لقيت دعوات السلطات العمومية وإجراءاتها الجديدة الخاصة بإلزامية وضع الكمامات استجابة متفاوتة بين سكان ولاية معسكر، بنفس التفاعل الذي أبداه المواطنون مع الحملات التحسيسية التي أطلقها شباب متطوع وجمعيات محلية للتوعية بأهمية وضع الكمامة، «الشعب»، رافقت هذه الحملات التحسيسية طوال هذه الأيام الأخيرة بمدينة معسكر وبلدية المامونية منذ يومي العيد، وعملت على نقل بعض الانطباعات والصور الجميلة التي وقعها سكان معسكر بوعيهم الجماعي في هذا الاستطلاع.
أصبح وضع الأقنعة الطبية الواقية ضررويا ومن الصور التي طبعت أجواء عيد الفطر، ما يعكس وعي المواطن بالوضع الصحي المستجد، ولو أن صور الوعي ما تزال ناقصة بفعل بعض السلوكات اليومية للمواطنين، إلا أن الزاوية المشرقة لوعيهم الجماعي تمثلت في رغبتهم في الحصول على الأقنعة الواقية.
يقول أحد شباب المامونية «من مصلحتي وضع الكمامة، ليس تجنبا للغرامة المالية لكن حفاظا على صحتي، لكنني لم أجد كمامة، انتظرنا أن توزع الجمعيات علينا الأقنعة لكن ما تم توزيعه لم يكن كافيا»، عقبنا على حديثه بتوجيهه إلى صنع كمامة في البيت، من أي قماش معقم أو مناديل معقمة، وكان انطباعه جيدا، حيث قال محدثنا « إن كانت الكمامات التي تصنع في ورشات الخياطة العادية صالحة ومعقمة، فلما لا، الفكرة لا بأس بها!».
مبادرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكمامات
ومن حيث ما يتطلبه الوضع من تكاتف لجميع الجهود لمواجهة الوباء العالمي المستجد، أطلق مكتب «الشعب» بمعسكر بالتنسيق مع جمعية التواصل المحلية ومكتب الاتحاد النسائي المحلي، مبادرة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكمامات الواقية، تحت شعار «كلنا في مواجهة الوباء»، حيث تتبلور فكرة المبادرة حول تدريب النساء والماكثات في البيوت على صنع الأقنعة القماشية، وفتح ورشات لخياطتها بالأحياء والقرى، والعمل على التنسيق بين بعض الناشطين المتطوعين لتوسيع المبادرة، ولو أن المبادرة ما زالت في خطواتها الأولى إلا أنها لقيت تفاعلا واستجابة بين الراغبين.
تقول لعربي فاطمة صاحبة ورشة للخياطة بمدينة معسكر لـ»الشعب»، أنها سخرت كل وقتها لصناعة الكمامات، بكميات غير محدودة، موضحة أن بلوغ إنتاج ألاف الوحدات من الأقنعة الواقية يحتاج إلى المادة الأولية وهو الأمر الذي وفره للورشة محسنون وشباب متطوع، وتضيف قائلة « سأستمر في صناعة الكمامات وتوزيعها مجانا إذا توفر القماش، لكن الطلب المتزايد على الأقنعة مع إلزامية وضعها يستدعي أن تخيط كل أسرة كماماتها «.
من جهتها، فاطمة مغربي رئيسة جمعية التواصل، عبرت لـ»الشعب» عن استعدادها لتعليم الفتيات والنساء الماكثات في البيوت، تقنيات خياطة الأقنعة، سواء عبر فتح ورشات صغيرة يحترم فيها التباعد الاجتماعي وإجراءات الوقاية أو من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في تنظيم دورات تدريبية افتراضية، تتلقى فيها ربات البيوت كيفية صنع كمامة سواء بطريقة تقليدية أو باستعمال آلات الخياطة.
أما الحرفية نور الهدى بوديسة فقد أطلقت هي الأخرى مبادرة لصنع الكمامات ببلدية عين افكان، في تجربة اعتبرتها تحديا للعراقيل الإدارية التي لاقيتها الحرفيات في هذه البلدية الريفية المعزولة، حيث ذكرت بوديسة نور الهدى أنهن لم يحصلن على ترخيص لفتح ورشة للخياطة، الأمر الذي عطل كثيرا جهودهن في بلوغ إنتاج ألاف الكمامات، رغم ذلك حققت الحرفيات المحرومات من الترخيص نجاحا باهرا، واستطعن توزيع أزيد عن 500 كمامة على سكان منطقتهم يوم العيد.
تشجيع المبادرات الفردية والجماعية
عن ذلك تقول عضو الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات حياة غالمي بن يوسف، أنها تتأسف للإقصاء المتعمد للمتطوعين والمتطوعات في مجال إنتاج وصناعة الأقنعة الواقية وتشجيع كل مبادرة مهما كانت بسيطة، وتضيف، الوضع يتطلب تكاتف الجهود وتضافرها من أجل هدف واحد، ولفتت غالمي في حديثها معنا، إلى العمل الجبار الذي يقوم به شباب الوطن بكامل ترابه منذ تفشي الوباء، قائلة إن الحس المواطناتي تفجر لديهم كما هو الحال في كل المناسبات، وهو أمر ينفرد به الجزائريون عن غيرهم من الشعوب.
أمينة بهلول تواصل «معركتها» ضد الوباء
كعادتها مصالح الحماية المدنية ومصالح أمن معسكر، لم تفوت مناسبة عيد الفطر دون العمل التحسيسي والتوعوي، «الشعب» رافقت مصالح الحماية المدنية بشوارع معسكر والمامونية في الأيام الثلاثة الماضية، في حملة تحسيسية ناجحة كان لها صدى وطني، بل خرج صداها عن نطاق حدود الوطن، بفعل فيديو سجلته «الشعب» لطبيبة عامة بمصلحة كوفيد 19، يوثق لحظة لقاء الطبيبة أمينة بهلول لأبنائها الثلاثة أمام باب بيتها العائلي.
الفيديو، يُظهر لحظات لقاء خاطف لها مع أبنائها بعد 60 يوما من غيابها عنهم، تم تسجيله بعفوية مطلقة، حتى أن اللقاء لم يكن مخططا له، باعتبار أن الطبيبة كانت تقود الحملة التحسيسية برفقة مصالح الحماية المدنية.
وتقول أمينة بهلول عن الفيديو الذي عرف تداولا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، أنها سعيدة أن الفيديو مكّن شريحة واسعة من المواطنين من ملامسة الأوجاع التي يتكبدها الأطباء والممرضين لقاء المحافظة على الصحة العمومية وصحة أهلهم ومحيطهم الاجتماعي في معركتهم ضد فيروس الكورونا.
وأشارت أن لقاءها الخاطف بأبنائها الثلاثة من خلف باب بيتها العائلي، لم يكن مبرمجا ولا مخططا له، يذكر أن الطبيبة قد قررت الخروج في حملة تحسيسية يوم عيد الفطر بشوارع مدينة معسكر، لتوعية المواطنين بضرورة الالتزام بالقواعد الصحية الأساسية لتجنب تنقل العدوى بينهم، كانت مرفوقة يومها بممثل عن مصالح الحماية المدنية وزميلة لها مختصة في الأشعة، إضافة إلى «الشعب» التي رافقت الحملة التحسيسية ووثقتها في فيديوهات تحسيسية مسجلة.
وأثار فيديو هذا اللقاء، مشاعر الجزائريين يوم العيد، وتفاعلت معه أوساط إعلامية عديدة إضافة إلى الملايين من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي عبر التراب الوطني معبرة بهلول عن أملها في نجاح المعركة التي تخوضها الجزائر ضد الفيروس المستجد مثلها مثل باقي دول العام، بالاعتماد على الوعي الجماعي للمواطنين بخطورة الوضع الصحي وتداعياته السلبية على الاقتصاد الوطني.