تعيش عاصمة الأوراس على وقع الصدمة، منذ إعلان اللجنة الوطنية لرصد ومتابعة وباء كورونا عن وضع باتنة ضمن قائمة الولايات الـخمس التي سجلت أعدادا كبيرة في الإصابات، لتؤكد حالة الإهمال واللامبالاة التي ميزت سلوك غالبية الساكنة تجاه الوباء القاتل، حيث سجلت المصالح الطبية المختصة، أول أمس، أكبر حصيلة في عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كوفيد -19 بـ14 حالة، منذ بدأ انتشار الفيروس الغادر، ما ينذر بخطر داهم حال استمرار نفس السلوكيات وعدم أخذ الإجراءات الاحترازية والوقائية على محمل الجد.
رغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها مختلف الجهات المعنية بمحاربة فيروس كورونا بولاية باتنة، إلا أن عدم استجابة أغلب المواطنين بالشكل الدقيق للنصائح والتوجيهات المتعلقة بالتزام البيوت وتطبيق الحجر وما رافقها من إجراءات احترازية، شوّش على هذه المجهودات الجبارة، حيث سجلت المصالح الصحية، ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات المؤكدة ، إذ بلغت 109 حالة مؤكدة، في الوقت الذي كشفت التحاليل عن طريق الأشعة والسكانير عن 126 حالة محتلمة من أصل 160 حالة مشتبه فيها أخضعت لهذا النوع من التحاليل، كما أفاد عبد السلام فريد المدير الولائي للصحة والسكان.
وقد خضع بعض المصابين لبروتوكول العلاج الجديد بدواء كلوروكين، الذي أثبت نجاعته بشفاء 42 حالة غادرت المستشفى، كان آخرها 6 حالات بمستشفى مصطفى بن بولعيد بمدينة أريس، وخلو المستشفى من إصابات كورونا نهائيا، بعد مستشفى ثنية العابد حيث تحكمت هذه المؤسسات الإستشفائية في الوباء، إلى الوقت الحالي على الأقل.
50 تحليلا يوميا بمركز مكافحة السرطان
وبالعودة إلى الارتفاع»المخيف» في عدد حالات الإصابة، أكد مدير القطاع أن دخول المركز الجهوي لمكافحة الأمراض السرطانية بولاية باتنة، حيز الخدمة لإجراء أولى عمليات تحليل فيروس كورونا، بعد اعتماده من طرف وزارة الصحة، ضمن الشبكة الوطنية لمخابر تشخيص كوفيد- 19، ساهم في ظهور هذه الحالات.
المخبر الرائد وطنيا في مكافحة الأمراض السرطانية، يضم عتادا وأجهزة طبية جد متطورة كانت تستخدم لتحاليل التهاب الفيروس الكبدي، يشرف عليه طاقم طبي كامل من أطباء مختصين، يؤطرهم البروفيسور كاسح لعور أحمد، حيث تم إجراء أول حالات الكشف عن الفيروس بحضور الوالي توفيق مزهود.
وسيقوم المخبر، حسب مدير المركز ماضوي عيسى، بإجراء 50 تحليلا يوميا، خاصا بالكشف عن فيروس كورونا، مع إمكانية رفع القدرات أكثر، كلما استلزم الأمر ذلك، وبذلك، يعد هذا المخبر الثاني ولائيا بعد الترخيص من معهد باستور لمخبر خاص لصاحبه مراد ساعد لعود، لإجراء تحاليل كشف الفيروس، لما يتوفر عليه من إمكانيات وتجهيزات حديثة خاصة بالتحاليل التي تجرى مجانا، في إطار مساهمة المخبر في المجهودات الوطنية لمجابهة كورونا، علما أنه المخبر الوحيد وطنيا التابع للخواص المرخص له بإجراء التحاليل.
وكان مخبر المركز الجهوي لمكافحة السرطان بباتنة، قد حظي بترخيص من معهد باستور لإجراء التحاليل، بعد نداءات كثيرة وجهتها ساكنة الولاية للوزارة الوصية بضرورة اعتماد المركز لتخفيف العناء عن المواطنين، والاستعجال في كشف نتائج التحاليل التي كانت تستغرق من قبل أياما لمعرفة نتائجها، نظرا لنقل عينات منها إلى معهد باستور بالعاصمة.
وكان الوالي قد التقى بأطباء المركز مثمنا المجهودات الكبيرة التي يبذلونها في التكفل بالمرضى، الأمر الذي ساعد - حسبه- في استقرار الوضعية الوبائية، من خلال عدم تسجيل أية حالات وفيات جديدة منذ أسابيع يضيف ذات المسؤول.
كما أشار بخصوص عدم التصريح بالحالات المؤكدة المسجلة يوميا، إلى أن اللجنة الوطنية لرصد ومتابعة فيروس كورونا هي الجهة الوحيدة المخولة وطنيا للحديث عن الوضعية الوبائية بالولاية، في مقابل تسجيل تطور ملحوظ في عدد الحالات المصابة بالفيروس حسب مدير الصحة.
محلول الكشف يصنع محليا
الجديد في الوضعية الوبائية للفيروس بباتنة، ما حققه فريق طبي بمركز مكافحة السرطان، الذي تمكن بعد عدة تجارب من إنتاج الوسط الناقل لعينات كورونا، حيث تم تصنيع أزيد من 5 آلاف وحدة، حسب رئيس المخبر البروفيسور أحمد كاسح لعور المختص في علم الميكروبيولوجيا، والذي يعتبر أحد أكفأ الأطباء في هذا المجال وطنيا.
هذا المحلول الهام كان يستورد من الخارج وأصبح بفضل هذا الإنجاز ينتج حاليا بالمخبر البيولوجي التابع لـ»الكاك» بباتنة، الذي يتوفر أيضا على غرار جهاز مخبري بيولوجي نووي يستعمل في تحاليل زرع الكبد، حيث كان المركز سابقا يلجأ لمعهد باستور لجلب وسائل الكشف بكميات محدودة لا تتعدى 20 وحدة.
وتم في إطار الإجراءات التي اتخذها «الكاك»، تخصيص رواق للحالات المشتبه بها وإخضاعها للعناية الطبية من طرف فريق طبي خاص يتولى مهمة توجيه المرضى، وفي حال التأكد من تسجيل إصابة بالفيروس، يتم تحويل المصاب مباشرة إلى المصالح الاستشفائية المختصة، بعيدا عن المركز، لتفادي انتقال العدوى لباقي المرضى.
وعن فائدة هذا المصل الجديد المنتج محليا، أوضح البروفيسور كاسح لعور أنه ضروري لنقل عينات المشتبه بإصابتهم بالفيروس، حيث يحافظ على بقائه حيا وبالتالي يساعد في تسريع التشخيص وتحديد الإصابات المؤكدة ومن ثمة إخضاعها للعلاج، كما أن المخبر ينتج كميات كبيرة تلبي احتياجات الولاية وبعض الولايات المجاورة وبالإمكان تحضير كميات أكبر كلما استلزم الأمر ذلك.
ارتياح لغلق المحلات التجارية
في سياق آخر، رصدت «الشعب» بعض انطباعات المواطنين عقب ارتفاع حالات الإصابة المؤكدة، حيث أكد أغلب من تحدثنا إليهم أن «الإقبال غير المسؤول»، للمواطنين على المحلات التجارية التي تم فتحها، الأسبوع الماضي، لتخفيف إجراءات الحجر، سارع في رفع النسبة نظرا لعدم احترامهم لإجراءات الوقاية كالتباعد الإجتماعي واحترام مسافة الحماية ... وغيرها.
وكانت السلطات الولائية، سخرت القوة العمومية لإزالة أسواق فوضوية، تسببت في عرقلة حركة المرور وحولت جوانب الطرقات إلى مفرغات مفتوحة على الهواء، مسببة تلوثا للبيئة وكذا احتمال تحولها إلى بؤر يمكن أن تتسبب في انتشار فيروس كورونا، لعدم التقيد بإجراءات الوقاية منه.
ويتوقع المواطن «ش.ر» انتقال الولاية من إجراء الحجر الجزئي إلى الكلي في حال استمرت حالات الإصابة في الإرتفاع، منددا بتصرفات بعض المواطنين في الاستخفاف بفيروس كورونا واعتقادهم بتجاوز الولاية لذروة الوباء وهو خطأ كبير يهدد الصحة العمومية يضيف المتحدث.
أما «ل.س» فثمن قرار السلطات بإعادة غلق المحلات التجارية وتعليق نشاطات محلات صناعة الحلويات وبيع الملابس بعد حالة التسيب والفوضى الكبيرة التي شكلت هاجسا، بسبب عدم الالتزام بتدابير الوقاية، حيث تم تسجيل توافد غير مسبوق للمواطنين على المحلات دفعة واحدة، خاصة محلات الحلويات وبيع الملابس والأحذية وتدافعهم رغم تحذيرات السلطات الصحية.
بدورهم التجار حسبما وقفت عليه «الشعب» خلال جولة استطلاعية، سجل استجابتهم الكلية لإجراءات الغلق الجديدة التي اتخذت، في حين محلات أخرى أكد أصحابها أنهم سيتوقفون عن النشاط تدريجيا، خوفا من تلف بعض منتجاتهم التي حضروها مسبقا.
وتتواصل ميدانيا حملات التعقيم والتحسيس بخطورة كورونا، حيث رافقت «الشعب»، مصالح وحدة الحماية المدنية لدائرة عين التوتة، بالتنسيق والتعاون مع بعض فعاليات المجتمع المدني كجمعية بانوراما للسينما والثقافة والمكتب المحلي للهلال الأحمر الجزائري في خرجة ميدانية إستعملوا فيها مكبرات الصوت، لدعوة المواطنين لإلتزام منازلهم وإدراك مخاطر الوباء في حالة الاستخفاف بالفيروس.
وتم خلالها، القيام ببعض النشاطات المتعلقة بالوقاية وعمليات تعقيم وتطهير باستعمال مواد معقمة صديقة للبيئة مست عدة منشآت وهياكل عمومية وخاصة الأسواق التجارية، حيث تم تجنيد العامل البشري وكافة الوسائل اللازمة، في إطار الوقاية كما أوضحه عمار محمدي عضو جمعية بانوراما، بأنها عملية تعقيم وليست تنظيف، لأن هناك من كان يعتقد أن الحماية تقوم بعملية تنظيف، والحقيقة أن مهمتهم تتمثل في التعقيم، حيث أخذ الأعوان على عاتقهم الحيطة والحذر بإتباع نظام التعقيم المستمر، قبل الخروج إلى مهمتهم والعودة منها.
3375 شخص خالفوا الحجر و524 مركبة في المحشر
رغم المجهودات المبذولة ميدانيا لمجابهة الفيروس إلا أنها تبقى مهددة، نظرا لبعض السلوكات التي يقوم بها مواطنون كعدم التزامهم بإجراءات الحجر المنزلي، حيث سجلت مصالح أمن الولاية، بجميع وحداتها العملياتية الموزعة عبر كامل إقليم الاختصاص، خلال فترة تطبيق إجراءات الحجر الصحي على مدار شهر كامل، مراقبة 4636 مركبة، حولت منها 524 إلى المحشر لمخالفة أصحابها إجراءات الحجر التي تهدف أساسا إلى الحد من تفشي الوباء المعدي.
ذات المصالح تتعامل بصرامة في مواجهة المخالفين لإجراءات الحجر حفاظا على صحتهم وسلامتهم، بعد أن لاحظت تهاونا ولا مبالاة كبيرة منهم، الأمر الذي حتم تكثيف تواجدها الأمني الميداني وتسطير مخطط لمواجهة مختلف المخالفات المحتملة وكيفية التعامل معها موازاة مع حملاتها المستمرة في التوعية بمخاطر الفيروس وكيفية الوقاية منه.
وسجلت المصالح الأمنية مجموعة من العمليات تمثلت في مراقبة 85 دراجة نارية حولت 51 منها إلى المحشر، في حين تم مراقبة7231 شخص، تم تسجيل مخالفة 3375 شخص منهم لإجراءات الحجر.
وأوضحت في بيان لها مواصلتها مجهودات التعبئة لمجابهة الفيروس، من خلال تسخيرها لكافة الإمكانيات المادية والبشرية للتطبيق الأمثل والناجح لإجراءات الحجر الصحي، على مستوى كامل إقليم الاختصاص، داعية المواطنين للالتزام بأقصى درجات الحيطة والحذر وتطبيق الاحتياطات الصحية اللازمة مع الالتزام بمواقيت الحجر الصحي الجزئي.