«الشعـب» ترصـد «صيـف عنابة 2020»

بونــة تسابــق الزّمــن لإنقــاذ ما تبقّى من موسم اصطياف

عنابة:هدى بوعطيح

 شواطـئ مكتظّـة ولا تسامـح مع أي إخـلال  الوقايـة

 ألقت جائحة كوفيد 19 بضلالها على القطاع السياحي في عنابة، المدينة التي أغلقت أبواها مدة تفوق 5 أشهر أمام المصطافين والسياح، الذين كانوا يتوافدون عليها من الجهات الأربع للبلاد ومن الخارج.
توقّفت الحركة السياحية في لؤلؤة الشرق الجزائري والمتوسط، وجهة السياح والمصطافين على ممر الأزمنة، لظروف استثنائية تجسيدا للإجراءات الوقائية اللازمة لمجابهة هذا الوباء القاتل، والحفاظ على سلامة وصحة المواطنين..التّفاصيل ترصدها «الشعب».

جوهرة الشرق بونة، التي كانت تستقطب سنويا أكثر من مليوني سائح، تعيش هذه السنة ركودا سياحيا بسبب فيروس أجبر حركة النقل عن التوقف، على اعتبار أنها المحرك الأساسي للسياحة في أي بلد كان، لتتوقّف بعده أغلب النشاطات وتغلق الفنادق أبوابها لغياب الزوار، وتعلن الوكالات السياحية إسدال ستارها إلى إشعار ٱخر.
اليوم وبعد قرار رفع الحجر الصحي تدريجيا، وفتح الشواطئ وأماكن الترفيه والاستجمام أمام المواطنين، تعود عنابة لترفع التحدي وتراهن على ما تبقى من موسم اصطياف في ظل ظروف صحية استثنائية تمر بها البلاد، وعلى وجه الخصوص تطبيق الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، حتى لا تكون هذه المناطق السياحية بؤر لانتشار الوباء. لهذا تمّ توفير الظروف الملائمة من خلال تجهيز الشواطئ وتعزيز الأمن بهدف ضمان راحة المصطافين.

مقداد ثابت: السياحة أكبر المتضرّرين

«الشعب» وقفت على واقع السياحة في عنابة في ظل «كورونا»، طارحة أسئلة على أهل القطاع حول الراهن السياحي وكيفية الإقلاع واستعادة النشاط وتحريك عجلة النمو تجاوزا لتداعيات تراجع مداخيل تساهم فيها المحروقات بنسبة تكاد تكون مطلقة. المسؤول الأول على القطاع مقداد ثابت، وأكّد لنا أن السياحة بجوهرة الشرق بونة تأثّرت كغيرها من القطاعات الاقتصادية تأثرا بليغا بفعل انتشار وباء كوفيد 19 والإجراءات الوقائية التي اتخذتها السلطات العمومية للحد من انتشار الفيروس وفرض حجر صحي على البلاد، مشيرا إلى أنّ قطاع السياحة مرتبط ارتباط وثيقا وأساسيا بقطاع النقل، وتوقف النقل العمومي سواء الجوي أو البحري أو البري، حال بطبيعة الحال دون تنقل الأشخاص، وبالتالي ـ يقول ـ فإن القطاع السياحي سواء ما تعلق بوكالات السياحة والأسفار أو نشاطات الفنادق تتأثر بغياب الزبون.
وأضاف مقداد في تصريح لـ»الشعب»، أنّ العامل الثاني الذي جعل القطاع يتضرّر هو تأثر باقي القطاعات الاقتصادية، وبالتالي تراجع مدخول الأسر الجزائرية، قائلا إن العائلة التي تكون لها صعوبات في الميزانية لا تفكر أصلا في السفر، أو قضاء ليلة في فندق ما.
وواصل مقداد في إعطاء صورة دقيقة عن الوضعية الصعبة قائلا: «منذ مارس الفارط أغلبية الفنادق أغلقت، وبقي فقط البعض منها تم تسخيره لعملية الحجر الصحي، سواء للمواطنين الذين تم إجلاؤهم من خارج الوطن، أو لصالح أطباء وعمال وموظفي قطاع الصحة الطبي وشبه الطبي، وعليه بقيت بعض المؤسسات الفندقية تعمل ولكن باحتشام».
وأضاف مدير السياحة بعنابة، بأنّ وكالات السياحة والسفر توقّفت نهائيا عن النشاط، على اعتبار أن المنتوج الذي تبيعه هذه الوكالات مرتبط بالسفر، وبما أن الحدود مغلقة والسفر الداخلي عليه قيود كبيرة جدا بفعل إجراءات مكافحة الوباء، فقد تكبّدت وكالات السياحة والأسفار خسائر كبيرة، بالرغم من أن العديد منها باعت منتجاتها قبل انتشار الجائحة خلال فترات الربيع، أو عبر رحلات خاصة بالعمرة، وحجوزات مختلفة ليتوقف بعدها النشاط، وأكد أنه بالرغم من أن هذه الوكالات قامت بالدفع لدى هياكل الاستقبال وشركات النقل، إلاّ أنّها وجدت نفسها عالقة في الديون مع زبائنها ومع المؤسسات التي تعاملت معها، وبالتالي يقول مدير السياحة لولاية عنابة فإنّ قطاع السياحة تضرّر تضررا كبيرا.
وبخصوص العامل الثالث، قال مقداد إنّ الهياكل الأخرى المكمّلة لقطاع السياحة على شاكلة المسابح وأماكن الترفيه والمطاعم والمقاهي تعرضت بدورها للغلق، وهو ما أثّر أيضا على السياحة، على اعتبار أن المسافر أو السائح غير مرتبط بالفندق وفقط، وإنما بمجموعة من الخدمات، إلى جانب غلق الشواطئ إلى غاية منتصف شهر أوت، وهو ما أثّر على الحركية السياحية لولاية عنابة.
مع العلم كانت عنابة تسجّل خلال كل موسم صيف في حدود 2 مليون مصطاف وفي بعض الأحيان تتعدّاه، لكن هذه السنة الحالية لم تسجل هذه الأرقام حيث عرفت تراجعا رهيبا بسبب الظرف الصحي الطارئ.
دوريات تفتيش مفاجئة
 عنابة افتتحت شواطئها أمام المصطافين، فعادت الحياة للمدينة التي لا تنام، وسط تدابير وقائية تحرص عليها السلطات العمومية ومنها مديرية السياحة بالدرجة الأولى من أجل تفادي السقوط في بؤرة انتشار الوباء، لهذا كان الإصرار على التطبيق الصارم للبروتوكول الصحي في الشواطئ والمؤسسات الفندقية مع منع الأعراس والولائم والتجمعات الكبرى والمسابح، وأن ما يسمح به فقط هو الإيواء والإطعام في الأماكن المفتوحة، مع ضمان التباعد الجسدي وعدم استعمال المكيفات والمروحيات، وإجبار الموظفين على التعقيم الدوري للأماكن، واستخدام الكمامات ووضع ماسحات للأحذية.
وتعرف المؤسسات الفندقية دوريات مفاجئة للتفتيش، وإذا ما لوحظ إخلال أي مؤسسة بالالتزامات الصحية ستّتخذ الإجراءات اللازمة في وقتها تطبيقا للقاعدة لا تسامح مع المساس بالصحة العمومية وحياة الناس.
الصّحة العمومية أولوية
مشاهد التحدي سجّلناها خلال جولتنا، تحديات يرفعها قطاع السياحة بعنابة لإنقاذ ما تبقى من موسم الاصطياف، حيث يقول في هذا الشأن مقداد ثابت بأن أبرزها هو المحافظة على قواعد التباعد الجسدي والوقاية للحد من انتشار فيروس كورونا، إضافة إلى تأطير موسم الاصطياف في حد ذاته، من خلال الحرص على نظافة الشواطئ وتزويدها بالخدمات الضرورية التي يحتاجها المصطافون، وأضاف إلى أنهم يعوّلون كثيرا على وعي المواطن ومد له يد العون من خلال الالتزام بالإجراءات الوقائية اللازمة.
من جهة أخرى، أكّد مدير السياحة على أنه من الصعب التكهن بعدد الوافدين من المصطافين إلى ولاية عنابة في ظل الظرف الحالي الذي تمر به البلاد، باعتبار أن موسم الاصطياف خلال هذه السنة انحصر فقط على شهر أوت، فلا مجال ـ حسبه ـ لمقارنة هذا الموسم مع المواسم السابقة، وبالتالي «نحن لا نستهدف المصطافين بقدر ما نستهدف الحفاظ على الصحة العمومية»، وقال: «نترك المواطنين بصفتهم شركاء أساسيين في الوقاية مساعدتنا في تجسيد وتطبيق إجراءات الوقاية، على أن تستأنف بعدها الحياة الاقتصادية بشكل عادي، على اعتبار أن الصحة العمومية أهم من أي شيء آخر».
وفي الأخير، وجّه مدير السياحة مقداد ثابت نداءه أولا لمتعاملي القطاع لتطبيق البرتوكول الصحي الذي تتبناه وزارة الصحة والصناعات التقليدية، والذي يشدّد على أن لا تكون هذه المؤسسات بؤرا لانتشار العدوى، وتحافظ على الحد الأدنى من نشاطها لتغطية أعبائها الاجتماعية والاقتصادية، كما وجّه نداءه الثاني للمواطنين والمصطافين الذين يرتادون الشواطئ ومناطق أخرى للاستجمام، أن تكون لهم درجة عالية من الوعي والحفاظ على قواعد الصحة العمومية وقواعد الوقاية من هذا الوباء، على أن يكون الفرج قريبا وتستعيد عنابة حياتها بشكل عادي.
خدمات لاستقطاب الزوار
تعود الحركية إلى جوهرة الشرق بونة، إلى شواطئها، غاباتها ومنتزهاتها، تعود عنابة لتحتضن زوارها ومصطافيها، الذين لم يتوانوا لحظة واحدة لزيارتها بمجرد رفع الحجر الصحي عنها على غرار باقي ولايات الوطن.
عنابة تسابق الزمن اليوم لاستقطاب أكبر عدد من الزوار، من خلال تقديم خدمات ترقى إلى المستوى المطلوب سواء بالنسبة للشواطئ أو أماكن الترفيه، أو على مستوى الفنادق هذه الأخيرة التي تعتبر العامل الرئيس لتقديم صورة مشرفة على السياحة في الجزائر ككل، على اعتبار أن السائح من أولوياته أثناء السفر اختيار المكان المناسب الذي سيحط به رحاله قبل أن يفكّر في أي شاطئ سيبحر.
على هذا المنوال، سجّلنا إقبالا كبيرا للمصطافين من سكان بونة، طوابير لا متناهية للسيارات التي توافدت على شواطئ جوهرة الشرق من الولايات المجاورة، على غرار قسنطينة، قالمة، سوق اهراس والطارف..وجهتهم على وجه الخصوص كورنيش عنابة، والذي لا تتوقف به الحركة منذ افتتاح موسم الاصطياف إلى ساعة متأخرة من الليل.
خلال جولة قادت «الشعب» إلى بعض شواطئ هذه المدينة المضيافة، على غرار «سانكلو»، «شابوي»، «الطوش» و»عين عشير»، اتّضحت لنا الصورة الجديدة لبونة بعد تخفيف الاجراءات الاحترازي بهذه الشواطئ التي تعرف إقبالا للمصطافين، سجّلنا تعزيزات أمنية لمصالح الأمن والدرك الوطنيين لضمان أمن وراحة روّاد هذه الشواطئ، والذين يرتادونها هذه الأيام بكثرة بسبب موجة الحر التي تشهدها عنابة، فلا تخلو من الأطفال والنساء ولا حتى من الشيوخ، والذين بات كورنيش عروس المتوسط ملجأهم للترويح عن أنفسهم.
بالرغم من تعليمات السلطات المحلية بضرورة التقيد الصارم بالبرتوكول الصحي، إلاّ أنّنا وقفنا عند سلوكات غير سليمة لعائلات ضربت بالإجراءات الوقائية عرض الحائط، شمسيات مصطفة جنبا إلى جنب، عدم احترام التباعد الجسدي ولا ارتداء الكمامات، مشكّلة بذلك خطرا حقيقيا على الصحة العمومية، يسجّل هذا نهارا، أما ليلا فحدّث ولا حرج لاسيما عند نقاط بيع المثلجات، والتي تعرف اكتظاظا كبيرا بهدف الظفر بما لذّ وطاب من مشروبات ومرطبات.
يحدث هذا في غياب الرقابة، فجوهرة الشرق الجزائري ولما تتمتع به من شواطئ ساحرة ومناظر جميلة، جعلت منها قبلة للسياح والمصطافين من مختلف جهات الوطن، ويمكن القول إنّ الحجر الصحي الذي عاشته البلاد أزيد من 5 أشهر، ولّد ضغطا غير منقطع النظير لدى العائلات التي لم تجد سبيلا بعد رفع الحجر الصحي سوى الشواطئ والمنتزهات للتنفيس عن الذات، ما ولّد هذه الوضعية غير المسبوقة.
عائلات: التّدابير الصحية فرض عين
 شهادات حية سجلناها بعين المكان. في هذا الصدد قالت لنا عائلة رحماني بأنها حريصة باحترام التدابير الوقائية كالتباعد الاجتماعي، حيث لا تقوم بتنصيب شمسيتها سوى في الأماكن التي لا يكثر بها المصطافون تفاديا للازدحام والذي قد يشكل خطرا عليها وعلى المحيطين بها.
وهو ما أكدت عليه عائلة «تونسي» التي أصرت على ضرورة فرض إجراءات قانونية صارمة على كل المخالفين للإجراءات الصحية، للحيلولة دون تحويل الشواطئ إلى بؤرة وبائية، خصوصا - تقول المتحدثة- أن عنابة عادت هذه الأيام لتسجل تزايدا في حالات الإصابات بفيروس كورونا، ما يفرض مزيدا من الحيطة والحذر.
إحدى العائلات القادمة من سوق اهراس، وجدناها تصب مظلّتها وكراسيها دون احترام التباعد الجسدي، أكّد لنا رب العائلة «أنيس» أنهم من الزوار الأوفياء لبونة، ولا يمكن أن يمر موسم اصطياف واحد دون أن يقضوا فيه أياما بهذه المدينة الخلابة، مشيرا إلى أنّه تفاجأ بالاكتظاظ الذي تشهده شواطئ عنابة، كما أنه لا يمكنه العودة من حيث بسبب مشقة السفر، وبالتالي ما عليه سوى اختيار مكان للاستجمام مع أولاده، الذين سئموا من الحجر الصحي، وهم بحاجة إلى استجمام قبل دخول مدرسي على الأبواب.
إغراءات لاستقطاب الزوار
من جهتها، تعرف المؤسّسات الفندقية بعنابة حركية، بعضها يقدّم خدمات وتحفيزات تأمل من ورائها استرجاع زبائنها، على غرار فندق «الماجستيك» والذي يقدّم لنزلائه تخفيضات استثنائية بـ30 في المائة، وذلك من 15 إلى 30 أوت الجاري، حيث يقترح مسيرو الفندق حجز للغرفة الثانية بنصف السعر. مع العلم أن سعر الغرفة يفوق 10 آلاف دج لليلة الواحدة، كما أن فطور الصباح مجاني، في حين تقدّر قيمة الوجبة بـ 2500 دج ووجبة الأطفال بـ 1000 دج، على أن يبقى حجز عرفة بفندق لمن استطاع إليه سبيلا.
وأعلن فندق «الريم الجميل» بأنّه جاهز اليوم لاستقبال المصطافين الراغبين قي قضاء عطلهم بأريحية بعنابة، وذلك بعد أن وضع المجمع السياحي «بن وهيبة» مع بداية الجائحة أحد فنادقه تحت تصرف السلطات المحلية لولاية عنابة لاستعمالها للحجر الصحي.
وبعد اتخاذ الإجراءات الوقائية من تعقيم، يعود ليستقبل زوّاره من جديد، مبرمجا لهم سهرات فنية متنوعة على سطح الكافتيريا، أيام الأحد، الثلاثاء، الخميس والجمعة، مؤكّدا بأن الدخول مجاني، مع ضرورة احترام قواعد النظافة الصحية من تباعد جسدي وارتداء الكمامات.
من جهته، يعود فندق «المنتزه» بأعالي سرايدي لاستقبال زبائنه، المنتزه في نظر الوافدين عليه يعد تحفة معمارية جميلة، يحتل موقعا إستراتيجيا رائعا، كونه يقبع على رأس جبل مع إطلالة رائعة على البحر.
وأثناء الإقامة في سرايدي يمكن ممارسة مختلف النشاطات الرياضية سواء الجبلية على مستوى الغابة كالمشي أو ممارسة Quad في مسلك غابي جميل، وTyrorienne، Tir en arc  كما يمكن ممارسة ما يعرف بـ parapente وKayak  في شاطئ البحر.
ويقدّم الفندق تحفيزات لزوّاره بأسعار يراها قي متناولهم، حيث يقدّر سعر الغرفة الفردية 8 آلاف دج وسعر الغرفة المزدوجة بـ 7 آلاف دج، أما الإقامة فهي بـ 15 ألف دج.
قرية سياحية بمواصفات عالية
بقي أن نسجّل خلال استطلاعنا حول «صيف عنابة 2020»، أن بونة السّاحرة تعزّزت مرافقها السياحية مؤخرا بقرية سياحية على مستوى بلدية برحال، وستكون إضافة للفضاءات الترفيهية بالولاية، والتي تعاني نقصا في هذا الجانب.
افتتحت «حظيرة بونة « (bona parc)، أبوابها للسكان بأسعار معقولة وخدمات راقية، وهي اليوم تستقبل زوارها مجانا.
مع العلم تتوفر القرية السياحية على عدة أجنحة للعائلات، حديقة تسلية، حديقة الحيوانات وأكبر مسبح في الشرق الجزائري، إضافة إلى مطعم يوفر مختلف الأطباق التقليدية والعصرية مع المشويات وأطباق الأسماك، كافيتيريا عصرية، محل لمرطبات ايطالية، إلى جانب أماكن مخصصة للأطفال مزودة بألعاب، ناهيك على توفير الأمن داخل وخارج القرية سهرا على راحة المصطافين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024