحدة منها وأخرى حجر صحي فحدث دون حرج؟!»، وأوضحت الأستاذة: «رغم كل تلك الظروف أجبرتنا إدارة الجامعة على الحضور، حتى وصل الامر الى أن أرسلت إعذارات للمتغيبين من الأساتذة ضاربة عذر الحجر الصحي كتبرير عرض الحائط.»
وواصلت حديثها قائلة: «الطريقة الوحيدة للتنقل بالنسبة للكثيرين كانت سيارات أجرة غير نظامية (فرودور)، أنا لم أسافر فيها لأنها غير آمنة عليّ كامرأة، لكن بعض زملائي سافروا فيها وقالوا أنهم دفعوا لأصحابها ثلاثة أضعاف المبلغ العادي مقابل مقعد واحد، كما توجد سيارات أجرة نظامية تعمل في النقل بين الولايات في الخفاء بنفس طريقة ونفس سعر السيارات غير النظامية، لكنها أكثر أمنا من «الفرودور» على اعتبار أن أصحابها معروفون».
واستطردت المتحدثة قائلة: «لدي زملاء (رجال) من ولايات أخرى يتنقلون مع تجار، أو أي شخص يكون مسافرا لوجهتهم يأتون معه (stop) لكنها طريقة فيها مشقة ومحفوفة بالمخاطر، لأن المسافر لا يعرف مع من يركب، زيادة على أنها مكلّفة، فغالبا ما يدخل الزبون في مساومات مرهقة مع صاحب السيارة الذي يستغل الظرف والحاجة للظفر بدنانير إضافية».
وأضافت حفيظة قائلة: «أول مرة تنقلت فيها إلى قسنطينة خلال الحجر أجّرت مع زميلين سيارة خاصة (آمنة) مقابل مبلغ مالي باهظ تشاركنا في دفعه، وآخر مرة تنقلت فيها هذا الأسبوع كان عن طريق الطائرة، بعد عودة الطيران للنشاط، طبعا كانت آمنة ومريحة جدا، لكن يبقى سعر التذكرة مرتفعا»، وأكدت أن الأساتذة البعيدين عن مقر عملهم واقعون بين مطرقة الحجر الصحي وسندان الإدارة التي لا تتسامح في أي تأخير أو تغيب، فتعامل الأستاذ البعيد كالأستاذ القريب، المهم هو سير العمل، أما ظروف الأستاذ الاجتماعية لا أحد يأخذها بعين الاعتبار!».
يجب أن لا ننسى الطلبة الجامعيين الذين يشكّلون الشريحة الأكثر تضررا من غياب النقل ما بين الولايات بسبب غياب دخل ثابت يؤمن لهم المال الكافي لدفع ما يطلبه «الكلونديستان»، حيث زاد توقف نشاط خطوط السكة الحديدية الطين بلة.

«كورسة» بـ 15 ألف دج؟!

أجابت حبيبة عن سؤال «الشعب» بكثير من الحسرة قائلة: «أصبح النقل ما بين الولايات حكرا على أشخاص متطفلين على النشاط، فكل من يملك سيارة تحول الى ناقل ما بين الولايات، ما جعل الأسعار ملتهبة تصل إلى 2 أو 3 أضعاف الأجرة الرسمية، مثلا سعر رحلة شخص واحد من العاصمة الى وهران في الأوقات العادية 1300 دج لتصل في ظل الازمة الصحية الى حدود الـ 3000 دج، أما «كورسة» (التوصيلة) في نفس الوجهة فتتراوح بين 12 ألف و15 ألف دج. الغريب في الامر ان بعضا من المسبوقين قضائيا دخلوا في الخط ليحدّد كل واحد منهم قانونه الخاص، فهم يتدخلون حتى في نوع السيارة التي تقف أمامهم، حيث يتم استجواب سائقها بشكل دقيق وكأنه داخل غرفة تحقيق، أما الرسائل فحدّث ولا حرج لأن نقلها من ولاية الى أخرى يتراوح بين 1000 و1500 دج للرسالة الواحدة، وعندما تسأل عن السبب يجيب «الحجر المنزلي وخطر المهنة؟! والغريب ان جميع الناقلين متفقين حول السعر».
ولاحظت حبيبة أن بعضا من سائقي سيارات الأجرة ما بين الولايات المعتمدين يشتغلون هم أيضا في السوق الموازية، لكنهم يصطدمون مع مافيا النقل الذين يمنعونهم من الوقوف في الأماكن التي احتكروها، خاصة في موقف السيارات بـ «رويسو» بالنسبة للغرب والوسط، وخارج محطة خروبة المخصصة للشرق والجنوب الشرقي، ما يعني وجود شبكة تتحكم في النقل ما بين الولايات تعمل بطريقة غير قانونية ليصبح المواطن رهينة جشعهم وتطاولهم على القانون.

الفضاء الأزرق للتواصل مع الزبائن

يكفي أن تكتب «طاكسي جماعي للنقل ما بين الولايات» لتجد أمامك عشرات الصفحات على فايسبوك، يعرض فيها السائقون خدماتهم على الزبائن من خلال تحديد الخط أو الوجهة ووقت انطلاقها بالإضافة إلى رقم الهاتف طبعا لمناقشة السعر، وقالت حبيبة في هذا الصدد إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أهم وسيلة لعرض هذه الخدمة، لكنها غير مضمونة ففي كثير من الأحيان يجد الزبون نفسه ضحية تلاعب أحدهم أجبره على الانتظار لوقت طويل رغم أن الوقت كان أول ما يتم الاتفاق عليه بينهما، فيما يجد البعض الآخر نفسه رهينة مزايدات وإخلال بقيمة السعر، حيث يرفعها بمجرد صعوده السيارة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024