مرضى يصابون بمضاعفات خطيرة وآخرون توفّوا بدون إنقاذهم
غياب الحس التضامني للقطاع الخاص زاد من معاناة المرضى
وزارة الصحة مدعوة للتدخل لوضع حد لهذه التصرفات
لم يكن متوقّعا أن يغيب الحس التضامني من القطاع الخاص مع الشعب الجزائري في أصعب مرحلة تمر بها البلاد، في وقت تجنّدت فيه الكثير من القطاعات لمواجهة أزمة كورونا، إذ استغلّت أغلبية العيادات الخاصة ومراكز التصوير بالأشعة الارتفاع المحسوس في عدد الإصابات اليومية لتفرض أسعار خيالية عن فحوصات الكشف عن الفيروس سواء ما تعلق بفحص «بي.سي.آر» أو السكانير أوتحاليل دم «المناعة».
بعد تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا في الفترة الأخيرة متجاوزة عتبة 1000 بما فيها ارتفاع عدد الوفيات بشكل يثير مخاوف الجزائريين أكثر من أي وقت سابق، زاد غلاء الفحوصات المتوفرة حاليا على مستوى العيادات الخاصة والمخابر من معاناة المرضى أو المشتبه في إصابتهم بالفيروس، الأمر الذي منع الكثير من المواطنين من تشخيص حالتهم وتسبّب في إصابة بعض المرضى بمضاعفات خطيرة وصلت إلى الوفاة.
«الشعب» تقرّبت من بعض المواطنين الذين عاشوا كابوسا مرعبا بسبب معاناتهم مع أعراض وعلامات تدل على فيروس كورونا دون قدرتهم على التأكد من حقيقة إصابتهم بكوفيد-19، نظرا لالتهاب أسعار الفحوصات في المراكز الخاصة وعدم قبولهم في المستشفيات العمومية، حيث أكّدوا أن عدم إجراء الكشوفات اللازمة سببه رفع التسعيرة بعد أن كانت في بداية الجائحة في متناول الجميع، والأخطر أن بعض المرضى توفوا بسبب تأخير العلاج.
وأكّد «سامي تركي» أنّ والدته التي تعاني من مرض ارتفاع الضغط الدموي المزمن، ظهرت عليها أعراض الاصابة بفيروس كورونا منذ أيام في شكل صداع حاد وآلام في العضلات وسيلان أنف وسعال، ولكنها رفضت القيام بفحوصات كورونا بسبب غلاء الأسعار، واضطرت الى أخذ العلاج بالمنزل بعد اقتناء الأدوية المخصصة لفيروس كورونا من الصيدلية.
وأوضح سامي أنّ عدم إجراء فحوصات الكشف عن كورونا يجعل الجميع في حالة من الشك والخوف، من أن تتعقد حالة والدتهم في أية لحظة، خاصة وأنهم يجهلون حقيقة ودرجة الاصابة بالرغم من ظهور علامات خفيفة، لاسيما وأن إصابتها بمرض مزمن يجعلها أكثر عرضة لمضاعفات الفيروس، مشيرا إلى أنها التقطت عدوى الفيروس بعد أن أصيب أخوهم بالمرض وهو الذي يعمل في صالون حلاقة ويحتك بشكل دائم بالزبائن.
من جهتها قالت «سمية-ب» إن جميع عائلتها أصيبت بفيروس كورونا حسب الأعراض التي ظهرت عليهم، إلا أنهم عاشوا أياما صعبة بسبب خوفهم الشديد من أن تسوء حالة والدهم الذي يبلغ من العمر 70 سنة، ويعاني من أمراض أخرى، فسارعوا الى اجراء فحص تحاليل الدم للكشف عن حقيقة الاصابة باحثين عن أرخس وسيلة تشخيص مقارنة بالسكانير و»بي سي آر»، مضيفة أن التحاليل أثبتت اصابته بالفيروس، وعلى إثرها باشر في أخد العلاج في المنزل.
وروت لنا مواطنة مأساة تعرض لها أحد أقربائها بسبب الغلاء الكبير لفحوصات الكشف عن فيروس كورونا، وهو شخص مسن ظهرت عليه أعراض المرض من حمى، تعب، آلام في الجسم وسعال، وبما أنه من عائلة فقيرة لم تتمكن عائلته من اجراء له فحص «بي.سي.آر» كونه يصل الى 15000 دج في أغلبية العيادات الخاصة، وكذلك الفحص باستعمال السكانير،حيث ساءت حالته الصحية تدريجيا الى أن توفى في المنزل.
واشتكى أغلبية المواطنين خاصة بالجزائر العاصمة من غلاء تسعيرة الفحص بـ «بي سي آر» وبجهاز سكانير والتي تصل الى 8000 دج للفرد الواحد في العيادات الخاصة ومراكز التصوير الاشعاعي بعد توجيههم من المستشفيات العمومية لعدم وجود أجهزة تشخيص تلبي جميع الطلبات، خاصة مع ارتفاع مستوى الاصابات بالفيروس، مؤكدين أن الأزمة المالية التي تعيشها أغلبية العائلات الجزائرية بسبب الجائحة تمنعهم من تسديد هذه المبالغ الخيالية لتشخيص الفيروس ما يعرض حياتهم الى خطر كبير.
عيادات تفرض أسعارا خيالية
يستغل أصحاب العيادات الخاصة ومراكز التصوير بالأشعة تزايد عدد الاصابات اليومية، والمنحى التصاعدي للوباء في الجزائر لفرض أسعار خيالية عن فحوصات الكشف عن فيروس كورونا، والتي لا يستطيع أغلبية المواطنين دفعها في ظل البطالة الإجبارية التي يعاني منها الكثيرون بسبب اجراءات الحجر الصحي.
وكان الأمر مختلفا في بداية انتشار الجائحة، حيث أثبت الكثير من أصحاب العيادات الخاصة تضامنهم مع الشعب في هذه الأزمة، أين كانت الفحوصات في متناول جميع المواطنين وهي التي وفرتها بعض المراكز الخاصة من بينها مركز التصوير بالأشعة بدرارية وأخرى بالرويبة من خلال إجراء فحوصات السكانير مجانا للمرضى المشتبه في اصابتهم بالفيروس.
وهم الذين شخّصت حالاتهم من قبل طبيب عام ويحوزون على وصفة طبية عكس ما يحدث في الأيام الأخيرة بعد تسجيل ارتفاع في الحالات اليومية، حيث أصبحت هذه الفحوصات تجرى بسعر مرتفع يتجاوز7000 دج.
ومن بين المخابر التي توفر الفحوصات الخاصة بكورونا بأسعار منخفضة قليلا مقارنة بعيادات أخرى مخبر التحاليل قرطبي الواقع بالأبيار، حيث يقدر فحص «بي.سي.آر» بـ 12000 دج، بالاضافة الى مخبر الدكتور ميموني بالعناصر بسعر لا يتجاوز 11000 دج للفرد الواحد، بالمقابل نجد مخابر أخرى فرضت أسعارا «خيالية» كمخبر بيوبلوس الذي يوفر فحص «بي سي آر» بـ 18000 دج .
وفيما يخص تسعيرة تشخيص فيروس كورونا باستعمال السكانير تتراوح ما بين 7000 و10000 دج ،اذ توفرها عيادة «نواصر» بباب الزوار بـ 8000 دج وعيادة نور اوتر الواقعة ببئر توتة التي تفرض مبلغ 9500 دج، في حين ناهز ثمن فحص الفيروس بالسكانير في كل من عيادة «ياكير» بالقبة ومركز التصوير بالأشعة للبروفيسور «يالسي» 10000 دج.
وتعد تحاليل مصل الدم للكشف عن كورونا أخفض فحص للفيروس، حيث لا تتعدى الأسعار في مختلف المخابر والعيادات 3000 دج، وهو المبلغ الذي تفرضه كل من عيادة الأزهر بدالي ابراهيم ومخبر الدكتور زموشي بالرغاية، في حين يحافظ مخبر أوردان بالدار البيضاء على سعر رمزي يقدر ب 1600 دج، ومخبر زروقي بالقبة الذي يوفره بـ 2000 دج ومخبر «يانيل» بقهوة الشرقي بسعر 2400 دج.
عائلات تضطر لكراء واقتناء الأوكسجين
سجّلت الجزائر في الفترة الأخيرة عدة حالات أصيبت باضطراب في التنفس بسبب إصابتها بفيروس كورونا خاصة لدى كبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، ما أدى الى اكتظاظ قاعات الانعاش بمرضى «كوفيد-19» عبر مختلف المستشفيات، حيث اضطرت الكثير من العائلات لكراء واقتناء أجهزة الأوكسجين من الخواص لإسعاف مرضاها في المنازل.
وتسبّب نقص وسائل العلاج لاسيما جهاز الأوكسجين على مستوى المؤسسات الصحية العمومية، في انتعاش تجارة بيع وكراء العتاد الطبي من قبل شركات خاصة توفر أجهزة الأوكسجين بأسعار تنافسية منها المؤسسة المتخصصة في العلاج بالأكسجين والتهوية «أوكسينورزينغ» ونجمة للأجهزة الطبية بالقبة، التي توفر آلة متنقلة للضخ بالأوكسجين للكراء بسعر 5000 دج بحجم 5 لترات، بالإضافة الى مؤسسات أخرى تقوم بكراء الجهاز بسعر يتراوح ما بين 4000 الى 6000 دج لمدة 24 ساعة.
وحسب شركات بيع العتاد الطبي، فإن الاقبال على كراء أجهزة التنفس من قبل المواطنين يفوق اقتناءها، إذ يفضّلون كراءها لفترة محددة بدلا من عملية الشراء بسبب غلاء الأسعار وعدم استعمالها بشكل دائم إلا للضرورة القصوى في حال الاصابة باختناق في التنفس، في حين يتوجه البعض الى شراء آلة الضخ بالأوكسجين تحسبا لأي طارئ.
كما أعرب العديد من المواطنين عن استحسانهم لمساهمة الشركات الخواص في كراء وبيع العتاد الطبي ولو بأسعار مرتفعة، مؤكدين أنها ساهمت في إنقاذ العديد من المرضى الذين يصلون الى حالة متقدمة من الاختناق بسبب الإصابة بفيروس كورونا بعد تنقلهم بين المستشفيات بحثا عن سرير وإسعاف بالأوكسجين، ولكنهم لم يتمكنوا من إيجاد أماكن للعلاج الاستعجالي نظرا لاكتظاظ مصالح الإنعاش بمرضى «كوفيد -19» الذين يحتاجون الى تنفس اصطناعي.
أطبّاء يؤكّدون عدم فعالية تحاليل الدم في إثبات الإصابة
أكّد أطباء أن فحوصات الكشف عن فيروس كورونا باستعمال تحاليل مصل الدم لا تعطي النتائج الصحيحة والمؤكدة في كل وقت، مقارنة بفحص «بي سي آر» والسكانير، موضحين أن القيام بها يخضع لشروط ولا يجب أن يجرى عشوائيا.
في هذا السياق أوضح الدكتور عبد الرحمان محمدي، أن نتائج فحوصات تحاليل مصل الدم لا يمكن الاعتماد عليها دائما في تشخيص الفيروس، قائلا إن الاختبارات السلبية لا تعني عدم إصابة صاحبها وقدرته على نقل العـدوى لغيره.
ونصح بعدم تضييع المال والجهد للقيام باختبار مصل الدم الخاص بفيروس كورونا لأنه لا يكشف عن إصابة المريض من عدمها، ولا يثبت عدم قدرته على نقل العدوى والفيروس لغيره من عدمه خاصة قبل ظهور أعراض المرض على الشخص.
ودعا مسؤولو الإدارات ومديري المدارس والمؤسسات وغيرها ممّن يشترطون على الموظفين تحاليل مصل الدم للكشف عن فيروس كورونا بعدم الاستمرار في طلب إجرائه كون فحوصات «بي سي آر» وحدها الفعالة في إثبات عدم إصابة العمال بالفيروس.
أما الطبيبة العامة الدكتورة «قبلي»، ترى أن إجراء تحاليل الدم لتشخيص والكشف عن فيروس كورونا في الأيام الأولى من حضانة الفيروس في الجسم لن يعطي النتائج الصحيحة، وإنما يشترط أن يكون المصاب بالمرض قد ظهرت عليه أعراض الاصابة بالفيروس لإثبات حقيقة المرض.
غاشي لوناس: «استغلال القطاع الخاص للأزمة أمر غير مقبول»
انتقد الأمين العام للنقابة الوطنية لشبه الطبيين، غاشي لوناس، عدم تضامن القطاع الخاص مع المستشفيات العمومية في مواجهة جائحة كورونا، داعيا الى ضرورة تدخل وزارة الصحة لمراقبة الأسعار التي تفرضها العيادات الخاصة مقابل اجراء فحوصات الكشف عن كورونا.
وقال الأمين العام للنقابة الوطنية لشبه الطبيين في تصريح لـ «الشعب»، إن استغلال أصحاب العيادات الخاصة الأزمة أمر غير مقبول، خاصة وأن العديد من المرضى يموتون يوميا بسبب الفيروس، مضيفا أنه ليس الوقت المناسب لتحقيق الربح السريع، وإنما من المفروض أن تجرى مجانا لفائدة المرضى لاسيما بالنسبة لذوي الدخل المتوسط والمواطن الفقير والعاملين الذين أثرت عليهم الجائحة.
وأشار الى الضغط الذي تشهده المستشفيات العمومية في ظل ارتفاع عدد الاصابات بكوفيد-19 وقلة وسائل التشخيص التي لا تلبي جميع الطلبات، مؤكدا أن أصحاب مراكز الأشعة والعيادات الخاصة استغلوا الفرصة ليوفروها بأسعار مرتفعة ليست في متناول جميع شرائح المجتمع، خاصة فحوصات «بي.سي.آر» التي تعد الوسيلة الأكثر فعالية في تشخيص الفيروس ولكن ثمنها يقدر بـ 14000 أوأكثر، بالاضافة الى الفحص باستعمال السكانير الذي ارتفع الى 8000 دج.
في ذات السياق، دعا لوناس وزارة الصحة الى التدخل لوضع حد لهذه التصرفات غير المقبولة من خلال اتخاذ قرارات صارمة ومراقبة الأسعار التي تفرضها العيادات الخاصة، قائلا إن مواجهة هذه الأزمة الصحية تتطلب تضافر وتكاثف جهود الجميع وتضامن القطاع الخاص مع العام.
مخابر خاصة تستجيب لمقترح الوزارة بتسقيف الأسعار
تتجه مجموعة من المخابر الخاصة نحو تخفيض سعر فحوصات تقنية الـ «بي سي آر» للكشف عن فيروس كورونا، بأزيد من 50 بالمائة، ما من شأنه تخفيف العبء المادي الكبير على المواطن البسيط، وجاءت المبادرة في إطار الاستجابة لمقترح الوزارة الوصية.
وكانت مجموعة من مخابر التحاليل الطبية الخاصة مدعمة من طرف شركة لإنتاج أطقم الفحوصات بتقنية تفاعل بوليمراز التسلسلي «بي سي آر» قد أعلنت عن قرار تخفيض أسعار هذه الفحوصات وعرضها لفائدة المواطنين والمرضى المشتبه في اصابتهم بالفيروس بسعر 8.900 دج للفرد الواحد بعد أن استغلوا التسعيرة القديمة.
وتندرج المبادرة التي تحمل طابعا تضامنيا مع القطاع العمومي في إطار تشجيع شريحة من المجتمع على القيام بالفحوصات كأحد الاجراءات المعمول بها لتسريع العلاج وتفادي الاصابة بمضاعفات خطيرة، خاصة لدى كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وكذا تجنب نقل عدوى الفيروس الى اخرون بسبب جهلهم بإصابتهم.
وأوضحت وزارة الصناعة الصيدلانية أنّ تسعة 9 مخابر معنية حاليا بهذا الاجراء، وتتواجد بكل من الجزائر العاصمة، بجاية، غرداية وتيزي وزو، مؤكدة من جهة أخرى أن مخابر أخرى من مختلف المناطق ستنضم لهذه المبادرة خلال الايام القادمة وهي العملية التي تمت بالتشاور مع وزارة الصناعة الصيدلانية وفي اطار تضافر الجهود وتعبئة الوسائل من أجل مواجهة كوفيد-19، وبهدف تحسين استفادة المواطنين من فحوصات «بي سي آر».